عطر الوردة – إيمان عبد الحسين

ميسلون هادي: الواقع  في عطر الوردة

ايمان عبد الحسين

June 29, 2016

جريدة الزمان

نشرت أيضاً في موقع الناقد العراقي بتاريخ 2-5-2014

ما لاشك فيه ان الحياة تعد منجماً مليئاً بالصور وتمثل مرجعا اوليا للكاتب الذي لا بد ان يكون بينه وبين هذه الصور من روابط ، اذ ان كل ما ينسجه خياله يتاتى من عملية رصده للصور العديدة المتجلية عن هذا الواقع والمنعكسة في تنوعها عن وجه نظره ومواقفه الاجتماعية والثقافية والاديلوجية، اي انها محاكاة للواقع منتقاة يمتح الكاتب ما يريد اخذه من عناصره ويتستقى من مفرداته ومكوناته، ولكن ضمن هذه المعطيات لا بد ان تكون عملية الخلق الفني تحيل إلى تصور واقع معين أكثر مما ترسم الواقع على حقيقته الموضوعية وحسب د. محمد غنيمي هلال  انه عالم (لا يقف عند حدود ظواهر الأشياء بل يرصد ما هو جوهري فيها) ، اضافة الى ان قضايا الواقع لا سيما القضايا الأخلاقية والاجتماعية التي كانت قد شغلت بالَ المثقفين والمشتغلين في حقل الادب والفلسفة منذ القدم وحتى يومنا هذا تتبع حتما و تؤكد على خصوصية كل كاتب في ما تطرحه افكاره ورؤاه، وتبعاً لموضوع الذي يريد ابرازه ويحاول استقراءه وان هذا يثبت بان الكاتب لكي يصل الى طرح ما يريد طرحه كان لزمنا من وجود وعي يوجه لذلك ، وعي يستمد أسسه من طبيعة اشكاليات الواقع الذي تواجه الكاتب في سياق اجتماعي ينتج من ذاكرة تشير صوب (وجود وعي بالتاريخ/ أو وعي تاريخي ما، وبالتالي تشير إلى وجود حتمي لتاريخ للوعي؛فلا ذاكرة تاريخية بلا وعي ثقافي، ولا وجود لواعية ثقافية دون ذاكرة تاريخية)  فيحاول الكاتب ابرازالواقع وتكريسه باعتباره المرجعية الأولى والحامل الرئيس للموضوعات والمضامين والأحداث، ويمكن القول إنّ الكاتب الذي يصف هذه الحياة لا بد ان يكون كاتبا قادرا على رصد واقع كان قد عايشه وإذا تفحصنا واقعنا المعاصر أدركنا ان صوره عديدة لا تحصى واكثرها تنظر الى الواقع نظرة قاتمة والذي تحاول القاصة ميسلون هادي في قصة (عطر الوردة)  من مجموعة (ماما تور بابا تور) الصادرة بالقطع المتوسط عن دار الشؤون الثقافية العامة تتبعه لا سيما انها ، من الكتاب الذين يحققون وعيهم عن طريق تجليات نتاجهم الفكري الذي يرتبط ويرصد الحياة والواقع من حولهم، فتحاول القاصة هنا إلى اختزال الموضوعات التي تحاكي الواقع إلى قيم رمزية ذات دلالات تحاول فيها الانسلاخ عن المألوف ، و اختراق لما هو كائن من اجل العبور إلى أفضية متخيلة ، فتلجأ إلى مقاربة تظهر الخطاب البصري الدلالي من خلال التحول الشكلي وامعانا في تقريب صورة الواقع التي تريد طرحه اكثر فانها تسعى ان تجعل من كل عنصر وسيلة لا يصال ما تريد ايصاله وإذا حاولنا تلخيص الصفات التي تسبغه القاصة على الواقع الذي تناولته في قصة (عطر الوردة) سنجد ان الواقع القاتم والمعتم الذي اصابه ما اصابه من الشروخ والتصدعات يحتل مساحة واسعة في القصة (ضوء الشمس الذي بدأ يخلي مكانه لظلام المساء، جعل الغرفة تبدو كوجه أسود  )( لا أرى في الظلام .أين هاتفي؟) (سأسحب الستائر وأتأكد من إغلاق النوافذ بإحكام).  وبهذا فان القاصة ميسلون هادي تحاول استحضار الواقع بغرائبية تتناسب مع غرائبية الواقع الاني ولا سيما اذا كان هذا الواقع قريبا ولا تفصلنا عنه سوى بضع سنوات قليلة، وبالنظر لحجم التحولات التي مست هذا الواقع خاصة حين اشتدت وتفاقمت حالة الصراع بفعل ما طرا على الواقع من تحولات وتغيرات سريعة ، مّا يجعل مهمة القاصة تنحصر في الحكم على الواقع من خلال تمثيله بصورة غرائبية فنتازية تحايث الخيال العلمي ولكن يبقى في صلب الواقع الاني ويبقى مطلا ومستشرفا على المستقبل، فهذه القصة رغم غرابتها فهي تكاد تكون ذات ملامح متقاربة إلى حد ما، مع الواقع المعاصر وان القاصة وهي تحاول رسم صورة قاتمة للحياة في ظل واقع قاتم يطغى عليه الشعور بالقهر والخوف تحيل الى الوضع التي فرضته ظروف الحياة المعاصرة، والتي جعلت من هذه الثيمات تنبثق، ولا سيما في هذه القصة التي تبدو فيها الإشارة إلى الحروب التي مرت على البلد والتي مهما حاول الكتاب النهل من صورها فان المعين لا ينضب، فان ما تطرحه القاصة ميسلون هادي التي وضعت نصب عينها التغاير والتحول السريع للزمن والواقع ،هو محاولة الاستعارة من صور بصريّة للاحداث قد وقعت في اثناء الحروب ، ولو بصورة غير مباشرة، فلم يكن ممكناً حيال التغير السريع للاحداث التي تعرّض لها الوطن أن تبقى القاصة في منحىً عنها لا سيما قاصة مثل ميسلون هادي، التي لم تكن بعيدة عن هذه الاجواء فقد تعرضت لما يتعرض له العراقيون وكانت شاهدة على ما وقع من وقائع تتجاوز المالوف، ومن الصعب تمثلها واقعيا فانتقت أنموذجها لتجسمه من خلال الفنتازيا ومن الخروج عن المألوف والمعقول ، مستخدمة الأسلوب الرمزي ومتلسمة أغرب الصور، لترسم لنا أبرز الصفات الغرائبية التي تتجلى في بيان صورة هذه الحروب التي يمكن معاينتها ورصدها كما لو انها تسعى الى تصفية مرحلة ثقيلة على ذاكرتها، وبهذا فان وربما كان الدافع وراء استعمالها المفارقة ومحاولة النفاذ إلى الجوهر واكتشاف ما تحته بصورة فنتازية، والسعي إلى دمج الواقع باللا واقع من اجل لا تنزلق نحو الوعظيّة وتنجو من الوقوع في مطبّ الصورة المباشرة لترحل بمتلقيها إلى آفاق جديدة ، تحمله على المقارنة وتوسيع دلالات الواقع عن طريق الحلم والتخييل محاولة الوصول الى أعماق الواقع وأسراره و تصوّر المستقبل واستشراقه ، و حتى يكون النقد موضوعيا قادرا على كشف الغطاء بصورة ضمنية غير مباشرة لا سيما ان التاريخ قريب لا تفصله عنا سوى بضع سنين قليلة فتحاول القاصة تحويل العلامات الى علامات توليدية ، تحيل إلى تضمينات وإلى استعارات أو مؤشرات على حالات حدثت في الفترة الاخيرة الذي تجعلنا في هذه القصة نستذكر تسريب الرائحة الذي حدث في اثناء الحرب العراقية واننا نسوغ و نبادر إلى تحديد مقصدنا من استجابة موضوعية لعمق الرابطةللرابطة في اعتقادنا بين الحالتين لا سيما ان الادب يعتبر نشاطاً إبداعياً جمالياً قائماً على التخييل.

اضافة الى ان القاصة استكمالا الى ربط كل تحوّل بخلفيات الواقع من اجل توصيل ما وصل اليه الواقع الان من الدمار من خلال الصور الاستعارية عبر اتخاذها نظاماً معيناً من العلامات تشف عن مدلولاتها تسعى في القصة ايضا الكشف عن حالة القحط واليباس الذي سوف تعيشه الاجيال القادمة من خلال رمز النحل الذي ترمز إلى الحرية، والانطلاق وهي تعاني من حالة الخواء واليباس ، بعبارة اخرى في اعتقادي ان القاصة كي تبرهن على جفاف الحياة تستعير النحلة كوحدة استبدالية وعلامة ذات مدلول يحمل دلالةً تواصلية مستوحى من سياق النصّ ( آذار شهر الربيع وتفتح القداح والأزهار.. وأسراب النحل التي خُلقت للتجول بين الحدائق، والتنقل من زهرة إلى اخرى لامتصاص الرحيق، راحت تنطح زجاجات نوافذ البيت، وأزيزها يملأ الفضاء، متجهة لمصدر العطر الوحيد، الذي لم يعد ينطلق من مروج الأرض وشجيرات الورود، بل من القوارير التي يحفظها البشر داخل البيوت).

  • قصة عطر الوردة من مجموعة ماماتور باباتور وهي قصص من الخيال العلمي.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

نبوءة فرعون – وسن مرشد

وسن مرشد   توظيف التراث الشعبي وأهميته، قراءة في رواية “نبوءة فرعون”لـ (ميسلون هادي) يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *