عن قصة كوميديا الزواحف القصيرة

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


كوميديا الزواحف: محمد شمسي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بـأول رواية، في آذار 1967، وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ نشر سلسلة وقفات قصيرة، على حسابي في الفيس بوك، مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو من ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات، وهي وفقات بسيطة ولا يمكن أن أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى منتصف السبعينيات حين كنت لما أزل في بداية العشرينيات من عمري. وستكون غالبية وقفاتي وليست جميعها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند قصة “كوميديا الزواحف” الطوية (1979)، لمحمد شمسي (ميسان/ 1943-1996).


محمد شمسي كاتب ذو مواهب إبداعية متعددة، فقده الأدب العراقي مبكراً، حين توفي عام 1996 وعمره لمّا يتجاوز بعد السنة الثالثة والخمسين. عُرف بالنقد، والشعر، والقصة، وأدب الرحلة، وأدب الأطفال، والأهم رواية الفتيان التي نعد محمد شمسي رائدها في العراق باستحقاق. وضمن ذلك له قصة طويلة واحدة هي “كوميديا الأشباح” التي نتوقف عندها هنا.


“القصة بأكملها تقريباً هي عبارة عن لحظات تداعٍ في وعي بطلها، شخصيتها الوحيدة تقريباً، متداخله مع ما يرقبه بعينين متحفزتين ومثارتين بما يراه بجانبه، متدخلاً مع غير قليل من التخيّل، من امرأة تجلس قربه في باص. هي لحظات تداعيات ومراقبات مستوفزة تتواصل، ولحظات تنقطع فيها، لتتواصل مرة أخرى، وهكذا تمتد، وتتواص، وتنقطع، وتتقطع، وتصعد، وتهدأ وتنثار، بإيقاع سردي جميل ومثير مع إيقاع ساعات سير الباص الذي يستقله البطل وتوقفاته، وبتأثير الظلام الذي يكتنفه من جهة والضوء المتسلل إلى داخله من جهة أخرى.” من الملف الخاص بالرواية، ملفّاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.


“ها أنذا نائم، مغمض العينين، وفي رأسي تدور خيالات قديمة!… هل لهذه الخيالات القديمة أن تنطفئ وتفقد بريقها؟ هل لها أن تكون قديمة حقّاً فتترك رأسي وجسدي يمرّان من تحتها بسلام دون أن تطيح بهما وترميهما في هوة من التحفّز والاحتراق؟ ومرّت لحظات أخرى كانت صورة المرأة وصوت الحافلة القويّ هما الوحيدَيْن اللذين استطاعا أن يظلاّ قريبين مني ضمن كائنات الباص كلها، وفتحت عينيّ في الظلام. (…) ففي مثل هذه المواقف لا تستطيع العين أن تمتنع عن الرؤية، بحجج واهية تتعلق بالضوء وبالظلمة وبقدرة الحواس على الاستجابة. ها أنا أرى كل شيء بوضوح.. الفخذين المكتنزين ملتفّين بالعباءة السوداء ومرتفعين قليلاً عن قاعدة الكرسي، ومنفرجتين أيضاً.” من قصة “كوميديا الزواحف” الطويلة، لمحمد شمسي، ص83-84.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *