عدنان المبارك وسفينته الكونية

عدنان المبارك وسفينته الكونية

ميسلون هادي

ولو كان ليلا غزته النجوم لتساءلت : هل سبق أن كنت على سطح كوكب آخر ؟
“الزاغور”
كلما اشتد جوع الرجال في العراق إلى السلطة وعطشهم إلى القوة أقول لنفسي لماذا لا يعود الإنسان العراقي إلى عناصره الأصلية ويعفي نفسه مما علق به من أوهام التاريخ وأهوال الماضي وينظر إلى المستقبل ساخرا زاهدا بما راح وما سيأتي؟؟ أين هو الفيلسوف المتأمل الذي اخترع الكتابة وكتب أول ملحمة في التاريخ؟ وأين سليل الملاحم والمسلات ووريث أرض الشعر والشارات الذي ينظر كم هو صغير قياسا إلى السماء وكم هو هش وفان فوق أرضٍ قال عنها المعري: (خفف الوطء ماأظن أديم الأرض إلا من هذه الاجساد …رب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحكا من تزاحم الاضداد ) …
سليل الماء وأبن مهد الحضارات… هو الممكن الوحيد للنجاة من هذا الخراب .. ولكنه متعال عن خرائط الدنيا وغريب في الزمان … لايعرف كيف يدعو الناس إلى صعود سفينته الأبية التي تبحر في علو ووحشة حاملة معها هذا الكائنات الكونية التي تجوب الأثير بأرواحها الأبدية المباركة .
في تلك السفينة الكونية التي تحمل أشقاء الألفية الثالثة.. عثرت على عدنان المبارك كائنا ضوئيا متعدد العيون والرؤوس ولكن بمرآة واحدة … تارة تشع خيالاً علمياً وتارة فلسفةً وفلكاً وترجمات وأخرى قصة ورواية وأساطير. إنه خبير في التساؤل عن كل شيء يراه أو يمر به . كريم لا يمر بالأشياء مرور الكرام . أثارته الدهشة عن كل صعب وعال ولم يكتف بالدهشة والسؤال ، إنما صال وجال للبحث في هذه العجائب والغرائب ووقف كاشفا الخبايا عندما يتماس العلم مع اللاهوت أو عندما يتماس التاريخ مع الميثولوجيا باحثا في أصل الحياة على الأرض وفي فكرة أن الحياة مصدرها كوكب آخر . فالكثير من العلماء و المفكرين والكتاب توقفوا وعلى مدى التاريخ أمام اللغز الأكبر : ما هي الحياة وكيف نشأت ومن أين جاءت؟، وغيرها من الأسئلة التي كانت أجوبتها تراوح بين منطقتي الواقع والخيال. وقد انطلق المبارك من كل تلك الفرضيات ليبحث في الكون الزمكاني وفي إمكانية الاتصال بين مخلوقات من أبعاد متباينة. “فالمسافات هي خرافية بين كون وآخر. كذلك هناك تباين القوانين التي لا يمكننا اليوم أن نملك ولو فكرة بسيطة عن درجاته ونوعياته. إنها حالة إمكان بالطبع و ليس استحالة. وتلك الجدران التي تفصل مناطق( الفقاعات ) ليست بالثابتة ، فهي تتحرك بشتى الاتجاهات وبسرعة قريبة من سرعة الضوء، ولو قدر لأحدنا الاقتراب من جدار كهذا لوجد نفسه في كون آخر و في اللحظة التي يبصر فيها الجدار. إنه مجرد افتراض ، فليس معلوما أيّ سفينة فضائية ستكون قادرة على تحمل الشروط الزمكانية والأخرى القائمة هناك. باختصار نحن مسجونون ، ولربما لأمد طويل ، في قفصنا ذي الأبعاد الثلاثة…. “

إذا أردت التزود بالمعارف دون التحرك من المكان ، استدعي هذا الكائن القدير عبر الأثير، فينطلق بسفينته الكونية حاملة معها إينشتاين ويونغ وجومسكي وبورخس وفرويد وأرسطو وأفلاطون ونيتشة وسقراط وهوميروس، ولك أن تسمي ما تشاء من العباقرة والمفكرين والفلاسفة الذين يقدمهم عدنان المبارك بطريقة مغايرة فهو الترجمان الذي يعرفك على قصيدة الشاعر الاعمى بكلمات لعلها أجمل من الشعر نفسه وهو الخيميائي الذي يحضر أرواح المفكر والعالم والفيلسوف بوساطة تعاويذ  من الطبيعة والميتا طبيعة ...  وهو ألآثاري في حفريات الوعي واللاوعي واللاوعي الجمعي وهو الحدائقي في جذور الحداثة وما بعد الحداثة . و من تحت معاطف الجميع  يقدم عدنان المبارك نظرياته المستقبلية سواء من خلال النن فكشن أو عبر  المخيلة التي قال عنها أفلاطون بأنها الوسيط الرباني الذي يلقح الشاعر بالإلهام ..... وهذه المخيلة ، يقول المبارك ، صارت نتاجا له شتى الهيئات التي خلقها عصر الانفجار الإعلامي والتكنولوجيا وغزو الفضاء وغير ذلك . ونتساءل كم لغة يعرف وكم بحرا عام وكم رمزا حفظ وكم نظرية فهم وما هو اختصاصه هل هو فيزيائي أم رياضي أم عالم في الألسنيات أم فلكي أم عراف أم هو جمع بصيغة المفرد ومعلم جمع، كما يليق بكاتب معاصر ، العلوم والفنون في موقد واحد ثم من دخانها خلق تجريده الخاص ورمزيته المدهونة بالعواطف والشغف.. ألهذا عندما يفلح في ارض الرواية يريدها وعاء لحكمته وأسلوباً بلا أسلوب ومكتوبا بلا كاتب، دليلي إلى ذلك زهده بالشهرة والتبويب والفهرسة ومراوغته لكل ذلك الطافي على السطح بالذهاب بعيدا إلى الجذور والأعماق منفردا مع كنزه ساخرا من كنوزنا الزائلة . لست خبيرة مثله في أن أكون قارئة للوعي واللاوعي فأعرف أفكاره ولكني ربما وجدت في الزاغور بعض أسراره.

رواية الزاغور*
ترى ماذا يفعل إفتراضا مثل هذا الإنسان عندما يصبح في مواجهة موت قادم وكيف يفكر من يشعر فجأة انه أصبح بلا مستقبل؟ بداهة أنه سينخطف الى ثقب أسود من الذهول أوينشغل بقطار لايتوقف من الأفكاروالتأملات . هنا يصبح هاشم (وهو اسم هذا الإنسان في الرواية) معنيا بالسؤال الأبدي (لماذا جئت إلى هذه الدنيا وما الغرض من تركها في هذا الميعاد أو ذاك؟). ثم يبدأ بالدخول إلى الزاغور .. إلى الدرب الذي يقوده إلى معرفة اشياء عن الحياة والكون وإحياء أفكار وفرضيات وضعها الكاتب في قنينة واحدة ورمى بها إلى البحر عسى أن يعثر عليها أحد.
عدنان المبارك يكتب هذه الرواية وكأنه يحدثنا أو يتحدث مع نفسه ، وهو كما يبدو يختار هذا الأسلوب عن عمد لأنه يكتب به رواياته الأخرى وأجده أسلوبا محببا وجديدا على الأدب العراقي الذي يعاني من عقدة راسخة ومتوارثة أن الكتابة هي مخلوق وحيد القرن كلما برزت فيه اللغة إلى أمام كلما كان ذلك أفضل أما الاعتناء بالحدث وهموم العصر فمتراجع إلى الخلف اللهم إلا بعد راهنية الأحداث الجسام التي قلبت العالم رأساً على عقب.
في الواقع إن هاشم بطل الرواية يصبح سعيدا في مواجهة موته راغبا بالثرثرة شاعرا بخفة الوجود حيث لا شجار ولا هم ولا مشاغل الحياة اليومية وسخافاتها التي قد تجعلك تقلق لوجود ثمرة طماطم واحدة فاسدة بين ثمرات (كيلو) الطماطم الذي أشتريته من البقال. أنه يصبح ساخرا أيضا في مواجهة هذا الموت :
“في نهاية السباق يتكئ ذاك الذي يرعب البشر ، بهيئته التقليدية : عباءة سوداء حجبت كل شيء عدا مقدمة الجمجمة ونقرتي العينين و ما خلفته الأسنان التي سقطت، من فراغ . بالطبع هناك اليد التي تقبض عظامها على المنجل . ولكم تمنيت أن يكون هو من الصنف الساخر أو المرح كأن يقول ( سيّد هاشم هل لنا أن نتنزه قليلا ؟ ). لا أعرف قد يحصل هذا الشيء بعد شهر أو شهرين أو أكثر. وقد يكون ( صاحبي) هذا مرتديا بذلة سموكنغ ويدعوني قبلها إلى كأس شمبانيا وسيكار فاخر.”
الزاغور بالعامية العراقية كلمة تثير الخوف قليلا لأن الزاغور قد يكون مليئا بالعقارب والأفاعي ولكنه في الرواية قد يكون جنونا يتداخل فيه الحلم مع اليقظة:
“تذكرت الآن واحدا من آخر أحلامي : دخلت غرفة وبقيت فيها عشرات القرون (ربما المئات أو الآلاف) . وما كنت متأكدا منه هو أنني لم أعرف كيف عليّ حساب هذا الزمن الخرافي ، لأن ذلك التكرار الجحيمي لانتشار لضوء ثم انتفائه بعد ساعات ( النهار) كان يعني أن ( يوما آخر ) قد انقضى وبعده الأسبوع والشهر والسنة والقرن والألفية والأخرى والتالية. وطيلة ذلك الدهر الأبدي لم أكن أعرف الغرض من بقائي في هذه الغرفة التي كانت ، في الواقع ، غرفة غير عادية بل مكانا غير واضح الحدود ولم أعرف اتساعه. فجدرانه ليست بجدران بل هي شبيهة بالستائر الصفيقة المضبّبة قليلا، وكل جدار لا يعرف موقعه بالضبط ، فهو مثل خط الأفق الذي لا نصل إليه إلى أبد الآبدين. كنت أعرف أمرا واحدا فقط وهو أن وجودي هنا يعني تلك الحياة الأخرى ، حياة ما بعد الممات ، حياة بدون هذا الجسد الهش والغادر أيضا..”.

حلم ويقظة
وأحيانا يصبح الأمر حاصل جمع الاثنين الحلم + اليقظة ليساوي قصصا خارج المألوف عن جمهورية نسائية تحت الأرض تحكمها امرأة مخادعة أو رجل يلتقي مخلوقات غير بشرية عطلت مخه ووضعته في أرجوحة متحركة بين زمنين … وقصص أخرى من هذا النوع:
“كنت معه في مكان يشبه مدينة الألعاب. كان الازدحام شديدا عند المدخل. وقف هناك رجلان أحدهما يتشبه بالشيطان والثاني بالملاك. الأول صرخ بالعابرين منزلا اللعنات على رؤوسهم والثاني كان يدعوهم الى الدخول بصوت عذب منغم”.

فأين هي حرية الخلاص لهذا الانسان المعني بالوجود حتى في خيالاته و كوابيسه و أحلام نومه ويقظتة … تساؤلات واستطرادات ودوافع وهواجس أصبحت عمراً خلف بطل الرواية هاشم ولكن يعرضه أمامه و أمامنا دفعة واحدة :
“ونحن لو ابتعدنا عن التفكير المتواصل بالمعدة والجهاز التناسلي ، بالطبع لأمد قصير ، لاكتشفنا أمورا عجيبة ولطرقت رؤوسنا أسئلة من نوع آخر : هل هناك كائنات في هذا الدرب (درب الانفجار النجومي) وهل لها همومنا وغاياتنا وأجهزتنا الجسمية ودماغنا قبل كل شيء ؟آمل بأنكم تجدونه سؤالا وجيها.”
وبما أن ” النوم توأم الموت كما قال هوميروس” فإن الراوي يدخل إلى عالم الأحلام السحيقة في القدم والخطابات الدينية و تجارب القرون التي هي كامنة عميقا في لاوعينا. وهذا ما يقول الراوي أن فروم مضى فيه باتجاه التفسير الاجتماعي لظواهر اللاوعي ، وبينها الحلم الذي وجده التعبير عن كل الأحاسيس المعاشة الطيبة منها أو السيئة وباعتباره إكمالا لفعاليتنا الاجتماعية.
ولكن هذا لا يمنعه من الاستماع إلى تفاسير مشاهير مفسري الأحلام حيث وضع المصريون، وقبل أربعة آلاف سنة ، كتابا لتفسير الأحلام. تبعهم البابليون واليونانيون والعرب والفرس واليهود والهنود والصينيون واليابانيون والمحللون النفسيون من شتى البقاع . وأحيانا يسعى الكاتب – الراوي إلى ربط العلم بالأسطورة والسحر وتخاريف الأحلام ، او يقدم لنا أيضا نظرياته الخاصة التي توجد دائماً في منطقة اللا مألوف:
“نصيحتي هي امتلاك الوعي بالجسد. ولكي ينشأ هذا الجسد كان لابد من وجود أجساد سابقة : بدءاً بالأبوين والأجداد وانتهاءً ببداية العالم. في الجسد الفيزيقي توجد ذاكرة أحوال التحسس التي مرت بها كل تلك الأجساد. وعبر هذا الزمن الذي لا يعرف الحدود تراكمت في الأجساد المعرفة والحكمة. من أجلهما جاءت نصيحتي الآنفة الذكر. كذلك يجدر بكم أن تعوا الأجساد الأخرى أيضا. الفيزيقي منها بني من الخلايا والأجهزة أي من المادة التي يسهل إخضاعها للتحليل. وهذا الجسد وسيلتنا في الطرح أي يمكننا بفضله أن نرّكب صورتنا في أعين من يحيطون بنا. كذلك فهو ما يسمى أحيانا بالجسد الأثيري أي الرحم النشط للمادة التي خلقت الجسد. وهذا يعطينا فرص التشكيل الفيزيقي للبيئة وقيام التجربة عامة. أنا اعرف بأن هذا كلام يليق بمقال علمي . أكيد أنكم عندما اشتريتم الكتاب تصورتموه من هذا الصنف الأدبي أو ذاك . لا يهمّ فإذا لم أحقق لكم المتعة فهناك بعض الفائدة”.
واقع الحال إننا نحقق الاثنين معا ونمضي مع الرواية ، لكي نشعر معه بالأسى على مآل هذا العالم الآيل للزوال: “فالتأريخ أثبت أن الصلات الإيجابية بين الأقوام من حقبة الكرامانيون كانت أقوى من الصلات التي كانت قائمة بين أقوام القرن الحادي والعشرين. ووصلنا إلى حقيقة مؤسية : الإسراع في الاكتشافات العلمية وغيرها لم يجعل الحياة أكثر نبلا. ولكن بمساعدة العلم والتكنيك أتقنوا سبل القتل – قتل الأخ لأخيه ، وجعلوها آ لية ومؤتمتة لكي تصبح جماعية عن حق ……. إنسان عصر العلم والتكنيك نسي الرسالة وحاد عن طريق الرقي الروحي الدائم.”
معلومات لا أول لها ولا آخر تحتشد بها الرواية ويثرثر بها البطل الذي يموت ولكنه يراوغ موته ويقرر أن ينبهنا إلى حقائق في غاية الخطورة:
“لابد للموجة الكهرومغناطيسية أن تضغط على وعي الإنسان. هناك أدلة الطب النفساني، وليس اللاهوت بشتى أصنافه ، على أن تلك الموجة تقوم بالنمذجة المباشرة للوعي. حينها يمكن توجيه النفس من بعد. وهذه أمنية الكل من رجال دعاية بشتى أنواعها وعسكريين وأطباء وغيرهم. في نوفوسيبيريسك يوجد مختبر تقوم أجهزة إلكترونية بالغة التعقيد بـ(تعديل) الوعي . يشرف على المختبر البروفسور سميرنوف حفيد بيريا الذي كان الساعد الأيمن لستالين. ولد الحفيد في السجن وصار اليوم خبيرا بـ(تعديل) الإعلام الصوتي ولكي يصل إلى اللاوعي مباشرة أي بدون المرور بأجهزة السمع والخضوع لوظيفتها كفارزة ومصفاة.”
يتساءل الراوي وهو يكتب روايته إن كان يهذي او هو قد دخل زاغور الجنون ثم يدرك غزارة هذا السيل من المعلومات فيمارس النقد الذاتي لما يفعله ويعلن لنا :
“صديقي ( م ) قرأ ، صدفة ، ما كتبته لغاية الأسبوع الفائت . لم يكن معجبا بالرغم من أنه ينتمي إلى الناس الذين يفكرون جيدا وعميقا. قال إن كل هذا ( كوكتيل ثقيل على المعدة ، بالطبع ليس على معدتي بل المعدة العادية ). يتصور ( م ) أن الإنسان إذا قرر طرق باب الكتابة ، أي الأدب وبالضبط القصة أو الرواية ، فعليه أن يلتزم ب(أصول ا للعبة ) أي عليه أن يكتب وهو ( مختف) أو بالأحرى( متربص ) وراء كل شيء :”
إذن العارف بأسرار اللعبة عامد على اللعب على طريقته الخاصة.. وهو بعد البحث الطويل في أسرار الحياة والكون ينبه إلى إدراك الجوهر وفهم الأمور على حقيقتها من الداخل . انه مهتم أيضا بأن لا ينتهي الإنسان في المجتمعات الحالية بتأثير المؤامرات التقنية التي تستهدف الإرادة والوعي واللاوعي. وذلك من خلال التنويم الذي تمارسه الموجات التي تبثها الأقمار الصناعية عبر التلفزيونات. وبهذه الصورة تحكم العالم فئة صغيرة من البشر.
“لا تظنوا بأن رحيلي يعني:( من بعدي الطوفان ) . فأنا لا أزال منتميا إلى جنسكم وكل ما فهمته أن هذا التقدم العلمي – التقني الهائل صار سكينا يقترب أكثر فأكثر من نحر الإنسان. “
يضع المبارك كل مسلماتنا ومواضعاتنا تحت مجهره للفحص والتمحيص ويناقش أصعب تلك القضايا كالخلود والقيامة ليقول لنا ما يقرره في أكثر من مكان عن إمكانية التداخل بين الاستنساخ والوجود الفضائي والعقل الحاسوبي العملاق:
“أنا موقن بأن هناك كومبيوترا خرافي الحجم يراقب ويسجل كل ما يحصل في الكون”

الفراشة والفردوس

ولكن العالم وهو يحاول تفسير العالم بالعلم ، ينتصر كثيراً للطبع والغريزة وإيقاع الحياة الفطري . انه يترجم حرفيا المثل العراقي الذي يقول (قصص وعتاب بمعنى جباه وعتبات ) إلى براهين مثبتة علميا تقول بأن موقع السكن وفيض الطاقة لهما تأثير حاسم على حياة الإنسان:
“تبدو من نوع خرافات العجائز لكنها وجدت تفسيرها العلمي في يومنا هذا. مثلا ليس من المرغوب فيه أن يجلس أحدهم في ركن المنضدة ( المرأة تبقى عانسا والرجل تحل به المصائب ) . السبب ؟ معلوم أن كل زاوية حادة تشع باللون الرمادي أو الأخضر السالب الذي يكون مضّرا بالصحة عندما تزداد كثافته. كذلك يصبح هذا اللون ناقلا غير مرئي للأفكار والطاقة إلى مسافات بعيدة . أن جسم الإنسان معرّض، بدون توقف ، لمفعول مختلف الطاقات.الموجبة منها والسالبة على السواء. وحسب قوة الإرادة والحالة النفسية والصحية تصطدم هذه الطاقات في الجسم وتتبادل التأثيرات ( تذكرت حكمة معاصرة : أسلوب الحياة يعكس الحالة الروحية وله تأثير على نوعية التنفس الذي يؤثر بدوره على الحالة الروحية وبذلك على أسلوب الحياة). وفيض هذه الطاقات أو نقصانها يسبب حالات المرض. كما أن هناك تأثيرا حاسما على الجسم والنفس لدورة النهار والليل و تحولات القمر والانفجارات الشمسية والموقع الجغرافي لسكن الإنسان إضافة إلى الإيقاعات البيولوجية الأخرى “.
ومن واقع هذا الإيمان بالجانب الأيسر الروحي من الإنسان يكون الفردوس ممكنا وحاضرا:
“أنا واثق بأنني لن أختفي بعد الموت. سينفصل جزء لامادي من كياني ( لا أعرف بالضبط ما هو هذا الجزء وأين موقعه ، ولربما في الخلية ولربما في المخ ) ويعود إليكم بهيئة أخرى. بالطبع أنا لا أعرف الآن هيئتي المقبلة. وإذا ترك الخيار لي فسأختار الفراشة التي لا تؤذي أحدا ولا شيئا. “
بدأت حديثي عن المبارك وأنا أتحدث عن العالم والكاتب الموسوعي وأنهيه وأنا أتحدث عن الشاعر الصوفي الروحي المتأمل العراف الذي أمتعنا في كل ما ألف وترجم وبحث وحلل وقص وروى من أسرار يختلف بها عن باقي البشر. كأنه الناجي الوحيد في سفينته الكونية وهذا هو زاده لمن يرغب التزود به والصعود معه من اجل النجاة.
صوته الداخلي هو ضوء سهران وليس لعبة نارية :
“ما العمل ، نحن مخلوقات لا تعرف كيف تسكت أصواتها الداخلية !. لا تريد أيضا أن تبقى أسئلتها بلا أجوبة. أعطوها الضوء والهواء و الغذاء والسماء إلا أنها أخذت تنبش فيها و تسأل كمن أصابته لوثة : لماذا هذا وذاك وهذه وتلك و لماذا هذه السماء؟ لا شيء غير أجوبة من نوع الفرضيات. وبعضها فرضيات قوية حقا ، تحرّك الشك إلى أكثر العقول بلادة .”
*رواية الزاغور لعدنان المبارك منشورة على موقع القصة العراقية.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي مجلة الأديب العدد 2 2025 القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *