تقديم
مع أهمية النظرية النقدية، بما تنطوي عليه أو تهتم به، ولاسيما المناهج النقدية، لا تزال مكتبتنا النقدية العربية دونى الغنى المناسب لها، وحين أقول هذا فإنني لا أنكر الجهود التي بذلها في هذا المجال بعض النقاد ولاسيما الأكاديميين، ولكن ما عنيته أن أهمية موضوع النظرية النقدية وسعتها هما أكبر من المقدّم تأليفاً وترجمةً عنها. وأعتقد أن السبب في هذا الواقع هو أن أهم ما تُعنى، أعني المناهج النقدية، وتحديداً الحديثة، هو غربي الأصل الأمر الذي يصعّب علينا الإسهام والتأليف فيها، ومن هنا يكون مهماً جداً صدور أي كتاب في الموضوع. ولأن الموضوع أكاديمي أكثر منه نقدياً، فأنْ يتهيأ له أكاديمي أمر مهم، بعبارة أخرى أنّ من المنطقي أن يكون التأليف في النظري الأدبية والمناهج والمنهجية على أيدي من يعملون بالمناهج ووفق منهجيات، وهل من أحد أكثر من الأكاديمي يفعل ذلك؟ وتبعاً لذلك تأتي أهمية كتاب الدكتور خالد خضير الذي بين يدي القارئ. وحين أقول ذلك، فليس لأن الباجث أكاديمي فحسب، بل لأني أعرفه شخصياً أكاديمياً رصيناً وفوق ذلك مهتماً في تدريسه وأبحاثه وتآليفه بالنقد ونقد النقد ومناهج النقد.
وكتاب “سُوسيولوجية النّظرية النّقدية في الفكر الغربيّ” يأتي، وضمن النظرية والمناهج النقدية، في مجال دقيق، نعني النقد السوسيولوجي، ليتواءم بذلك مع ما يجب أن يلتزم به الأكاديمي من تجنب التوسع في هذا المجال حين يكتب ونؤلف فيه. وفوق ذلك هو حين جعله ضمن هذا الميدان، فإنه يواصل فيه مسيرة تأليفية غنية، إذ هو يأتي في أعقاب كتابين لا يبتعدان عن ذلك، وهما “سوسيولوجية النّقد القَصَصي العربي الحديث – مقاربة في نقد النّقد” و”إدراك النّص ــــ مقاربة في سوسيولوجية النّقد العربي القديم”. وهذا كله، مرة أخرى، يتوافق مع واقع حال ميدان (نظرية الأدب والمناهج النقدية) كونه أوسع من أن يستطيع مؤلف واحد إيفاءه حقه، كما هو أكبر وأوسع من أن يقدمه كتاب واحد، بل ربما أكبر وأصعب من أن يقدمه شاملاً مؤلِّف واحد. لقد كان الدكتور خالد متأنياً جداً وحريصاً على الدقة وإيفاء الموضوع الذي يختاره حقه، حين اختار النقد السوسيولجي موضوعاً لكل كتبه أو مهيمناً عليها.
لقد غطى الباحث، في كتابيه السابقتين، النتاج النّقدي العربي عموماً، في ضمن نتاجه التأريخي القديم ـــــ مرحلة النّقد العربي القديم ـــــ من حيث الكشف عن المحاولات النّقدية القديمة، التي تعاملتْ مع الأدب برؤية تقربها من المجتمع والواقع، ثم في ضمن نتاجه التأريخي الحديث ــــــ مرحلة النّقد العربي الحديث ــــــ من حيث الوقوف على أهم التّجارب النّقدية العربيّة، التي عنيتْ بتحليل الأدب تحليلا سوسيولوجيا واعياً على وفق مفاهيم (علم اجتماع الأدب) و(المنهج النّقدي السوسيولوجي). لذا جاءتْ الدّراسة الحالية (سُوسيولوجية النّظرية النّقدية في الفكر الغربيّ ــــ رصدٌ معرفي من مرحلةِ (ما قبل الحداثة) إلى مرحلةِ (ما بعد الحداثة)” لتكون حلقة ثالثة مكمّلة من حلقات دراسة النقد السوسيولجي التي يقدمها المؤلف بمنهجية دقيقة.
وفقاً لأهمية الأساس المعرفي في نظرية النقد والمناهج النقدية، انطلق المؤلف، في فصله الأول، محقاً وبمنهجية صائبة تماماً، من أسس التشكيل المعرفي، متناولاً فيه: النقد وفلسفة ما قبل الحداثة، ونظرية المحاكاة، فالانعكاس، وجمالية هيغل، وصولاً إلى النقد السوسيولوجي، لينتقل، في الفصل الثاني، إلى ما يسميها (الرّؤية النّقدية الجديدة) وما تستتبعه من طروحات ونظريات ومقتربات، منها ما تأخذ نوعاً من الاستقلال، ومنها ما تتداخل فيما بينها. أما الفصل الثالث، فهو يقودنا إلى (المدارس النّقدية الحديثة من الحداثة إلى ما بعد الحداثة. يبقى من المهو أن المؤلف ينته إلى أنّ أية محاولة لدراسة الأدب والنقد بعيداً عن أصولهما المعرفيّة، والفلسفية، والاجتماعية تكون قاصرة، ولا أريد أن أقول عقيمة؛ لأنّها من جهة تُفقد النّص الأدبي أهم صلة له بعلم الجمال الذي يسمو النتاج الأدبي به، ومن جهة تُفقد الممارسة النقدية أسسها ومنطلقاتها.
وهكذا بتهيُّؤِ مؤلف واعٍ بمجال موضوعه وبمتطلبات تناوله، يكون كتاب الدكتور خالد خضير، في النتيجة وبرأينا، ضمن المؤلفات الرصينة التي لا أشك أبداً في أنها ستشكل إضافة للمكتبة النقدية العربية.
د. نجم عبدالله كاظم
شاهد أيضاً
دراسة عن دروب وحشية
تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …