مختارات لأجمل القصص الألمانية:
قبو للحزن…قبو للخلاص:
(سوف يُطلَق على قرننا هذا لقب قرن بلا دموع بالرغم من أنَّهُ قرن مُترَعٌ بالحُزن ، وتماماً ولهذه الأسباب يهرع الناس الذين لهم القدرة على مواجهة غلاء الأسعار الى قبو البصل ليقدَّم لهم طبق خشب وسكينة مطبخ بثمانين فرنكاً .. ووجبة بصل منتظمة يمبلغ اثني عشر ماركاً).
هذا ما يقوله غونتر غراس في رائعته «قبو البصل» والتي تلَّخِص ، بفكرة مذهلة، أزمة الإنسان المعاصر في حاجته المُلِّحة والظالمة الى – يوتيبيا – للقاريء مفتقدة .. الى سلام مُفتَقد .. وإلى سعادة ضائعة .. قبو البصل هو المكان الذي يذهب اليه الناس لكي ينفِّسوا عن كبتهم وأحزانهم بالبكاء بدموع حقيقية وبشهقات جارحة وعميقة .. يبكي فيه الشباب .. ويبكي فيه الآباء والامهات و البكاء مع الجماعة يكون أسهل . ولكن حتى داخل هذا الطقس البكائي الغريب هناك كوّة أمَل .. واثنان (رجل وامرأة) من مرتادي هذا القبو سيكُّفان عن المجيء إليه لأنَّهُ لم يعُد ضرورياً .
أما ساعة (فولفجانج بورشرت) – التي توقفت عند الثانية والنصف تماماً- فهي أيضاً الحلم المفقود الحلم الجميل الذي انتهى ولم يبقَ منهُ سوى عقربين متوقفين لن يتحركا ابداً لأنَّ الساعة مُهَشَّمة من الداخل … وقد يجعلها ذلك تبدو للآخرين لا تساوي شيئاً ولكنها بالنسبة للبطل تمثِّل ذكرى حميمة … وهي ايضاً الشيء الوحيد الذي تبَّقى من ماضٍ كان أجمل .
وتمضي قصص المجموعة، أو نمضي معها ، وهي تعزف على وترين رئيسين هما :
أولاً- وتر ويلات الحرب الاستعمارية وماجرَّتهُ على الألمان من دمار روحي واقتصادي واجتماعي.
وثانياً- وتر أزمة الإنسان المقهور الذي يتلمس طريقه للخلاص من خلال وهم يتشبث به أو ذكرى يستعيدها أو دموع حرّى يسكبها .. والقصص التي تستحق الوقوف عندها في مختارات قبو البصل، كثيرة .
إلاّ أنَّ قصة هنريش بل:((أيها الجواب لو وصلت أسبانيا))،تميِّز نفسها كواحدة من أجمل قصص المجموعة ، إضافةً إلى قصتي غراس وبورشرت . فالكاتب يقدِّم لنا من خلال مفارقة عودة الجندي الجريح محمولاً على نقالة الى ذات المدرسة التي كان يدرس .. فيها، صورتين متضادتين واحدة للحرب والأخرى للسلام . والصورتان مشحونتان و متنافرتان . ولكنهما قائمتان بجوار بعضهما البعض لتعطي قتامة الأولى ومرارتها اشراقة وتعلقاً بحلاوتها ..وهذه القصة ترتبط مع أغلب قصص المجموعة بقاسم مشترك هو الاعتماد على الفكرة البسيطة في ظاهرها ولكن في مغزاها ومدلولاتها الرمزية والفلسفية .. أما مهارة الكاتب فهي في أن يختفي من قصته وأن لا يمارس عليها أية لعبة لفظية أو بلاغية عقيمة .. وأن يدَع أبطاله يقدِّمون صوراً حيِّة وصادقة ومرهفة زبدةً أو ثَمَرة، لخبرة طويلة وعميقة في الحياة.
إنَّ قراءة (قبو البصل) لا تحيلنا فقط الى أهمية ترجمة مثل هذه الروائع إلى العربية ولكن إلى الإشارة أيضاً بالجهد الترجمي المبذول في هذا العمل سواء من خلال انسيابية الترجمة و سلاستها أو من خلال الحفاظ على الأسلوب الخاص لكل كاتب .. وهذا أصعب ما في الموضوع.
ميسلون هادي
مجلة ألف باء
العدد:٩٩٢
٧-صفر-١٤٠٨ ه
٣٠-أيلول-١٩٨٧ م.
صفحة: 54