جمعية الشعراء الموتى.. القديم جديداً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ميسلون هادي
يحكي فيلم جمعية الشعراء الموتى، “Dead poets society” قصة مدرس للغة الإنجليزية غير تقليدي، ومتمرد على الأساليب القديمة، يلهم طلابه في الأكاديمية كيف يفهمون فردانيتهم، فتنقلب حياتهم رأسًا على عقب. يحاول “كيتنيج” تعليم طلابه أن يجد كل واحد منهم “صوته الخاص”، ومعه ينفتحون على عالم جديد من استكشاف أنفسهم، وأحلامهم.
الكاتب الشاب الذي يحمل مشروعاً، ويدركه الأدب هماً يشغله، وحلماً يستغرقه، لا يمكن لأحد من الأدباء الكبار أن ينظر له نظرة ارتياب أو استخفاف أو تعالٍ. بل على العكس من ذلك أجد أن خاصية التحديث والتمرد على القديم في حياتنا الثقافية يمتلكها الأدباء الشباب تحديداً.. وقد يمتلكها الاساتذة من طراز المدرس كيتنج أيضاً. والسؤال الذي يجب أن نسأله هنا، ومن هو الكاتب الشاب، أو المتجدد، وهل العمر كاف لتحديد الإجابة عن هذا السؤال؟ أنا مثلاً اعتبر الكاتبة الاستاذة لطفية الدليمي كاتبة شابة بأهم مقياس من المقاييس المطلوبة، ألا هو ربيعها الثقافي المتجدد الذي يعمل على تموين ثقافتنا بأحدث المعارف والأفكار في عدة مجالات من بينها مجال اللغات الأخرى.. أما بالنسبة للأسماء الجديدة بشكل عام فهي على فئات.. هناك أصحاب الرؤيا الذين يحّدثون معارفهم باستمرار، أي الأسماء الجادة في مشروعها وتطوير أدواتها، و(الشكل) يقع في المقدمة منها.. وهؤلاء سيفرضون أنفسهم على المشهد الثقافي بدون تخطيط أو ترويج. وهناك الكتاب الذين ركبوا الأمواج العالية المتكسرة على شواطيء شارع المتنبي. ولا اعتراض على هذه الظاهرة أيضاً، لأن الكم سيفرز الكيف في النهاية..
والآن لنقلب الآية، ولنتأمل الوجه الآخر للعملة، أي قبول أولئك الشباب للأجيال السابقة وتفاعلهم معها.. فقد يكون الأمر معاكساً ونغفل عنه.. أي أن الشباب هم الذين لديهم مشكلة مع من سبقهم.. ولا أعتقد ايضاً هذا سيحدث مع أي كاتب شاب جاد صاحب مشروع أدبي ينهم به.. فقبل أيام صدر كتاب شعري عراقي عنوانه (تلويحة لأحلام ناجية)، وهو كتاب مهم يضم نصوصاً وبيانات مهمة لشعراء شباب.. وأعجبني أكثر ما أعجبني فيه أن كل واحد منهم يراجع نفسه، قبل أن ينقد سواه، ولا يضع نفسه ملاكاً في مجتمع من الشياطين.. ألا أني لمست نزعة الإلغاء تلك للـ (السابقين) موجودة منذ سطر المقدمة الأول.. فجعلت تلك المقدمة الأجيال التي عاشت الزمن الدكتاتوري في خانة واحدة هي خانة (التوجيه المعنوي). معهم الحق طبعاً فيما يتعلق بخانة قصص الحرب التي سرعان ما احترقت (تحت لهيب النار)، أما خارج تلك الخانة، التي تبرأ منها حتى أصحابها، فإننا لو أخذنا عينة من أسوء وأصعب فترات ذلك الزمن الدكتاتوري، وهي فترة الحصار في التسعينات، لوجدنا الكثير من النتاج الذي انكتب في تلك الفترة قد اقترب من الشرط الفني أكثر من أي شيء آخر، فانكتب بمداد الخلق الحقيقي، مع المعذرة لأني سأذكر بعضه فقط في هذه العجالة:
(الأوجاع والمسرات، بابا سارتر، سابع أيام الخلق، رؤيا خريف، ذلك الصيف في الاسكندرية، مملكة الانعكاسات الضوئية، مصاطب الآلهة، مملكة النساء، بلقيس والهدهد، رجل في المحاق، على دراجة في الليل، رائحة الشتاء، خاتم الرمل، نهايات صيف، المعدان، رياح شرقية رياح غربية، في البستان، موسيقى صوفية، الخطأ الاول، دع البلبل يتعجب، طبيعة صامتة، العالم ناقصاً واحداً)، ومعذرة مرة أخرى إن كنت قد أقحمت تجربتي الشخصية في القراءة والكتابة أثناء تذكر تلك الاسماء. أما فيما مجال التجارب الشعرية الأخرى، فيكفي أن نتذكر شعراء بينهم كاظم الحجاج وموفق محمد ومحمود البريكان في نهره الغامض:
“النهر الغامض تحت الأرض
يجري بهدوء
يجري في الظلمة
لا صوت له
لا شكل له
يجري تحت الصحراء المحترقة
تحت حقول وبساتين
وتحت قرى ومدن
يجري.. يجري.”
جريدة المدى 2019
شاهد أيضاً
الأحلام لا تتقاعد
لو أنَّ حدّاداً تعب وهجر مهنته أو نجّاراً شاخ فتوقف عن العمل أو محاسباً بارعاً …