ميسلون هادي والدكتور نجم عبدالله كاظم موقع الكاتبة العراقية ميسلون هادي و الدكتور نجم عبدالله كاظم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد التحية والثناء الحسن لأم الوطن ميسلون هادي، اسمحي لي بان أناديك (أمي)، بصراحة لم يكن اختاري للنص اختيارا عشوائيا، بقدر ما كان مقصودا لاسباب عدة منها لأنك ميسلون هادي صاحبة العطاء الثر في الادب الابداعي العراقي، فضلا عن الخيال النسوي الذي يتموضع في ذاكرتك وهو ما نفتقده حقيقة عبر غبار القلم النسوي/الانثوي، وكذلك من الاسباب الاخرى هو ان تراثنا وإبداعنا أولا بأقلامنا.
حقيقة، والحق يقال ان في رواية نبوءة فرعون تاريخ بحاله، بل حضارة تعمل على لملمة شتات الزمن، فهي بحر يحتضن الجبل، وانت المحيط يعكس زرقة السماء بذكر الأنبياء..
نبوءة فرعون تعيد القارئ الى طفولته عبر حكاياتها التي كانت تفوح من خلف عباءات العجائز، فضلا عن زج مخالب الحصار التي غربلت وجوه الوطن في نفوس الوطنيين .. فهي تشدنا الى التمسك بأرضنا عبر أفق الانتظار الذي يوحي بالفرج..
بصراحة لم تكن الرواية مبهمة الى درجة الإرباك السردي الذي يدفع الى التساؤل من اجل الإفهام، غير ان شعرية السرد قد نمقتها وأعطتها لذة التذوق الذي يطرق الأسماع والإفهام رشفة رشفة، لذا هذه بعض التساؤلات التي أفيد منها عبر طرحك عليها، لتكون للبحث كالألماس للقلادة .. والتي هي:
* ما القصدية التي جعلت من (منصور ماشي السالم دار) ان يموت شهيدا وبعيدا عن المشاركة الاسرية بوصفه زوجا ؟. هل كان مستبعدا اجتماعيا من قبل المرأة؟ فضلا عن (عبد الملك الجار الفنان). أي هل هي قصدية عبر الوعي السردي في ازاحة الاخر والاطاحة به حتى تبقى الساحة للجنس الانثوي تحديدا؟.
– سؤالك يفتح نافذة على حالة اللاوعي التي هي أساس التكوين في عملية الكتابة..فعلاً عندما أعود إلى مجمل كتاباتي أجد الرجل مغيباً إلى حد ما والمرأة هي التي تقوم بدور المسؤولة عن إدامة الحياة ورعاية الشخصيات الرئيسة في الرواية.. فمثلاً في (العيون السود) الخالة مع يمامة هما من تبقى في البيت بعد هجرة الأخوة ووفاة الأب.. وفي شاي العروس العمة هي التي تنشئ البطل الأعمى محمود لأن الأب مزواج ومخمورولا يعتمد عليه.. وفي حلم وردي فاتح اللون فإن فادية تسكن وحيدة المنزل لأن أخوتها خارج العراق..وفي حفيد البي بي سي تكون الجدة شهرزاد هي البطلة التي تسخر من كل شئ حتى من حفيدها عبد الحليم الذي يتمسك بسلوكيات غير قابلة للتغيير..والآن نبوءة فرعون يغيب فيها منصور ويحل محله عبد الملك..ولا أعتقد إن هناك قصدية مباشرة ولكن هناك إحتمالان لهذه الإزاحة أما إنها إنعكاس للوضع العام الذي اختفى فيه الرجال الحقيقيون في الجبهات أيام الحروب وحل محلهم المهرجون وأنصاف الفنانين من أمثال عبد الملك.. وأما إنها محاولة لاواعية لإزاحة الآخر لكي تبقى الساحة للمرأة تحديداً.. وأعتقد ان الجواب هو حاصل جمع الإثنين بالإضافة إلى التوقف هنا عند سبب آخر هو الخشية من عدم وجود طريق الى وعي الآخر الذي هو الرجل وبالتالي اسقاط وعي الأنثى عليه .. وقد حدث هذا في رواية (يواقيت الارض) والتي يكون فيها البطل رجلاً وحيداً يعيش في شقة خارج العراق بانتظار الهجرة.. وسمعت رأياً شفوياً من الناقدة نازك الأعرجي يقول ان ناجي عبد السلام بطل الرواية كان انثوياً في تصرفاته…. وبالنسبة للسبب الثاني في إخلاء الساحة للمرأة تحديداً فهذا متأت من إيماني بقدرات المرأة (العراقية تحديداً) كونها هي المربية الأم وهي عمود البيت(ومعك حق أن تسميها أم الوطن فهو توصيف جميل تستحقه كل النساء العراقيات).. وما الرجل إلا واجهة (جامخانة) هذا الوطن المبتلى به يستعرض فيها ريشه الأسود المنفوش جالباً عليه المآسي والخراب بينما تنزوي خلف تلك الواجهة المرأة التي تمتلك من الصبر والحكمة أضعاف مايملك. يرد في نبوءة فرعون على لسان المذيع توفيق كيف أن النساء يعشن أطول من الرجال ويستشهد بفنانات عشن أعماراً أطول من الرجال وهذا أيضا متأت من حرص المرأة على الحياة لأنها وعاء الحياة وبدونها لا توجد حياة ولهذا نجدها تحنو على كل المخلوقات الصغيرة وتحزن على فقدان الأحبة أكثر مما يحزن الرجل لأنها تعرف قيمة الحياة وهي التي تحافظ عليها.. بالنسبة لعبد الملك فهو الشخصية التي طفت على سطح الواقع العراقي أيام الحصارفي التسعينات(زمن الرواية).. شخصية الفنان المنافق المتملق الذي يعرف من أين تؤكل الكتف.. وبينما الرجال يموتون في الجبهة نجده يؤلف الاغاني عن عيد الميلاد.
* لماذا غابت الشخصيات الذكورية الأخرى مثل (توفيق) الذي غاب تفاعليا فضلا عن حضوره سرديا؟ وكذلك غياب (عدنان، قحطان، نعمان، غسان، عمران، عبد الرحمن) غيابا سرديا ، هل هي رموز عربية لا غير؟
– نعم تكاد تكون ذلك بالنسبة لعدنان وقحطان …إلخ ولكن بالنسبة لتوفيق فقد كان حاضراً من خلال حبه لملائكة وشغفه بها وجنونه العراقي الأصيل.. وأخيراً رحلة بحثه عن يحيا مع بلقيس زوجة أبيه منصور.
* ما هو (لافاش كيري) هل هي شخصية واقعية او من بنية لخيال او علامة تجارية حسب ما ظهر بالنت؟
– لا فاش كيري هو نوع من الجبنة الفرنسية والترجمة العربية لها هو البقرة الضاحكة؟؟ وفي أيام الحصار كان صعباً على الناس أن يشتروا مثل هذه الكماليات مثلها مثل الببسي كولا أو الحلوى ولهذا عندما تجد بلقيس زميلتها منتهى تتناول هذا النوع من الجبنة فانها تشك في سلوكها وتبتعد عنها.
* هل هناك حكايات من بنية الخيال؟ ماذا تعنين بقولك:في العصر الواقع بين مقتل ديانا وعيد ميلاد اوبرا الخمسين؟ من هي (سبوتي) هل هي اسرائيل؟
– هناك خط من الخيال العلمي ينتظم الرواية من أولها لآخرها من خلال الابن(بوش) الذي يراقب يحيا بالاقمار الصناعية من أجل استهدافه وخطفه ووضعه داخل جهاز معقد لانتاج الطاقة.. وقد استفدت من حكايات الموروث الشعبي ومن قصص الأطفال في الرواية كقصة قطر الندى التي تكرهها زوجة أبيها وتريد التخلص منها ولكنها تكتشف بعد فترة انها لازالت على قيد لحياة عندما تجيبها المرآة بذلك.. وهكذا كان الابن يسأل المرآة عن أقوى الرجال فتجيبه (أنت) ولكنها تصمت عند ولادة يحيا.. بمعنى إن الحرب قامت من أجل استهداف الاجيال العراقية الجديدة خوفا منها لا خوفاًعليها وهذا سبب تسمية الرواية بنبوءة فرعون.. أما سبوتي فهي كلبة الابن للدلالة على اختلاف الثقافتين وكيف يبدو يحيا وخصمه من عالمين مختلفين.
* امي وسيدتي العزيزة انا عملي الاكاديمي/بحثي عن الخطاب الانثوي، وطمعي هو ان اعرف مدى الحضور الذكوري في الذاكرة الانثوية، فضلا عن بعض الموضوعات الاخرى التي يحملها النص.
– يكون حاضراً كما هو في الواقع.. أحياناً للتدمير والتخريب وأحياناً للقمع.. وأحياناً يكون هو نفسه ضحيه للقمع، فمنصور مات في حرب الكويت العبثية بينما عبد الملك يلعب على الحبال وعبد الحليم(حفيد البي بي سي) يقمع النصوص المسرحية ومثنى(العيون السود) يتغير من مثقف إلى إبن سوق .. المهم هنا ليس فكرة الذكورية بل التأثير الذي يمكن أن تحققه فقد حققت للرجل تاريخاً كاملاً من التفوق ولكنها أيضاً جعلت المرأة تتمرد على هذه الهيمنة بشتى الوسائل (انظر مثلا إزدياد أعداد النساء المنخرطات بالدراسات العليا) وأنظر كيف يشهد العالم العربي الآن ثورة غير مسبوقة في مجال الأدب الروائي الذي تكتبه المرأة وعندما يرى ويكتب ويروي هذا الكائن الذي أُغلقت دونه كل النوافذ فيما مضى سيجعلنا نرى العالم مرة جديدة من إتجاه آخر هو إتجاه القلب ، وقد يتضايق بعض الرجال من هيمنة هذه الثورة ويبخسها حقها، دون أن يدرك هذا البعض أن قمعه للمرأة هو الذي جعل منها كائناً ثانوياً. والآن عندما يتحدث هذا الكائن(الثانوي) يتشوق الجميع لمعرفة ماذا يقول.. وكم جميل أن يكتب إنسان عن العالم من جهة القلب والوردة وأن يرويه كما لو كان يراه للمرة الأولى.
