ملامح التأثير الغربي، مختصر للقراءة

مقدمة في التأثير الأدبي الغربي
في الآداب العربية الحديثة

( 1 ) مقدمة مع (الأدب المقارن): التأثير والتأثر، والصورلوجيا Imagology.
( 2 ) ملامح التأثير الغربي في الشعر العربي الحديث .
( 3 ) ملامح التأثير الغربي في القصة القصيرة العربية الحديثة.
( 4 ) ملامح التأثير الغربي في المسرحية العربية الحديثة.
( 5 ) ملامح التأثير الغربي في الرواية العربية الحديثة.
( 6 ) وقفة قصيرة أخيرة.

( 1 )
مقدمـة مع الأدب المقارن
-تعريفات (الأدب المقارن) وتأريخه Coparative Literature
-بين المدرسة الفرنسية والمدرسة الأمريكية.
-ميادينه لا ميدانه، وأهمها: التأثير والتأثر، و(صورة الآخر) الصورلوجيا.
-بين الأدب العربي والآداب الأخرى، بين الأدب العربي والآداب الغربية.
إن التأثير والتأثر يكون، بحدود تعلق الأمر بالأدب العربي، على وجهين، الأول الذي يتمثل في تأثير الأدب العربي في الآداب الأجنبية، والثاني يتمثل في تأثير تلك الآداب أو بعضها في الأدب العربي. وقفاتنا من هذا المنطلق ستُعنى بالوجه الثاني المتمثل تحديداً في تأثير الآداب الغربية، الأوربية والأمريكية، في أجناس الأدب العربي، وتحديداً الحديث.
-وقفاتنا ستكون عند: الشعر العربي، والرواية، والقصة القصيرة، والمسرحية، ووقفة قصيرة أخيرة عند أجناس وفنون أخرى.

( 2 )
ملامح التأثيرات الغربية في الشعر العربي الحديث
معروفٌ أن التعرف الأول لأدباء العرب في العصر الحديث على الآداب الأوربية، والذي حدث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لم يقد إلى تأثر واضح بشعر تلك الآداب بالرغم مما أثاره فيهم من الإعجاب والانبهار اللذين رأيناهما. أما بدايات التأثّر فكانت مع شعراء الديوان والمهجر وأبوللو، وصولاً إلى الشعر الذي حقق تأثراً أكبر وأوضح وأنضج وأكثر استيعاباً له هو الشعر الحر بكل شعرائه. إن المتتبع لحركة الشعر الحر يجده قد تأثر في انطلاقته وتطوره تأثراً كبيراً بالشعر العالمي وخاصة الشعر الإنكليزي، وإلى حد ما الأمريكي. هذا الأمر ينطبق على كل شعراء هذه الحركة تقريباً بدءاً بشعراء الريادة بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وبلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي، ومروراً بالشعراء الذين عززوا الريادة مثل وجبرا إبراهيم جبرا ومحمد الماغوط ويوسف الخال ولويس عوض وأدونيس وغيرهم ، وانتهاءً بشعراء الأجيال التالية أحمد عبد المعطي حجازي وعبد الرزاق عبد الواحد ويوسف الصائغ وسعدي يوسف ومحمود درويش وسميح القاسم وحسب الشيخ جعفر وغيرهم.
ملاحظة: أترك التفصيل في هذا للزميلة العزيزية د. أريج.

( 3 )
ملامح التأثيرات الغربية في الرواية العربية
كان من الطبيعي أن تتأثر الفنون النثرية العربية الجديدة بمثيلاتها في الآداب الأجنبية تأثراً كبيراً مقارنة بالشعر كونها أصلاً غربية الأصول، كما نعلم، وهو التأثر الذي يظهر فعلاً في أوضح أشكاله في الرواية على امتداد تأريخها الممتد حوالي مئة عام. وهكذا يلمح الدارس المقارن تأثير الرواية الفرنسية وإلى حد ما الروسية في رواية ما قبل الخمسينيات مثلاً، مع بعض الاستثناءات المهمة، مثل تأثير الرواية التاريخية للإنكليزي والتر سكوت، إلى جانب الفرنسي ألكسندر دوماس الأب، في تجربة جرجي زيدان الرائدة عربياً في كتابة الرواية التاريخية. وتبدأ رواية ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد خمسينيات القرن الماضي، ومع تراجع تدريجي للتأثير الفرنسي في البداية ثم الروسي، بتلقى تأثيرات الآداب الروائية الأخرى من إنكليزية وأمريكية وغيرها. ذلك كله كان بالطبع تبعاً لما أُتيح للروائيين العرب قراءته والاطلاع عليه، ولحركة الترجمة وتوجهاتها في عواصم النشر، القاهرة وبيروت أولاً، ثم بغداد ودمشق، قبل أن تنظم إليها في فترات متأخرة عواصم أخرى، مثل عمّان والشارقة والكويت وتونس والدار البيضاء، وغيرها بعد ذلك. لقد كان من نتائج هذه الحركة أن أصبح معروفين ومقروئين جداً، في الفترة الممتدة من نهاية الخمسينيات وحتى السبعينيات روائيون مثل: جون بول سارتر وألبير كامو من الفرنسيين، وليو تولستوي وفيدور دستويفسكي وماكسيم غوركي من الروس، وإرنست همنغوي ووليم فوكنر وأرسكين كولدويل وجون شتاينبك ودوس باسوس من الأمريكان، وفرانز كافكا التشيكي، وألبرتو مورافيا الإيطالي، وتوماس مان الألماني، ونيكوس كازنتزاكي اليوناني.
أما أكثر الموجات والاتجاهات الأدبية الغربية تأثيراً في الآداب القصصية الروائية العربية، خصوصاً في فترة الخمسينيات– الثمانينيات من القرن الماضي، فكانت موجات الأدب الوجودي وأدب اللامعقول وكتابات تيار الوعي، والأدب الوجودي، وكل ذلك بسبب عوامل مختلفة بعضها متعلق بظروف المرحلة وبعضها بنوع الآداب المترجمة. وهكذا صارت أسماء كتّاب مثل سارتر وكامو وكافكا وولسون وجويس وولف وفوكنر شعبية جداً لا بين الكتّاب فحسب، بل بين مثقفي تلك الفترة، وربما حتى بين متوسطي الثقافة، فكان طبيعياً أن يتأثر بها أدباء مثل سهيل إدريس ومطاع صفدي وجورج سالم وفؤاد التكرلي ويحيى الطاهر عبدالله وصنع الله إبراهيم ومحي الدين زنكنه وإبراهيم نصر الله وغيرهم.
ضمن هذه الموجات والتيارات، يُعد كاتب اللامعقول كافكا واحداً من أبرز المؤثرين من خلال رواياته “المحاكمة” أو “القضية” Der Prozess، و”القصر” و”القلعة” Das Schloss و”أمريكا” Amerika، وقصته الطويلة “المسخ” Die VerwandlungK، وحتى العديد من قصصه القصيرة. وقد ظهرت تأثيراتها في العديد من أعمال الروائيين العرب الذين ذكرناهم وغيرهم. نذكر منها هنا: “الوجه الآخر” لفؤاد التكرلي، و”في المنفى” لجورج سالم، و”الغرف الأخرى” لجبرا إبراهيم جبرا، و”اللجنة” لإبراهيم نصر الله، ومعظم قصص يحيى الطاهر عبدالله القصيرة والطويلة، و”ويبقى الحب علامة” و”بحثاً عن مدينة أخرى” لمحي الدين زكنه.
لكن التأثيرات الأجنبية، ضمن نفس الفترة (الخمسينيات- الثمانينات) لم تقتصر بالطبع على هذه الفئة من الكتّاب الغربيين، بل يحضر آخرون مثل: دستويفسكي، وميخائيل شولوخوف، وألان روب غرييه، وجويس، وولف، وشتاينبك، وكولدويل، ووليم سارويان، ومورافيا، ودي إتش لورنس، ودوس باسوس، وكازانتزاكي. فممن نعتقد أن تأثراتهم تستحق الدراسة، عدا من ذكرنا، الروائيين العرب: إسماعيل فهد إسماعيل، وفؤاد التكرلي، وفتحي غانم، ويوسف إدريس، وغسان كنفاني، وغائب طعمة فرمان، وجبرا إبراهيم جبرا، وعبد الرحمن الربيعي، ومولود فرعون، وحليم بركات، وفاضل العزاوي، وغالب هلسا، وحنان الشيخ، وغيرهم.
نجد من بين كل هؤلاء الروائيين الغربيين يتقدم فوكنر ليكون ضمن أكثرهم صدىً وشعبية ومقروئية من الكتّاب العرب، خصوصاً في الخمسينيات والستينيات، خصوصاً، ومن خلال روايته الشهيرة “الصخب والعنف”، وإلى حد ما “الحرم”، وربما “ضوء في آب” و”وأنا أستلقي محتضرة”. وإذ يكون كذلك فمن الطبيعي أن يكون ضمن أكثر الكتاب تأثيراً في نتاجات الأدباء العرب التي ظهرت في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات. في الواقع أننا نجد أسلوب فوكنر المميز وبعض شخصياته وأبطاله وشيئاً من عوالمه غير العادية غالباً وتوظيفاته الرائدة في الرواية العالمية، من خلال هذه الرواية، وإلى حد ما الروايات الأخرى، في بعض أعمال غسان كنفاني لاسيما روايته “ما تبقى لكم” التي حاكى فيها رواية الكاتب الأمريكي أسلوباً وتقنية والأهم توظيفاً للزمن. كما نجد هذه التأثيرات في بعض أعمال جبرا إبراهيم جبرا، مثل “صيادون في شارع ضيق” وإلى حد ما “البحث عن وليد مسعود، وغائب طعمة فرمان في رواية “ظلال على النافذة”، وفؤاد التكرلي في “الرجع البعيد، وإسماعيل فهد إسماعيل في رباعيته.
وإذا كانت شعبية ماركيز وكتاب الواقعية السحرية الأمريكيين في الوطن العربي جديدة نسبياً فإن هذه الجدة، وانطلاقاً من الهوس بهؤلاء الكتاب الذي أصاب القراء العرب، لم يحل دون أن تظهر تأثيراتهم، ولاسيما ماركيز ، كبيرة وجوهرية وفاعلة في أعمال الروائيين العرب. ولنا أن نشير بشكل خاص إلى عبد الخالق الركابي الذي تأثر في الكثير من رواياته بهذا الكاتب، ولعل في وقفة قصيرة عند هذا يكفي هنا.
إن قراءة متأنية لأعمال الروائي العراقي عبد الخالق الركابي، وخصوصاً “الراووق”، و”من يفتح باب الطلسم؟”، وأعمال الكاتب الكولومبي غابرييل ماركيز، خصوصاً “مئة عام من العزلة”، تكشف بوضوح عن علاقة بين الكاتبين وبين أعمال كل منهما، وهي العلاقة التي تبدو لنا أقوى من أن تكون تشابهات ثانوية أو سطحية أو عارضة- بمعنى أنْ تكون قائمة على الصدفة.

( 4 )
ملامح التأثيرات الغربية في القصة القصيرة العربية
ربما يبدو تتبع التأثيرات الأجنبية التي وقعت على القصة القصيرة العربية أكثر صعوبة وتشابكاً من تتبّع تلك التي وقعت على الشعر والرواية. ولكن مما يخفف من عبء هذه الصعوبة وهذا التشابك أن غير قليل من التأثيرات التي عرضنا لها في الأدب العربي الحديث، وفي الرواية تحديداً، هو ضمن ما وقع على القصة، وذلك بسبب القواسم المشتركة غير القليلة بين الفنين القصصيين طبيعةً وفناً واهتماماً، إضافة إلى أن جل الروائيين، غربيين وعرباً، كتبوا ويكتبون القصة القصيرة، والعكس يكاد يكون صحيحاً بالنسبة للقصاصين. وهكذا، تمشياً مع الهيمنة الواضحة للأدب الفرنسي، وإلى حد ما الإنكليزي، التي رأيناها في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وامتداداً إلى الخمسينيات، تأتي قراءة العرب بشكل خاص للقصاصين الفرنسيين مثل كي دي موبسان، والروس مثل أنطون تشيخوف. وكما تنوعت القراء في مجال الرواية ما بعد الحرب العالمية الثانية والخمسينيات وامتداداً إلى الستينيات فالسبعينيات، تنوعت في مجال القصة القصيرة، فقُرئت قصص للفرنسيَيْن موبسان وناتالي ساروت، والروسيَيْن تشيخوف ونيقولاي غوغول، والإنكليزيَيْن جويس وسومرست موم، والأمريكان إدغار ألن بو وإرنست همنغوي ووليم فوكنر، والتشيكي كافكا، والنيوزلندية كاترين مانسفيلد. كل ذلك كان قبل أن تقتحمنا كتابات كتّاب جدد في فنهم مثل الأمريكي الجنوبي الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس.
في الدخول إلى عالم التأثير، نعتقد أن أكثر الروائيين والقصاصين تأثيراً في القصة القصيرة العربية هم: ناتالي ساروت، وألبير كامو، وتشيخوف، ودستويفسكي، وجيمس جويس، وإرنست همنغوي، وفرانز كافكا. وللأخير نجد هناك دوماً ظلالاً مباشرة أو غير مباشرة في قصص الكثير من القصاصين العرب. ممن يمكن أن نذكرهم هنا القاصين يوسف إدريس، وجورج سالم، ويوسف الحيدري، وزكريا تامر، وغادة السمان، ووليد إخلاصي، ويحيى الطاهر عبدالله، وعبد الرحمن مجيد الربيعي، وجمعة اللامي، وجليل القيسي، ومحي الدين زنكنه، وياسين رفاعية، وغيرهم.

( 5 )
ملامح التأثيرات الغربية في المسرحية العربية
وقفتنا التالية عند المسرح، متمثلاً في الكتابة المسرحية تحديداً التي تلقّت هي الأخرى التأثيرات الأجنبية، كونها جاءت أصلاً من الغرب على أيدي نخبة من المثقفين على رأسهم مارون النقاش الذي قدم مجموعة المسرحيات ترجمةً وتأليفاً، وكان تأليفه للـ”البخيل” المحاكية لمسرحية موليير أولى مسرحياته، وأول مسرحية عربية. وانفتح العرب بعد ذلك على المسرح الأغريقي، ومسرح شكسبير، وموليير، والروسي أنطون تشيخوف، والإيرلنديين برنارد شو وصاموئيل بيكيت، والأمريكي تنسي وليامز، والفرنسيين كامي وسارتر ويوجين أونسكو، والألماني برتولد بريخت. وهكذا يمكن أن نرى ظلال الغربي ، بمختلف تياراته وجنسيات كتّابه، في كل كتاب المسرح العربي بدءاً بتوفيق الحكيم بكل تجاربه وتجريباته، ومروراً بنعمان عاشور في استفادته من تشيخوف، ويوسف إدريس حتى في استفادته من التراث، وألفريد فرج في مسرحه التجريبي، وغيرهم. ولكن كان الحكيم أهم من خرج بالمسرحية من هيمنة شبه مطلقة للترجمة والإعداد إلى الكتابة العربية لها. تأثر توفيق الحكيم، في (أوديب)، بأسطورة (بجماليون) كما قدمها سوفوكليس، ولكن عبر المسرحي الأيرلندي برنارد دشو. فقد استوحى شو فكرة وموضوع مسرحيته Pygmalion التي كثيراً ما عُرفت بـ”سيدتي الجميلة” My Fair Lady، التي ستُحول إلى فيلم فيما بعد، كما ستُترجم إلى العربية وتُجسّد وتحول إلى فيلم عربي، من عمل المسرحي الإغريقي سوفوكليس.

( 6 )
كلمة أخيرة
وبعد، فعدا الشعر والرواية والقصة والمسرحية، التي حاولنا أن نرسم بها أجزاء الصور البانورامية للأدب العربي الحديث في ضوء تأثّره بالآداب الأجنبية، وتحديداً الغربية، لا يبقى من أجزاء هذه الصورة غير ما هو متعلق بالمقالة الأدبية، وأدب الأطفال، والنقد الأدبي.
أما المقالة فهي تحتاج إلى تتبع دقيق وكبير وصبر وجهد غير عاديين مما لا يمكن لمقدماتنا هذه توفيره. أما أدب الأطفال فهو عندنا يخرج عن دائرة اهتمامنا واهتمام هذه المقدمات، بل ما هو، برأينا، بخاطر في ذهن كل من يدرس الأدب العربي الحديث، لأنه في الحقيقة يكاد يكون خارج حقل هذا الأدب. أما النقد الأدبي فنتردد كثيراً في شموله بهكذا وقفات، مع أن التأثير الأجنبي فيه هو الأوسع.
وختاماً لمقدمتنا العامة أو البانورامية هذه لنا أن نقول بثقة، وكما نعتقد أن القراء يلاحظون، إن التأثيرات الأجنبية هي أكثر وأكبر من أن تغيب عن رؤية الدارس، ولاسيما حين يكون مقارناً، في أي من فنون الأدب الحديث التي تناولناها، وإن كلاًّ من هذه الفنون ليستحق وقفات ودراسات مقارنة مستقلة، لم يسع كتابنا هذا إلا أن يكون مقدمات تفتح أبواباً لمن يريد أن يتصدى لدها.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

دراسة عن دروب وحشية

تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *