اذا ذهبت الى الماضي

اذا ذهبت الى الماضي
ماذا تأخذ معك؟
ميسلون هادي
كثيراً ما اتساءل مع نفسي عندما ينقطع التيار الكهربائي في المساء.. ترى كيف كان اجدادنا القدامى يقضون مساءاتهم في الماضي بلا اضـواء المصابيح الكهربائية وبهجـة بياضهـا الباهر.. وحتى وإن توفرت لهم أنـوار الفوانيس أو نيران الحطب المشتعل، كيف تراهم كانوا يقضون أوقاتهم المسائية بلا قراءة، بلاتلفزيـون ، بلا موسيقى ، بلا مذياع، بلا هاتف، أو أي تسهيل آخر من تسهيلات الحضارة المعروفة.. هذا الرذاذ من اللذاذات الاجتماعية، والذي يجعل مساءاتنا محتملـة، مالـوفة وعائلية، ترى بأي الملهيات كان الانسان القديم يستبدله؟
سؤال واقعي جربنا إجابته أیام تعطلت الطاقة الكهربائية اثناء الحروب المتكررة التي خاضها العراق، انما السؤال الذي خطر ببالي هو عن الشيء «الحضاري» الذي يأخذه الانسان معه إلى الماضي إذا ما اتيحت له مثل هذه الفرصة للذهاب إليـه، وهو سؤال غير واقعي بالتأكيد مادامت رحلة مثل هذه لن تكون واقعية لازمانياً ولا مكانياً .. مع ذلك تحدث بعض الزملاء بأشياء جادة وأخرى هازلة عندما كنا نتكلم بهذا الموضوع ذات يوم، وكان على كل واحد منا أن يذكر شيئاً واحداً فقط يؤثره على غيره ويصطحبه معه في تلك الرحلة المفترضـة، وكأنمـا اصبح السؤال هـو عن أكثر الاشياء أهمية في حياة كل منا.
فكر البعض مليا قبل أن يختار، وأجاب البعض الآخر بعفوية الخـاطر، فقـال حسن العاني: سأخذ بطاقتي التموينية!
وقال بلاسم محمد : سآخذ هويتي الشخصية !! وقالت منى سعيد : سآخـذ قلمي ! وقال سميرعلي : سأخذ سكائري !!!
وقالت إیمان فاضل: راديو ! وقال حميـد قاسم: هيلوكبتر! وسـتـار کاووش: سيارة فولكس واكن!
وسعد هادي: فيديو! ورفعة يونس : كاميرا! وخضيرالحميري : مجموعة كاسيتـات «حديثـة» مع جهـاز تسجيل طبعاً !
وأمين چيـاد: دواويني الشعريـة!! وعبـدالستـارالبيضـاني: أوراقي!!! وأشياء أخـرى ذكروهـا وذكرنـاهـا كالمولدة الكهربائية والسيارة والتلفزيون والكتب والصحف والمجلات والصور والفوتوغرافية والحذاء ذي الكعب العالي والمصباح والهاتف ومجفف الشعر والبندقية والنقود وعلبة الكبريت وأدوات الحلاقـة وفـرشـاة الاسنان والمضـادات الحيوية وحبوب اللبراكس والفاليوم والبراستيول والشاي والقهوة والسكائر….. الخ وبعد أن انتهينا من استعراض كل مايمكن أخذه معنا إلى الماضي قلنا كيف إذن كـان انسان الماضي يعيش من دون كل هذه الأشياء، ولم يكن يتذمر «ربما» او يشعربالملل؟؟!
على الأرجح لم يكن يتذمر أو يشعر الملل لأنـه لم يكن يمتلك المقارنة.. نحن نمتلك المقارنة لأننا نعيش الزمن الذي تتوفر فيه كل «مباهج» الحضارة هذه. إذن عن أي من المقتنيات البهيجة تلك يستغني وعن ايها لا يستغني اذا ما تحتم عليه الاختيار ؟!
انه بالتأكيد اما سيأخذ كل هذه الأشياء أو لا يأخذ شيئأ على الاطلاق .. إذ من المستحيل أن يؤثر شيئاً على آخر من دون أن يكون هذا الشيء الذي تركه بنفس الدرجة من الأهمية مع الشيءالذي آثره، هذا اذا لم يكن مرتبطأ معه سببيـاً وجدليـا في سلم الأولويات وعلى أية حال فإن هذه الاولويات لن تكون في يوم ما موضع امتحان مادامت رحلة مثل هذه هي مستحيلة بالاساس ولن يقيض لأحد القيام بها الافي خيال شاعري اوقصصي جانح.
مجلة ألف باء. 1995

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

الأحلام لا تتقاعد

لو أنَّ حدّاداً تعب وهجر مهنته أو نجّاراً شاخ فتوقف عن العمل أو محاسباً بارعاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *