وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
اللاسؤال واللاجواب: فؤاد التكرلي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وستكون غالبية وقفاتي وليست كلّها عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “اللاسؤال والاجواب” (2004)، لفؤاد التكرلي (بغداد/ 1928-2008).
“عمد المؤلف إلى إقامة نظام بنائي خاص نعتقد أنه نجح في استيعاب كل ذلك. فقد زاوج بين الرواية بضمير المتكلم والرواية بضمير الغائب ليصل في ذلك إلى استيعاب الحالة الداخلية لشخصية البطل وتأزمه غير العادي وهو يضعنا، من جهة، في داخله تماماً، ومن جهة أخرى في المحيط الخارجي الذي يتجنب، بوضعنا فيه، أن تبدو حالة البطل حالة نفسية بحتة منفصلة عما حولها، وكما بدت من قبل جزئياً على الأقل حالة بطل “خاتم الرمل” مثلاً، وهو ما لم يكن الكاتب ليجازف في أن يكون فيقضي على قضيته التي نعتقد أنه أراد أن يعبر عنها من خلال الرواية هذه المرة. وهذا النظام قاد بالضرورة إلى تقنية ملائمة تماماً، وهي التنقل بين الواقع المعيش للشخصية والواقع الآخر الذي لا ندرك هويته إلا تدريجياً حتى ونحن نعرف أنه لا ينفصل كثيراً عن الأول، وفي بعض مراحل الرواية بين حاضر الشخصية- زمن الأحداث- وماضيها الذي يدخل على الأول لا مكملاً بل مفسراً ومساعداً في فك بعض طلاسم الحالة التي تقدمها الرواية للبطل.” من دراستي الطويلة “سؤال اللاجواب وجواب اللاسؤال، قراءة في رواية فؤاد التكرلي “اللاسؤال واللاجواب في ضوء مناهج القراءة والتلقي”.
“استيقظ من نومه فجراً. أيقظته قشعريرة هزّت جسده كله. كان مغموراً بظلمة ثقيلة انهدت عليه فكادت تكتم أنفاسه؛ وكان يحس بنفسه منكمشاً في زاوية من غرفة نومهم، مفترشاً الأرض الباردة، يرتجف بشدة وهو يعقد ذراعيه على صدره ويطوي ساقيه إلى جسده. لم يغمر النور الحليبي المنصبّ من النافذة، إلا مساحة صغيرة من الغرفة. لم يدرك ما كان يحصل له ومَن رماه هكذا من فراشه على الأرض الثلجية… نادى مرة ثانية: “زكية، أنتِ يا زكية”، فرفعت رأسها المضطرب الشعر، ونظرت إلى الجهة التي كان فيها. لم تره أول الأمر. “ماذا؟ مَن هناك؟” “أنا عبد الستار، تعالي ساعديني، لا أدري ما حصل لي”- من رواية “الللاسؤال واللاجواب”، لفؤاد التكرلي، ص5.