ما أشبه الليلة بالبارحة

ما أشبه الليلة بالبارحة

ميسلون هادي

في مثل هذه الأيام من العام 2003، أي قبل ستة أعوام بالتمام والكمال، كانت الأخبار تتناقل استعدادات الحرب الوشيكة على العراق وتحشدات القوات الامريكية والقوات المتحالفة معها، للهجوم براً وجواً وبحراً، وكان العراقيون، الذين اعتادوا المحن والحروب، يتلقون الأخبار بروح عملية ويعمدون إلى خزن المؤن في البيوت وحفر الآبار في الحدائق تحسباً لانقطاع الماء إذا ما قُصفت محطات التوليد الكهربائية وتعطلت عن العمل. وعند بدء الحرب وقبلها بكثير كانت المظاهرات تخرج بالآلاف في جميع البلدان العربية وبلدان العالم للاحتجاج على هذه الحرب، بل إن مظاهرة مليونية خرجت في عقر دار المعتدي، فلا غيرت مسار الحرب ولا أثرت أصواتها المدوية قرب باب البيت الابيض أو العشرة داوننع ستريت على صناع القرار, ولا غيرت فرنسا وغير فرنسا في الأمر شيئاً، ومضت الحرب في طريقها المرسوم الذي باركه معظم الحكام العرب سرا وعارضوه جهراً. واليوم يعيد التاريخ نفسه على العرب العاربة مرة اخرى فينقسمون بين مستعين بالاجنبي للحرب على غزة وبين رافض لهذا، فهم بين حاكم تساقطت اسنانه ولم يعد لديه(حيل) للقتال ولكنه جاثم على صدر شعبه إلى أبد الآبدين، وبين متظاهر لا يملك سوى (التظاهر) وارتداء الكوفية، كما لو أنه يؤدي فرضاً عبثياً يجب القيام به بالرغم من علمه انه لن يفضي إلى نتيجة، فلا تغيير سوف يحدث، ولا جيش سوف يثور، بل ربما أصبح هذا التظاهر ظاهرة مفرحة للحكام العرب، لأنها ترفه عن الغضب المكتوم، كما هو الحال مع مسرحيات عادل إمام وغيره من أهل الكوميديا.
الجماهير هي الأخرى ليست بعيدة عن هذا الوضع (وإن كانت صادقة المشاعر)، ولكنها مرتاحة لهذا القدر ومستسلمة بان العراق وفلسطين أصبحا الاسفنجتين اللتين تمتصان كل المشاكل قبل أن تصل اليها وإلى بلادها. ولأن الذي لا يقرأ التاريخ جيدا عليه أن يعيده من جديد فان سيناريو الانقسام العربي سيعيد نفسه مراراً وتكراراً، حتى لو كلف الأمر الاستعانة بالسيناريو الاجنبي. وليس السيناريو الإسرائيلي بمختلف عن السيناريو الامريكي ولا أوباما سيختلف عن بوش أو باراك، فهم سيفعلون كما فعلوا ببغداد الجميلة، فيقصفون غزة الغالية من البحر والجو ثم يحرقونها برا بمساعدة العملاء والمتواطئين. وبينما تقصف الطائرات أهدافها بالاحداثيات الرقمية وتقنيات الليزر ستعلو التكبيرات من المآذن ويتصاعد الدخان الأسود من الإطارات، للتمويه، وتقاوم الارض المسكينة هذه التكنلوجيا المهولة بالدعوات والأسلحة البسيطة ويهجع الناس إلى بيوتهم بلا خوف حقيقي( وهل لجرح بميت إيلام ) تملؤهم الإثارة كمن يشاهد فيلما من إفلام الاكشن فيشعر بالمتعة الخفية التي يشوبها الاحساس بالرعب، وهذا (الاكشن) هو ما تحتاجه القنوات الفضائية لتروي ظمأها وظمأ المشاهدين الذين يريدون الثأر من المعتدي، ولكن الطعام ينفذ بعد أيام، والوقود يصبح شحيحا، وتختفي الكهرباء من الوجود، وتظهر التعاسة على الوجوه وفي القلوب ويتكرر سيناريو الحرب الذي يتشابه وينتهي بالخيبة في كل مرة.
2009

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *