حوار جريدة الزمان

حوار جريدة الزمان

اسماعيل غزالي

1ـ ما هي المكانة التي تحتلها الكتابة في حياتك؟

– الكتابة شغف وولع يصل الى حد الإدمان .. الكتابة أيضا موهبة في البداية ثم احتراف ثم جنون لايستطيع المرء منه فكاكا ..منذ وعيت على هذا الولع وأنا أسطر الكلمات على الورق ..وزوجي يسميني آكلة الورق ..لأني كنت أستهلك كميات باذخة من الورق ..وكان ذلك قبل أيام الكيبورد لعله لايعلم أن الورق هو الذي يأكلني ..أظن أن  البشر كالأشجار فيهم المعمر والعابر والصاخب والعقيم..والكتابة هي أزهار كثيفة لشجرة مثمرة تحب الحياة والناس.. انها الطلع طائرأ داخل شبكات شفافة من الهباء تنقلهاالريح الساعية  من ورود الى ورود أخرى لنقل حبوب اللقاح.  تلك الشبكات هي وسيلة نقل هشة وغير مضمونة ..تصاحبها وسيلة بريدية أخرى مضمونة ومزينة ببطاقات ملونة من روائع الازهار التي كلما ازدادت تنوعا وتلونا,أصبحت أكثر اغراء لسعاة البريد الذين يحصلون مقابل تلك الخدمة على الرحيق الحلو … ولعل الكتابة هي وسيلة الكاتب للتجول بين الورود .

الكتابة هي عاطفة جياشة تجاه الحياة ورغبة في إصلاح الكون وجعله جميلا ونظيفا وخال من الأحقاد والكراهية..ببساطة أن الكاتب نوع من البشر يهتم واذا كان الكاتب نوعا من الكائنات الحية فالكتابة هي لغة هذا النوع .

2 ـ هل تجدين في القصة القصيرة، متسعا كبيرا للتعبير؟

– الفكرة هي التي تنادي الكاتب وتستدرجه الى كتابتها فإذا استوفتها القصة القصيرة فلن تمتد الى رواية أو تتبخر في قصيدة نثر..وليس هناك أكثر من القصة القصيرة قدرة على التعبير المكثف ..ولكن يحدث أحيانا أن القصة القصيرة لاتحتمل صراعات الرؤى والدروب المتقاطعة وهذا ما يجعلها تتحول أحيانا الى رواية وقد حدث ذلك معي في (نبوءة فرعون) إذ تحولت فكرة لقصة قصيرة الى رواية.


3 ـ لكل كاتب طقوسه قبل و أثناء و بعد الكتابة، هلا حدثتينا عنها؟

– لاتوجد طقوس على الإطلاق سوى المشي والقراءة..هاتان هما العادتان اللتان تنتجان الأفكار وتعمل على إنضاج الأفكار المختمرة وتسخينها الى نوتات وأغان.


5 ـ من أين تمتح الفكرة النواة للشروع في كتابة قصة قصيرة؟

– الدماغ كالكومبيوتر ..او قل أن الكومبيوتر كالدماغ ..ماأن يعثر على الفكرة حتى يجعل الكاتب يرى كل شئ له علاقة بهذه الفكرة ويفرش له كل المعلومات التي تجعلها تنمو وتتحول الى عمل أدبي ..العكس صحيح أي أنه سيحجب عنه كل شئ لايخدم هذه الفكرة ..وتلعب تلك المصادفات الخفية التي تحدث لكل البشر دورا في إنضاج الفكرة فينتبه لها الكاتب لأنها تخص عمله وليس لأنه أكثر ذكاء من باقي البشر..الفكرة قد تبدأ ببخار يتصاعد من قدح شاي أو بيت متروك أو إمراة غريبة الأطوار ..وقد تكون الحادثة ذاتية أو غيرية لاعلاقة لها بالكاتب ثم يبدأ الكاتب بالنسج حولها وأمامها الى أن تصل الى ماأسميها نقطة الوداع أو المغادرة . هنا تبدأ الشخصيات تملي مساراتها على الكاتب وتجعله يغير مصائرها كما تريد وكأنها أصوات أخرى تريد الخروج من رأس الكاتب.

5- ـ بماذا تشعرين عندما تقرأين لكاتب آخر أو كاتبة أخرى نصا قصصيا جيدا، أو نصا لا تستسيغه ذائقتك؟

  • اذا كان جيداً سيحرضني على الكتابة وإذا كان فاشلا سأعرف أسرار فشله ..فكل صنعة فيها أسرار إلا الرواية فهي كتاب مفتوح تتعلم منه خصائص الفشل والنجاح …لهذا فأني على الأكثرلااستطيع ان أبدأ برواية دون أن أتمها حتى وإن كانت غير مستساغة. كما اني أعطي للموهبة 25 بالمئة من أسباب النجاح والباقي للخبرة والقراءة وسعة المعلومات ..

6ـ كيف هو تعاملك مع اللغة؟..هل  أنت مع من يتشدد في  أن تكون اللغة متينة خالية من المفردات الدخيلة أو الجارية على لسان العامة، أم أنك مرنة في تعاملك معها و قد لا تتورعين في توظيف مفردات من خارج المعجم ؟

-أحاول استخدام المفردة الراقصة التي تتحرك أمامك وتجعلك ترى الاحداث من خلالها ..ولااستعمل العامية إلافي الحوارات أحيانا لأنك قد تعثر في الاستعمالات العامية على ضالتك إذا كانت تعبر عن المعنى بشكل أفضل ..أما بالنسبة للغة المعجمية فهي الأم التي تجمعنا وتوحد هويتنا ويجب أن نتمسك بها ولا(نتنكلز) كما يفعل بعض الاشقاء العرب في فضائياتهم لأن هذا التفرنج هوجزء من احتقار الهوية تصاب به الأمم المنكسرة والمهزومة ..اللغة هي المفتاح الذي يستدير فيفتح أقفال القصة أو الرواية وبدونها لايمكن للكاتب أن ينجح على شرط ان لاتتحول الى اللغة الى وحيد القرن كلما برز القرن الى أمام كان ذلك أفضل.

 7 ـ هل أنت الذي يحدد شكل القصة أم التيمة هي التي تتحكم في ذلك؟ 

– العلاقة بين الاثنين علاقة طردية  فالموضوع يحدد شكل الكتابة وبمرور الزمن سيصبح هذا الشكل قيداً فيحدد موضوع الكتابة ..سأضرب لك مثلا بكاتب يكتب عن العواطف فقط بضمير المتكلم إذا أراد هذا الكاتب أن يكتب رواية تاريخية فلن يستطيع لان هذا الشكل هو الذي يحدد موضوعاته اللاحقة … الكتابة مثل الأنسان فهو بعد أن يتجاوز مرحلة الطفولة والمراهقة سيصبح مسؤولا عن شكله وهذه المسؤولية هي التي تعطيه وجها جديدا يحبه الناس أو يكرهه بغض النظر عن جماله بالمعنى الفيزيائي للكلمة ،ليس هذا فحسب بل أن بعض صفاته سستتركز فيه وتتكثف مع تقدم العمر فيزداد بخلا اذا كان بخيلا ويزداد كرما اذا كان كريما ويزداد لغوا اذا كان ثرثارا ويزداد صمتا اذا كان قليل الكلام. تماما كما يحدث مع ثمار امنا الارض التي اذا تقدم بها الوقت ستزداد حمرتها وحلاوتها حتى بعد قطفها ولو راقبت ثمرة طماطم موضوعة في الثلاجة لعدة أيام لوجدت ان لونها يزداد حمرة مع مرور الايام مما يعني انها تستمد هذا اللون من داخلها لبقية عمرها بعد أن كانت تستمده فيما مضى من الجذوروالتربة.

 الامر نفسه يحدث مع الكتابة وبلا تردد أقول ان الكتابات الاولى في مسيرة الكاتب تحمل الطعم الحاذق النيء للثمار المقطوفة قبل أن تنضج وتثوب الى مستقرها الجاهز للقطف وهذه المرحلة من الكتابة تمثل الفورة الاولى لفطرة الكاتب وانحيازه لجينات الموهبة الوراثية بينما مسؤولية الكاتب الحقيقية تقع فيما بعد على شكل بصمة خاصة تصنعها أخلاق الكاتب وارادته وعوامل أخرى كثيرة مثل طبيعته اذا كان متأنيا أو عجولا أو منطويا أو جريئا أو خجولا بالاضافة الى مصادره الثقافية وبيئته الجغرافية وخبرته الحياتية وهذه العوامل مجتمعة ستضيف للفطرة خواصا جديدة بتفاعلها مع بعضها البعض تنتج اللمسة الخاصة للكاتب وهو مسؤول عنها كل المسؤولية ويجب أن يعمل باتجاه تطويرها وتأكيد خصوصيتها.

8ـ لكل كاتب تيمة أو تيمات محددة قد لا يخرج عنها إلا لماما، ماهي التيمات الطاغية على مجمل كتاباتك القصصية؟

  • هذا صحيح وجبرا ابراهيم جبرا يسمي هذه الثيمة بالجوهر المتكرر. البيت العراقي كان البطل في كل ماكتبته من أعمال وحتى عندما يريد أحد ما مغادرته والتسربل بتجارب جديدة فإن جوهره يجب أن لايضيع في حضن آخر غير أرضه الأولى.

 9ـ ما مفهومك للتجريب؟ و هل القصة القصيرة في شكلها التقليدي مضى عهدها؟

– النفس تعشق كل جديد وفي كل شئ في الحياة من موسيقى ورسم وأزياء وأنت لو نظرت الآن الى غلاف مجلة أو كتاب قديم لنفرت منه لأنه يبدو رثا وغير حديث ..في الكتابة يختلف الأمر قليلا لأنك قد تجد الحداثة  من خلال خلود نص قديم، قد يكون حكاية شعبية أو ملحمة قديمة أو قصيدة للملا عبود الكرخي أواغنية للشيخ إمام أو عزيز علي يبقى عطرها يتضوع على مر الزمان لأنها كانت منتمية للحظة الكتابة، وبقدر أنتماء أي عمل أدبي للحظة الكتابة يكون حديثا دون أن يتجاهل المعنى المطلق والكوني للأشياء.وعندما يوجد الموضوع الكبير يوجد العمل الادبي الكبير اما الشكل فيجب أن يكون شفافا الى الدرجة التي تجعلك ترى الافكار من خلاله لا ان تراه بعبارة اخرى تنساه.أما أن لايوجد الموضوع ونزخرف النص بمشاكسات شكلية ومقاطعات غير ضرورية فان الزخرف زائل والأصل باق… وهكذا هي الكتابة القوية من الجوهر تكون زاهدة بمظاهر الابهة الاخرى لأن قوتها الضمنية ستفصح عن قوة شكلية فيولد النص قوياً بالضرورة. والكاتب لا يحق له لمجرد انه يمتلك موهبة الكتابة أن يكتب لكي يحكم ويدين ولكنه يملك فقط أن يرى بعيونه وأن يكتب مايراه هو لا مايراه الآخرون والقارئ هو الذي سيتوصل في النهاية الى المعاني والمرامي والكتابة هي المكان الوحيد الذي نرى فيه الخطأ والصواب دون الحاجة الى سبورة .

10-هناك من يتهيب  دخول مسابقة أدبية للحصول على جائزة، سواء محليا أو عربيا، هل أنت كذلك، و لماذا؟

– لا لست ممن يتهيب لهذا … الكاتب العربي لايحصل على حقوقه إلا بشق الأنفس..وأحيانا يشعر بحاجته الى التقييم المادي والمعنوي الذي يعينه على مواصلة الحياة ولكنه يتغاض عن المتعلقات الإجتماعية والإعلامية لهذا التقييم وينفر منها.

  11 – هل هناك مجموعة قصصية على الأبواب؟

– نعم … هناك مجموعة من الخيال العلمي عنوانها (عطر الوردة ) ستصدر قريبا وفيها قصص تعتمد على الشد والتشويق والغرابة للتحذير من المستقبل ومضاعفات التكنولوجيا وماتجره على الإنسان من ويلات.

12-كلمة تختمين بها هذا اللقاء.

– انا عاشقة للقراءة قبل ان أكون عاشقة للكتابة ولو كان الامر بيدي لقرأت كتب الدنيا كلها.ولهذا أعتبر نفسي محظوظة لاني عشت مع الكتب حيوات كثيرة ورأيت من خلالها العالم عدة مرات.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار طفتوطؤي-ئيليان-لةطةلَ

طفتوطؤي ئيليان لةطةلَ ‘مةيسةلوون هاديي’ سازدان: سووريَن ئيبراهيم – ئيليان #تايبةت بة ئيليان ئيليان: لةضيرؤكي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *