– ماهو رأيك في الأدب النسوي؟
- أنا أكتب كإمرأة وأفكر كإمراة ولكني لم أعد مهتمة بهذا التصنيف لكونه أصبح متوارياً خلف التواقيع.. مع هذا أقول بشكل عام: إن النظرة النقدية للأدب النسوي غير مستقرة، فهناك من يعتبر الأدب الذي تكتبه المرأة هو النسوي وهناك من يعتبر وجهة النظر هي النسوية حتى وإن كانت مقدمة من كاتب رجل وهناك من يعتبر الموضوعات المطروحة هي التي تضفي صفة النسوية على الكتابة وهذا الاشتباك لا زال قائماً وتتعدد الآراء حوله.. وبالنسبة لي فإن الأدب النسوي يعني أن يروى العالم من وجهة نظر امرأة، فطيلة التاريخ ونحن لا نسمع سوى وجهة نظر واحدة هي وجهة نظر الرجل التي في كثير من الأحيان بيّضت الأسود وسوّدت الابيض وغيرت وجه الحقيقة… والآن نشهد ثورة روائية نسوية لتعديل هذا الميل وربما وضع مساره على خطين متوازيين لكي لا يستغرقنا تاريخ مكتوب من وجهة نظر الرجل فقط… مع الأسف لا يشعر الرجل بالارتياح لندّية المرأة في هذا المجال كما لا يشعر بالارتياح لهذه النّدية في كل مجالات الحياة. وقد كتبتُ مرة عن هذا الموضوع أقول فيه إن المثقف العربي من النادر أن يقتبس نصاً لامراة أو يستشهد بها عند الحديث عن محطات معينة في الأدب العربي، وكأن في هذا انتقاصاً لرجولته التي لن تتغير معاييرها حتى وإن كان مثقفاً، مع استثناء من يتمتع منهم بحس أخلاقي وثقافي عال بالطبع…
– والى اي مدى استطاع هذا الأدب ايصال الهموم والقضايا التي تعاني منها المرأة العراقية؟والى اي مدى استطاعت المرأة العراقية ان تؤكد حضورها الادبي؟
- أجد أن الكاتبات العربيات بشكل عام والعراقيات بشكل خاص قد تجاوزن الكثير من الصعوبات والتحديات سواء على صعيد الموضوع أو الذات وأصبحن على درجة كبيرة من الحرفية والتمكن الفني أو الابتعاد عن المباشرة والكتابة الانشائية.. في مرحلة من المراحل كانت هذه مشكلة المشاكل حيث كانت الذات المنكسرة هي محور أغلب الكتابات المبكرة للأدب النسوي، والآن تبدو لي الكاتبة قد تمكنت من أدواتها الفنية والفكرية واللغوية أما الكاتبة العراقية فأراها أكثر حيوية من الرجال وأدبها اكثر تشويقاً باعتراف الكثير من النقاد .. المرأة راوية بطبيعتها.. وهي التي اخترعت القص عن طريق إعادة حكاية الحدث لأغراض كانت ترفيهية أو تربوية في البداية ولكنها مفعمة بالحيوية.. ولاحظي تفاعل المرأة مع أحداث مجتمعها ستجدين هذا الحس الحيوي حاضراً لدى كل الروائيات فكتبت لطفية الدليمي (سيدات زحل) وعالية طالب(قيامة بغداد) وإرادة الجبوري(رائحة التفاح) و(رائحة الكاردينيا) وكتبت هدية حسين (نساء العتبات) و(مطر الله ) وكتبت بتول الخضيري (غايب) وكذلك إبتسام عبد الله(ميسوبوتاميا) ومي مظفر وهيفاء زنكنة وكليزار انور وسميرة المانع و دنى غالي. كل واحدة تفاعلت مع الحدث على طريقتها وبالاضافة إلى ذلك فإنهن يقدمن نمطاً جديدا من النساء سواء من حيث السلوك والمواقف أو من حيث مسارات الشخصيات.
––برأيك هل تداول مسمى النص الانثوي او الادب النسوي محاولة للتهميش ام واقع يفرض نفسه؟
- لا أظنه محاولة للتهميش بقدر ماهو تصنيف نقدي برئ قد يبوب بعض الأعمال ذات المشتركات في خانة واحدة.. لكن الواقع يقول أن كثير من الكاتبات ينزعجن جداً من مصطلح (الأدب النسوي) ويرفضن وضع كتابتهن أو إدراجها ضمن خانة هذا المصطلح لأنهن لا يعترفن بإمكانية انطوائه على البراءة أو حسن النية أو في اضعف الأحوال، على قصدية رسم الحدود بين الأدب الذي تكتبه المرأة و الأدب الذي يكتبه الرجل، وإنما إطلاق هذا المصطلح برأيهن، الهدف منه محاصرة الأدب النسوي داخل سجن جديد لإضفاء الدونية عليه، وعزله عن فضاء الأدب الإنساني الشامل الذي يكتبه الإنسان رجلاً كان أو امرأة. نازك الأعرجي، الناقدة المتميزة وذات الأفكار والأطروحات الجريئة في الأدب والنقد انتبهت إلى ذلك مبكراً ولامتنا نحن الكاتبات ،منذ زمن طويل، لأننا لا نتمسك بهذا المصطلح ونحبه ولا نعمل داخله كفريق واحد للتباري وإثبات الجدارة مع الأدب أخر هو الأدب الذي يكتبه المجتمع ممثلاً بالرجل، وقد ترافعت في كتابها النقدي (صوت الأنثى) عن الأدب النسوي مرافعة نقدية جادة وجريئة. وقالت فيه إن مصطلح الأدب النسوي يميز الكاتبة ولا يعزلها.
– وهل هناك خصوصية في الكتابة بين الرجل والمرأة؟
- أنْ يتصرف كل واحد منهما وفق طبيعته وخصائصه يعني أن يختلف أحدهما عن الآخر. فالمرأة أكثر تواضعا فيما يخص قدراتها الجسدية وأكثر إهتماما بهذا القدرات وإدامتها بكل الوسائل المتاحة من (الدلع والدلال) إلى المتابعة الصحية واستخدام الأعشاب والوصفات الشعبية. أما الرجل فعليه أن يتظاهر بالقوة حتى وإن لم يمتلك القوة، وأن يتفاخر بها حتى إن كان ضعيفاً ومهلهلاً من الداخل.. وربما بسبب عدم الاعتراف بنقاط ضعفه والالتزام بالوقاية من الأمراض، يموت الرجال قبل النساء بمعدل خمس سنوات. وكمثال بسيط على ذلك (ومن باب الطرافة لا التعميم) فان رشدي أباظة وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ وشكري سرحان وعماد حمدي وفريد شوقي ومحمود المليجي وأحمد مظهر قد ماتوا قبل صباح وسامية جمال وشادية وفاتن حمامة ونادية لطفي وسميرة أحمد ومديحة يسري.
بالإضافة إلى التظاهر بالقوة، عادة ما يهتم الرجل بموضوع واحد للمرة الواحدة وأحيانا يصعب عليه الإحاطة باكثر من موضوع حتى لو كان يخص أولاده وشؤون بيته ،بينما المرأة يمكنها الإحاطة بمختلف التفاصيل وعمل أكثر من مهمة في المرة الواحدة، لهذا نراها دائمة النشاط والحركة داخل بيتها، بل هي التي تتابع شؤونه المتشعبة ابتداء بالطبخ والتنظيف وانتهاء بطلبات الأولاد وواجباتهم الدراسية. يمكن أن نقول إن المرأة تملأ الفراغات المهمة التي يتركها الرجل، فهي تعتبرها أكثر أهمية من المتن.. لهذا عندما تكتب المرأة فإنها تعنى بالمشاعر وتنتبه للتفاصيل التي يصعب على الرجل الاحتفاظ بها في ذاكرته بل يضيق بها ويعتبرها (شغل نسوان). التاريخ، بسبب أحاديته الذكورية قد حرمنا من معرفة (شغل النسوان) هذا، فلم نر العالم إلا من وجهة نظر الرجل وهذا الرجل هو في نهاية المطاف جزء من المجتمع الذكوري الذي يقوم على استصغار المرأة وتهميش قدراتها العقلية وعدم النظر اليها مناوئاً او نداً للرجل ، ولهذا إذا أجابت المرأة عن سؤال لايعرفه الرجل، فانه يشعر بإنتقاص لرجولته ومكانته بين الجماعة … وللرجال مع الكذب صداقة حميمة فأكثرهم من أدعياء القوة والسطة والمال حتى وإن كانوا من الشحاذين أو المهلهلين من الداخل. لا أدعي إن المرأة بلا أخطاء ولا سقطات.. ولكنها على الأقل لا تمتك جوع الرجال إلى السلطة والعنجهية ولكنها تمتلك القدرة على الحفاظ على الحياة والجمال والإعتناء بكل مايديم هذا الجمال من نظافة وأناقة وألوان وعندما تكتب سينتقل ذلك إلى كتابتها فتجدها تهتم بأدق المشاعر والتفاصيل وتنتبه لكل الروحانيات والروائح والأصوات القادمة من الأعماق والأغوار السحيقة.
– ماهي العوائق التي تقف في طريق المرأة الاديبة؟؟
- قد تجابه الكاتبة في بداياتها صعوبات مجتمعية ونظرة لا تأخذها أو تأخذ عملها بالجدية الكافية ولكنها إذا تعبت وكدت واحترمت عملها وتفانت من أجله فستستطيع كسر هذا الطوق من النظرة اللا جدية.. الغريب إن هذا الطوق السميك من الريبة وتقليل الشأن قد تفرضه على الكاتبة أحيانا النساء من بنات جنسها قبل الرجال … ويكن هن أول من يبادر الى إتهام المرأة بإرتكابها ثقافة العيب والخروج عن العادات والتقاليد فيكون على الكاتبة في هذه الحالة أن تكون حاضرة للدفاع عن نفسها على الجبهتين.. المرأة قد لاتبخس المرأة حقها في الكتابة فقط ولكنها أيضا قد تفضل اللجوء الى الطبيب والمحامي والمهندس بدلا من اللجوء الى الطبيبة والمحامية والمهندسة ……وهذا ، مع الأسف، هو نتاج طبيعي لتاريخ ملبَد ومتراكم من السكون والركون الى تاريخ من مواضعات إجتماعية أدلجها الرجل وهيمن عليها وحولها الى ثوابت.. والخروج من هذا التاريخ لايحتاج إلاَ لكوة صغيرة تصنعها مخلوقة خضراء طرية الأهاب تتوق الى التحرر من الشرنقة لتتحول الى فراشة تطير في العالم وتراه للمرة الاولى. واذا كان قدر هذه المرأة الحكيمة أن تكون موهوبة لتحكي أو ترسم او تكتب فان ما تقوله سيختصر هواجس كل النساء ومن هنا تأتي وجهة النظر الداعية الى بقاء المرأة في خانة الانوثة ، التي ان غادرتها واسترجلت وبالغت بالخروج عن دورها ، فانها ستضع قدمها في منطقة ثالثة لاهي بالنسوية ولا بالرجالية أو ربما تضع قدمها في المنطقة الذكورية ذاتها، وهذه المنطقة برأينا فيها شطط كبير عن الانوثة وعن الفيزياء الطبيعية للمرأة.