عن رواية العالم ناقصاً واحد

وقفات قصيرة جداً
عند روايات قرأتها


العالم ناقصاً واحد: ميسلون هادي
بعد خمسة عقود من العيش وسط عوالم متخيّلة دارت فيها أحداث المئات من الروايات التي قرأتها، بدءاً بأول رواية وكانت “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم، عام 1967، بدأتُ سلسلة وقفات قصيرة مستلةً من كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أو ملاحظاتي التي درجت على تسجيلها في المئات من البطاقات عن تلك الروايات. وهي وفقات بسيطة ولا أدّعي أنها نقدية، خصوصاً أن بعضها قد يعود إلى بداية العشرينيات من عمري، وغالبيتها وليست كلّها ستكون عند روايات عراقية. وقفتي اليوم عند رواية “العالم ناقصاً واحد” (2001)، لميسلون هادي (بغداد/ 1954).


ميسلون هادي إحدى أهم ثلاث روائيات أو أربع كنّ وراء ما نراها الحقبة الذهبية للرواية النسوية العراقية التي انطلقت منتصف التسعينيات وتواصلت حتى الآن. لها خمس عشرة رواية، وعشر مجموعات قصصية، إضافة إلى أكثر من عشرة كتب أخرى. من أهم رواياتها: العالم ناقصاً واحد، العيون السود، نبوءة فرعون، جانو أنت حكايتي.


“تأتي بعض قصص ميسلون هادي ورواياتها عادةً في ما يشبه الزفرات وتردّدات الأنفاس وهمسات الروح غير المسموعة دوماً من الآخرين، وتحديداً حين تكون عبارة عن أصداء في داخلها لما يجري أمامها مادياً أو يتمثّل خيالياً. من هذه الأعمال رواية “العالم ناقصاً واحد” التي تدور حول أكثر الوقائع والأحداث جسامة وعنفاً ووحشية وبعداً عن صفاء النفس ونقاء الروح، نعني الحرب، ومع هذا تبقى ميسلون هادي، فيها، عند ضفاف تلك المشاعر أو الأحاسيس عينها التي نعرف أنها تحبها. ومركُب الكاتبة التي يبقيها عند هذه الضفاف، مهما ابتعدت عنها أحياناً، هو إحساسها هو ذاته المهيمن عليها دائماً، إذ هي تتحرك وفق حركة هذا الإحساس الذي تنطلق منه كتاباتها. وهكذا فان القارئ ليمكنه أن يلمس وراء حركة الشخصيات وأفعالها وكلامها، أحاسيس تتلبسها دائما لتكون وراء صيرورة العمل كله أو كيفيته: إحساس بالزمن وبالخوف وبالحب وبالظلم وبالأمل وبالفقد… فقد كان الإحساس بالخوف وراء قصص مثل “الشخص الثالث”، والإحساس بالأمل والفقد وراء قصص مثل “الذي عاد”، والإحساس بالحب وراء قصص مثل “العيون السحرية”. وليس صعباً على القارئ اكتشاف أن الإحساس بالفقد هو وراء روايتها القصيرة “العالم ناقصاً واحد”. ولا يختلف عن هذا التشخيص، إن لم يعزّزْه قولنا إن الفقد أو الإحساس به هو ثيمة العمل”. من دراسة عن الرواية، في كتابنا “هذا الجانب من مكان صاخب، الجوهر المتكرر في الرواية العربية”.


“لا يعرف بعدها كيف تسرّب ذلك الصبي ابن جارهم المحامي بين تلك المجموعة ليمسّه من كتفه ويسأله بهدوء وحياء شديدين: عمّو صحيح علاوي مات؟
“رفع الأب نظره باتجاه الصبي والدموع تتشّكل في عينيه لأول مرة منذ أن سمع بالخبر وقال له بصوت مخنوق: إي بابا.. مات.

ثم انهار في بكاء مرير وانفجرت أبواب الحزن شظايا تناثرت في كل مكان.. وتهاوت جدران الرجال جدار ينهار بتبعه جدار آخر، وباب إثر باب إثر باب.. وأصبح نشيج الرجال جنازياً وكأنه قادم من أعماق آجال الأرحام المسماة ومتصل إلى يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت. لقد أنهار الجميع في بكاء مرير.. وبدا واضحاً أنهم يبكون الأب لا الإبن هذه المرة”. “العالم ناقصاً واحد” لميسلون هادي.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

عن رواية الضفة الثالثة

وقفات قصيرة جداًعند روايات قرأتها الضفة الثالثة: أسعد محمد عليبعد خمسة عقود من العيش وسط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *