عن رواية العيون السود

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


العيون السود: ميسلون هادي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “العيون السود” (2002)، لميسلون هادي (بغداد/ 1954).


ميسلون هادي إحدى أهم ثلاث روائيات أو أربع كنّ وراء ما نراها الحقبة الذهبية للرواية النسوية العراقية التي انطلقت منتصف التسعينيات وتواصلت حتى الآن. لها ست عشرة رواية، وعشر مجموعات قصصية، إضافة إلى أكثر من عشرة كتب أخرى. من أهم رواياتها: العالم ناقصاً واحد، العيون السود، نبوءة فرعون، جانو أنت حكايتي، إخوة محمد.


“لمسار الرواية، حتى حين لا تكون هناك أحداث وتطورات درامية كبيرة، قدرة ذاتية على سحبك إليها ليشدك إليها، وإلى أحداثها فتعيشها، وإلى شخصياتها فتحسّها وتتعرف عليها وترافقها في اقتحام عوالمها وحيواتها، وإلى أجوائها فتألفها. تسير مع مسار الرواية فتتأثر بتطوراتها ومتغيراتها، وتنفعل مع شخصياتها وتتحاور معها، وربما ترغب بمشاركتها بالفعل واتخاذ القرار والاختيار. وفي ذلك كله يحضر أحد أكثر ما تميزت به ميسلون هادي في كتابتها الروائية والقصصية، ليسهم في فعل ذلك، نعني اللغة الخاصة المعبرة، بحس غير عادي، عن الأحاسيس والمشاعر والانفعالات والعواطف ومحاورات الروح وأسرار الدواخل الإنسانية، كما تتمثل في دواخل شخصيات القصص والروايات التي تكتبها، لتكون النتيجة منح ذلك كله حياة.” من الملف الخاص برواية “العيون السود”، لميسلون هادي، من الملفات الشخصية عن الروايات المقروءة.


” كان بيتها صامتاً دائماً.. صمتاً لم تجد يمامة مثله في باقي البيوت.. حتى عندما كانت الست هنوة تقف في المطبخ لتُعدّ الطعام، كان ذلك الصمت موجوداً لا يقطعه سوى صوت صنبور ماء يُفتح أو آنية طبخ تُرفع من مكانها، أو قطعة لحم تُقطّع بالسكين.. اعتقدتْ يمامة في البداية أن ذلك الصمت الغريب في منزلها أملاه خُلوّه من أي جهاز يمكن أن يُصدر ضجيجاً أو صوتاً غير أصوات حركتها هي.. لم يكن في بيتها هاتف يرنّ، أو مكنسة كهربائية تهدر، أو ماكنة خياطة تُدويّ، أو غسالة تقضم أو قِدْر ضغط يئزّ.. كان في البيت صوتها هي فقط (غادية رائحة) ضاحكة صائحة.. متنقلة من مكان إلى آخر بشكل متواصل يجعل الصمت، عندما تتوقف، يبدو أكثر وضوحاً بدلاً من أن يبدده.. ثم توصلت يمامة إلى أن هذا الصمت، بعد أن غاب عن ذهنها طويلاً، يبدو صائحاً بهذا الشكل الصارخ، لأنه لم يكن في البيت طفل.” من رواية “العيون السود”، لميسلون هادي، ص26-27.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *