وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها
المبعدون: هشام الركابي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “المبعدون” (1977)، لهشام الركابي (واسط/ 1946).
مع أن هشام الركابي لم يُكمل المسيرة الروائية التي توقعها النقاد حين أصدر روايته الأولى “المبعدون” عام 1977، فلم يضف إليها ما يعزز ما حققته، فإن روايته تلك تبقى تحتفظ بمكانتها ضمن الروايات العراقية المهمة في القرن العشرين. ولعل أهم أعماله الأخرى رواية “أعداد المدفع 106″، التي يعمد الكثير من النقاد تجاهلها، انطلاقاً من موقف غير موضوعي منها لأنها رواية حرب.
“إنها قصة مجموعة من المنفيين السياسيين، في بلدة صغيرة (بدرة)، تقف بشجاعة ضد كل ضغوط السلطة وقمعها المتمثلة، في الرواية، بشرطة البلدة وقوة الأمن، فيحافظ رجال هذه المجموعة على تنظيمهم السياسي حياً، رغم محدودية مسرح تحركهم. بل إن فقدان قائدهم لا يمنعهم من الاستمرار في الصمود وفي المحافظة على تنظيمهم وممارسة نشاطهم حتى خارج الحدود المسموح لهم بالتحرك ضمنها. والكاتب ينجح في تصوير عالم المجموعة رغم محدودية الزمن الذي تجري فيه أحداث الرواية، وهو الأسبوع الأول والأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني 1957. لقد وجد هشام الركابي في هذين الأسبوعين فضاءً زمنياً كافياً لاستيعاب أحداث الرواية وحركتها، بينما كان المكان المحدود بدوره كافياً ليحرك فيه شخوصه ويرسم عالم روايته، وكلا الزمان والمكان كانا كافيين له لكشف هذا العالم والشخصيات”. من كتابي “الرواية في العراقي وتأثير الرواية الأمريكية فيها”.
“وفكر حسن.. العمل.. العمل وحده ينكث عن كاهله هذا الإحساس السحيق بالوحدة والاندحار النفسي. عندما كان يشتغل في فتح الكوات لم يعرف الانشداه أبداً. لم يعرف مرض الأفكار والهواجس والاستغراق المقيت بحوادث لا تزال في عالم الغيب. كان نقيّاً، وكان نشطاً، وكان يندفع كالسيل لك ما يتطلّب منه. وطافت برأسه كلمات لمصطفى كان يردّدها بكثرة (العمل يغسل أبداننا من كل مخلفات البرجوازية، من كل تبعاتها، إذا ما كان عملاً هادفاً يسعى لخدمة الجماهير”. من رواية “المبعدون”، لهشام الركابي، ص294-295.