التجربة الأنثوية

إلى متى نتلصص على كتابات المرأة من ثقب الباب؟
ميسلون هادي
في البدء .. لابد من الإشارة إلى اني قد كتبت عن هذا الكتاب بعد صدوره في عام 1994, حيث وقع في يدي ذات زيارة بابلية قامت بها القاصة الصديقة المقيمة في القاهرة بثينة الناصري إلى العراق أيام الحصار , فحملت هذا الكتاب مع ماحملت من كتب كانت لاتصلنا إلا عن طريق الصدفة , وكتبنا أيضاً كانت ممنوعة من السفر إليهم بأمر من الحصار الظالم …وهذه الإشارة لا تعرض تبريراً لتقديم هذه القراءة مرة ثانية , وإنما هي تنويه و إشارة الى ان إعادة طبع هذا الكتاب أكثر من مرة يؤشر إننا نؤذن في مالطا عندما نقول إن القارئ العربي ليس بخير وأحيانا الناقد العربي ليس بخير مادام النظر الى الكتابة الجريئة ليس إلا إنعكاس لعقدة عربية متمكنة من الجميع أسميها عقدة الرجل المقتضب.
في كتابه ( التجربة الأنثوية ) يقدم المؤلف و المحرر والمترجم صنع الله إبراهيم أفضل ما يمكن لرجل أديب ان يفعله عندما يقع في ازدواجية الفكر إذ يترجم في كتابه ذلك أحد عشر نصاً من اللغة الانكليزية يجمع بين تلك النصوص أمران الأول ان المؤلف دائما هو امرأة و الثاني ان الموضوع واحد هو الجنس .. وليس لدينا اعتراض على الأمر الأول بل على العكس هو ممايفرحنا في إضاءة ماتنتجه النساء في العالم من ابداع . ولكن الامر الثاني الذي يثير تحفظنا هو هذا التعامل المقتضب مع ( التجربة الأنثوية ) عبر اختيارات أوقعت المترجم و المؤلف و المحرر صنع الله إبراهيم في تلك الازدواجية التي اشرنا إليها قبل قليل .
يقول المترجم في مقدمة الكتاب مستشهداً باقتباس من احد نصوص الكاتبات المختارات , انه بالرغم من نوايا الجميع الطيبة فان المرأة دائماً هي التي تدفع الثمن وهو يرجو من هذا الكتاب ان يسهم في تقريب اليوم الذي لاتدفع في نساء بلادنا الثمن , وبمفارقة غريبة جداً يضيف مستنكراً في تلك المقدمة :
( وازداد وضع المرأة تدنياً وجرت محاولة إعادتها إلى ركن التفريخ لتصبح مجرد أداة جنسية كما كانت في الماضي السحيق ) .
ثم يأتي في متن الكتاب على تكريس هذه النظرة القاصرة للمرأة من خلال اختياره لتلك النصوص الأدبية الساذجة في معظمها و التي تتعامل مع موضوعة الجنس من زاوية نظر أحادية ومعزولة عن حركة الحياة الحقيقية , وكأنما قصد المؤلف ان تعني ( التجربة الأنثوية ) حمل شمعة في الظلام للبحث عن نصوص تصور حالات مأزومة أو غريبة أو خاصة ثم وضعها في غرفة واحدة لاداعي للنظر إليها من ثقب الباب ما دام المؤلف قد فتح بابها على مصراعيه واضعاً ما تحويه تحت لافتة ( الكتابات الجديدة و الجريئة ) محاولاً في مقدمته المتواضعة للكتاب تبرير تلك النصوص بتبريرات غير مقنعة من بينها الأسباب الحقيقية التي دعت مؤلفة الكتاب الأصلية إلى اختيار النصوص , ونحن لانعرف من هي تلك المؤلفة وما هي جدارتها العلمية لتصبح أسبابها مقنعة لنا كقراء نوعيين ثم ما شأننا , ونحن الآن في الالفية الثالثة وفي عالم يتفجر كالألعاب النارية عن أشكال العجائب و الغرائب و الأزمات , ما شأننا بأسباب و مبررات تلك المؤلفة وقد نشرت كتابها الأصلي في غرب الستينات وفي ظروف مختلفة وانتقالية راجت فيها مثل الشطحات و المؤلفات , وليس هناك إعتراض حقيقي على ذلك حتى وان لم تكن ( تلك الشطحات ) صالحة لكل زمان ومكان ولكن الاعتراض أن تكون تلك الشطحات ممثلة لل ( تجربة الأنثوية ) على حقيقة ما تنطوي عليه من مشاعر وأسرار حتى بالنسبة للغرب نفسه الذي نقلت عنه تلك الاختيارات .. وبالرغم من ان المؤلف يحاول نفي صفة الابتذال عن ذلك الكتاب بالتعكز على اسمين أو ثلاثة من الأسماء المعروفة لكاتبات عالميات اختار لهن إلا ان هذا لا ينّزه الكتاب من السقوط في فخ الإثارة التجارية و الابتعاد عن الروح الأدبية بل التستر خلف تلك الروح كما يفعل الكثير من الرجال لإشباع روح أخرى هي روح المخدع , الأمر الذي جعلني لا استغرب بعد ترجمته إلى العربية مشوشاً ومجزوراً فيما يبدو , الإشارة إلى إعادة طبعه أكثر من مرة آخرها عن دار الثقافة الجديدة قبل ايام كما لا استغرب أيضاً ان يقول المترجم في حيثيات تبريره لترجمة بعض نصوصه انه فعل ذلك بدوافع معينة أيام كان مقيما في بيروت أواخر الستينات , وان مجلة الحسناء قد نشرت له تلك النصوص في حينها قبل ان يوقف رئيس التحرير الاستمرار في نشرها .
يقول الكاتب أيضا انه اقبل يجمع في اهتمام وعلى مدى أعوام طويلة النصوص المماثلة في رحلة شخصية من اجل دراسة وفهم المرأة و السلوك الجنسي عامة لكي يستكمل بلا وعي كتاباً يقدمه لقراء العربية ذات يوم.. ولانستغرب اهتمام الكاتب بهذا الجانب من حياة المرأة , فهذا من حقه وشأنه وهو شان متوقع من الكثير من المثقفين ولكنهم يتحججون بالثقافة والحداثة للبحث في هذا الموضوع وواقع الحال انهم يعتبرون أدب المراة موضوعا للتحديق مثلما هو جسدها موضوع للتحديق وكلما كانت الإثارة أفضل كان التحديق أكبر. والطريف في الأمر ان المؤلف لم يدرس تلك الحالات بالفعل ( بعد ان عزلها في خانة) لتقديمها كإرهاصات أو مقدمات يخرج منها بنتائج علمية تضيء و تؤشر لتلك الفترة الانتقالية التي يتحدث عنها وهي الستينات ولكنه قدم تلك النصوص كـ ( رؤية عصرية ) و ( تجارب جريئة ) تزيد من معرفتنا للمرأة وفهمنا لأنفسنا محتفياً بها بطريقة تغري على الاستنتاج ان الكاتب النوعي قد عبر بلا وعي , عن تعطش القارئ العادي إلى النظر من ثقب الباب إلى مثل هذا النوع من الكتابات و قياسه لجرأة المرأة في الكتابة على جرأتها في طرح مثل تلك التجارب الخاصة وتلك الازدواجية التي وقع فيها مؤلف الكتاب في النظر إلى تجربة المرأة تقع أيضا ضمن هوس التحديق الذي يجعل من الصور الاباحية موضوعا لهوس الرجال وفي الوقت نفسه كتابات المرأة (الجريئة) مادة لذلك الهوس وليس لشئ آخر .وليتنا استطعنا العثور في تلك النصوص وبضمنها نصوص الأسماء التي تعكز عليها المترجم ( كتوني موريسون , وادن اوبريان , ودوريس ليسنج ) على ما يستحق النظر أو التأمل أو الترجمة حتى ضمن اصطفافه بهذه الخانة , أو على ما يمكن له ان يمثل فعلاً ( تجربة ) المرأة الحقيقية في الحياة أو (جرأتها) على طرح تلك التجربة بكل همومها وأبعادها الإنسانية و الاجتماعية و الفكرية التي تنمو و تتفاعل و تتفاقم في عالم مليء بالعاهات و الصراعات , وإنما عثرنا على نساء قابعات في قماقمهن , يجتررن مشاعر الحاجات البيولوجية البحتة من وجهة نظر أحادية و مظلمة ومعزولة تماماً عن أنواء وعواصف العالم الذي تعيش فيه بطلات تلك التجارب , ولا أريد ان اجرد كاتبات تلك التجارب من جرأتهن , التي تحسب لهن في طرح مثل هذه المواضيع الحساسة , ولكني لا استطيع فهم تبني نظرتهن الموغلة في أحاديتها إلى هذا الجانب و تقديمها إلى الآخرين على أنها إبداع عالمي جريء سيساهم في تقريب اليوم الذي لاتدفع نساء بلادنا الثمن !!!
لقد وضع هذا الكتاب الجرأة , مرة أخرى في جراب ( الجنس ) فجعلنا نتمنى فعلاً ان لاتظل المرأة في بلادنا و بلاد العالم تدفع الثمن ( ثمن النظر إليها من تلك العيون التي يندب فيها الرصاص ) مادامت تجربتها الإنسانية العظيمة لاتغري على النظر , لدى أصحاب النوايا (الطيبة) , مثل تلك النصوص الأنثوية الانتقائية الهشة التي جمعها مؤلفها بين دفتي كتاب و قدمها على أنها نماذج جريئة لأدب تكتبه المرأة .

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

النصف الآخر للقمر

ميسلون هادي القادم من المستقبل قد يرى أعمارنا قصيرة، وعقولنا صغيرة، لأنها انشغلت بالصور المتلاحقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *