ابن عربي

على حصير ابن عربي
ميسلون هادي
ميزة معارض الكتب التي تقام في العواصم العربية بين اّونة واخرى، هي انها تجعلك لفترة محددة من الوقت في خضم غابة الكتب وقطوفها الدانية، ليس بحكم اجتماعها في مكان واحد حسب ولكن بحكم توهمك بأن أسعارها قد أصبحت في متناول اليد فيجعلك ذلك تمد اليد لجمع أكبر عدد ممكن من ثمرات تلك الغابة والعودة بها فارغ الجيوب الى البيت. ومن جناح دار الفارابي بمعرض الكتاب في عمان انجذبنا لسحر الشيخ الاكبر ابن عربي، في كتاب عنه الفه الكاتب عصام محفوظ على شكل حوار مفترض تبدأ مقدمته بعبارة ما أحوجنا اليها في بانوراما الاقتتال العربي الدائر هنا وهناك وتقول تلك العبارة انه في زمن انفجار العصبيات الدينية والعرقية بفضل الاستراتيجية الصهيونية والنظام العالمي الجديد، تبدو الصوفية، في تاريخنا كما في تاريخ كل الامم، عودة الى روح الدين من حيث هو محاولة للارتقاء بالخلق الى مايسميه ابن عربي الانسان الكامل الذي يجمع في نفسه الحق والخلق معا. و طموح ابن عربي هذا لم يشغله كما باقي أهل الله، عن الارض واهلها فيخاطب أحدهم بقوله:” انما انشأك على هذه الارض فلا تعلو عليها، انها امك “.

ان قاريء هذا الكتاب ليتذكر بقوة الضجة الكبيرة التي رافقت صدور كتاب اسمه (السر) في أمريكا وهو على ما أتذكر لكاتبة استرالية، وخلاصته تقول أن التفكير السلبي هو الذي يجلب على الانسان المصائب والويلات واالتفكير الايجابي هو الذي يجلب له السعادة والطمأنينة. هذه الخلاصة التي انشغلت بها وسائل الاعلام الامريكية طويلا وخصصت اوبرا لمناقشتها عدة حلقات ولعدة اسابيع، تجدها متمثلة في صورة روحية نقية لدى ابن عربي بدءا من القدرة على اجتراح الكرامة وانتهاء بالقدرة على التجلي عن طريق المحبة، حيث يتخيل الكاتب لقاء حواريا مع ابن عربي ويسأله عن الكرامات وما شاهد منها فيذكر له حادثة حدثت لفقيه في اشبيلية وهي في مقام التوكل الذي اذا رسخ يجترح الكرامات الاربع وهي طي الارض والمشي على الماء واختراق الهواء والاكل من الكون، فيقول انه بينما يصلي ودار الباب مغلق دخل عليه شخص وسلم عليه ثم بسط له حصيرا يصلي عليه بدلا من ثوبه وقال له صل على هذا وجلس يصلي معه ثم أخذه ودار به في أرض لا يعرفها ثم رده الى بيته فقال له الفقيه يا أخي كيف يكون ذلك؟ فقال بالاربعة التي ذكرها أبو طالب المكي في كتابه (القوت) وهي الجوع والسهر والصمت والعزلة قلبا. ثم قال له : وهذا الحصير. فيسأله السامع:
-أيكون للحصير هذه القوة العجائبية يا مولانا؟

فيجيب الشيخ الاكبر:
-ليس الحصير سوى الواسطة الحسية للتوهم.
ويمضي بعد ذلك الكاتب عصام محفوظ في طرح الاسئلة على ابن عربي فيسأله هل الشيخ ضرورة للمريد وما هي مواصفات المريد الصالح وماذا عن المراد وماهي حدود التنقل وعندما يتساءل الكاتب هل لكل شيخ طريقة يقول ابن عربي:
-طريق الله هو الطريق العام.أما الطريق الى الله فيتعدد بعدد أنفاس الخلائق.

و في تأمل سيرة ابن عربي نمضي نحن مع رحلته الغنية في الحياة كيف انه انتقل من مرحلة المريد الى الشيخ أو الولي وكيف انقطع الى القبور منفردا بنفسه وكيف سار في طريق الاعتزال ثم الخلوة وعندما يسأله الكاتب متى أدركت مقام المكاشفة يخبره كيف تحول ذات يوم وهو يصلي الى نورليس له ظهر ولا قفا ولا جهات ثم يسترسل في الحديث عن الفيض والتخاطروالمجاهدة والرياضة والتجلي للوصول الى المقامات العظيمة.في هذه الحوارية أيضا يلقي الكاتب الضوء على علاقة ابن عربي بالخضر وبابن رشد وانتقاله من الاندلس الى المشرق وتنقله بين مصر ومكة وبغداد وحمص وحلب واهتمامه بالحروف ورأيه بالموت والحجاب وجواز امامة المرأة واختلاف المعتقدات والتثليث في اللاهوت المسيحي والانسان الكامل والعقل والقلب وعندما يسأله عن علاقته بالسلاطين وهل يخاف العلماء السلطان أكثر مما يخافون الله يقول له ابن عربي انهم جنحوا الى التأويلات التي تتمشى مع أغراض الملوك وقد رأينا جماعة على هذا من قضاتهم وفقهائهم.

في خاتمة الكتاب مختارات من اشعاره الروحانية وغزله الصوفي وجمهرة من نثره الحكمي جمعها المؤلف بجهد واضح ومشكور عليه من قراءته لأهم مؤلفات الشيخ الاكبركفصوص الحكم ومواقع النجوم والفتوحات المكية والتراجم والتدابير الالهية ومشاهد الاسرار وغيرها من المصنفات لعالم صوفي جليل اشتهر بالغزارة في التاليف واثرت اعماله العالم من الهند الى اوروبا وحملت فكرتها عن وحدة الوجود الى خارج حدود العالم الاسلامي.
ميسلون هادي