وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
آلام السيد معروف: غائب طعمة فرمان
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “آلام السيد معروف” القصيرة (1982)، لغائب طعمة فرمان (بغداد/ 1927-1990).
يكاد النقاد والدارسون ومؤرخو الرواية العراقية يُجمعون على أن غائب طعمة فرمان هو رائد الرواية الفنية في العراق، وروايته الأولى “النخلة والجيران”- 1966- التي جاءت بعد مجموعتين قصصيتين له، تقسم تأريخ الرواية العراقية إلى ما قبل وما بعد. ومن أشهر رواياته إلى جانب هذه الرواية الرائدة، “خمسة أصوات”- 1967- و”المخاص”- 1974- و”ظلال على النافذة”- 1979.
“قيل إن فرمان أراد بالسيد معروف رمزاً للحزب الشيوعي العراقي ومعبّراً عن تجربة هذا الحزب ومعاناته خلال عقود آخرها عقد السبعينيات وتجربته فيه مع حزب البعث وتجربة (الجبهة الوطنية) التي انتهت بتصفيته نهاية السبعينيات على يد صدام حسين. ولعل إهداء فرمان لروايته القصيرة (إلى الشهداء الأحياء ممن لهم شبه بالسيد معروف) ما يؤيد هذا، على الأقل جزئياً. وأيّاً كانت قناعة أي قارئ أو عدم قناعته بهذا، فإن (السيد معروف) عندنا هو رمز فعلاً لشخصية ما أو حزب ما أو جهة ما.” من الملف الخاص برواية “آلام السيد معروف” لغائب طعمة فرمان، من الملفات الشخصية عن الروايات المقروءة.
“وكان السيد معروف يُدرك، في قرارة نفسه، أن من اليأس أن يتعشّق المرء الغروب لا الشروق، لكنه يعود ليقول لنفسه: كيف يعشق المرء شيئاً لا يذكر أنه رآه، في مجده المروي والمحكي عنه، في أي يوم من أيام حياته؟ فقد كانت الشمس تنبع من وراء ألف جدار، في مدينته الملتفّة على نفسها، كالشرنقة المتلاصقة الجدران الضيقة الأزقّة، المدينة المتراخية التي تربّى فيها وقضى شبابه، ويقضي الآن كهولته العامرة بالإيمان.” من رواية “آلام السيد معروف” القصيرة، لغائب طعمة فرمان، ص8.