سردية الحرب/ علي عبد الأمير.

أجرى الحوار علي عبد الأمير

*في روايتك “إخوة محمد” يحضر موضوعك الأثير: الحرب من خلال النساء – القصص والحكايا والمصائر-، هل يأتي هذا من اعتبار مفاده أن “الحرب تدور رحاها في قلوب الأمهات” كما يقال، أم أنك اخترت مساراً مغايراً لسردية الحرب بوصفها عملاً ذكورياً بامتياز؟

– ربما تكون الرواية العراقية من أكثر التجارب الروائية العربية تعاملاً مع الواقع، ونظراً لأن هذا الواقع شهد الكثير من المحن والحروب، فمن الطبيعي أن ينعكس هذا الواقع على ما انكتب من روايات، خصوصاً بعد العام 2003، حيث صدرت مئات الروايات منذ ذلك الحين، وهذا الكم أفرز طيفاً واسعاً ومتنوعاً من التجارب الروائية، ومن هذه التجارب كانت تلك المكتوبة بأقلام النساء، والتي تنظر للتجربة من منظور مختلف عن المنظور الذكوري، بل هي تسمع وتتكلم وتحس بطريقة مختلفة أيضاً، إذ سنتعرف مثلاً في (العالم ناقصا واحداً) من داخل البيت على  ما يدور خارجه.. فالصمت بين الأب والأم كان حاضراً أكثر من أصوات القذائف والرصاص، ومن خلاله ينتقل إلينا إحساس الفقد الذي يشعران به، في روايتي الأخرى (حلم وردي فاتح اللون)، ستكون الأجواء المرعبة حاضرة داخل غرفة واحدة كانت الملاذ لـ (ياسر) هروباً من تهديدات تلك الأوضاع، أما في (أخوة محمد) فالحديقة هي المكان الذي تدور فيه أصداء وتداعيات الحرب. وبالتأكيد  فإن هذا المنظور (النسائي) ليس هو المعتاد أو المألوف لتناول أجواء الحروب والاقتتال الطائفي.

* في الرواية ذاتها ثمة اشارة تهكمية إلى كتابة الرواية، وكأنها صارت موضة الأدب العربي اليوم وشكلاً كتابياً بات يستسهله كثيرون حتى عند من لم تستو عندهم أوليات الكتابة ناهيك عن المعرفة. هل تعتقدين ان ما يكتب اليوم من روايات يستحق كل الضجيج والشهرة والانتشار المبالغ به حد أن نجوم “السوشيال ميديا” لا يضاهيهم اليوم غير كتاب الرواية؟

– كتابة الرواية أصبحت ظاهرة ملفتة للنظر.. وتحركت الكثير من الأيادي لكتابتها بعد أن لعبت الجوائز دوراً كبيراً في تغيير طقوس الكتابة في الوطن العربي.. وهذا الباب الذي فتحته علينا الجوائز قد يكون أفرز بعض الروايات المكتوبة على عجل، أو تلك التي لم يكتمل عند أصحابها الأساس الفكري للكتابة، إلا أن هناك الوجه المشرق لهذه الظاهرة، وهو ازدياد عدد القراء بشكل ملحوظ وغير مسبوق، وأجد على (السوشال ميديا) تحديداً الكثير من المواقع والصفحات التي تهتم بالكتب بشكل عام، والرواية بشكل خاص.. وهناك أيضاً نوادي الكتاب التي تنشر مراجعات للكتب، وترشح عناوينَ معينة للقراءة، وفوق ذلك كله هناك مكتبات أصبحت تقوم بتوصيل الكتب للمنازل في بغداد والمحافظات.. وحتى إن وُجدت بين أكثر الكتب رواجاً عناوين مثل (كيف تقتل رجلاً) أو (كيف تقتل أنثى)، فإن مثل هذه الكتب التجارية ستجر القارئ إلى كتب أخرى مختلفة وذات أهمية. لأنه سيقترب كثيراً من عالم الكتب، ولاحقاً سيميز  بين الكتاب الجيد والكتاب الذي لا يستحق القراءة. 

*كنت قد وصلت إلى القائمة الطويلة لـ “البوكر” العربية بعد سلسلة من الجوائز، كيف تقرأين هذه الحمى التي تثيرها الجوائز، وهل بدت متناسبة مع قيمة الانجاز الأدبي، انطلاقا من الفوضى التي ميزت الدورة الأخيرة لجهة منحها لرواية لم تكن مدرجة أصلا بين المتنافسين؟

– ليس من المفرح لأي كاتب له تاريخ طويل في الإبداع أن لا  يكون معروفاً ولا معلوماً  حتى تصل رواية من رواياته للجائزة.. في هذه الحالة قد تصبح البوكر  كطوق عمرو الذي يوضع في عنق الإنسان بعد أن يكون قد شب وكبر عنه.. صحيح أن الدعاية سوف تحصل، غير أن المعادلة كلها فيها مشكلة، لأن البوكر أصبحت تلحق الأذى، وتحكم بالظلم، على كل من لا يشارك بها، بل تساهم في التعتيم على أسماء كبيرة ومهمة لمجرد أنها لم تتردد حول هذه الجائزة تحديداً.. ولهذا فهي تحتاج لمراجعة آلياتها بحيث تتلائم مع سوق الكتاب العربي، فهذه الجائزة مقتبسة من الغرب، وهناك كل صاحب حق يأخذ حقه من الانتشار، وإذا ما راجت بعض الكتب العابرة فلن تكون على حساب الكتب ذات الجدارة.. أما بالنسبة لسؤالك عن البوكر هذا العام فقد قرأت الرواية الفائزة (بريد الليل)، ووجدت أن هذه الرواية  تحديداً ليست هي التي تُمثل روائية كبيرة بقيمة هدى بركات في أهم جائزة عربية للرواية…  وقد جاء في الأخبار أنها لم تكن ترغب بترشيح هذه الرواية للبوكر، ولكن لجنة التحكيم هي التي ارتأت ترشيح الرواية وفق آلية الاستدعاء، حيث يكون من حق المحكمين استدعاء الرواية التي يجدونها تستحق الترشح أو الفوز.

* في عملك الأدبي قصة ورواية ثمة عناية بل حنو بالغ على الروح البغدادية، ليس هذا وحسب، بل أنت تنظيمين حملة عنوانها حماية الحدائق البغدادية. من أين مصدر هذا الشغف وهل تعتقدين أن بغداد التي كونتك في الطفولة والبواكير والشباب هي ذاتها اليوم؟

–  بغداد مدينة لها روح أخاذة، وهذا ليس كلاماً عاطفياً أقوله لأني أحبها حباً جماً، ولكن من عادة المدن التي تقوم على الأنهر أن تكون مدن حياة وجمال وحضارة. ولهذا يطيب المقام فيها وتكثر أطيارها وعصافيرها وبلابلها بسبب قربها من مصادر المياه والحدائق والأجمات.. بينما العواصم الخالية من الأنهر تجد فيها جفاء الصحراء، حتى وإن ازدهرت وجهدت في بناء الأسواق والمولات. وبالتأكيد بغداد الطفولة كانت أكثر رحابة وأنقى هواءً وأوسع بيوتاً، ومهما أصابها من العيوب فهي المدينة الوحيدة التي تحضر فيها زقزقات العصافير البريئة بهذا السخاء، ألا أن الحدائق تنحسر، بسبب تناسل البيوت التي تبنى بعيداً عن الضوابط، وتكاد بغداد تفقد سجية من أهم سجاياها، ولهذا أسست موقعاً في طور التكون والانتشار لانقاذ ما تبقى من حدائق بغداد.

*يحضر المثقف كثيراً في عملك ومن خلاله تتكسر المرايا لتتناثر صور المجتمع المهشم الممزق اليوم. هل تعولين على دور اجتماعي بنّاء يتمثل في القدرة على إحداث التغيير؟

– نعم أعول كثيراً على دور المثقف في التغيير خصوصاً من خلال الواقع الافتراضي الذي أتاح مساحة للتفاعل مع الناس بطريقة مباشرة بحيث يتحاور الكاتب مع القراء، ويساهم في خلق وعي نوعي بالاتجاه الذي يريده، وإذا كان هذا الكاتب مقيماً بينهم سينشر الطاقة الايجابية ويعطيهم الأمل في جدوى المحاولة، وسيعينهم على تلمس مواطن الجمال ونبذ المشاعر السلبية. إذ لا مسافة موصولة مع الآخر إن لم تكن سلوكاً ومواقف.

* لو قدّر لك أن ترسمين اليوم مساراً للثقافة العراقية بعد عقود من الديكتاتورية والحصار والانقسام المجتمعي المتمثل بالحروب الأهلية وصعود الهويات الفرعية القاتلة، فأين يمضي هذا المسار اليوم وأين سيصير مستقبلا؟

 – بالرغم من كل هذا الذي حدث، فإن هناك هامشاً من الحرية لم يكن متوفراً في السابق، فأصبح بإمكان السرد أن يستجوب التاريخ بطريقة مختلفة عن الرواية الرسمية المتعارف عليها،  بحيث تعددت الروايات التي تناولت فترة الحكم الملكي أو الوجود اليهودي في العراق.. فالرقابة أرخت قبضتها على عطاء الباحث والأكاديمي والروائي.. وهناك انفتاح كبير على تناول موضوعات كانت ضمن منطقة الخطوط الحمراء سابقاً.. ولا زلنا في مرحلة التدرب على هذه الحرية وقد تعترضها الكثير من المشاكل، أما مشكلة الهويات الفرعية التي فجرتها المحاصصات الطائفية فيمكن التصدي لها عن طريق الحوار المستمر بين المثقف وجمهوره، فساحة الحوار لم تعد حكراً على السياسي ووزارة أعلامه، بل أصبح لكل مواطن وزارة إعلام خاصة به، وساهم المعلقون جميعاً في شتم بعضهم البعض بعد أن كانت الشتائم تطال أمريكا فقط!!. تدريب شاق على الديموقراطية قد يقودنا في النهاية إلى التخلص من عقدة النقص العربية التي تتحسس من النقد ولا تتقبل الآخر.  ولو تصفحنا  الآن أحد المواقع الألكترونية العربية، لوجدنا أن أية مقالة منشورة لها علاقة بأحداث الوطن العربي المعاصر سيتوزع المعلقون عليها الى فريقين متناحرين من السنة والشيعة، وبينهما لن تجد إلا صوت المثقف الحقيقي الذي يخفف ويلطف الأجواء بنزاهته وحياديته. هذا الصوت يجب أن يكون حاضراً بقوة، وأن يكون قدوة لغيره في لغة أنيقة خالية من الشتائم أو السب والتجريح.. فهو يتطور والقارئ يتطور، والتدريب مستمر على شروط الحرية التي تتسم بروح التسامح، وتتسع لسماع آراء وتعليقات الجميع.. وشكرا للهواء الذي جعل ذلك ممكناً.   

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

حوار منبر العراق الحر

القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي بضيافة مقهى الماسنجر الثقافي منبر العراق الحر15-2-2025 يبقى الشيء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *