اليد الذهبية لعبد الستار ناصر
ميسلون هادي
عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد صدرت مجموعة قصصية جديدة للزميل القاص والروائي عبد الستار ناصر عنوانها « بقية ليل »، وتتضمن واحدا وسبعين قصة قصيرة جداً.
يقول القاص في مقدمته للكتاب (: إنها جاءت عبر ما يقرب من ثلاثين سنة وإنه قد جمعها من ذاكرة المجلات والصحف العراقية والعربية، وتركها على حالها الأول حرصاً على الشكل الذي كانت عليه يوم نشرها) كما يضيف قائلا إنه لا يعلم الكثير عن تاریخ نشر كل واحدة من هذه القصص القصيرة جداً، وإنه قد كتبها على غفلة من الوقت والنساء والنقد تماماً، كما يفعل (المجرم) قبل اقترافة الجريمة!!
عندما أهداني الأخ والصديق عبد الستار ناصر هذه المجموعة مشفوعة بواحدة من ديباجاته المميزة والطريفة في الإهداء، لا أدري لماذا طلب مني أن أترفق في قراءتها .. ولم أفهم بالضبط معنى هذا الترفق الذي قصده .. أأترفق بها لأن القصص التي تضمنتها هذه المجموعة غير حديثة النشر بالرغم من انها صادرة ومجموعة في كتاب حديث النشر ؟.. ام معنى أن أترفق بها هو نفس
المعنى الذي قصده عبد الستار ناصر في مقدمة الكتاب عندما كتب يقول: (ولا أرجو أي شيء من القارىء العزيز غير أن يقرأها ببطء ، واحدة واحدة ، تماماً كما نأكل العنب، حبة بعد حبة ، بهدوء وبطء) .
على الأرجح أنه كان يقصد المعنى الثاني، وهو أن أقرأ القصص بهدوء وببطء واحدة واحدة، تماماً كما نأكل العنب، حبة بعد حبة . وهذا ما فعلته بالضبط . فقد قرأت القصص بترفق وتمهل شديدين، ولم اتفاجأ بالتأكيد بشيء مختلف عما اعتدت قراءته لهذا الكاتب العراقي المبدع من
أعمال.. فلغة عبد الستار ناصر على قدر كبير من الخصوصية حتى تستطيع منذ السطر الأول للقصة أن تتعرف على كاتبها حتى ولو لم يكن اسمه موجوداً عليها.. ومواضيعه تتسم دائماً بالمكاشفة الصريحة والجريئة بين الشخصيات الحية للعمل، حتى وإن بدا واضحاً أن إحدى هذه الشخصيات هو الكاتب نفسه، أما رؤيته فهي ذاتها التي تقدم مفارقات الحياة المرة مكسوة بغشاء رقيق من الحلوى يجعلنا نتجرعها، ونحن نبتسم لأمور تبدو في ظاهرها عابرة، ولكنها في حقيقتها عميقة الأثر ..
قلت لم اتفاجأ بعبدالستار ناصر إذن مبدعاً كبيراً وقاصاً متميزاً وصاحب قلم من نوع ثمين، ولكني قبل أن أطوي الغلاف الأخير للكتاب توقفتُ عند قائمة بأسماء المجاميع والروايات الصادرة للقاص بين العامين ( 1968 – 1996 ) ووجدت أن عددها هو واحد وعشرون كتابا تتوزع بين القصة والرواية فقط، إذ لم يذكر القاص أسماء الكتب الصادرة له في مجال ادب الأطفال، وأعتقد أن عددها هو عشرة، إذا ما أضفناه إلى العدد الأول يصبح مجموعة ما صدر للقاص واحدا وثلاثين کتاباً.
توقفت عن هذا الرقم وهالني على الفور الجهد الكبير الذي بذله هذا المبدع في كتابة ما كتب، وإذا ما علمنا أن الزميل عبدالستار ناصر هو كاتب صحفي أيضا كانت له الكثير من الأبواب الصحفية الناجحة والمقروءة في الصحف والمجلات العراقية، لتوصلنا على الفور إلى نموذج للكاتب
العصري المحترف الذي يكرس اغلب وقته للكتابة، ان لم نقل ينذر حياته لها.
ليس هذا فحسب..
وإنما نتوصل إلى حقيقة مفادها أن كاتباً يتواصل مع نفسه ومع قرائه بهذا الصدق وبهذه القوة هو كاتب نموذجي من حقه علينا أن نحتفي به كما يليق الاحتفاء، ونقدمه للقارىء كما يقدم العالم للمكتبات كتابه المقروئين الذين يحبهم ويتباهى بانتاجهم . ولعلمي أن ظروف الحصار الطارئة، والزائلة حتما بإذن الله، قد عطلت الكثير من الجوائز والمسابقات التي كان من شأنها أن تحقق مثل هذا الهدف، وتذكي روح التنافس الخلاق بين المبدعين كتاباً وشعراء وروائيين، لذلك فأني لا أنوب عن أحد، وإنما اعبر عن نفسي فقط عندما أقترح جائزة اسمها جائزة ( اليد الذهبية ) تُمنح كل عام لكل كاتب تجاوز عدد كتبه الـ ( ٢٥ ) كتاباً على أن لا تكون تلك الكتب الا بمستوى الابداع الذي يتحفنا به كبار الكتاب العرب والعراقيين، وأول من أرشحه لهذه الجائزة هو الكاتب المبدع عبدالستار ناصر حلالاً زلالاً على ما كتبته يده من قصص قصيرة، وما تكتبه الآن، وما ستكتبه للمستقبل من قصص أخرى.
وطبعا سيكون هناك في قائمة المرشحين کتاب آخرون تجاوزوا هذا الرقم في عدد ما أصدروه من كتب أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر عبدالرحمن مجيد الربيعي وخضير عبد الأمير وعبدالرزاق عبد الواحد.. ولتكن ايضاً جائزة اليد الذهبية حلالاً زلالاً على ما بذلته ايديهم من تعب نبيل في تحويل حلم واحد الى ملايين الحروف والكلمات.. . والف مبروك لصاحب « بقية ليل » كتابه الحادي والثلاثين.
جريدة العراق
7-11- 1996
شاهد أيضاً
الأحلام لا تتقاعد
لو أنَّ حدّاداً تعب وهجر مهنته أو نجّاراً شاخ فتوقف عن العمل أو محاسباً بارعاً …