وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
أطول عام: زهدي الداوودي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “أطول عام” (1994)، لزهدي الداوودي (طوزخورماتو/ 1940-2017).
زهدي الداودي روائي وصحفي ومؤلف كردي عراقي، قضى العديد من سنوات حياته خارج العراق، وكان أكثرها في ألمانيا التي درَس فيها ونال شهادة الدكتوراه في التاريخ، ودرّس أيضاً، قبل أن يعود إلى العراق أستاذاً في جامعة السليمانية. صدرت لهُ عدة مؤلفات باللغة العربية والكردية والألمانية من بينها قصص وروايات وأعمال نقدية وأخرى سياسية. من رواياته العشر أو أكثر: “رجل في كل مكان”- 1974، و”أطول عام”- 1994، و”زمن الهروب”- 1998، و”ذاكرة مدينة منقرضة”- 2010.
تقع مجريات الرواية في زمن الدولة العثمانية وحكم الكرد في منطقة كردية عراقية، وتحديداً في وادي كفران. ولأن من الواضح جداً أن الروائي ينطلق من وجهة نظر كردية خالصة، فقد دعم وجهة النظر هذه بالعناية بالبيئة الكردية والناس الكُرد والتراث الكردي، فما كاد يترك شيئاً مما يتعلق بذلك إلا وتطرق إليه من علاقات اجتماعية خاصة وأعراس وطقوس زواج وعشائر وقيم عشائرية وعلاقات عائلية، وغيرها كثير. وإذا كان هذا مبرّراً، فإن ما هو غير مبرّر، على الأقل من الناحية الفنية هو شرح كل شيء من ذلك يذكره أو يتطرق إليه أو يرد في سياق الرواية، من عادات وطقوس وقيم وأماكن وتأريخ، وهو ما ينسحب على روايات أخرى للكاتب قرأناها. من الملف الخاص عن الرواية، ضمن ملفاتي الشخصية عن الروايات المقروءة.
“وقام الجميع من أماكنهم بصورة لا إرادية وهم يبسملون ويبحثون بعيونهم القلقة عن الشيخ الذي مرّ كالطيف واختفى في جنح الظلام… وقبل أن يعود الرجال إلى أماكنهم صاح مروان من برجه: تعالوا انظروا إلى هذه الأضواء التي تلمع في كل مكان، الله أكبر، الله أكبر… وهرع الجميع إلى السطح، وانبهروا حين رأوا خطاً طويلاً من الأضواء المتلألئة في الأفق. قال مروان وهو يتصنع الدهشة: لقد رأيته بأم عيني وهو يترك وراءه هذه الأضواء، وكان يلمع مثل النور، ثم صعد بحصانه إلى السماء بسرعة فائقة مثل شهاب واختفى”.” من رواية “أطول عام”، لزهدي الداوودي.