نصف برتقالة.. لدنيا جديدة
ميسلون هادي
هل العرب بحاجة الآن الى قصص وقصائد وروايات أم بحاجة إلى مواقف وسلوك؟؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة عند التفريق بين الكاتب والمثقف ووضع المسافة المناسبة بينهما.
في حساب التاريخ أو الخروج من التاريخ، سنجد أن هذه المسافة شاسعة جداً إذا ماتراجع الأول إلى عزلته العاجية بينما تقدم الثاني إلى ميدان من ميادين التحرير….. بل ليس للثقافة أية مسافة موصولة مع الآخر، إن لم تكن سلوكاً ومواقف. ولنا أسوة حسنة بفلاسفة النهضة الأوائل كإبن رشد، وبروادها من الكتاب العرب اللاحقين كقاسم أمين ومحمد عبدة وجمال الدين الأفغاني، والمحدثين من أمثال نصر حامد أبي زيد وأركون والجابري والعروي والطرابيشي وبكتاب أمريكا اللاتينية الذين تفاعلوا مع شعوبهم من أمثال إيزابيل الليندي وماركيز وفارغاسا الحائز على جائزة نوبل للآداب، والذي تستند أعماله على خبرته السياسية والعملية في الحياة أواخر الخمسينات من القرن الماضي وحتى التسعينات عندما خاض انتخابات الرئاسة في بيرو عام 1990 لكنه خسرها لصالح خصمه.
وكإنسانة معنية بالثقافة أحب أن أرى الذين يواجهون أعتى الدكتاتوريات بمواقفهم المشرفة، كيف يتعاطون مع المرأة؟ وهل هم تقدميون فعلاً لايقمعون المرأة ولايمارسون الظلم ضدها، لإنه من هنا تبدأ الديموقراطية الحقة.. من زاوية النظر إلى المرأة باعتبارها إنسانة محترمة وليست كائناً ثانوياً في الحياة حتى أنها تسمى بنصف المجتمع من باب المواساة، ولا نسمع من يقول مثلاً ان الرجل هو نصف المجتمع….. إن حقوقها تتراجع بالرغم من كل الشعارات، كما ونجد بعض المثقفين التقدمييين أنفسهم يعانون ازدواجية رهيبة في الفكر فيصعب عليهم الخروج من التاريخ، وهم أيضاً قد يدمرون رفيقات حياتهم بهذه الأفكار الظلامية بالرغم من إدعائهم التقدمية وتبجحهم بالأفكار الطليعية.
لن يكون مثل هذا المثقف ثائراً ولن يكون أبداً لأن الإصلاح يبدأ من النفس.. والثورة على الظلم يجب أن تشمل كل تفاصيل الظلم بالتساوي، ولا تتجزأ إلى مفردات مبعثرة تارة هنا وتارة هناك.. وبعض أولئك المثقفين هم الذين جعلوا التراكم هشاً أمام التحديات، بعد أن أضاعوا كل جهود النهضويين الأوائل والأواخر، فرحنا نبدأ مهمة شاقة من الصفر في كل مرة نواجه فيها تغييراً سياسياً، وخصوصا فيما يتعلق بالمرأة التي هي أول من يدفع الثمن عند حدوث مثل هذا التغيير.. ولهذا أجد كإمرأة الإنتفاض على الظلم مضاعفاً.. أولاً في مواجهة السلطة التي تقمع الجميع، وثانياً في مواجهة الرجال الذين يتحكمون بمصائر النساء ويفرضون عليهن القمع.. وبدون ذلك ستكون الديموقراطية مشوهة وزائفة.
يقول الباحث رشيد بنعلي: إن الانطلاق من الحديث عن وضعية المرأة ليس ترفاً أو تكلفاً إنه ضرورة، كما يشير إلى أن الحديث عن الديموقراطية لا يستقيم دون العودة والارتكاز إلى فلسفة ترسي أسس حقوق الإنسان، بمعنى طرح السؤال عن مدى إمكان تحققها في مجتمع تحكمه منظومة أخلاقية وقيمية “أبوية” تمحق الفرد وتقصيه من كل فعل سلطة. وهل كان في الإمكان الحديث عن هذه الحقوق دون وضع اعتباري لمكانة المرأة؟ إن الحديث عن وضع المرأة انطلاقا من لحظة زمنية تشبعت بقيم الحداثة والديمقراطية والممارسة السياسية التي عمادها الحريات الفردية تحت إطار كبير اسمه “حقوق الإنسان”، كل هذا لم يتأتّ للمجتمعات الديمقراطية دفعة واحدة، إنه نتاج سيرورة لم تكتمل بعد ولم تبلغ بعد ألقها الأقصى.
جريدة الناس. 2011
شاهد أيضاً
الأحلام لا تتقاعد
لو أنَّ حدّاداً تعب وهجر مهنته أو نجّاراً شاخ فتوقف عن العمل أو محاسباً بارعاً …