د. حمزة في تقديم د. نجم عبدالله كاظم

ملحق
الاستماع إلى الدكتور نجم عبدالله كاظم
بقلم: د. حمزة عليوي

الاستماع إلى الدكتور نجم عبد الله كاظم الرسالة واضحة، بل ااإنها شديدة الوضوح، “إ”نها المقالة الأخيرة، كما يقول كاتبها، في سلسلة موسعة من مقالات اختصت بالتعليم الجامعي في العراق. سلسلة نهض بكتابتها الدكتور نجم عبد الله كاظم، الأستاذ المتمرس بكلية الآداب/ جامعة بغداد، والناقد العراقي المعروف بمؤلفاته النقدية الكثيرة مما يتصل بشؤون الأدب المقارن والآخر والرواية بصورة خاصة، وكان لعديد منها أن حظيَ بتقدير لافت، عربيا وعالميا؛ وحصد الجوائز المعروفة والتقدير العالي، وهو شأنها وشأن كل مجتهد يعمل بصبر وإخلاص؛ خدمة للأدب والثقافة العربية. هذه السلسلة التي نشرت خلال ما يزيد من عام، قد تعلقت بما آلت إليه الجامعة الأم، جامعة بغداد، وعموم الجامعات العراقية من تدهور مريع بدا التأسيس له مطلع سبعينيات القرن الفائت وبشكل مؤثر أكثر في نهايتها؛ بأن أصبحت الجامعة، أية جامعة عراقية، جزءا من النظام السياسي القائم. هكذا جرى، على مهل، إلغاء دور الأستاذ الأكاديمي، وهو الذي كان له رأي في أغلب شؤون البلاد المختلفة. فبعد أن كان للسياسي أن يستمع ويأخذ بالنصيحة المقدمة له من خبير مختص، رغب النظام السياسي، آنذاك، بل سعى جاهدا، وكان له ذلك، أن يحتكر الجامعة لأهدافه، حتى ضاق مختصوها ذرعاً بالمآل الوخيم، فكتب خبير مرموق فيها، وعميد سابق في أهم كلياتها، الآداب: إن حقائب الأستاذ قد ملئت بالأطعمة بدلا من الكتب والبحوث. وكان ما كان من تدهور ظل، في المحصلة، جزءاً، من تدهور النظام نفسه حتى سقوطه في الليلة الصاخبة، ليلة التاسع من نيسان.
وكان الناس، والأستاذ الجامعي في طليعتهم، فضلا عن مثقفي البلاد أجمعهم، بأمل كبير أن تنهض الجامعة بما تخلفت عنه وتركته وراءها، أن تبدأ، في الحال والتوّ، نقاشا أكاديميا يتعلق بموقع الجامعة نفسها من حيث استقلالها السياسي والوظيفي– الإداري، وبالأخص أن تُلزم القائمين على أمر البلاد بقانون خاص يلغي ما استقر من قبل من قوانين قيّدت الجامعة، ومنعتها من ممارسة دورها الفاعل في قيادة مجتمع تعشش فيه الأمية، والأهم أنه هو نفسه مجتمع ما بعد الديكتاتورية بما استقر فيه من نوازع وسلوكيات وأفكار تجنح بعيداً عن مصلحة البلاد الكلية. لكن واقع ما جرى خالفَ هذه الآمال والتوقعات؛ فقد عادت الجامعة وانتظمت من جديد ضمن توجهات النظام السياسي، بل إنها قد قدمت نفسها نِذراً لأجل ترسيخ هكذا نظام بما شهده من فوضى عارمة وتغيّب فكرة السلطة عينها، حتى لكأن الجامعات في العراق، بغداد أو غيرها، قد سعت بوعي، “أ”و دونه، لإثبات صحة ما ينسب للباشا نوري السعيد، من مقولة تخص وظيفته الرئيسة في العراق، إنه الغطاء المحكم المانع من تدفق طوفان القاذورات على الناس. وللأسف هذا ما حصل وسيحصل. فما كان يتم بعيدا، وينفذ بخفاء، ربما، أصبح الآن علناً وبألوان الطيف الكاملة.. نعم، “وبأسف مُرّ ومرير، فإن هناك انهياراً كاملاً لبنى التعليم الجامعي في العراق. ولا أريد أن أدخل، هنا، في التفاصيل المُرّة لهذا الانهيار مما لا يتسع “إ”ليه المجال، و”أ”غلبه قد ناقشه الدكتور نجم عبد الله في سلسلة مقالاته، وهي الأهم هنا؛ لأنها رفضت “أ”ن تتوقف عند قشور القضية، فيما يخص الراتب الذي يتقاضاه الأستاذ الجامعي، إنما هو تحصيل حاصل لمكانة الأستاذ الجامعي في الهرم الوظيفي والمجتمع عامة.
في هذا المقال الذي خص به، د. نجم عبدالله كاظم، جريدة العالم البغدادية، وهو، للأسف، الأخير في سلسلة ما كتب، يلاحق الدكتور نجم عبد الله ما بدأه من تشخيص، وهو الخبير ذو الباع الواسع، والأستاذ المتمرس في تخصصه وعمله الجامعي، لكنه يكتب، الآن، بمرارة المتألم، ليس فقط لحال الجامعة الأم، بغداد، وإنما، أيضاً، مما فاض عنه من سوء فهم صدر عن زملاء له ولنا فيما يخص موقفه من تظاهرات الأساتذة الجامعيين ضد إجراء الحكومة العراقية من تخفيض الرواتب والمخصصات الجامعية. ومثلما كتب لنا، بصورة شخصية “أ”نه بسبب تجاوز بعض الزملاء الأساتذة المعلّقين باستخدام لغة غير لائقة ولا تناسب الأساتذة ولا حتى إنسان الشارع البسيط، ولأن نجم عبدالله كاظم، كما صرّح، لا يستطيع الرد باللغة نفسها فقد جعل من هذه المقالة آخر ما يكتبه عن التعليم العالي”. نعم، كل الأكاديمية العراقية خطوط حمراء لا يجوز تخطيها، أو التلاعب بها. وإذا كان دكتور نجم قد استثنى الراتب، فإنه، لعمري، تحصيل لمكانة الأستاذ الجامعي. وواقع الحال الآن يبشر بأمر يثير الانتباه حقاً، إنه بإمكان الأساتذة الجامعيين، بعد موقفهم الأخير، أن يتداركوا أمر الجامعة، ويبدأوا نقاشاً جدياً لإنقاذ الجامعات العراقية من وضعها الحالي. نعم، بإمكانهم أن يعدّوا العدة، من جديد، لإصلاح التعليم الجامعي؛ بإيجاد نظام عصري يكفل للجامعة استقلالها السياسي، والدفع بقوة في سبيل “إ”قرار قانون آخر، غير ما هو موجود، مما يجهله أغلب الطامحين لإصلاح الجامعة في العراق، وهو قانون عام 1987، وبدلاً من اقتراح أفكار وتقديمها للرأي العام كما لو أنها السبيل الأوحد للإصلاح، ثم يتبين لنا أنها ليست سوى مطالب شخصية لبعضهم مما يمكن، حتى لعميد كلية، أن يحققها. علينا أن نستمع إلى الخبراء في هذا المجال؛ فالتعليم الجامعي هو خبرة أسست لها سنوات طوال من العمل في الجامعة. ولأن ثمة أمل كبير، حقّاً، في أن يكون الأساتذة الجامعيون جزءاً من حركة الاحتجاج الشعبية لإصلاح النظام السياسي في العراق، نقرأ للدكتور نجم عبد الله كاظم مقاله الأخير، كما ينوّه، وغير الأخير كما نأمل.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

رعب كافكوي في قصص يحيى جواد

رعب كافكوي في قصص يحيى جوادقراءة لمجموعة “الرعب والرجال” في ضوء المنهج النفسيمنشورةأ د. نجم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *