طقوس الكتابة
ميسلون هادي
يعتبر الشطر الأول من اليـوم هـو الـوقت المفضـل للكتـابـة بالنسبة للكثير من الروائيين.. ولكن هذا لا يعني عدم وجـود بعض الاستثناءات المتميزة مثل «ديستوفسكي» الذي كان يكتب في الليل دائما… وبالرغم من أن أغلب الروائيين أثبتوا تقاعسا في مجال النهوض المبكر، فإنهم عـادة مـا يـرتبـون أمـورهم بحيث ينجزون مقدارا جيدا من الكتابة قبل انتصـاف النهـار أو بعـده بقليل.. ومن أبرز الروائيين الذين اتبعوا «روتين» البدء بالكتابة بعـد الفطـور مبـاشرة: الـدوس هكسلي وهنـري ميللـر وليـو تولستوي وتوماس مان وایریس مردوخ. أما همنغواي فقد كان يجد الفجر أفضل وقت للشروع بـالـكتـابـة ثم الاستمرار حتى منتصف النهار.
ومن الكتاب العـرب يتبع نجيب محفوظ نظـامـا خـاصـا وصارما في الكتابة وهو أيضا من الذين يفضلـون النهـار وقتـا للكتابة، إضافة إلى ما اشتهر به من تنظیم شديد للوقت، والتـزام أشد بأوقات العمل، الأمر الذي مكنه من انتاج هذا العدد الكبير من القصص والأعمال الروائيـة. وطقوس الكتـابـة لا تعني الأوقـات التي يجلس فيهـا الكـاتب إلى منضـدتـه ليكتب وحسب…. ولكنها تمتد لتشمل تفاصيل أخـرى مهمـة تسـاعـد الكاتب على شحذ ذهنـه وجـريـان افكـاره.. فبعض الكتـاب لايستطيعون البدء بالكتابة إلا بعـد قـراءة قصيـدة أو مقـال أو فصل من كتاب.. وبعضهم يفضـل المشي لفترة معينة من أجـل خلق حـالـة من الاسترخاء والصفـاء الـذهني قبـل الشروع بالكتابة… وبعضهم يكتب اينما تعن عليه الفكرة ويأتي إليـه الإلهام، سواء كان ذلك في المقهى أو البيت أو السيارة او مكان العمل، أو المطبخ!
والشعراء خاصة هم من هذا النوع الذي إذا مـا حـاصـرتـه شحنة الكتابة، فإنه يسرع إلى تفريغها على الورق مبـاشرة، أو الموبايل أحياناً، لئلا يُفقدها «التأجيل» الكثير من الوهج والشاعرية.
والشعـراء أيضـا تؤرقهم القصيدة الجـديـدة وتقض عليهم ساعات النوم اللذيذ… فـايـقـاعـاتها تظـل تطـاردهم، وتتراقص حولهم حتى وهم في مضاجعهم غارقون في النوم والأحلام، اما الروائيون فهم أكثـر ميـلا ألى العقلانية والتنظيم ربما لطبيعة كتابة الرواية التي تحتاج إلى الكثير من الوقت والحرفة والتخطيط. والروائي الفرنسي الشهير، والـغـزيـر جـدا، جـورج سیمنون كان يقوم، وقبل البدء بكتابة رواية جـديـدة، بـإلـغـاء جميع مواعيده لمدة أحد عشر يوما، ثم يقوم باستـدعـاء طبيبـه الخاص ليقيس له ضغط الدم ويفحصه فحصا شامـلا ويقـول له: «كل شيء علي ما يرام» عندئذ يبدأ سيمنون بكتابة الروايـة ،وينجزها في وقتها المحدد: «11» يوما فقط!!
وعن ذلك يقول سيمنون:
أكتب فصلا واحدا كل يوم دون أن اضيع يوما واحـدا. واذا ما تمرضت مثلا لمدة يومين خلال تلك الفترة فسـأهمل الفصـول السابقة، ولن أستمر في تلك الرواية أو أعود إليها أبداً.
جريدة البيان. التسعينات