قراءة في نقد السرد في عُمان
ظواهر واتجاهات
د. نجم عبدالله كاظم
أستاذ النقد والأدب المقارن والحديث
كلية الآداب / جامعة بغداد
قراءة في نقد السرد في عُمان
ظواهر واتجاهات
د. نجم عبدالله كاظم
كلية الآداب / جامعة بغداد
مقدمـة
يبدو طبيعياً عندنا أن يتجاوز النقد في أي بلد أعمالاً أدبية إبداعية لا يتناولها لهذا السبب أو ذاك، بل نظن أن الأمر سيكون غريباً لو أننا وجدنا مثل هذا النقد يغطي في تناولاته كل الإعمال، ولكن من غير الاعتيادي ومع أدب أي أمة أن تكون هذه الأعمال كثيرة. وعندما تبقى أعمال أدبية إبداعية غير قليلة بعيدة عن تناول النقد والنقاد لها، أو بعيدة عن تناولها كما يجب، فإن ذلك لا بد أن يعني تقصيراً من هذا النقد تجاهها، ولا بد أن تكون وراء مثل هذا التقصير أسباب، وبرأينا أن هذه الأسباب لا تتعدى غالباً الآتي:
أولاً: ضعف النقد ومحدودية فاعليته في الساحة الأدبية والثقافية.
ثانياً: افتقاد النقد الاحترافي والناقد المحترف.
ثالثاً: الإغراق في التنظير على حساب التطبيق.
وإذا ما قررنا وجود مثل هذه الأعمال الأدبية، وتحديداً القصصية في عُمان بعيدةً عن تناول النقد لها أو عن نول استحقاقاتها من هذا الاهتمام، فإننا نستطيع ابتداءً تعلقاً بالنقد والجهد النقدي عموماً، ونقد الفنون السردية خصوصاً أن نستبعد السبب الثالث، ببساطة لمحدودية التنظير في هذا البلد وارتباطه بأسماء محدودة جداً. ويندمج عندنا السببان الأول والثاني مضافاً إليهما شيء من خصوصية النشاط النقدي في هذا البلد ليكون في النتيجة سبب واحد نصوغه بالشكل الآتي:
ضعف النقد ومحدودية احترافيته لحساب ما يسمى النقد الوافد غير الدائم
من هنا تأتي بعض مبررات موضوعنا ودوافعه وبما يعني أننا ننطلق من مبررات ودوافع أخرى أيضاً، منها رسم صورة لنقد السرد العماني كما هو فاعل تطبيقياً بمعزل عن هوية ممارسيه عمانيين كانوا أم غير عمانيين– وافدين أم غير وافدين. ولأننا معنيون في سبيل ذلك بالضرورة بالتوصل إلى توصيف لهذا النقد فإن هذا سيحمل من المعيارية ما لا يمكن– إذا كان هذا ممكناً في النقد ذاته– تجنبه في نقد النقد. وتعلّقاً بهذا التوصيف- المبرر الأول- وهذه المعيارية يبرز الهدف أو المبرر الآخر، وهو وضع اليد على جوانب التألق والتوفيق في هذا النقد، وعلى جوانب السلب والقصور، ليسعى من يقتنع بذلك إلى تعزيز الأولى وتجاوز الثانية.
تمشياً مع مبررات ورقتنا هذه وأهدافها كان اختيارنا لجانبين، أو لجانب واحد ذي بعدين من جوانب هذا المنجز النقدي، نعني الظواهر التي يمكن رصدها فيه أو الاتجاهات التي يتمثّل فيها، وإبعاد التوصيف والتبويب وفق المناهج والاتجاهات. بناءً على هذا كان عنوان الورقة “قراءة في نقد السرد في عُمان.. ظواهر واتجاهات”. والواقع أننا وجدنا أن السبق إلى الكلام عن المناهج والتنظير فيها سيعني السباحة في مياه ضحلة لا توصلنا إلى المرفأ الذي نبغيه، نعني مرفأ توصيف النقد ووضع اليد على إنجازه وقصوره كما نأمل أن نخرج به من النماذج النقدية التي وصلت إليها أيدينا، في بعض الدوريات بشكل خاص. وهنا وتعلقاً بهذا سنستبعد من بحثنا ومن توصيفنا للنقد في السلطنة النقد الأكاديمي، ونقصد به تحديداً المنجز النقدي في رسائل جامعية أو ما يقترب منها. ومبررنا في ذلك يكمن في أن هذا النقد هو غالباً للدرس الجامعي أكثر منه للقراء وللحركة الأدبية التي تهمنا، فكانت مرصدنا. وإذا ما كان المقصود بـ(الظواهر) واضحاً فإن ما نقصده بـ(الاتجاهات) التي اتخذناها بديلاً عن ألفاظ أو مصطلحات أخرى مثل (المناهج، والأنواع)، كما أشرنا، فهو توصيف المنجز النقدي وفقاً للأصول وطرق التناول وأساليب المعالجة والدراسة، وبعيداً إلى حد كبير عن تحديد مناهجه، وذلك ببساطة لمحدودية وجود مثل هذه المنهجية النقدية مستقلةً في هذا المنجز، وهي المنهجية التي، بسبب هذه المحدودية، ستحتل عندنا شكلاً أو اتجاهاً ضمن اتجاهات النقد المدروس.
وفي انشغالنا بتتبع الحركة النقدية في السلطنة، كان طبيعياً جداً في بداية دخولنا إلى عملية التعامل النظري مع النقد– نعني نقد النقد – أن نرصد أهم ما تناول هذه الحركة من دراسات. ولأننا نبغي الانطلاق من الموضوعية والحيادية والعلمية في هذا التعامل، فلا يمكن لنا ونحن نرى نموذجاً من هذا الذي تناول هذه الحركة من نقد النقد يبتعد فيه صاحبه ابتعاداً ملموساً عن مثل هذه المُثل والقيم النقدية، إلا أن نتوقف عند هذا النموذج، خصوصاً أنه أكبر متابعة متحققة معروفة وأكثرها تفصيلاً. نعني بهذا منجز الناقد الدكتور سعيد علوش عن النقد العماني المتمثّل في كتابه الضخم “أطروحة الثقافة الخليجية في نقد النقد الأدبي العماني”. ولضخامة هذا الجهد الضخامة التي لا نجدها على أية حال مقنعة مقارنة بمحدودية منجز الحركة النقدية في عمان، فقد كان لزاماً علينا، قبل الانطلاق في متابعتنا نحن، التوقف عندها في مبحث خاص، لتقويمها بموضوعية سنحرص عليها.
المبحث الأول
نقد نقد السرد العماني
وكتاب سعيد علوش
هكذا يتضح سبب البدء هنا بوقفة عند كتاب الدكتور سعيد علوش حول النقد العماني. وبسبب جوهرية ما لنا عليه من مآخذ علمية ومنهجية وأدبية وربما أخلاقية، ولأننا لا نحتاج انطلاقاً من هذا تحديداً الدخول في تفاصيل هذا الكتاب وعرضه، فإننا نجد كافياً أن تكون هذه الوقفة من خلال تسجيل مآخذنا عليه، لنضمن أن لا تكون هذه الوقفة عبئاً على ورقتنا وعلى قارئها. وعليه نوجز هذه المآخذ فيما يأتي:
أولاً– ضعف المنهج التأليفي، فبالرغم من إقحام عناوين هي في دلالاتها المفترضة أكبر من محتوى ما عُنونت لها من (أبواب) أو ما يُفترض أنها (فصول)(1)، لا نكاد نجد حقيقة ما يربط ما بين هذه الوحدات أو ما يضعها ضمن خط بحثي واضح، بل هي أقرب إلى الوحدات المستقلة، كل بنفسها بحيث لا تملأ الواحدة منها حلقة تكون بها متممة لما قبلها وقائدة إلى ما بعدها. ولعل ذلك كان بشكل خاص وراء ما يكشفه استقراء الكتاب من الكثير مما لا يتفق مع ما جاء في مقدمته، فقد زعم المؤلف أن كتابه “يعتمد على النمذجة والتمثيل [وهما في واقع الأمر مفقودان تقريباً]. ومن هذا المنظور فقد لا يُرضي الجميع، كما أنه قد يزعج البعض الآخر [ولربما هذا إشارة لا واعية من المؤلف إلى أنه سيتجاوز على ذلك البعض] لأن الغاية الأساسية هي إيجاد إطار معرفي لحوارية الأطراف”(2). وتعلقاً بذلك، وضمن نفس المسار الذي يكشف عن ضعف المنهج التأليفي، يأتي التجاوز غير المقبول للكثير من متطلبات البحث العلمي كما يتعلمه الطالب الأكاديمي، ناهيك عن الأستاذ الجامعي. فإضافة إلى ضعف الترابط أو انعدامه بين الأبواب والفصول، يمكن أن نلحظ بسهولة عدم الالتزام بالكثير من الأصول الشكلية، لكن المهمة، مثل التهميش وأصول الإحالة ومصطلحاتها وعلامات ترقيمها، واستخدام الأقواس.. وغير ذلك.
ثانياً – ما سبق من قول عن ضخامة الكتاب وتفصيلية مادته يقودنا إلى القول إن الكتاب في ذلك عبارة عن ملاحظات مسجلة على قراءات للمؤلف لنصوص نقدية مقرونة باقتباسات من تلك النصوص. وهو من جانب ثان مجموعة من هذه المواد– ملاحظات واقتباسات- مهيأةً لتأليف كتاب أو لكتابة بحث أكثر منه كتاب أو بحث. هذا برأينا هو الذي جعله بحجم كبير- أكثر من خمسمئة صفحة من الحجم الكبير وبحرف صغير- لا يتناسب مع واقع المنجز النقدي في أية قطر عربي، بل ربما حتى المنجز النقدي العربي كله، فكيف بمنجز نقدي متواضع هو نقد القصة في عمان، على الأقل قياساً لما يتصوره أي منا عنه؟ وتعلقاً بذلك يأتي الاضطراب والتداخل في هذه المادة الضخمة وأحياناً ما بين أفكار المؤلف من وراء ذلك وفي ثناياه. ونزعم أننا لا نذهب بعيداً إذا قلنا إن بعض هذه المواد المجموعة تبدو وكأنها لم تتم حتى مراجعتها، وهو ما يبدو واضحاً في أمثلة عديدة منها المثال الآتي:
“… يمكن القول إن مبارك العامري هو رابع روائي يدخل حلبة النص الطويل والحداثي المتميز. لذلك فقد تناوله ناقدان الأول من خلال محاور هي: 1) علاقة البطل بامرأة، 2) تصاعد القلق والاغتراب، 3) حالة الانقطاع (الموت)، 4) حالة الالتباس الفكري؛ والثاني من خلال بعدين هما: 1) البعد الفني، 2) البعد المعرفي.
“ويجمع الاثنان على تمييز النص الروائي بموضوعه وشكله وأطروحته المعرفية. ذلك أن الرواية تحيل مرجعياً على فضاء وتؤشر على مؤصل لقواعد الأوزان[كذا]، مع أن هذه العنونة ليست أكثر من استفزاز لحس القارئ الموزع بين موروث غائب وحضور فضاء التواصل.
“بادئ ذي بدء لا بد من الاعتراف أننا أمام ناقدَيْن متميزَيْن بمقاربتين تكشفان عن حد أدنى من المنهجية في القراءة العالمة تقترح نقداً تشريحياً للنص يتساءل عن جمالية الحقل الروائي وأدواته ومتخيله الذي يجترح له علائق مع واقعه…
“وككل تجربة أولى توظف تجريبات وتداعيات كما تؤول حالات ثقافية بانجذابات وطموحات كما لو كان الناقد ترجماناً للقلوب والنوايا. لكن القارئ المحتمل موجود هنا ليحقق إنجاز النص الفعلي في معادلة تكشف عن عمق التواصل أو انفراط عقده، ما دامت كل كتابة مغامرة وكل مغامرة مقامرة بالرأسمال الرمزي لسردية الرواية”(3).
فإضافة إلى أننا لا نعرف من هما هذان الناقدان، والكلام يتواصل عنهما أو يشار إليهما دون أن يسميهما، فإن آراءهما تتداخل مع رأي ناقدهما؟
ثالثاً – الأخطاء العلمية، وما قد تقود إليه من عدم الدقة في التشخيص النقدي. فمما نراه أخطاءً علمية ما انطوى عليه تناوله لنقد سعيد السريحي في موضوع “القصة القصيرة في عُمان”، إذ لا نستطيع حقيقة أن نعرف توصيف علّوش لخطاب الناقد من حيث الانتماء النقدي كما يحاول المؤلف إخبارنا حين يقول عنه:
“ينتمي الخطاب النقدي عند السريحي إلى: 1) النقد الأخلاقي ونقد الموقف (الصدق)، 2) غلبة التيار التقليدي كما لا تعني فنيته [كذا]، 3) الإيحاء بكتابة الظل في مواجهة الرواد، 4) حافز الناقد في اختيار نماذج تاريخية.
“وفي بحثنا عن حوافز السريحي نجد أنها تنصب على مواقع (الريادة/ التاريخ/ الهوية/ الجنس/ الكتابة) وعلى غرار القصة القصيرة العربية التي تعيد نشأة وظهور القصة إلى الصحافة والطبقة، فقد كان النموذج جاهزاً لقياس الحاضر على الغائب وإن كان مفهوم الطبقة هنا لا ينطبق على المجتمعات الخليجية (القبائلية)”(4). فإذ يجمع علّوش هنا كل ما يمكن أن يكون حوافز لأي ناقد ليجعلها حوافز للناقد المدروس، فإنه لا يُوفّق في النتيجة في توصيف نقد الناقد كما قلنا.
ومن عدم الدقة في التشخيص النقدي التي قد تقود إليها الأخطاء وسوء الفهم، وربما المواقف المسبقة كما سنأتي إلى ذلك، نلحظ عدم فهم المؤلف لما يذهب إليه الروائي سعود المظفر في إحدى المقابلات التي أُجريت معه، حين يقول عنه:
“في أغرب حوار نقرأه للروائي سعود المظفر… نلاحظ تضخماً للأنا بشكل غير مفاجئ، وهذا الحوار شبه السوريالي يدور حول اسم المؤلف– كدت أقول (اسم الوردة)- حيث يعتقد الروائي معلقاً على اسمه المكتوب على غلاف الرواية مفسراً الظاهرة البديهية التي لم يفهمها محاوره ذلك أن (اسم الكتاب) [من الواضح أن الصحيح هنا هو (اسم الكاتب)] في أي عمل هو (أكبر من العمل) بدعوى أنه (لولا الروائي لما ظهرت الرواية) لأن هذا الاسم هو (العلم/ القوة/ المعرفة/ الكتابة) حتى وأن العمل الأدبي يعمر أطول من كاتبه. ويظهر أن سوء التفاهم [كذا] يكمن في تعود (العرب) إخفاء الكاتب لاسمه بكتابته بأحرف صغيرة على حساب عنوان عمله، وهو ما يعتبره سعود (المظفر) من الأخطاء القاتلة، لهذا آن الأوان (لكسر هذه القاعدة) وذلك بجعل (اسم الروائي أكبر حجماً من اسم الرواية) ولن يسع المنتقدين سوى اللحاق بأطروحته بدعوى أن (الروائي شيء عظيم)”(5).
فإضافة إلى أن هذا ليس له علاقة بالنقد وبموقف النقد من العمل الأدبي أو الأديب، وإلى عدم فهم علوش لبعض ما ورد في طرح المظفر، فإن المؤلف يجهل أن هذا الذي ذهب إليه الروائي بوجوب أن يكون اسم الروائي– وبالطبع ينطبق هذا على كل المبدعين– أكبر من اسم الرواية وأسماء الأعمال الإبداعية عموماً، هو في الحقيقة التقنية الطباعية الصحيحة وفق مفاهيم النشر وأصوله، ولهذا فهو المتَّبَع فعلاً في الغرب، بينما ينعكس الأمر فيما يخص التآليف غير الإبداعية. ومبرر ذلك أن المؤلف في التأليف الإبداعي هو الأهم، فنحن مثلاً لا نبحث عادة عن اسم الرواية واسم القصة واسم ديوان الشعر بل عن الروائي والقاص والشاعر أولاً، ومن ثم فيكون منطقياً أن يتم إبراز اسم الكاتب أكثر من اسم الكتاب. أما في التأليف غير الإبداعي، أدبياً كان أم غير أدبي، فإننا نبحث عادة عن موضوع الكتاب أو اسمه قبل أن نرى مؤلفه، ومن ثم فيكون منطقياً أن يتم إبراز اسم الكتاب أكثر من اسم المؤلف. وعلى أية حال لا نظننا بحاجة إلى التفصيل أكثر في هذا هنا.
رابعاً – شيوع التنظير الذي كثيراً ما لا يفصح عما يريد المؤلف منه، بسبب اضطراب ما رأيناه من أنه مسودة كتابة أو مواد كتاب وليس كتاباً أولاً، وعدم التوفيق في التوصيل ثانياً، وضعف توافق التنظير مع الموقف العملي ثالثاً. من أمثلة ذلك لنقرأ الآتي:
“… إذا كانت الأفكار والافتراضات النقدية هي ذاتها منذ زمان فإننا نخلص إلى أن نزعات النقد الجديد تكرس لتقاليد طويلة، فالنقد من هنا ليس ملحقاً سطحياً بالقصة وإنما هو قرينها، الذي يتأكد من كون مؤلفيه لا يكتفون ببلاغة تكرار الموروث وإنما يعبرون عن خصوصية عصرهم.
“ومن منطلق هذه الخصوصية يتدخل الناقد القصصي بأطروحته الإجناسية، والمحلية عبر زمنين: زمن السبق وزمن اللحاق، وإشكاليتين: إشكالية الإحياء وإشكالية الإفادة، ومنظورين ، منظور التطبيق ومنظور التنظير.
“ونعتبر أن هذه الثنائيات تتخلى عن مهمات صياغة الخطاب القصصي النقدي، إلى استبداله بخطاب حول جدواه وتبرير سياقه الأيديولوجي والمعرفي المبني على نوايا (الطموح/ الإحياء/ الإفادة/ الإخلاص).
“لذلك فالملاحظة العامة التي تفترضها قراءتنا للقراءات النقدية تفترض أن النقد القصصي في مراوحته بين المحلي والكوني كان ينزع إلى النقد الحواري المتوجه إلى السرديات على حساب السارد في خطاب غبر متناسق نظراً لانغلاقية كتابة الإبداع من جهة وتعقد المدونات النقدية من جهة تأملية، بل تقتصر على مراكمة المناهج والوقائع والنصوص والإحالات، مما جعل منها نقداً للمدرجات الأكاديمية التعليمية أو الموضوعية المجهضة المتراوحة بين التقدمي والانهزامي.
“ينفسح المجال للنقد الرمادي والوضعي المدرسي. فبدل الحديث عن العالم، نستبدل هذا الأخير بالمكتوب عنه، وبذلك تتحول العملية النقدية إلى حديث إيمائي للأعمال السابقة، وهي رغبة تستمد حوافزها من المكتوب لا من رغبة الكتابة عن الحياة”(6).
خامساً – تعامل المؤلف مع المتابعات والعروض وكتابات الملاحق والملتقيات والمنتديات انطلاقاً مما يفرضه التعامل مع التحليل النقدي في وقت لا يدّعي فيه أصحاب هذه الكتابات انتسابها إلى خانة التحليل النقدي. فنحن نعرف أن للمتابعات النقدية والعروض وما يشبهها في عُمان، وكما هي في الواقع في كل ثقافات وآداب العالم، غايات معروفة ليس منها التحليل النقدي. إن هذه الكتابات تأتي غالباً، وتمشياً مع غاياتها، بشكل وجهات نظر سريعة كما تفرض ذلك عليها الغايات التي تُكتب من أجلها في الملاحق وصفحات العروض والثقافة الصحفية، وظروف المناسبات والفعاليات التي ترد فيها– الملتقيات والمنتديات– وبالتالي فهي لا تستحق هذا الذي يتجاوز عليها فيه المؤلف حين يطالبها بما لا تدّعيه. والطريف الغريب أن الدكتور علوش وهو يطالب ضمناً حين يتعامل مع هذه الكتابات بما يطالب به التحليل النقدي فإنه لا يرصد في نقد القصة العمانية أصلاً مثل هذا التحليل في تصنيف المنجز النقدي العماني حين يقول:
“فالوضعية الحالية لنقد القصة العمانية يمكن أن نلخصها في ثلاثة محاور: 1- الندوات والمعارض، 2- الملاحق الثقافية، 3- الكتابات المحلية: وتتراوح بين نقد الهواية ونقد الدراية…
“ويتوزع نقد هؤلاء عادة بين النزعة التاريخية والوصفية الوضعية المراوحة بين ريادة عبدالله الطائي التاريخية للقصة وتأصيل أحمد الزبيدي الفكري والجمالي لها والمتوجسة من اصطلاح (القصة في عمان) أو (القصة العمانية) انسجاماً مع شوفينية تستبدل الخصوصية الوطنية بالمزايدة على الواقع الذي لا يرتفع”(7).
سادساً – ظاهرة المواقف المسبقة، ولعل المأخذ السابق، كما هو حال بعض المآخذ الأخرى، هو من إفرازات هذا المأخذ أو الظاهرة التي وسمت الكثير من آراء المؤلف في كتابه مما لا يتلاءم مع العلمية والموضوعية وأكاديمية الكتابة والتأليف. من ذلك مثلاً ما يكشفه لنا واضحاً موقفه الآتي من النقاد، وخاصة الأكاديميين في الخليج:
“بدا في هذا الشأن– الثقافي – أن ثمة استسهالاً واضحاً عند الإقدام على قراءة التجارب الأدبية والثقافية عموماً في منطقة الخليج من قبل بعض المشتغلين بالنقد والكتابة، وخصوصاً بين أوساط الأكاديميين في جامعات المنطقة”(8).
سابعاً – وأخيراً نأتي إلى السمة الأكثر تبريراً للوقوف بتحفّظ من منهج الكتاب وأسلوبه، وتبعاً لذلك من الكتاب نفسه بشكل عام، وهي السمة التي قد تكون بدورها نتيجة لمواقف المؤلف المسبقة من الكثير من النقد والنقاد في عمان، كما بيّنا، مضافاً إليها مواقفه (النقدية) غير العلمية التي يبدو أنهما بشكل أساس وراء تأليفه. هذه السمة هي الأسلوب الهجومي الساخر في تعامل المؤلف مع جميع النقاد تقريباً، خصوصاً بعد مصادرة جل ما كُتب قبله من نقد في منطقة الخليج، كما رأينا في النقطة السابقة. وإذا كان الاتزان العلمي قد غادره أو كاد في تعامله مع بعض هؤلاء، مثل سعود المظفر و يوسف الشاروني، فإن علوش قد تجاوز كل أصول الدراسة الأدبية والنقد والحوار، بل اللياقة حين تناول نقد الأستاذ الكبير عبد الواحد لؤلؤة، فلنقرأ ما يقوله في خضم حديثه عن موضوع “رؤية نقدية حول القصة القصيرة العمانية” الذي قدمه لؤلؤة ضمن فعاليات المنتدى الأدبي:
“في هذه الرؤية يغيب النقد ويحضر التلفيق والتعليم، فقد تعامل عبد الواحد لؤلؤة بغير أدواته الاصطلاحية التي خصها بعمر كامل ليتخلى عنها في لحظة الحسم، التي أظهرته رجلاً أعزل من سلاحه الإجرائي لصالح (ملاحظات عجلى) انثنت أمام إغراء الاستكتاب– الورطة، حين كُلّف بقراءة قرابة ثلاثين قصة عمانية ممتدة ما بين 1987، 1993″(9).
نعرف أن النقد الحديث قد تخلى أو أنِف من أن يكون معيارياً وحكمياً، ولكننا إذ نتفق مع نفي أن تكون المعيارية من مهامه وأهدافه، كما أشرنا سابقاً، فإننا نرى أن شكلاً من أشكالها يبقى يتسلل بدرجة أو بأخرى إلى كل نقد. وإذا كان هو في هذا قد صار بدرجة أو أخرى متعارضاً مع المعيارية، فإننا لنرى أن نقد النقد لا يتعارض مع ذلك. ومن هنا وفي نهاية استقرائنا لكتاب سعيد علوش عن النقد العماني نتساءل: هل يمكن لهذا الكتاب، في ظل هذا الذي انطوى عليه من مآخذ، أن يقوّم منجزاً نقدياً، أو يحاجج بموضوعية رأياً؟ أظن أن الجواب بديهي جداً، خاصة حين نرى كثيراً انطلاقه من مواقف مسبقة، واعتماده الأسلوب الساخر، وتجاوزاته غير الأكاديمية على النقد والنقاد، وجدله غير العلمي في ذلك كله. مع هذا، ولكي لا نقع في المطب الذي وقع فيه مؤلفه، ونحن نعرفه واحداً من أسياد النقد، فإننا لن نتخذ في تناولنا لنماذج النقد المدروسة موقفاً رافضاً لكل ما أتى به.
المبحث الثاني
ظواهر في نقد السرد العماني
في تعاملنا مع النقد في عمان يجب أن نقرّ ابتداءً بأننا قد انطلقنا من فرضية صاغتها لنا نتائج دراسات سابقة لنا للنقد في بعض الأقطار العربية، وعبر استقرائه توصلنا إلى نتائج منها هذه الفرضية. فرضيتنا هي توزُّع النقد العربي بين أن يكون تنظيرياً على حساب التطبيق الفعلي حتى حين يُفترض أنه تطبيق، وتطبيقياً موزعاً بين التحليل والتفسير والشرح مع. لكن من المهم أيضاً الإقرار بأننا اكتشفنا من استقراء المتحقق في نقد الأدب العماني، وخاصة نقد السرد الذي هو موضوع هذه الورقة، انحسار التنظير فيه بحيث لا نكاد نجد منه إلا كتابات فردية محدودة جداً مثل نقد سعيد يقطين، وهو على أية حال لا يدخل ضمن الفترة التي تغطيها الدراسة. ولهذا فقد تعاملنا، ونحن نستبعد من ذهننا التنظير، مع هذا النقد القصصي التطبيقي لنجده قلما يكون تحليلياً، وهو اختلاف آخر له، وإن كان جزئياً، عن النقد في أقطار عربية أخرى. هذا دفعنا إلى التخلي عن افتراض آخر لنا هو توزع هذا النقد بحسب أنواع المناهج التحليلية التي اتبعها النقاد في تناول النصوص القصصية، خاصة في ظل محدودية النماذج التي اتبعت هذه المناهج. ومن المفيد والمهم في ظل هذا البحث عن رؤية منهجية لتبويب النماذج أن نتحفظ علمياً من توصيف البعض، مثل علوش والعامري، لمنجز النقاد غير العمانيين بالنقد الوافد، خصوصاً أن هذا التوصيف عادة ما يأتي من أصحابه مصحوباً بموقف غير إيجابي منه، إن لم يكن ساخراً. لكن هذا لا يتناقض على أية حال مع إقرارنا بوجود هذا النوع من المنجز النقدي، ولكن بوصفه ظاهرة، وهو ما سيدعونا إلى رصدها وتسجيلها ضمن ظواهر النقد القصصي، على أن لا يعني هذا أن نبني عليها، كما نرى أن الناقدَيْن السابقًيْن فعلاه، حكماً مسبقاً على المنجز النقدي للنقاد الذين ينضوون تحتها. بعبارة أخرى إن الذي يهمنا هو النقد الذي يتناول الأدب العماني وتحديداً السردي بمعزل عن جنسية أصحابه، خصوصاً أننا لا يمكن أن ننظر إلى الأدب العماني، كما هو الحال مع أدب أي قطر عربي، إلا بوصفه جزءاً من الأدب العربي، وبناءً على هذا فلا يعني شيئاً أن يكون الناقد عماني الجنسية، أو عراقياً أو مصرياً أو من أي قطر عربي آخر، إلا إذا أردنا الدخول في ميدان ما يسمى في الاقتصاد الكادر المحلي أو الوطني، وذلك لَعمري سيكون مضحكاً لو قبلنا به في كتاباتنا النقدية.
ومن المنهجية أن نقرر أن دراستنا للنقد في الفترة من أواسط التسعينيات إلى الوقت الحاضر، لا يمكن أن تكون في معزل عنه قبل تلك الفترة، خاصة أنها مع ما قبلها لا تشكل امتداداً زمنياً طويلاً، كما أنها لا تقدم حتى مع ما قبلها منجزاً نقدياً كبيراً. ولعل متسائلاً يسأل لِمَ لَمْ ندرس نقد القصة العمانية كله إذن فنقدم الصورة (الكاملة) له؟ فنقول: إننا لم نفعل ذلك ببساطة لأن هناك من سبقنا إلى ذلك ، نعني سعيد علوش، بالنسبة للفترة السابقة، وتحديداً من أواسط الثمانينيات إلى أواسط التسعينيات أو إلى ما بعدها بقليل. إذن فنحن سنُعنى بهذه الفترة، ولكن مع عدم تجاوز نقد ما قبلها تجاوزاً كاملاً، بل لا يمكن لتناولنا إلا أن يطال أحياناً غير قليلة ما تناوله علوش بشكل خاص من نماذج النقد، خاصة ما هو منجز في النصف الأول من التسعينيات.
ابتداءً نشير هنا إلى أنه ليس جديداً نفيُ وجود نقد تطبيقي حقيقي، أدبي بشكل عام وقصصي بشكل خاص في عُمان، قبل أواسط الثمانينيات، وذلك لأن الأدب العماني الحديث عموماً والسرد العماني نفسه خصوصاً لم يكونا قد عززا مكانهما بعد كما سيبدءان يفعلان ذلك بعد هذا التاريخ. ولهذا فمن المنطقي أن يتأخر بعض الشيء ظهور نقد هذا الأدب عنه، فـ”الكلام عن الكلام صعب”(10) كما يقول أبو حيان التوحيدي. أما ما قد يُعثر عليه قبل أواسط الثمانينيات وربما نهاياتها مما ينتمي بدرجة ما إلى النقد، فلا يكاد يتعدى الأشكال البدائية الآتية، كما رصدها بعض الدارسين: 1) الانطباعات، 2) وجهات النظر، 3) النقد الصحفي(11). فمع التعميم الذي تعامل به بعض هؤلاء الدارسين، نعني عبد اللطيف عبد الحليم (أبو همام) في كتابه “في الشعر العماني المعاصر” الصادر في سنة 1989، فإنه لا يبتعد عن الحقيقة حين يقول: “وهيمنت وجهات النظر السيئة والانطباعات والنقد الصحفي على مساحات كبيرة. إذن فهناك أيضاً تغييب للمنهجية المفترضة في النقد، فتجاوزاً للرموز التي اتخذها كمثال للكتابة النقدية الجادة نُفاجَأ بمن يسوّغ المحاولات الفاشلة للدخول في حركة النقد”(12). أما الصورة التي رسمها لنا علوش للنقد ما بين أواسط الثمانينيات أو نهاياتها وما بعد أواسط التسعينيات بقليل كما رأينا في النقطة الخامسة من المبحث السابق فإنها تؤكد أن (النقد) في كل ذلك لم يقترب من التحليل، وضمناً من الالتزام بالمناهج النقدية الحديثة المعروفة، وهو الأمر الذي لا يختلف فيه كثيراً عن نقد الفترة التالية التي تغطيها ورقتنا مما أشّرناه إجمالاً سابقاً، وتفصيله فيما سيأتي.
إن رسم صورة لنقد القصة العمانية في الفترة الممتدة من أواسط التسعينيات إلى الوقت الحاضر يعني عندنا إلى حد كبير صورة النقد القصصي الحديث في عُمان، وهي تعني الصورة التي نرى أنها ترتسم برصد أهم ظواهر هذا النقد وخصائصه التي كثيراً ما تشكل اتجاهاته وذلك من خلال معظم نماذجه. وعليه فبينما سيكون محور المبحث التالي الاتجاهات أو الأشكال، فإن محور هذا المبحث هو الظواهر. وابتداءً وقبل أن نتعرض لهذا يجب أن ننبه إلى أننا نجابَه عموماً بتواضع هذا النقد، وتواضع الناقد أو الدارس العماني– إذا ما تقبلنا لبرهة ما رفضناه من قبل من توزع نقد الأدب العماني ما بين نقد وافد وآخر وطني. لكننا يجب أن لا نتجاوز هنا أيضاً الاستثناء، وهو مهم، الذي ربما يكون هو المعوَّل عليه في التطور المنتظر لهذا النقد، خاصة أن هذا الاستثناء تحديداً يتمثل في نقاد يبدو واضحاً أنهم، ومن خلال وعيهم الناضج لمناهج النقد الحديث واتجاهاته، يعرفون جيداً مواطئ أقدامهم وهي تدب ثابتة نحو الانجاز، على تواضعه الكمّي، الذي يؤشر التجاوز المنتظر. إن هذا المؤشر الإيجابي لا يكاد ينفصل عما نراه واضحاً من نضج حقيقي في واقع المنجز الأدبي الحديث، بل الفكري والحضاري عموماً في السلطنة، فعلى ذلك برأينا يعتمد كثيراً عمق الوعي النقدي وواقع النقد وتطوره بشكل عام في أي بلد. أما الظواهر التي يمكننا تأشيرها في واقع المنجز النقدي المتحقق فهي كما سنتناولها فيما سيأتي.
الظاهرة الأولى: لعل أولى الظواهر التي تتمثل للمتأمل في نقد القصة العمانية، والنقد في عمان عموماً هي ظاهرة المنتديات والملتقيات الأدبية والنقدية والثقافية، وهي إذ تكاد تنتج شكلاً أو نوعاً نقدياً له من الصفات ما قد يختلف فيها عن أنواع أو أشكال أخرى، فإنها تشكل بذاتها ظاهرة ملفتة للنظر في هذه البلاد. والواقع أن منجز هذه المنتديات والملتقيات كثيراً ما يفرض هيمنته على النقد، بل على عموم الواقع الأدبي والثقافي العماني وعلى منافذ الإنجاز فيه، عبر الصحافة والدوريات والصفحات الثقافية المتاحة للكتابة العمانية والأدب العماني، وعبر إصدار الملاحق والأعداد الخاصة وتشجيع الكتابة في هذا الميدان. وعودةً إلى جزء مكمل لهذه الظاهرة سبق لنا أن تطرقنا إليه في مبحث سابق نشير إلى أن هذه الملتقيات الأدبية والثقافية يصاحبها عادة دعوة الكتاب والأدباء والنقاد العرب، من غير العمانيين، أو استقدامهم إلى البلاد واستكتابهم. فمن المهم هنا التأكيد على عدم اتفاقنا مع من ينظر إلى الاستكتاب، وربما إلى مفردات أخرى في هذه الظاهرة سلبياً إلا حين يكون الناتج– تعلقاً بموضوعنا– يستحق ذلك. وتبعاً لذلك ليس مقبولاً تبني الموقف المسبق من الظاهرة ذاتها الذي غالباً ما يكون سلبياً، بدعوى أن منجزها النقدي كثيراً ما يكون عبر استكتاب نقاد غير عمانيين. فمثل هذا الاستكتاب نفسه ليس عيباً أو خطأ بذاته بدليل أن جل الملتقيات الثقافية والمؤتمرات العلمية، التي كثيراً ما يتحقق فيها المنجز العلمي الرصين في كل مكان، تتّبع مثل هذا التقليد.
بقي أن نُقرّ بمتعلَّق سلبي لهذه الظاهرة، ويتمثل في محدودية العنصر العماني بالرغم من التجربة التي ما عادت قصيرة الآن في الإبداع الأدبي الحديث، وفي نقد السرد، وهذا أمر لربما يحتاج إلى وقفات خاصة ليست من شأن هذه الورقة.
الظاهرة الثانية: وهي متعلقة بالأولى، ونعني بها ظاهرة النقد الوافد والنقاد الوافدين. فمع أننا لا نقر بخصوصية هذا النقد ذاته سلبياً أو إيجابياً كما قلنا، فإن له بلا شك وجوداً لا يمكن التغاضي عنه. لكن هذا الوجود لا ينفصل عن عموم المنجز النقدي في السلطنة، حتى مع الإقرار بتأثيره الضمني الذي يتوزع على جانبين رئيسين. يتمثل الجانب الأول، وهو إيجابي، في إثراء النقد في السلطنة بدرجات مختلفة تبعاً لاختلاف النقاد المساهمين فيه، وما يقود إليه ذلك من رفع إمكانيات العناصر الشابة من النقاد، خاصة أن غير قليل من الوافدين هم أصحاب تجارب نقدية غنية ومتميزة أو طويلة، ولنا أن نذكر منهم مثلاً: يوسف الشاروني، ويمنى العيد، وسعيد علوش، وعبدالواحد لؤلؤة، واعتدال عثمان، وأحمد الطريسي..، وغيرهم كثيرون. أما الجانب الثاني من التأثير الضمني للنقد الوافد، وهو سلبي إلى حد ما، فيتمثل في عدم استمرار جل نقاده في اشتغالهم النقدي. فمعروف أن استمرارية هذه الإسهامات عادةً ما تمتد مع امتداد عمل العاملين منهم في السلطنة، أو تقتصر على مشاركة المدعو من خارج السلطنة منهم في ملتقى أو مؤتمر، وإذا ما استمر قليل منهم فإلى ما بعد ذلك بفترة قصيرة وبإسهامات محدودة غالباً.
الظاهرة الثالثة: وهي ما نسميها عدم اكتمال الكتابات النقدية. وبداية يجب أن نعترف بأننا قد ننفرد بهذا التشخيص الذي سنوضح المقصود فيه، ومن ثم فلن يكون غريباً أن يثير اختلافات وجدلاً، خاصة من النقاد أنفسهم الذين قد يشمل هذا التشخيص بعض كتاباتهم النقدية. أما ما نقصده به فهو أن الكثير من الكتابات النقدية المقصودة هنا، وعلى اختلاف أشكالها ودرجات نضجها وهويات أصحابها، تأتي أشبه بالمقدمات أو المداخل أو البدايات التنظيرية أو التمهيدية التي نحسب، ونحن نبدأ بقراءة الواحدة منها، أن يأتي ما يُفترض أن تلك المقدمات والمداخل والبدايات والتمهيدات تسبقه، ولكننا نفاجأ بتوقف نقادها عندها بما يشبه القطع. أما لماذا يكون هذا التوقف أو عدم الاكتمال؟ فالحقيقة أننا لم نجد تفسيراً له، كما سنأتي إلى نماذج منه حين نتناول أشكال النقد. والغريب أن هذه الظاهرة شملت حتى بعض كتابات شيوخ النقد والمتمرسّين فيه، فإذ شملت الدكتور سعيد علوش في نقده للنقد، كما سجلنا على كتابه من قبل، نجد نقاداً كباراً يقعون فيه، منهم على سبيل المثال الدكتور أحمد الطريسي في نقده لرواية سعود المظفر "عاطفة محبوسة". فبعد مقدمة تنظيرية قصيرة، ينطلق الطريسي في عرض الرواية وشرحها، مع تعليقات محدودة، في ما يشبه تكملة للمقدمة لتحتل بذلك ما يزيد على 60% من المقال، دون أن يأتينا بنتائج التنظير والعرض والشرح الذي افترضنا أن يأتي بعد ما مقدمة بدت لنا طالت كثيراً. وهكذا الأمر مع محاضرة شريفة اليحيائي "حضور القرية في النص القصصي المعاصر في عمان" المنشورة في عمان الثقافي، مع أن نقدها هو في الواقع محاضرة متميزة. تقدم هذه المحاضرة رصداً لأشكال القرية في القصص العماني المعاصر عبر استعراض لمجموعة من النماذج القصصية كنا ننتظر في نهايته أن تأتي الناقدة إلى النتائج، خاصة أنها تتبع منهجاً تحليلياً يُفترض أن يقود إلى ذلك.
وما قلناه عن مقال الطريسي، وإلى حد ما دراسة شريفة اليحيائي، ينجر على عدد غير قليل غيرهما من الكتابات النقدية. وإذا ما تجاوز نقاد آخرون العرض الطويل المتعلق بمحتوى العمل المنقود، فإن بعضاً من هؤلاء كثيراً ما قدموا لنقودهم، مع هذا، بمقدمات طويلة في ما هو غير ذلك كالكلام عن المؤلف وفي النظرية والتنظير وما إلى ذلك، كما فعلت مثلاً غالية آل سعيد في دراستها "مراجعة نقدية لرواية سعود المظفر: عاطفة محبوسة".
الظاهرة الرابعة: وتتمثل في السرعة والضعف والسطحية، وهي ظاهرة قد نتفق في رصدها وتشخيصها مع من اختلفنا معه كثيراً، نعني سعيد علوش، خاصة في تجسُّد معظمها في الكثير من نقد المنتديات والملتقيات. لكننا نختلف معه بالطبع في تحميل هذه المنتديات والملتقيات مسؤولية بروز هذه الظاهرة، كما نوهنا إلى ذلك ضمناً أو صراحة حين توقفنا عند موقفه منها، وقد عرفنا أنه لا يمكن لمثل هذه النشاطات، مهما أُخذ عليها، إلا أن تسهم في إغناء الثقافة والأدب والنقد في أي بلد. ومن أمثال هذا الذي تمثلت فيه هذه الظاهرة مقال الدكتور إبراهيم الفيومي "قراءة في مجموعة علي الكلباني القصصية (صراع مع الأمواج)"، إذ يأتي بشكل وقفات (نقدية) تتضمن أحكاماً تعنى بالعموميات، وتتسم بالسرعة، وتفتقد العمق، من ذلك مثلاً وقفته الآتية:
"ومن الأمور الإيجابية التي تُحمد للقاص ندرة الأخطاء الإملائية والنحوية والتعبيرية مع ملاحظة تتمثل في سيطرة اللغة الفصحى على المجموعة بأسرها، ومعلوم أن القصة القصيرة المتطورة تقترب من لغة الشعر في إيحاء الألفاظ وشفافيتها وتركيزها، واعتمادها على التلميح دون التصريح"(13).
فالفيومي لا يقدم ما يغني، إذ يقدم النصف الأول من وقفته ملاحظة عرضية عن "سيطرة اللغة الفصحى على المجموعة بأسرها"، وهي مسلمةٌ، الأصل هو أن لا نقف عندها إلا حين يكون هناك خروج عليها وليس العكس. أما في النصف الثاني من وقفته فهي الأخرى ملاحظة عرضية لا تقدم شيئاً إذ لم يستثمرها الناقد في تناوله للمجموعة.
المبحث الثالث
اتجاهات نقد السرد العماني
وفقاً لما يمكن أن نكون قد وضحناه من قبل، لم يكن لنا أن نوزع أشكال أو اتجاهات النقد الأدبي عموماً، والسردي خصوصاً في عمان وفقاً للاتجاهات والمناهج المعروفة في النقد الأدبي. في الواقع إننا لا نكاد نجد ضمن ذلك ما يمكن أن يشكل منهجاً متبعاً يفرض نفسه على الدارس خاصة إذا ما استثنينا بعض النماذج الفردية، وهي قليلة على أية حال وليس لها عملياً أن تشكل اتجاهاً يفرض نفسه على الدارس. من هنا فإن الأشكال التي صنفناها بناءً على استقراء النماذج النقدية المختارة، والتي سنتعرض لها فيما سيأتي، تحددتْ بطبيعة تعامل الناقد مع المادة الإبداعية وبمدى ما نرى أنه يقترب من المفهوم العام الحديث للنقد الأدبي أو يبتعد عنه، بعبارة أخرى: إنه “عمل تعليمي (أو وصفي) على العمل الإنشائي حكماً أو شرحاً أو تفسيراً… أو ما يتشعب عن ذلك ويلتقي به ويتطور”(14). وهكذا تتحدد الأَشكال النقدية عندنا بمعزل عما ينطلق منه النقاد من أفكار وفلسفات ومفاهيم فكرية، وعما يتّبعوه من مناهج في سبيل تحقيق القراءات الأنسب للنصوص. وما شجعنا على هذا التعامل إضافة إلى واقع المتحقق نقدياً، هو غلبة ما نراه من اجتهاد شخصي وفردية يسوقان هؤلاء النقاد في تعاملهم مع النصوص الأدبية التي يقرؤونها. وهكذا وانطلاقاً من هذا الذي نراه يهيمن على واقع المنجز النقدي في عمان فإن نماذج هذا المنجز تتوزع على الأشكال الآتية:
الاتجاه الأول: النقد الانطباعي(التأثري) – التقويمي، ومع عدم حاجته إلى بيان المقصود، فمن المفيد توضيح أن هذا الشكل أو الاتجاه يكاد ينقسم تطبيقياً، كما قد يبدو واضحاً، إلى قسمين: الانطباعي، والتقويمي، وقد جعلناهما في اتجاه واحد، لما وجدناه أولاً من محدودية النماذج النقدية، والتي بها يمكن أن يحتل كل منهما اتجاهاً ضمن الاتجاهات المصنفة، وثانياً لارتباط كل واحد منهما بالآخر ارتباطاً عضوياً. فإذا كان النقد الانطباعي "هو ذلك النقد الذي لا يهتم فيه الناقد بتحليل الأثر الأدبي، ولا بترجمة حياة مؤلفه، ولا بمناقشة قضايا جمالية مجردة، وإنما يُقدِّم في أسلوب جذاب حي انطباعه هو وتأثره هو نفسه بالأثر الأدبي الماثل أمامه"(15)، أي بالانطلاق من الذات عبر ما يتركه النص فيه من انطباع، فإن الحكم والتقويم، اللذين يعنيان "القدرة على التمييز بين ما يجب وما لا يجب أن يتضمنه الأثر الأدبي"(16)، إذ كثيراً ما يعتمدان في ذلك قيماً موضوعية وفنية قد تكتسب، ظاهرياً على الأقل، ما يبدو مفترقاً عن الانطباع، فإنهما غالباً ما لا يتخليان عن الذاتية والانطباع. ولعل من أبرز ما يمثل هذا الشكل أو الاتجاه من النماذج التي بين أيدينا دراسة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة المنشورة ضمن سلسلة في جريدة الزمان في سنة 1999 والتي تناول فيها مجموعة من القصص القصيرة العمانية، منطلِقاً في ذلك من انطباعه الذاتي المشحون بثقافته الفنية الواسعة التي نعتقد أن الاقتباس الآتي يوضحها تماماً:
"لدى امتحان القيمة الفنية لهذه القصص، وجدتني ألاحظ أن كاتباً بعينه قد يكتب قصة ممتازة حيناً، لكن قصة ثانية أو ثالثة له تقصر عن مستوى القصة الأولى. وقد يكون مرجع ذلك إلى فارق في الزمن أو في نضوج التجربة... فمن الأعمال التي تلفت النظر قصة محمد بن سيف الرحبي، بعنوان (الراعي لا يحب النساء)، هذه قصة غارقة في المحلية، لكنها تنزع إلى قيم إنسانية واسعة من خلال محليتها...
"ومن القصص البارعة كذلك قصة يحيى بن سلام المنذري بعنوان (حبات البرتقال المتقاة بدقة). وهذه أيضاً قصة ذات أجواء محلية لكنها مؤطرة بإطار من القيم الإنسانية الأشمل. أب أعرج غير ميسور الحال، يحمل كيساً من البرتقال اشتراه لأولاده، يحاول عبور الشارع العريض تحت وطأة شمس محرقة وإزاء خطر سيارات تتسابق في جريها... والقصة ذات طبيعة درامية، فيها شخصيات وفعل ولون وحركة وصوت ومحاولة القيام بعمل خطير وهو عبور الشارع نحو الرصيف الآخر..."(17).
إن ناقد هذا الشكل أو الاتجاه، وكما يعكس ذلك نقد لؤلؤة، ينطلق من أمرين اثنين عادة: موهبة تذوقية عامة، وثقافة جيدة في الأجناس التي يتعامل نقدياً مع نصوصها، ونعني هنا بالطبع السردية دون أن يعنى بمنهج بعينه في تعامله مع النص، وهكذا فغالباً ما تهيمن التذوقية والانطباعية على خطابه النقدي. يقول ديفيد ديتشس في مثل هكذا نقد: "إن نجاح هذا النوع من النقد يعتمد على قدرة صاحبه في التمرس بالعناصر المختلفة التي يتألف منها على نحو يخلق نغمة وجواً، بحيث يعكس خصائص الأديب المنقود، من بعض الوجوه، إلا أن النغمة لا تجيء أبداً منسجمة مع الموضوع لأن شخص الناقد ماثل دائماً أمامنا"(18).
الاتجاه الثاني: النقد الشارح، وهو الذي يغلب أو يهيمن عليه شرح النص الأدبي وتفسيره وربما، وفي أقصى ما قد يخرج عن ذلك، تأويله تأويلاً لا يقوم على ما تفترضه المناهج النقدية، بل على الرؤيا الفردية أو الشخصية الاجتهادية ليقترب في ذلك من الشكل الانطباعي. هنا يجب أن نقر بأن لهذا النوع أو الشكل من النقد وجود وربما هيمنة مؤثرة في واقع النقد العربي الحديث عموماً، خاصة في أقطار عربية معينة أو مراحل بعينها من مراحل مسيرته، لكنه عادةً ما يكون هناك إلى جانب النقد التحليلي المنهجي المؤثر بدوره في واقع هذا النقد. أما في نقد النص العماني فتكاد تكون هذه الهيمنة شبه مطلقة، وذلك من خلال سيادته على الممارسات النقدية للكثير من النقاد أو على الكثير من النماذج النقدية لهم أولاً، ومن خلال تسلله بدرجات مختلفة شرحاً وتفسيراً إلى أشكال النقد الأخرى ثانياً. وإذا كانت الأمثلة من الكثرة بحيث لا نستطيع تغطيتها، فلعل في التطرق إلى بعضها ما يلبي حاجة الورقة. فبعد أن يعرّفنا بالقاص علي الكلباني، ويقدم لنا من المعلومات ما لا ينتمي إلا القليل منه إلى النقد كما نتوقع أن يكون عن مجموعة “صراع مع الأمواج” القصصية، موضوع نقده، يدخلنا الدكتور إبراهيم الفيومي، في موضوعه المذكور سابقاً، مضامين قصص المجموعة من أوسع الأبواب عبر الشرح المجرد غالباً، ومع قليل من التعليق أحياناً قليلة. إن هذا كما هو واضح لا يدخل العملية النقدية الحديثة بمناهجها المعروفة بقدر دخوله القراءة التعريفية التي قد يحتاج إليها قارئ عادي أو تلميذ، أو ربما هو يلمّح ضمناً للناقد باستحقاق المجموعة للتناول النقدي. فلنقرأ فقرة أو نموذجاً مما شكّل إلى جانب المعلومات غير النقدية التي يقدمها الناقد أكثر من 70% من حجم مقالته:
“ففي قصة (بقية من طعم) يخرج حمدان بقاربه الصغير إلى عرض البحر، وبعد أن يوغل فيه يكتشف أنه نسي الطعم، فيتوجه إلى الله ضارعاً أن يخرجه من مأزقه هذا وتستجيب السماء، إذ يعثر على قطعة من سمكة جافة التصقت بجدار القارب فيعالجها ويحولها طعماً ويعود سالماً غانماً من رحلته”(19).
ولا يكاد نقد محمد عبد الحليم غنيم لرواية مبارك العامري “مدارات العزلة”، المنشور في مجلة “نزوى”(20)، يختلف عما رأيناه في نقد الفيومي إلا في جانبين، أحدهما يرسّخ الشرح، والثاني يقلل منه. ففي الأول يتجاوز موضوع غنيم تفصيليةَ المضمون كما هو مقدم في موضوع الفيومي مع اقتباساته الكثيرة من النص المنقود. أما في الثاني فيتجاوز الناقدُ الاقتصارَ على الشرح وعرضَ المضمون الذي اتسم به موضوع الناقد السابق حين يقرن شرحه وعرضه بتعليقات نقدية وتأويلية. ولعل النموذج الآتي من نقد غنيم، والذي تهيمن أمثاله على المقال، يعكس تجاوزه في هذين الجانبين:
“في الفصل الثاني (الشرارة الأولى) يحاول الراوي أن يخرج من عزلته فيتم له ذلك فيكون لقاؤه بامرأة يراها لأول مرة أثناء صعوده إلى الطائرة التي يعود بها إلى الوطن، وهكذا تكون هذه المرأة بمثابة الشرارة التي تشعل نار الصمت في داخله فيخرج من مدار عزلته…”(21).
الاتجاه الثالث: نقد الموضوعات والمضامين، ونعني بهذا الشكل أو الاتجاه النقد الذي يتناول موضوعاً واحداً أو موضوعات متلازمة في نص أو نصوص، أو لدى أديب معين، أو في أدب فترة بعينها. والواقع أن هذا الشكل/ الظاهرة، لا يقتصر بالتأكيد على عمان، بل هو شائع في أقطار عربية عديدة، كما يترافق أحياناً مع الشكلين السابقين أو مع أحدهما. يقول الناقد حاتم الصكر: "كانت الكتابة النقدية في الأدب تعاني من غلبة المعالجات المضمونية العامة التي تشرح النصوص وتفسرها وتطلق عليها أحكاماً نهائية ذات مصدر ذوقي في الغالب"(22). ومما يسجَّل على هذا الشكل من الدراسة والنقد، في عُمان خاصة والوطن العربي عامة، أنه غالباً ما يبتعد فيه صاحبه عن تناول فنية النصوص التي يتناول موضوعه فيها. هنا يغفل الدارس أو الناقد عن أن تناول موضوع أدب أو مضمونه ما لا يعفيه من تناول الجانب الفني. في الواقع أن الجانب الموضوعي أو المضموني لا يعنينا بذاته– على عكس ما هو الحال في أي مجال غير الأدب والنقد– بقدر ما تعنينا الكيفية الفنية التي يعالَج فيها ويُقدَّم بها. ومن الطريف أن هذا التجاوز، أو لنقل الفهم الخاطئ لهذا النوع من الدراسة والنقد عادة ما موضع مصدر إغراء لطلبة الدراسات العليا في اختيار مواضيع رسائلهم في الكثير من الجامعات العربية، والعمانية في هذا ليست استثناءً بالطبع، خصوصاً حين يعززه بشكل أو بآخر بعض الأساتذة. ولكن هذا لا ينطبق بالطبع على الدراسة أو النقد اللذين فهمهما أصحابهما وتعاملوا معهما بالشكل الذي تفرضه مفاهيم النقد والأدب، كما هو حال بعض الأمثلة ككتابات شريفة اليحيائي وإلى حد ما شبر بن شرف الموسوي. ولكن حتى في مثل هذه الأمثلة المنهجية يكون هناك أحياناً تسليم واضح ومؤثر بسلطة الموضوع على حساب ما يراد افتراضاً من الدراسة أن تتعامل معه من دلالة وكيفية تناول وإيماءات.. إلخ، كما في المثال الآتي من موضوع شبر بن موسى الموسوي "دلالة البحر في القصة العمانية" المنشور في جريدة (عمان) في سنة 2001:
"صورت أكثرُ القصص العمانية البحرَ بصورته السلبية المعروفة عنه بأنه قاس وغدار ويسلب الأرواح، وأن له سلطة قسرية يتحدى بها كل الصيادين، وأنه لا مفر من مواجهة هذه السلطة المادية، كما أن أكثر القصص أعطت البحر صفة الانتصار الدائم على قدرة الإنسان الضعيفة في مواجهة جبروته وقسوته إلا فيما ندر، كما أنها وفرت للبحر عوامل وأسباب الانتصار على قدرة الصيادين الضعيفة وقواربهم المتهرئة، كما صورت هذه القصص في مجملها حاجة الإنسان الدائمة إلى البحر وإلى خيراته الوفيرة حتى لو كان هذا البحر سبباً في شقاء الإنسان وفي فقدان أعز الناس إليه، فإن الأبناء في مجتمع الصيادين لا يجدون مفراً من مواصلة مشوار آبائهم في مهنة الصيد، حتى ولو كان هذا البحر سبباً في موت آبائهم وإنهاء حياتهم.
"ففي قصة (الأم) لصادق عبدواني تقوم الأم ببيع عقدها الذهبي الذي ورثته من زوجها الصياد لكي تعطيه للابن لكي يشتري به قارباً لكي يمارس مهنة الصيد ويستمر على طريق والده على الرغم من أن هذا البحر كان سبباً في تيتّمه عندما ابتلع أباه في عاصفة من عواصفه المدمرة، لكن الولد يتوعد بالانتقام من البحر بمواصلة طريق أبيه بالصيد ومواجهة أمواجه الهائجة ..."(23).
عدا ذلك يبقى لنماذج هذا الاتجاه النقدي عموماً تميزها تعلقاً بما يجب أن يكون عليه النقد، واليحيائي، إذ تُمثِّل مثلَ هذا النقد فإنها بحق واحدة من أكثر نقاد المرحلة العمانيين وعياً بما تفعله، حتى حين يمارس الموضوع بعض سلطته عليها، كما يعكس ذلك مثلاً موضوعها "حضور القرية في النص القصصي المعاصر في عمان.. قراءة في تجربة التسعينات" المنشور في جريدة (عمان) في سنة 2001، ولنا من ذلك تناولها الآتي:
"اقتربت النصوص القصصية لتلامس حضور القرية كمستوى مكاني تسيطر عليه الأجواء الأسطورية والغرائبية المتعلقة بالسحر والمغايبة. إذ حددت هذه النصوص صورة ذهنية لطبيعة القرية على شاكلة:
"1- قرية ذات طبيعة زراعية تحفّ بها أشجار النخيل العالية وأشجار الليمون. وهي ذات طبيعة تحيط بها الجبال كوسيلة دفاع وحفاظ على هويتها وتراثها الذي لا يقبل المساس والتغيير... بالقرية في نص (حمالة حطب) مكان لا يبعث إلا على مشاعر الهدوء والسكينة من خلال استخدام لمفردات العشب الأخضر الناعم وزخات المطر الخفيف المتراقص كأغنية وصورة الحمامات الملونة التي تبعث على السلام وأمن القرية وصوت خرير الماء في الفلج هي كلها صور تنتقل من النص لتبعث في نفس المتلقي ذات الهدوء والسكينة"(24).
الاتجاه الرابع: نقد العروض، وإذا كانت نماذج هذا النقد، وكما أراد لها أصحابها وكما يجب أن تكون، عروضاً فعلاً، قليلةً فإن بعض خصائص العرض النقدي يتسلل في الحقيقة إلى الكثير من الكتابات النقدية. فمن ذلك مثلاً موضوع الدكتور إبراهيم الفيومي "نافذة على القصة العمانية" الذي تطرقنا إليه ضمن النقد الشارح. فالدكتور الناقد في الحقيقة يقدم، فيما عدا الشرح المهيمن على نقده، عرضاً موجزاً لمجموعة "صراع مع الأمواج" القصصية، وهو عرض أصلحُ إلى عروض الكتب منه إلى الدراسة والنقد، خاصة أنه يهتم، إضافةً إلى المضمون، بالتعريف بالقاص وبتوصيف المجموعة من الناحية الشكلية، فيقول مثلاً:
"تقع هذه المجموعة القصصية التي هي باكورة إنتاج القاص الشاب علي بن عبدالله الكلباني في مئة وتسع وعشرين صفحة من القطع المتوسط، وضمت عشر قصص قصيرة بلغ أطولها (النجاح) عشرين صفحة، وأقصرها (وعرفت الطريق) ست صفحات، وتتأرجح بقية القصص بين هذين العددين من الصفحات"(25).
ومن المفيد أن نثبّت هنا ما قلناه عن جل النقد الذي يقدم في المنتديات والملتقيات الأدبية والثقافية. بعبارة أخرى إن هذا النوع أو الشكل النقدي له طبيعة ومهام تعفيه من أن يُحاجَج وفقاً للمفهوم أو المفاهيم الدقيقة للنقد الحديث، وخاصة التحليلي. ومن هنا لنا أن نفهم تخصص دوريات كثيرة وأحياناً معروفة ومهمة به في كل بلدان العالم وثقافاتها وآدابها، وتخصص نقاد وربما نسميهم كتاباً أو صحفيي صفحات ثقافية، وهم يؤدون دوراً مهماً في الحياة الثقافية، وهذا ما يبدو بعض نقاد النقد قد تجاهله، مثل سعيد علوش وصالح العامري. هذا الشكل النقدي إذ يقصر عن أن يكون، كما قد يُراد له خطأ أن يكون، نقداً منهجياً أو تحليلياً، فإن ذلك لا يعيبه، كما أن نقاده لا يريدون عادة له أن يكون كذلك ولا يدّعونه، فذلك مما لا يدخل ضمن مهامه، أو مهامهم في هذه الكتابات- كما رأينا. لنقل وتعلقاً بذلك إنه قد ينوه للنقاد الآخرين بالعمل الإبداعي أو بالمبدع حين يرى ناقده أنه يستحق وأن مبدعه يستحق ذلك.
ولعل مما يمكن أن نلحقها بهذا الشكل النقدي جزئياً الكتابات التي ترصد حالات وظواهر تخص الواقع الثقافي أو الأدبي، بما في ذلك كتاباً معينين أو أعمالاً أدبية بعينها. فمن ذلك مثلاً بعض ما يكتبه محمد الحارثي ومحمد اليحيائي وغيرهما(26).
الاتجاه الخامس: النقد التحليلي، ونعني به، وتفريقاً له عن المدارس والمناهج النقدية المعروفة، النقد النصّي عموماً الذي يعتمد فيه صاحبه على النص وليس على ما حول النص، ويما يعني تجاوزاً نسبياً أو كبيراً للانطباعية والوصفية والتاريخية. وعندما نشير إلى تفريق هذا الشكل عن الكتابات النقدية التي تعتمد مناهج نقدية معروفة كالتي ذكرنا فنحن لا نعني عدم وجود بعض الكتابات التي تعتمد مثل هذه المناهج، بل ما نعنيه هو أننا نضم كل هذه الكتابات التحليلية، لمحدودية نماذجها، سواء ما التزم منها بمنهج تحليلي بعينه، أو ما استفاد منها بشكل أساس، ليدخل بذلك ضمن دائرة النقد كما قد يُعبَّر عنه حديثاً بأنه تجزئة النص أو تفكيكه للتعرف على عناصره وعلى العلاقات ما بين هذه العناصر لبلوغ أعماقه والعودة بذلك كله إلى القارئ. في الواقع وبناءً على ما تقدم يتضح ضمناً أيضاً أن النقد التحليلي ليس منهجاً واحداً، يقول ديفيد ديتشس: "ربما كان من الخطأ أن نتحدث عن المنهج التحليلي وكأنما هو منهج نقدي واحد، إنه طريقة في التناول لا منهج"(27). وبظننا أن الكتابات النقدية التي تمثل هذا الاتجاه هي التي يمكن التعويل عليها، كما يمكن التعويل على أصحابها، في تطوير النقد في عمان كما ربما كان في أقطار عربية أخرى. فصحيح القول "لعل أهم انتقالة متأثرة بالمنهجيات الحديثة [في النقد العربي الحديث] هي التي نقلت ميدان النشاط النقدي إلى النصوص ذاتها، بعد أن كانت الكتابة النقدية التقليدية تكتفي بالشرح والوصف والتفسير ثم تطلق المعيارية التي يحركها الانطباع غالباً"(28).
ومن أبرز نقاد السرد العماني الذين تنتمي كتاباتهم أو بعض منها إلى هذا الاتجاه يوسف الشاروني في دراسته "الرواية العمانية وخصوصية الرواية الخليجية" المنشورة في مجلة "فصول(29)، بالرغم مما أخذناه عليها سابقاً من انجرار صاحبها في بعض أجزائها إلى شيء من الشرح والتفسير. ونذكر أيضاً غالية ف. ت. آل سعيد في دراستها "مراجعة نقدية لرواية سعود المظفر"(30)، بالرغم من إغراء المعلومات والأفكار الذاتية لها، التي سحبتها جزئياً إلى خارج النص، وعبد الرزاق الربيعي في موضوعه الجميل "ندى الشعر يبلل أجنحة القصة"(31)، مع ما فرضته ذاتية الكاتب وتأثّره من سلطة على كتابته لعل الناقد أقر بها ضمناً. ولكن تبقى الأبرز والأكثر انتماءً إلى التحليل وإلى أصول النقد الحديث بشكل عام، برأينا، هي الدكتورة شريفة اليحيائي، وخاصة في دراستها المتميزة والنموذجية "قراءة تشريحية في نماذج من النصوص القصصية العمانية"(32). إن الناقدة إذ تتبنى التحليل منهجاً لدراستها التي تناولت فيها ثلاث قصص لثلاثة قاصين لتكون نصّية في نقدها، فإنها تفعل ذلك عبر البقاء في النصوص التي تناولتها تشريحاً لتصل إلى التشخيص.
الخاتمة والنتائج
لعلنا رأينا عبر ما مر من ورقتنا الصورة الشاملة للنقد القصصي في سلطنة عمان، وهي تكوّنت بالطبع من أجزاء رسمها بعض من درس هذا النقد، وتحديداً نقد أواسط التسعينات وما قبلها، وحاولنا إكمالها بتقديم الأجزاء الأخرى وتحديداً الخاصة بنقد ما بعد أواسط التسعينات. وإذا ما كانت خصائص الأجزاء الأولى من الصورة مقدمة في دراساتِ من درسها وكما أجملناها في المبحث الثاني من ورقتنا، فنجمل هنا خصائص بقية الصورة ومواصفاتها، وكما حاولنا رسمها في بقية المباحث. ومن المفيد أولاً أن نشير إلى أن بعضها قد يصح بدرجة ما على كل النقد القصصي في عُمان. هذه الخصائص هي:
أولاً: من الواضح أن النقد في عمان بشكل عام، والنقد القصصي منه بشكل خاص، لم يزل في مراحل التأسيس.
ثانياً: يعتمد هذا النقد كثيراً على النقاد الوافدين من الأقطار العربية المختلفة.
ثالثاً: وهو تبعاً لذلك يفتقد بشكل ملحوظ النقاد المحترفين، كما يفتقد، تعلّقاً بذلك، ديمومة التجارب والممارسات النقدية بسبب ارتباطه بشكل أساس بالنقاد الوافدين.
رابعاً: انحسار الكتابات النقدية القائمة على المناهج النقدية المعاصرة، مع وجود محدود أيضاً للنقد التحليلي– النصّي القائم على “الوقفة الطويلة عند النص لإدراك أبعاده وبلوغ أعماقه ومن ثم العودة إلى القارئ بالنتائج”.
خامساً: إزاء كل هذه الخصائص التي تسجَّل على النقد في عمان أكثر مما تسجل له، تبرز أسماء نقاد عمانيين جُدُد من الواضح أن هذا النقد يعوِّل عليهم في تطوره وديمومته وثباته في المرحلة التالية من مسيرته.
بقي أن نعبر في النهاية عن رأي نتبناه، وهو أن النقد في أي بلد يعتمد أولاً على تطور الأدب في ذلك البلد، ثم على طبيعة المرحلة الحضارية التي يمر فيها، وتعلقاً بذلك على النضج الفكري له. وبناءً على ما تقدم فليس غريباً أن لا يحقق النقد العربي الحديث، وكما هو حال النقد في كل البلدان النامية، ما حققه ويحققه النقد في الغرب مما مكّنه من الهيمنة على الثقافة والأدب العالميين. ولكن هذا لا يعني بالطبع أن لا يكون هناك أي تميز وإنجاز في هذا النقد العربي الحديث. بناءً على ذلك لا أظن أن النقد في سلطنة عُمان يتخلف عن الوضع الحضاري التطوري والفكري للسلطنة ولعموم الوطن العربي إلا بدرجة محدودة نتوقع في ظل ظهور أسماء ودراسات واعدة أن يتم تجاوزها قريباً، مع استبعاد بنائنا على ذلك توقعاً لا يتناسب مع المرحلة الحضارية والفكرية التي يمر بها العرب عموماً.
الهوامش
(1)من أمثلة ذلك: “نقد النقد السردي العماني: حضور المتخيل وغياب الشكل”، و”الإشكالية الثقافية السادسة: البحث في عماء الاستعلاء عن بصيرة الاستقراء”، و”الاشكالية الثقافية السابعة: التعزيم على الأرواح الضالة للنقد الهارب”، و”المونغرافيات في تأريخ الأدب الجامعي: تأصيل التأسيس”.
(2)سعيد علوش: أطروحة الثقافة الخليجية في نقد النقد الأدبي العماني، الرباط، 1999، المقدمة.
(3)علوش، ص474– 475.
(4)علوش، ص 364.
(5)علوش، ص467.
(6)علوش، ص360-361، وينظر ص363-364.
(7)علوش، ص361.
(8)علوش، ص76.
(9)علوش، ص 379.
(10)أبو حيان التوحيدي: الإمتاع والمؤانسة، تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، مكتبة دار الحياة، بيروت، ص131.
(11)يُنظر:
-علوش، سعيد: أطروحة الثقافة الخليجية في نقد النقد الأدبي العماني، الرباط، 1999.
-الفيومي، د. إبراهيم: نافذة على القصة العمانية.. قراءة في مجموعة علي الكلباني القصصية “صراع مع الأمواج”، مجلة (صوت الجيل)، ع35، أيلول 1998، ص62-63.
(12)علوش، ص 113.
(13)د. إبراهيم الفيومي: مصدر سابق، ص63.
(14)د. علي جواد الطاهر: مقدمة في النقد الأدبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 1987، ص 339.
(15)مجدي وهبة: معجم مصطلحات الأدب، مكتبة لبنان، بيروت، 1974، ص 246.
(16)المصدر السابق، ص271.
(17)د. عبد الواحد لؤلؤة: القصة القصيرة في سلطنة عمان، جريدة (الزمان)، ع316، 7/5/1999.
(18)ديفيد ديتشس: مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ترجمة محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت، 1967، ص440.
(19)إبراهيم الفيومي: مصدر سابق، ص62.
(20)محمد عبد الحليم غنيم: “مدارات العزلة”.. مبارك العامري وفن الرواية القصيرة، مجلة (نزوى)، ع 18، أبريل 1999، ص 259– 261.
(21)المصدر السابق، ص260.
(22)حاتم الصكر: الكتابة النقدية في ضوء المنهجيات الحديثة، ضمن كتاب (حركة النقد الأدبي في الأردن.. أوراق ملتقى عمان الثقافي الثالث)، منشورات وزارة الثقافة، عمّان، 1994، ص 58.
(23)شبّر بن شرف الموسوي: دلالة البحر في القصة العمانية المعاصرة، ق2، جريدة (عمان)، عمان الثقافي، 20/ 9/ 2001.
(24)د. شريفة اليحيائي: حضور القرية في النص القصصي المعاصر في عمان.. قراءة في تجربة التسعينات، ق1، جريدة (عمان)، عمان الثفافي، 25/ 10/ 2005.
(25)د. إبراهيم الفيومي، مصدر سابق، ص62.
(26) يُنظر مثلاً: اليحيائي، محمد: قصة قصيرة فحسب في “بيت وحيد في الصحراء”، زاوية لزوم ما يلزم، جريدة (عمان)، شرفات، ع 44، 17سبتمبر (أيلول)/ 2003، ص7.
(27) ديفيد ديتشس: مصدر سابق، ص485.
(28)حاتم الصكر، مصدر سابق، ص60.
(29)يوسف الشاروني: الرواية العمانية وخصوصية الرواية الخليجية، مجلة (فصول)، م16، ع4، ربيع 1998، ص 173– 197.
(30)غالية ف. ت. آل سعيد: مراجعة نقدية لرواية سعود المظفر “عاطفة محبوسة” ، مجلة (نزوى)، ع 32، أكتوبر 2002 ، ص 275– 281.
(31)عبد الرزاق الربيعي: ندى الشعر يبلل أجنحة القصة.. إضاءات في تجارب شابة في القصة العمانية، جريدة (الزمان)، ع1293، 22/8/2002.
(32)د. شريفة اليحيائي: قراءة تشريحية في نماذج من النصوص القصصية العمانية، جريدة (عمان)، عمان الثقافي، في ثلاثة أقسام، 22/11، 29/11، 6/12/2001.
مراجع البحث
آل سعيد، غالية ف. ت: مراجعة نقدية لرواية سعود المظفر “عاطفة محبوسة”، مجلة (نزوى)، ع 32، أكتوبر 2002، ص 275– 281.
التوحيدي، أبو حيان: الإمتاع والمؤانسة، تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، مكتبة دار الحياة، بيروت.
ديتشس، ديفيد: مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ترجمة محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت، 1967.
الربيعي، عبد الرزاق: ندى الشعر يبلل أجنحة القصة.. إضاءات في تجارب شابة في القصة العمانية، جريدة (الزمان)، ع1293، 22/8/2002.
الشاروني، يوسف: الرواية العمانية وخصوصية الرواية الخليجية، مجلة (فصول)، م16، ع4 ، ربيع 1998، ص 173– 197.
الصكر، حاتم: الكتابة النقدية في ضوء المنهجيات الحديثة، ضمن كتاب (حركة النقد الأدبي في الأردن.. أوراق ملتقى عمان الثقافي الثالث)، منشورات وزارة الثقافة، عمّان، 1994.
الطاهر، د. علي جواد: مقدمة في النقد الأدبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 1987.
الطريسي، أحمد: “عاطفة محبوسة” لسعود المظفر، مجلة (نزوى)، ع 27، يوليو 2001، ص 249– 252.
علوش، سعيد: أطروحة الثقافة الخليجية في نقد النقد الأدبي العماني، الرباط، 1999.
غنيم، محمد عبد الحليم:”مدارات العزلة”.. مبارك العامري وفن الرواية القصيرة، مجلة (نزوى)، ع 18، أبريل 1999، ص 259– 261.
الفيومي، د. إبراهيم: نافذة على القصة العمانية.. قراءة في مجموعة علي الكلباني القصصية “صراع مع الأمواج”، مجلة (صوت الجيل)، ع35، أيلول 1998، ص62-63.
القصبي، محمد: رجال من جبال الحجر.. التناسلية وأشياء أخرى، مجلة (نزوى)، ع 8، أكتوبر 1998، ص240– 242.
كاظم، د. نجم عبدالله: الأدب الأردني والموقف النقدي بين النظرية والتطبيق، جريدة (الدستور)، 1995.
لؤلؤة، د. عبد الواحد: القصة القصيرة في سلطنة عمان، جريدة (الزمان)، ع 316، 7/5/1999.
الموسوي، شبّر بن شرف: دلالة البحر في القصة العمانية المعاصرة، جريدة (عمان)، عمان الثقافي، في أربعة أقسام، 6/9، 20/9، 4/10، 18/10/2001.
وهبة، مجدي: معجم مصطلحات الأدب، مكتبة لبنان، بيروت، 1974.
اليحيائي ، د. شريفة:
-حضور القرية في النص القصصي المعاصر في عمان.. قراءة في تجربة التسعينات، جريدة (عمان)، عمان الثفافي، في قسمين، 25/10، 2/11/2001.
-قراءة تشريحية في نماذج من النصوص القصصية العمانية، جريدة (عمان)، عمان الثقافي، في ثلاثة أقسام، 22/11، 29/11، 6/12/2001.
اليحيائي، محمد: قصة قصيرة فحسب في “بيت وحيد في الصحراء”، زاوية لزوم ما يلزم، جريدة (عمان)، شرفات، ع 44، 17سبتمبر (أيلول)/ 2003، ص 7.