حوار مع جريدة الدستور المصرية

جريدة الدستور المصرية

*عملتِ بالصحافة وتكتبين القصة والرواية.. كيف تحافظين على التوازن بين كل هذه الأجناس المغايرة.. خاصة وان كل منها يحتاج إلى طريقة بعينها؟

–  بالنسبة للصحافة فأمرها مختلف حيث عملتُ في صفحات ثقافية أحرر بعض النصوص، أو أكتب بعض الأعمدة والقراءات  والنعليقات النقدية.. أما بالنسبة للقصة والرواية فالمضمون هو الذي يفرض الشكل الذي سيكون عليه النص .. وسيختار المضمون المختلف شكلاً مختلفاً في كل مرة.. فالرواية تخترع لها الكثير من العوالم والشخصيات والمسارات، أما في القصة القصيرة فالبطل مرسوم لمصيره منذ اللحظة الأولى ..مكتمل السيرة، ولا يُسمح له بالتمرد على مصيره، كما تفعل أحياناً بعض الشخصيات الروائية.

 *اشتهرتْ “نبوءة فرعون”، وقُرأت في معظم البلدان العربية والاجنبية.. إلام ترجعين السبب خصوصا أن اسمها صادم للمجتمع .. ولماذا “نبوءة فرعون”  بالذات؟

– فرعون مثله مثل نمرود تنبأ كل منهما بطفل يأتي إلى الدنيا، ويخطف منهما العرش، فأمرا بقتل جميع الأطفال الذين يولدون في عام النبوءة.. وشاءت الأقدار أن ينجو من القتل كل من (موسى) الذي عاش في زمن فرعون، و(ابراهيم) الذي عاش في زمن نمرود، ولكن استهداف الأجيال الجديدة لايزال مستمراً، ولو أردنا تطبيق مصطلحات اليوم على ما فعله كل من فرعون ونمرود،  لقلنا إنه (ضربة استباقية) لمنع هذا الطفل المتوقع أن يكبر، فيخطف منهما المُلك والربوبية.. وفي روايتي “نبوءة فرعون” هناك طفل تستهدفه الأقمار الصناعية لأمريكا بضربتها الاستباقية مدعية أنها تخاف عليه، وفي الحقيقة أنها تخاف منه..  ثم تحاول أن ترسم له مصيراً غريباً يختلط فيه الواقع بالكابوس.

*رشحت رواية “شاي العروس” للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد عام 2011، ونلت جائزة باشراحيل لأفضل رواية عربية عن رواية “نبوءة فرعون عام 2008. وجائزة كاتارا عن رواية “العرش والجدول” عام 2015، كيف ترى ميسلون هادي الجوائز  في العالم العربي؟

– الجائزة هي حصيلة أو نتيجة من نتائج الكتابة، بمعنى أنها تتوج تاريخ الكاتب، وتقف على حقيقة مشروعه الأدبي الذي صنعته سنوات طويلة من الاشتغال، وتكريس حياته كلها لهذا المشروع المضني والممتع في آن واحد، ولهذا أعتبر الكتابة هي جائزتي الكبرى. أما الجائزة الأخرى فتمنحني المزيد من الاحساس بالجدوى، لأن  عملي يكون قد تم تقييمه من نقاد وناقدات على درجة كبيرة من الحس النقدي والمعرفي.

*قضايا كثيرة ناقشتها في رواياتك، ما بينها  الواقع السياسي المرير في عراق ما قبل وبعد الإحتلال  وغيرها من المشكلات التي تكاد تكون خفية.. هل على الروائي أن يوجه لمناطق الخلل في جسم المجتمع؟

– الكاتب يكتب للناس والحياة.. ولو كان الكاتب يكتب لنفسه فقط لأحتفظ بنصوصه في الأدراج، ولم يرسلها للناشر.. والمثقف بشكل عام يشعر بأنه معني بالحق والجمال.. بل ويشعر  أن عليه أن يكون مسؤولاً عن الخير، وأن يولي الإنسانية عنايته القصوى، ولا أقصد بالمثقف هنا الشاعر والناقد والروائي فقط، لكنه أي شخص يهتم برصد اشكال القبح ويقوم بالتنبيه إليها،.. فيكون واحداً من الناس  الذين يصنعون التغيير في الحياة.. ولولا هؤلاء المثقفون وأصحاب الوعي النوعي من الكتاب والقراء على حد سواء. لما تولدت الأفكار الجديدة التي تتصارع مع الأفكار القديمة لينتج عن ذلك مفاهيم وتصورات ومركبات أخرى مختلفة.

*رواية “إخوة محمد” وصلت بها الى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) … ما رأيك بجائزة البوكر العالمية؟

– هذه الجائزة وإن سلطت الضوء على الرواية العربية.. ألا انها ظلمت بشكل كبير كل من لا يترشح إليها، أو يصل إلى قوائمها النهائية.. هي أيضاً تحكم بالظلم على الأجناس الأدبية الأخرى، وليس على الكتاب فقط.. في الماضي البعيد كان الشعر هو سيد الموقف، وكانت هناك المعلقات السبع، وهي جائزة مشابهه للبوكر، ولكن في مجال الشعر العربي، حيث كانت هناك سبع أو عشر قصائد تعلق على جدار الكعبة للتدليل على تميزها. أما في الوقت الحاضر فاستحوذت الرواية على اهتمام الناشر والقارئ، وخُصصت لها الكثير من الجوائز العربية والعالمية، وليس البوكر فقط.. أما القصة القصيرة فمع الأسف لم يُحتفى بها بأي من الطريقتين، مع أنها فن صعب وساحر.  وقد ساهم الكتاب أنفسهم في هذا الاهمال من خلال هجرتهم إلى عالم الرواية الأكثر بريقاً بسبب هذا الاحتفاء المبالغ به بهذا الفن، ولهذا عندما ترددت الأخبار عن استحداث جائزة للقصة القصيرة هي (جائزة الملتقى)، شعرت بالبهجة أن يعود لهذا الفن بريقه، ويُسلط الضوء عليه مرة أخرى.

*تطلعين على الادب المترجم… كيف ترين حالة الترجمة الأمريكية للروايات العربية؟

–      الدكتور روجر آلن، وهو واحد من بين خمسة مختصين رئيسين في الأدب العربي على مستوى الولايات المتحدة الاميركية، صنّف البلدان الاوروربية التي تهتم بالأدب العربي وتترجم له كما يأتي: فرنسا تأتي في المرتبة الاولى، تليها المانيا، ثم إيطاليا، فإسبانيا، بينما تأتي انجلترا بعد كل هذه البلدان، مشيراً إلى أنّ “تلقّي الأدب العربي في الغرب ضعيف جداً، والسبب يعود إلى عدم معرفة الجمهور في الغرب بالعالم العربي، وعدم وجود فرص نشر الكتب المترجمة. كما أن سيطرة الاوساط الإعلامية المعادية للعرب تمنع انتشار الأدب العربي في اميركا”.

لربما من الأسباب المساعدة على الوصول إلى القارئ الأجنبي أنْ يكون الكاتب مقيماً خارج بلده، ويستطيع التواصل بسهولة مع الأوساط الثقافية في البلدان الأخرى، كما حدث لماركيز مثلاً الذي قضى فترات طويلة من حياته في أوربا، أو أن يكون محلياً بحتاً في كتاباته كنجيب محفوظ  الذي كانت محليته  واحدة من العوامل التي أوصلته إلى جائزة نوبل، وإبراهيم الكوني الذي نال حظاً واسعاً من الترجمة بسبب تناوله البيئة الصحراوية الليبية، أو قد يكون محلياً بطريقة مختلفة تماماً عن نجيب محفوظ وإبراهيم الكوني، أي أن يمس بيئته بطريقة نقدية تغازل الصورة النمطية أو (الستريو تايب) للعرب لدى الغرب، وهذا ما يفسر الإقبال على بعض الأعمال النسوية التي تركز على اضطهاد المرأة العربية، أو التركيز على أجواء الحريم التي نقلها المستشرقون الأوائل إلى الغرب.

من الأسباب الأخرى المساعدة لوصول الكاتب العربي إلى القاريء الغربي أنْ يكتب مباشرة بلغة البلد الذي يقيم فيه كما حدث مع أمين المعلوف من لبنان، وخالد الحسيني من أفغانستان، والحسيني تناول في أعماله تداعيات الحرب الأمريكية على أفغانستان، وهي تجربة مماثلة للتجربة العراقية الساخنة، إلا أن ما تحقق لرواياته كان لافتاً للنظر ليس لأن خالد الحسيني يكتب باللغة الانكليزية فقط، ولكن لأنه قريب من آليات النشر والتسويق الأمريكية، وهي آليات رأسمالية تعتبر الأدب صنعة تستدعي شبكة من العناصر الاحترافية التي تحيط بالكاتب، سواء  من خلال وجود الوكيل الأدبي والمحرر الأدبي أو الناشرين الذين يقومون بالتسويق الجيد للكتاب بعد نشره، وهذه الآليات نفتقر لها جميعها مع الأسف، فالروايات العربية تخرج من المطابع إلى الظلام، أو تقودها الصدف والجوائز الى الأضواء الساطعة.

*هناك كتب أثرت في حياتك.. ما هي هذه الكتب.. وهل لديها القدرة على تحويل مسار ميسلون هادي  للكتابة عنها؟

– كل كتاب قرأته أثر في مسيرتي.. وإذا كان مميزاً يهمني أن أكتب عنه في الصحافة، أو أساهم بتعريف القراء به عن طريق آخر هو صفحتي على الفيس بوك..  ولو كان الأمر بيدي لقرأت كتب الدنيا كلها.

*لو قدر لميسلون هادي أن يرشح أربع روائيين أو قصاصين لنوبل.. فمن سترشح؟

– زكريا تامر من سوريا.. محمد خضير من العراق.. واسيني الأعرج من الجزائر.. بهاء طاهر من مصر وعبد الرحمن منيف من السعودية لو كان حياً.. لأن جائزة نوبل تمنح للأحياء فقط.

* اعتذرت عن جائزة محفوظ.. هل تخبرينا بالحكاية؟

–  في عام 2004 أرسلت روايتي «العيون السود» للمشاركة بجائزة نجيب محفوظ، وهي الرواية التي أرخت للحياة البغدادية في فترة التسعينيات، وتعلقت بأذهان القراء في العراق أكثر من باقي رواياتي. بعد عدة شهور من التقديم للجائزة وصلني صك بألف دولار، علمت في ما بعد أنه عن فوز روايتي «العيون السود» بجائزة نجيب محفوظ للرواية، وهو مبلغ الجائزة التي تحمل قيمة معنوية أكثر من قيمتها المادية الرمزية، وكان ذلك الصك بمثابة التبليغ الخاص قبل الإعلان الرسمي. وبما إنني كنت قد عرفت عن الجائزة بالصدفة، في وقت كان فيه الإنترنت غير شائع الاستعمال في العراق، فإني لم أكن أعلم أن أحد شروطها هو عدم فوز الرواية بجائزة أخرى مماثلة، لهذا بادرت الاتصال بإدارة الجائزة وأخبرتهم بأن روايتي سبق لها الفوز بجائزة محلية.. وهي ليست جائزة مماثلة، ومع هذا فقد شكروني على أمانتي، وقرروا أن يعيدوا تحكيم الجائزة لتذهب إلى مرشح آخر. وقد لامني كثيرون على تلك المكالمة الهاتفية التي  حرمتْ الرواية من جائزة يُعتد بها.  وقالوا لي إن الرواية لم تكن لتخالف الشروط، حتى لو أنني علمت بها.

*ترجمت رواياتك للعديد من اللغات.. كيف ترى  ميسلون هادي سوق الترجمة للروايات العربية؟

– يشيرالمترجم البريطاني المعروف أنتوني جوزيف كالدربانك في حوار منشور له، إلى أن القراء الإنكليز أصيبوا بخيبة أمل في الروايات المترجمة من العربية، وأن عوائق الترجمة نفسها غير موجودة، فكل جملة في العربية قابلة للترجمة إلى الإنجليزية بطريقة أو بأخرى، ولكن المشكلة تكمن أكثر في مدى تقبل القارئ الإنجليزي للرواية المترجمة. فتقاليد الأدب العربي تختلف عن التقاليد الإنجليزية من حيث تطور الأشخاص وسلسلة الأحداث وتركيبها، ويقول بأنه قد سمع من قراء إنجليز قرأوا روايات مترجمة من العربية تعبيرهم عن “خيبة أملهم” من ضعف الشخصيات، وأيضاً مما يسمونه إفراطاً في العاطفية، وقد يعود ذلك إلى خبرة القارئ الإنجليزي مع الرواية منذ قرون وحداثة سن الرواية العربية.

 لقد أستأنست بدوري برأي بعض المعارف من القراء الذين يقرأون الروايات الأجنبية بجانب الروايات العربية، وسألتهم عن رأيهم بكلام المترجم انتوني كالدربانك، فأكدوا وجود هذا الإفراط في العاطفية واللغة الإنشائية في الروايات العربية بما لا يتلائم مع فن الرواية كمفهوم، كما أشاروا إلى أن بناء الشخصيات متسرع ودواخلها غير عميقة، بينما في الرواية الأجنبية التجربة مُشبَعة بجميع تفاصيلها، وثمة بناء واقعي محكم داخلها يجعلنا نصدقها تماماً.. أي يمكن القول إن المشكلة ليست في ثراء اللغة الشعرية، وإنما ثراء التجربة الحياتية.

 كذلك فأن الجودة وحدها قد لا تكفي لترجمة روايات عربية تستحق الترجمة، إنما هناك ظروف ملائمة تساعد في ذلك، ومن هذه الظروف أن يكون المترجم أجنبياً لكي يُستقبل اسمه بشكل أفضل، وأن يقضي المترجم فترات من حياته في بلد الكاتب فيتماس بشكل مباشر معه ومع بيئته، وهذا ما حصل مع أشهر مترجمي الأدب العربي إلى الانكليزية، والذين أقاموا في عواصم عربية مختلفة قبل أن يستقروا في القاهرة، وكانوا يميلون إلى الأعمال المغرقة في المحلية سواء بلغتها أو بأجوائها. وقد أنجزوا ترجمات عديدة لأبرز الاسماء المصرية والعربية كنجيب محفوظ والطيب صالح وتوفيق الحكيم ويحيى حقي وزكريا تامر وسلوى بكر ومحمد البساطي وسعيد الكفراوي وغسان كنفاني ولطيفة الزيات وليلى بعلبكي وحنان الشيخ وبثينة الناصري وعالية ممدوح.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار منبر العراق الحر

القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي بضيافة مقهى الماسنجر الثقافي منبر العراق الحر15-2-2025 يبقى الشيء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *