صوت الأنثى لنازك الاعرجي:
مصطلح الادب النسوي يميز الكاتبة ولايعزلها
ميسلون هادي
قرأت ذات مرة في ( أخبار الأدب ) القاهرية موضوعاً مهماً لمنى حلمي عن الأدب النسوي, نشرته تحت عنوان ( كتابات المرأة و القراءة الخاملة ) , وفيه تدافع الكاتبة عن مصطلح الأدب النسوي و تبحث في بداياته ومعانيه و أهدافه لتحث على دراسة هذا الأدب دراسة نقدية جادة و قراءته قراءة جديدة غير خاملة بعد ان أصبحت كتابات النساء ظاهرة في العالم لايمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها , ولفت نظري في موضوعها ذلك إشارتها لكتاب اسمه ( كيف تقهر كتابات النساء ) تستعرض فيه مؤلفته جوانا روس أنواع التحيزات ضد الأدب النسوي و التي من شانها ان تحقره و تهينه و تبقيه متدنياً , إنسانياً وفنياً , ولطرافة تلك التحيزات و شدة تطابقها مع معاناة الكاتبات في كل زمان ومكان , أعيد بإيجاز عرضها كما أوردتها كاتبة الموضوع على شكل أحكام يطلقها البعض على بعض الكاتبات بعد ان يقول هي كتبت ولكن :
1-هي لا تكتب بنفسها وإنما هناك من يكتب لها .
2-إذا اعترفوا بأنها كتبت , فما تكتبه يتناول أمور تافهة .
3-هي حقاً كتبت , ولكن هناك من ساعدها في الصياغة .
4-هي كتبت بالفعل , ولكنها ليست أديبة و ماتكتبه لا ينتمي إلى جنس الأدب.
5-هي كتبت بالفعل , لكنها نسخة مكررة من ذلك الأديب المشهور .
6-هي كتبت بالفعل , ولكن مالذي أتى بها إلى عالم الكتابة أو دفعها للامساك بالقلم .
7-هي كتبت بالفعل , ولكن ماكتبته لن يعمر طويلاً و لن يكتب له الخلود!
وتقول منى حلمي في موضوعها انه من خلال تحليل هذه الأدوات الذكورية في تناول أدب المرأة في أوربا و أمريكا فان جوانا روس تفضح التعصب ضد أدب النساء , الذي يتميز بأنه ظاهرة عالمية و ليس حكراً على دولة بعينها , وان هذه الأدوات هي نفسها , و ان ارتدت ستار النقد , التي تعيد إنتاج شروط دنيوية لقهر النساء و خضوعهن ,
ان دعوة كاتبة المقال إلى نبذ مقاييس النقد ألذكوري و عدم الاهتمام بها لاتجد من يلقي السمع إليها غالباً من قبل من تعنيهن تلك الدعوة أي الكاتبات أنفسهن , لان الواقع يقول ان كثير من الكاتبات ينزعجن جداً من مصطلح ( الأدب النسوي) و يرفضن وضع كتابتهن أو إدراجها ضمن خانة هذا المصطلح لأنهن لايعترفن بإمكانية انطوائه على البراءة أو حسن النية أو في اضعف الأحوال , على قصدية رسم الحدود بين الأدب الذي تكتبه المرأة و الأدب الذي يكتبه الرجل .. وإنما إطلاق هذا المصطلح برأيهن , الهدف منه محاصرة الأدب النسوي داخل سجن جديد لإضفاء الدونية عليه , وعزله عن فضاء الأدب الإنساني الشامل الذي يكتبه الإنسان رجلاً كان أو امرأة .
الدفاع عن الأدب النسوي
نازك الاعرجي , الناقدة المتميزة وذات الأفكار و الأطروحات الجريئة في الأدب و النقد انتبهت إلى ذلك مبكراً و لامتنا منذ زمن طويل .. لأننا لا نتمسك بهذا المصطلح ونحبه ولا نعمل داخله كفريق واحد للتباري و إثبات الجدارة مع الأدب أخر هو الأدب الذي يكتبه المجتمع ممثلاً بالرجل , وها هي تترافع في كتابها النقدي ( صوت الأنثى ) عن الأدب النسوي مرافعة نقدية جادة وجريئة لتذكرنا , نحن الكاتبات بما لامتنا عليه منذ زمن طويل.. تذكير يقترب في حدته و غضبه من تعنيف الأم و ضيقها بلامبالاة بناتها وإهمالهن المستمر العنيد لتنبيهات الأم و تحذيراتها .. تفتتح نازك الاعرجي كتابها ( صوت الأنثى ) بهذه الكلمات :
لا يطرح مصطلح ( الأدب النسوي ) أو ( الكتابة النسوية ) إلا ويواجه برفض قاطع ويدفع به بعجالة و لهوجة خلف حدود من التسفيه و التجهيل و الاستخفاف و التساؤلات العبثية فيما يكاد يشبه التحريم , ونستغرب كيف يمكن لوسطنا الثقافي الذي يتلقف المصطلحات الأجنبية كما يتلقف موضات السوق ان يقف بهذه الصلابة أمام هذا المصطلح دون غيره ويحول دون تفحصه و التأمل فيه و ترشيده , ومن ثم تأصيله , ثم تقول ان معارضين ذلك المصطلح هم أربعة بينهم ( بل وأهمهم جميعاً )الأديبات أنفسهن , فما ان تسال الأديبة عن (الأدب النسوي ) حتى تجيب على الفور : ليس هناك أدب نسوي .. أنا اكتب أدباً إنسانيا ! وتشرح سبب هذه المعارضة من قبل الأديبة نفسها بالقول ان الأديبة تخشى ان هي انعزلت ( تميزت في الواقع ) تحت تسمية ذات صلة بجنسها ان تفقد حماية الرجل التي هي دائماً حماية مشروطة بالانصياع في الثقافة كما في البيت وكما في المجتمع ,ومن ناحية أخرى تدرك المرأة المثقفة هشاشة موقعها (في المجتمع خارج البيت ) وهي هشاشة غير مشروطة بنوع وكم ومستوى نتاجها , بل بمكانتها الاجتماعية التي كما تقول عنها الكاتبة , رغم كل القصائد و الهتافات و الخطب الموسمية , انها مكانة متدنية وتابعة و غير فاعلة , لذلك ترفض المرأة المصطلح و التسمية لكي تبقى في النادي الأدبي الذي هو رجولي بالضرورة ولكي لايقترن نتاجها الفكري بعملها المنزلي , فيوصم بأنه عديم القيمة فتلقى الأعراف المخلفة بظلها على نتاجها الذهني .
ثم تورد الكاتبة الحجة تلو الأخرى على ان المرأة المتميزة أو المثقفة تواجه الشرط ذاته الذي تواجهه أية امرأة أخرى , وهذا الشرط هو الذي أدى إلى وضع الإبداع الفكري أو الذهني أو أي انجاز للمرأة لايتعارض مع الأعمال الشاقة المؤبدة التي يجب ان تقدمها للمنزل , ويضعها في المرتبة الأخيرة حتى وان كانت صاحبة هذا الإبداع تتوافر على طاقات ووسائل تعبير خلاقة , و بالقدر الذي ترى فيه نازك ان الرجل ( ولي الأمر ) قد كبح المرأة وقمعها و قيد حريتها و إبداعها ووعيها الخاص فإنها تطالب كل امرأة بان تحسم اضطرابها و حيرتها و تعتز بصوتها الأنثوي الخاص و تجاهر به فلا تأنف منه أو تضيق به , ثم تستعرض المؤلفة بعد ذلك من أين جاءت التسمية و وكيف تبلورت في القرنين الأخيرين لتخلص إلى القول , ان محاولة تأصيل مصطلح الأدب النسوي لا تهدف إلى تقسيم حصص الأدب بين الرجل و المرأة ولا إلى إقامة معتزلات أدبية ولا إلى إنشاء متحف يتعرف الزائرون فيه على ( خفايا ) لم يكن بالإمكان التمتع بالتفرج عليها لولا شجاعة النساء , إنما ( النسوي ) هنا يعني اصطلاح بتصويب المنظور الذي ينظر من خلاله إلى الأنوثة ومن ثم إلى الأدب الذي تكتبه المرأة وتعديل هذا المنظور يساعدنا على رؤية المصطلح من زاوية اعتبارية جديدة للأنثى الموصوف أدبها بالنسوي نسبة إلى جنسها .
دراسات تفصيلية
بعد ان تعرف بمنهجها هذا في النظر إلى الأدب الذي تكتبه المرأة ,تقدم لنا نازك الاعرجي دراسات مفصلة لمجموعة من الكاتبات العراقيات هن الشاعرة نازك الملائكة التي أفردت لها فصلا منعزلاً جاء تحت عنوان ( من الحيرة الوجودية إلى احتقار الذات المؤنثة ) وفيه تقارن المؤلفة بين مرحلتين فكريتين من مراحل الشاعرة , وتحاول من خلال عودتها إلى مقالات اجتماعية نشرتها الملائكة في بداية الخمسينات و نهاية الستينات متابعة الخط البياني لفلسفة الشاعرة ومنظومة فكرها , وان تستقري عوامل ما تراه انقلاباً كليا و ارتكاساً لها شمل كل أصعدة حياتها وجوانب نتاجها الثقافي .
ثم تقدم دراسة أخرى عن الكاتبات القصصيات الستينيات في العراق وهن : لطيفة الدليمي , و سهيلة داود سلمان , ومي مظفر , وسميرة لمانع , وعالية ممدوح , وبثينة الناصري , وديزي الأمير , وفيه تتوصل نازك الاعرجي إلى نتيجة مهمة مفادها ان الاقتراب من( منخفض النساء ) الذي هو منخفض اجتماعي شامل قد تم بالقدر الذي لا يؤثر على مكانة الكاتبة الاجتماعية أو هويتها الشخصية , فالكاتبة تخشى ان تحال ( معرفتها ) المتجلية في عالم قصتها إلى خبرتها الذاتية , ثم تخلص فيه إلى القول بان ( فضاء الحرية ) هو ما يعوز فضاء القصة العراقية التي تكتبها الكاتبات بشكل خاص , وان اقتران (الحرية ) لدينا بـ ( العيب ) قد اثر عميقاً على مضامين القصة و بناءاتها و شخوصها و لغتها .
وفي فصل أخر حمل عنوان ( ضحايا مساقة نحو أقدارها ) تتناول المؤلفة أعمال الكاتبة المصرية سلوى بكر و التي تجد فيها إنها تناولت موضوعات و نماذج تدخل ضمن منظومة الفكر النسوي لأنها تطرح و تهدف إلى تفكيك أبنية الفكرية الذكورية التي تنظر إلى المرأة باعتبارها متلقية وضحية في نهاية الأمر , لترى نازك في الأخير ان الأدب النسوي هو ذلك الذي يدفع باتجاه رؤية النماذج و التجارب الانزياحية ( المفارقة ) بعد عودتها إلى الصف الاجتماعي أي ما تصبح عليه الشخصيات النسوية التي ( تختار ) و تتحمل مسؤولية اختيارها حيث تعود إلى الصف الاجتماعي بعد انتهاء التجربة المفارقة لقانون المجتمع .
نازك الاعرجي في كتابها ( صوت الأنثى ) كانت عنيفة في رد فعلها ضد الكاتبات اللواتي ( احتقرن ) أنوثتهن و اخترن الانضمام إلى صف الرجل / المجتمع طلباً للحماية و حباً بالسلامة وهي كناقدة , لاتريد مهادنة مع الأفكار و المواصفات و الأعراف الاجتماعية السائدة , بل تريد ان يكون للمرأة التي تنبعث لتوها , و التي خيم عليها الصمت طويلاً , صوتاً أنثوياً لا يكفي للإفصاح عن جنسها و انبعاثها فحسب , ولكن يكفي لإزعاج سلام الجنس الأخر و إقلاق راحته و الحد من هيمنته و غروره و اتكائه على وسادة من ريش المُسّلمات التاريخية و الاجتماعية المعروفة .