نساء وحماس وأدونيس
ميسلون هادي
ارتبطت المرأة تاريخيا بالمظهر الجمالي الذي يستحسنه الرجل عبر شكلها أو صوتها أو عطرها أو قامتها الممشوقة… وقد مجّدت الإرادة الذكورية هذا الجمال الأنثوي عبر ابتكار آلهات للجمال الجسدي الخالص، كعشتار لدى البابليين، وهي نفسها إنانا لدى السومريين وعشتروت لدى الفينيقيين وفينوس لدى الرومانيين وإفروديت لدى الأغريق..
واستمر هذا التأليه من منظور الجسد قائماً للمرأة في كل الحضارات والثقافات القديمة، بل إن هذا الحضور الأنثوي الجمالي كان العامل الرئيس في تحفيز الإلهام لدى شعراء الجاهلية ومن جاء بعدهم من شعراء العصور الأموية والأندلسية والعباسية وحتى يومنا هذا.
من جهة أخرى فإن بعض المثقفين ممن يرفعون شعار تحرير المراة، ويواصلون إقحامها ضمن أولويات تمردهم وتقدميتهم وإختلافهم عن الآخرين، يفعلون ذلك أيضاً بشكل مستفز يجب النظر إليه بحذر وعدم تقبله ببراءة وحسن نية، فقد يتحجّج هذا البعض بالثقافة والحداثة والتقدمية لإطلاق مثل هذه الشعارات، ولكنه يتستّر بتلك الحداثة لإشباع روح أخرى هي روح المخدع.
في برنامج تلفزيوني بثته قناة فضائية لبنانية، تحدث أودونيس عن الكثير من مظاهر تراجع الحريات في الوطن العربي، واستنكر بعض ممارسات حماس في هذا الاتجاه، وأشار (على ذمته وعهدته) أنها أصبحت تقطع رؤوس الدمى من عارضات الملابس، إذا كانت بلا حجاب، واستنكر مثل تلك التصرفات، التي تتسم بالغلو والتطرف، وقال الكثير مما يمكن اعتباره تنويوياً وتقدمياً ويكسر حاجز (التقدم إلى الوراء) الذي أصبحنا نعيش فيه.. ولكننا شعرنا بالصدمة عندما ختم المذيع الحوار بسؤال أدونيس عن رأيه بمؤسسة الزواج، فإذا به يدعو إلى إبطال مؤسسة الزواج وإلى أن تعيش المرأة متمتعة بكامل حريتها في جسدها وعقلها وكل شيء.
ها هم إذن رجال من طراز أودونيس وأحيانا نساء من طراز نوال السعداوي يجعلون تمردهم بلا قضية عندما ينادون من جهة بتحرير المرأة واحترام حقوقها، ومن جهة اخرى نجدهم يعمدون إلى تحميل المرأة أعباءً جديدة بجعلها تعيش حالة اغتراب شديدة عن مجتمعها عبر مثل هذه الدعوات النظرية والحلول الخيالية التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع. والكثير من المثقفين ينظرون مع الأسف إلى المرأة من هذه الزاوية الطوباوية المتطرفة، فيبدون في إمساكهم بالخيط من طرف اليسار لا يقلون غلواً و(حماساً) عمن يمسكون به من طرفه اليمين كرجل الدين السعودي الذي أفتى بوجوب نقاب العين الواحدة أو رجل الدين المغربي الذي أفتى بجواز زواج طفلة في التاسعة من عمرها.
ألا يدري أدونيس كيف تعيش المرأة العازبة بالغرب ممن تزين لها الحرية الركض وراء أوهام التمرد على قيد الأسرة والزواج، لتجد نفسها، في الكثير من الأحوال، مسؤولة عن طفل بدون أب سيصبح قيداً عليها وعلى حريتها، بينما ينجو الرجل بفعلته ويهرب كما تفعل الهررة لتقوم المرأة المسكينة مقام الرجل وتتحمل مسؤوليته بالتزام الطفل وحدها مع غياب القوانين التي تحظر وجود طفل مسجل بدون أب.
هذه هي بعض مضاعفات الحرية التي تدعو إلى إبطال مؤسسة الزواج والمرأة الى التمرد على هذه المؤسسة التي لولاها لعادت الحياة الى التوحش..وفي الوقت الذي ننتظر فيه من أدونيس وغيره من رموز الثقافة والأدب أن يقدموا لنا مشاريع فكرية ونهضوية حقيقية تواصل ما تقدم به رجال دين (نعم رجال دين وليس أدب) من طراز جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وجمال البنا من مشاريع ريادية، وبأن يتمكنوا من إقناع مجتمعاتهم بأفكار يُفترض أنها تحررية واقعية، نراهم يشطحون بنا إلى تلك الشواطئ المجهولة والضفاف غير الواقعية.. )ويالها من مفارقة أنْ يمتلك بعض رجال الدين مثل هذه الرؤية المعتدلة ولا يمتلكها مثقفون من طراز أدونيس(. وبدلاً من الدعوة الى تقييد حرية الرجل فيما يتعلق بالزواج والطلاق والجنس بشكل عام وجعله مسؤولاً عن أفعاله مسؤولية كاملة تلزمه حماية ثمرات رغباته ونزواته، نرى مثل هذه المثقف يدعو بشكل معكوس إلى حرية الانفلات وما إلى ذلك من شطحات لا تقدم ولا تؤخر بل تساهم في توسيع الهوة بين المرأة ومجتمعها وتسفه حاجتها إلى رجال يقفون معها ويتحملون المسؤولية لتجد نفسها في نهاية المطاف، الذي يريده أودونيس بلا زواج، قد أصبحت ساعية لتلبية تلك الرغبات دون ضمانات أخلاقية أو مجتمعية رادعة غير قصائد الحب وأطواق الياسمين. 2010