حوار طريق الشعب

حوار طريق الشعب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • صدرت مؤخراً للكاتبة ميسلون هادي رواية حفيد البي بي سي عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتي تتحدث عن صداقة النساء مع الراديو من خلال الجدة شهرزاد التي تعشق الحروب والثورات والانقلابات ولا تعترف بالرجال الا اذا ترددت اسماءهم في البي بي سي                                               .. ماذا بعد الحفيد؟
  • بعد (حفيد البي بي سي) صدرت لي مجموعة قصصية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية عنوانها (الليالي الهادئة) وهي تضم قصصاً مكتوبة بين العامين 2000 و2010 وأغلبها يضع  الذات  بين قوسين من التأمل والمراجعة والإكتشاف  مقابل صخب وعنف العالم الخارجي… أما المكان الذي تدور فيه الأحداث فقريب من البيت العراقي أو حوله ومن خلاله نعرف حجم التيه خارج هذا البيت وماذا يحدث في العالم من متناقضات ومآس وكم من الأحلام ضاعت في خطورة المكان .

        في قصة (القميص) مثلاً يكون القميص مبقعاً بلوثة دم ويترك بدون غسل لفترة طويلة …ولكن عندما يُغسل في النهاية ستجففه الريح بطريقة مرعبة……..قصة (الليالي الهادئة) التي تحمل المجموعة اسمها، تتحدث عن تفتيش روتيني تقوم به قوة أمريكية لبيت من البيوت لم يعد يوجد فيه سوى ثلاثة أشخاص بينهم الأب العجوز الذي هاجر أحفاده بعيداً عن البيت، وفي النهاية ستكون ثمة مفارقة بين عنوان القصة وبين نهاية مسارها.. (آلة الفرنجة) تتحدث عن مفارقة أن يشتم بعض المؤتمرين العرب حضارة الغرب بآلة صنعهتها لهم تلك الحضارة هي المايكرفون وعندما يتعطل المايكرفون (آلة الفرنجة) ستحدث مفارقة أخرى تدين الموقف السلبي من الحضارة الغربية…اشتملت المجموعة أيضاً على قصص أخرى منها(بطل القصة) (السيد سين) (السعيد يتراجع عن قراره بالابتعاد) (أبيض كذاب)  (حسن السير والسلوك) (العنوان الصحيح) ..هذه المجموعة صدرت قبل أيام ، أما بالنسبة لما سيصدر مستقبلاً فهي رواية (إنتظرني في البيت) وهي عمل يجمع بين الفانتازيا والخيال العلمي وفيه احتجاج كبير على عالم التكنولوجيا الذي أفقد الانسان خصوصيته ..وثيمة الرواية غريبة جداً ولا أريد التحدث عنها وأنتظر ان تتحدث عن نفسها لدى صدور الرواية. 

  •  أول عمل هو الشخص الثالث ، صدر عام 1985 .. ماذا يعني لك العمل الأول؟ 
  • يعني خطوة أولى في طريق كنت أحلم به وأعلم إنني لن أتوقف في منتصفه …ولربما كانت تؤشر لي أنني أخترت طريقي وحددت الإتجاه الذي سيلازمني طالما كتبت …إنه بنية الأيهام داخل القصة بوجود مسار آخر يجاور الحدث ويخلق جواً من الترقب والمغايرة  والأسى ….أعتقد إن الكاتب هو إنسان عاشق للجمال ومسحور بالعالم حتى وإن رآه مليون مرة … ولهذا يتعبد في حضرة هذا الجمال عن طريق الكتابة فهو الأكثر تفاعلاً مع ظواهر الطبيعة، وعلاقته مع الطبيعة سفارة فوق العادة حيث  تلعب الحواس دوراً  خلاقاً لجعل الكتابة طقساً جمالياً ورياضة خالصة تطرد الوحشة عن الروح… أعتبر نفسي منصتة جيدة لكلام الطبيعة وهذا الإنصات هو الذي يصنع الارتباط العاطفي بين الكاتب والمكان ، وتختلف هذه التجربة من كاتب لأخر خصوصاً فيما يتعلق بالأصوات القاهرة للزمن كآذان الظهر وأغاني أم كلثوم وزقزقة العصافير وهدير البحر وصوت القطار وجرس المدرسة ونداءات بعض الباعة المتجولين.. هذه كلها ترتبط في أذهاننا بأماكن معينة ومراحل بعينها من العمر، فيوقظ سماعها لدينا الحنين الغامض إلى ذلك المكان أو ربما النفور منه. أما الروائح فتترجح كفتها على كفة الأصوات في تنشيط الذكريات وخلق الارتباط مع مكان ما.
  •  يقال إن الرسام في معظم الاحيان يرسم نفسه … فهل كنت بطلة احدى أو بعض اعمالك ؟

        –  ستجدين الكاتب في كتاباته أكثر مما تجديه في حياته …هذا مايقوله الكثير من الكتاب ولكني أشعر أنني ألف روح في روح واحدة ……..وعندما تظهر بعض وجوه الكاتب هنا وهناك ..فمن الطبيعي أن تنتمي تلك الوجوه  لكل تلك الاحتمالات التي يمكن أن يكون عليها الكاتب فعلاً أو ما يتمنى أن يكون عليها . الكتابة هي حياة أخرى موجودة في الرأس وكلمات  لن تقال أبداً إلا على الورق و لن تكون إنعكاساً حرفياً لأي حياة حقيقية لأن الواقع لا يتكرر على الورق..من غير الممكن أن يحدث ذلك. ولكن الكتابة قد تضئ الاحتمالات التي تجعل من أحد المسارات يؤدي رسالة معينة …ومن الطبيعي أن يكون حضور سيرة الكاتب الذاتية واضحاً بالشكل الذي يخلص إلى إيصال تلك الرسالة لأن أقرب مثال للإنسان هو نفسه ..

 الكاتب إنسان يعيش أكثر من حياة لأنه يقرأ حيوات الآخرين ويستخلص منها الدروس .. وهو استثناء حاد من التوقعات أو  إصدار الأحكام السريعة أو ردود الأفعال الآنية .. وعندما يكتب فإنه يعتد باللا وعي ولغة الوجوه …وهذه (العرافة) هي التي تجعله يقرأ أفكار الناس مباشرة بدلاً من قراءة الفناجين المقلوبة  .ومن باب أولى أن يقرأ ايضاً أفكاره ويراجعها أو يعالجها من جديد..

  • هل هناك خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزهاعند كتابة القصة او الرواية ؟
  • عندما يوجد الموضوع الكبير توجد الجرأة وينتفي أو يقل الخوف من الرقابة سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو غيرها ..وعندما يوجد هذا الموضوع الكبير ستكون أدواته أذكى من السقوط في فخ الجرأة الفجة المفتعلة المقصودة للإثارة أو للفت الإنتباه أو المخالفة، فتبقى حدود جرأته داخل حدود الاطار الأخلاقي والموضوعي لمسار الشخصيات بل داخل حدود الإطار الفني والجمالي للإبداع .وهذا النوع من الأعمال الذي تكون فيه ثقة الكاتب بموضوعه الكبير أكبر من اجتهادات الرقيب هو الذي يستحق أن يوصف بالجرأة الحقيقية..

ولكن ثمة عقدة يعانيها الناقد والقارئ على حد سواء،وهي أنهما (يشخصنان) العمل الروائي الذي تكتبه المرأة  أي يضعان الكاتبة شخصياً (لا الشخصية الروائية) بطلة لكل التجارب التي تقدمها في أعمالها .وبذلك فإن خوض الكاتبات في بعض التجارب يتطلب تجاوزهن لأعراف اجتماعية سائدة وموروثة ،ويتطلب تحديهن لها ولسلطة الرقيب الاجتماعي أيضاً..وهذه لعمري جرأة مابعدها جرأة لايمكن العثور عليها عند الكاتب الرجل أحيانا ،فكيف بالكاتبة المرأة رهينة تلك النظرة الأبوية الصارمة التي حددتها بدور ثانوي لايمكن الخروج عليه بسهولة!؟ويحدث أحياناً إن الكاتبة هي التي (تشخصن) أدبها وتخشى أن تفهم حياتها الشخصية على إنها موضوع القصة ….وهذا إذا حدث فهو أمر طبيعي لأن أقرب مادة للكاتب هي حياته ..ولربما الحل هو في الحذر من البوح الذاتي المنكسر  أو استعمال الذات من أجل الذات وإنما من أجل الموضوع ..من أجل الوصول الى حكمة النساء…فالنساء متهمات بالتقلب وقلة العقل ..ولكن هذا التقلب هو من أجل الركون للخيار الأمثل ..فقد أوكل لها الله سبحانه وتعالى لهن أهم مهمة في الوجود وهي الحفاظ على الحياة وإدامتها فكيف لا تكون المرأة (دقداقية) في المقام الأول والأخير . ..هناك بين الرجال من يستطيع التظاهر بإنه طاووس أمام الناس …ويسترسل بالكلام عن بطولات وهمية وتيجان ورقية يضعها فوق رأسه..أما التاج الحقيقي فموضوع فوق رأس المرأة. لأنها عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على بيتها تضع كل الخلافات جانباً وتقدم أعظم التضحيات من أجل ذلك.

  • روايتك العالم ناقصا واحد .. ( قلت في احد اللقاءات الصحفية انه نقطة التحول الحقيقية لي  في مجال الكتابة ) كيف؟
  • لأنها تجربتي الروائية الأولى …وكانت تؤشر بالرغم من قصرها توفر عناصر الكتابة الروائية ….وكانت قريبة إلى نفسي جداً…فقد مزجت فيها بين تجربة خبرية لا تخصني وتجربة وجدانية تخصني ..والنتيجة هي وجهة نظر إنسانية حقيقية عن الحرب من خلال فقدان انسان واحد يعادل باهميته العالم كله.
  •  في معظم اعمالك تحتجين على الواقع المرير بالحلم .. هل ستبقى ميسلون هادي تحلم ؟
  • أنا أثنان في واحد ….تجديني أحياناً عملية جداً وواقعية إلى أبعد الحدود في الحياة وأحياناً أخرى تجديني خيالية أتناجى مع نحلة أو فراشة برية ….كل قصة أو قصيدة جميلة هي احتجاج على القبح والظلم وسخافات الواقع … هي عملية شبيهة بوضع نقطة ضوء داخل بقعة كبيرة من الظلام .. وبتراكم مثل هذه الخبرات الجمالية يصبح القارئ أكثر وعياً بجمال الحياة وأشد حساسية ضد الظلم والطغيان…تستطعين القول إن الأدب يدير المفاتيح في العقول ويغسلها  مما يتراكم عليها من مغالطات .. وهو يفعل ذلك عن طريق الحلم بما هو أفضل وأجمل وأمثل . فلو أنت حلمت مثلاً بأنك تحملين مفتاحاً وقد سقط هذا المفتاح منك في الحلم فإن الكاتب سيعثر على هذا المفتاح على الأرض عندما يستيقظ من النوم …….
  • لمن تميل كفة الميزان عندك .. القصة ام الرواية ؟
  • بعد كتابة أكثر من مئة قصة قصيرة وعشر روايات أجد نفسي أصبحت أعوم في حياة افتراضية من الكلمات والأفكار والأحلام وأجد نفسي دائماً متعاطفة مع كل ماكتبته …بل هل تصدقين إنني أعيد أحياناً كثيرة قراءة بعض قصصي القديمة وأشعر بأحساس غريب من الحنين إليها … أشعر أن الإثنين يسيران بخطين متوازيين ولا توجد أفضلية لأحدهما على الآخر.
  • أين تضعين الرواية والقصة العراقية بالنسبة للرواية والقصة العربية ؟
  •  يشهد العالم العربي الآن ثورة غير مسبوقة في مجال الأدب الروائي سواء الذي يكتبه الرجل أو الذي تكتبه المرأة …وعندما أقرأ بعض الروايات العربية أو العالمية التي تحتل قوائم أفضل المبيعات لاأجد فيها الكثير مما تتقدم به على الرويات العراقية …ولكن القدر كان لنا بالمرصاد في كل شئ ولم يعد يلتفت للأدب العراقي أحد بعد كل هذا الوضع المؤلم من التناحر والتربص ..وعندما تكون هيبة البلد في مهب الريح فلا تتوقعي أن يلتفت إليه أحد …والمفروض أن تشهد السنوات القادمة ظهور المزيد من الروايات العراقية التي تكتسح العالم بجدارتها  وتكسر حاجز العزلة العراقية.
  •  سابقا كنت تقرأين من أجل الكتابة وليس الرغبة في القراءة . هل ما زالت تقرأين لنفس الغرض ؟
  • سؤالك مطروح بشكل معكوس …لاأدري من أين لك هذه المعلومة …لربما من حوار سابق قلت فيه ان القراءة صنعتني كاتبة أكثر من الموهبة …وهذا لا يعني أبداً أنني أقرأ من أجل الكتابة ..القراءة كانت شغفي منذ تفتح الوعي ولازالت كذلك واتمنى لو قرأت كتب الدنيا كلها …ولهذا سأبقى أقرأ لهذا الغرض ..لغرض حدوث حوار قمة بيني وبين الكاتب لحظة القراءة وبعد ذلك سيتبقى نقطة مضيئة من ذلك الحوار وأنسى كل شئ عداه..
  • قدمت موخراً  الى دار ثقافة الاطفال عملين الأول مسرحي بعنوان (ثلاثة في بيت ) والثاني قصصي بعنوان (صندوق  القهقهات) وقد تم اجازتهما من قبل لجان فحص النصوص التابعة للدار تمهيداً لعرض الأول ونشر الثاني ..هل هي التجربة الأولى لك في مجال الكتابة للأطفال ؟
  • لدي عشر كتب منشورة للأطفال أغلبها في مجال الخيال العلمي …والكتابة للاطفال ممتعة جداً لأنها هي الكتابة الوحيدة التي تكون بلا هم ولا غم ..كما أنها مساحة للعب والجد والضحك ..ولدي أيضاً الكثير من قصص الخيال العلمي للكبار جمعتها مؤخراً في مجموعة تحمل عنوان (ماما تور باباتور) وكان المفروض أن تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد، ولكنها تأخرت هناك أكثر من أربع سنوات فسحبتها وقدمتها لدار نشر عربية.
  • هل أنت ناقدة جيدة لأعمالك ؟
  • الكاتب الذي لا يمتلك حساً نقدياً لا يمكن له أن يكون كاتباً ناجحاً……و أقول إن فن الرواية هو (شغل نساء) ويحتاج الى فطرة النساء وعقل النساء فمابالك إذا كان الذي يكتب ويروي هو هذا الكائن الذي أُغلقت دونه كل النوافذ فيما مضى..انه إذن إذا كتب سيجعلنا نرى العالم من إتجاه آخر هو إتجاه القلب . وكم جميل أن يكتب إنسان عن العالم من جهة القلب والوردة  وأن يرويه كما لو كان يراه  للمرة الأولى.
  • دائماً تتحدثين في رواياتك عن العراق وما حل فيه من نكبات وحروب وويلات على مر العصور .. كروائية  وقاصة كيف تشاهدين مستقبل العراق او ما هي الصورة التي تتمنين ان يكون عليها مستقبل العراق ؟
  • سؤال جميل ..أولاً أتمنى أن يتوسع مجال الحكم للنساء..ليس بالمطلق ..ولكن في المناصب التي تحتج الى ذوق المرأة ولطف المرأة كوزارة الثقافة وأمانة بغداد ووزارت التربية والتعليم العالي …كما أؤمن بلغة الوجوه ولو طلب مني أحد  رأياً بسيطا في الحكم وتعيين الوزراء لقلت له إن الوجوه الطيبة هي التي تلقى القبول لدى الناس وقد أصبح الناس يعرفون من هي الوجوه الطائفية ومن هي الوجوه المعتدلة فإذا كان بين المرشحين لمنصب واحد إثنان بنفس الكفاءة فاختر الوجه المعتدل المتسامح الذي يدخل القلب بلا استئذان.
  • بعد رحلة ابداع عمرها أكثر من ثلاثين عاما .. نلت خلالها العديد من الجوائز المحلية والعربية .. هل أنت راضية عن ميسلون هادي ؟
  • أنا من النوع المتفائل ومتصالحة مع نفسي بشكل كبير…ومع الناس أيضا….وعداوتي الوحيدة هي مع التصنع والغرور ولا فصاحة المشاعر ..ولكني بالرغم من بساطتي الشديدة في الحياة، شديدة المحاسبة مع نفسي سواء في الكتابة أو المواقف أو إطلاق الأحكام على الآخرين. ولهذا تجديني أتعاطف مع بعض الشخصيات السلبية في رواياتي وأجعلها مقدمة من عدة وجهات نظر لكي يكون الحكم عليها جزءً من الكتابة يكمله القارئ .. وأقول دائماً إن الأخطاء وجدت في العالم لكي نتعلم منها العدل.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار طفتوطؤي-ئيليان-لةطةلَ

طفتوطؤي ئيليان لةطةلَ ‘مةيسةلوون هاديي’ سازدان: سووريَن ئيبراهيم – ئيليان #تايبةت بة ئيليان ئيليان: لةضيرؤكي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *