صرعى بغداد

صرعى بغداد

ميسلون هادي

تمت أزالة شعار أولمبياد ألعاب لندن لعام 2012 من على الانترنت وسط مخاوف من أن يؤدي الشعار إلى الاصابة بنوبات من الصرع بعد أن تلقت الهيأة المشرفة على اختبار الارشادات التنظيمية شكاوى حول سلامة الشعار كما نشر الموقع العربي للبي بي سي خبرا جاء فيه ان الهيأة الخيرية لمساعدة مرضى الصرع تلقت مكالمات هاتفية من اناس اشتكوا من اصابتهم بنوبات من الصرع بعد مشاهدتهم الشعار وقالت الجهة المسؤولة عن تنظيم أولمبياد لندن 2012 انها بصدد ادخال تغييرات على الشعار.
وأنا أقرأ هذا الخبر تداعت الى ذهني أوضاع بغداد و ما يمكن أن تسببه هذه الاوضاع المزرية لأحوال بغداد من نوبات صرع لساكينيها اذا استمر حالها وهي العاصمة على هذا المنوال من التوحش ورداءة الذوق والقبح المبين بعد أن سببت لهم ما سببت من صدمات ويأس وهروب الى المنافي واخر تلفات الدنيا …ومن الأول هكذا وليس من الاخر، كما يقول أشقاؤنا المصريون، فأن سببا رئيسا من أسباب انتشار العنف بعد الحرب هو الفوضى والانقاض والاوساخ وقلة الخدمات وانعدام الكهرباء.. بعد ذلك عندما أجرت هذه الاوضاع نهرا من الدم صرفت الملايين على الخطط الامنية ذات الاسماء المعتبرة، و تساءل كثيرون ولماذا لم تصرف اساسا على النظافة والورود ورفع الانقاض، وهل كان يمكن للعنف أن ينتشر لو أن الناس أستيقظوا على البناء والكهرباء والمشاريع العملاقة والاسواق العصرية والمطاعم الجميلة. ….. ليس العنف وحده هو من نتائج هذا القيح المكاني وأنما هجرة العقول والكفاءات وأصحاب الذوق الرفيع …إنهم يهربون من الموت إلى الحمّى، وقد أصبحت مفردات اللجوء والمعونة وطوابع الطعام أجمل في أفواههم من هذا الوطن التعيس الذي لم يعد فيه سوى الفوضى والصور القبيحة والحواجز والأنقاض والأسلاك الشائكة، فكيف يتحقق الهدوء في مكان بشع مثل هذا؟؟ كيف يشعر الناس بالسعادة في مكان فاشل وكئيب كهذا؟؟ كيف يفرحون والمكان تعيس؟؟
لقد مرت السنون وأنقاض بعض البنايات المقصوفة ومنها دائرة الاتصالات في السنك لازالت على حالها فأن النية معقودة على مايبدو لجعل هذه المدينة مكروهة كئيبة خربة وغير جاذبة لأحد وهذه حلقة مفرغة كما تعلمون فكلما زاد خراب بغداد كلما قل عدد العائدين اليها وكلما قل عددهم زادت الامور سوءا على سوء وأنتشرت العملة الرديئة وقل الذوق الرفيع أو أنعدم ومما يؤسف له أن القائمين على جماليات بغداد غير مؤهلين لذلك على مايبدو لانهم يعتقدون أن أعمار بغدادد يتمثل بصباغة جسورها ببوية خضراء أو حواجزها برسومات ما أشبهها برسوم جدران رياض الاطفال وأقامة أعمدة في غاية البشاعة في ساحاتها كما هو حادث في ساحة الفارس العربي حيث ترفع لوحات رديئة الذوق تتحدث عن العراق الموحد ودعم الاقتصاد الوطني وما إلى ذلك من شعارات وإعلانات شوهت ساحات بغداد.
أن بغداد تحتاج الى فنانيها الكبار ومعمارييها الكبار ليكونوا استشاريين في أمانة بغداد لأن العواصم أمانة في أعناق المسؤلين عنها ووجها جميلا للقادم اليها وليست ارتجالات وترقيعات توجع القلب ولاأدري هل تدرك أمانة بغداد، على أهمية الجهود التي تبذلها، أن بغداد أصبحت قرية خالية من الذوق والجمال لا ير الناس بين كتلها الكونكريتية أفقاً يريح العين ويهدّئ الأعصاب ويطرب النفوس. ولا يجدون على أرصفتها سوى تجاوزات وألوان متنافرة تسبب الصرع.
جريدة الناس.2011

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *