عبد الخالق الركابي
دراسة في تجربته الأدبية
في ضوء العلاقات الأدبية، والتأثير والتأثر
د. نجم عبدالله كاظم
كلية الآداب – جامعة بغداد
المقدمة:
لعل من المفيد، وربما من الضروري في وقفتنا القصيرة هذه بيان مبرراتها، وقبل ذلك مبررات أن يكون محورها الروائي العراقي عبد الخالق الركابي. فالمبرر الأول يكمن في الروائي ذاته، إذ يحتل الركابي قاصاً وروائياً مكانة متميزة هيمن بها، إلى جانب روائيين وقاصين قلائل آخرين، على خارطة الأدب القصصي والروائي العراقي، وهو ما يبرر، في الوقت نفسه، استحقاق هذا الكاتب أو قدرة أدبه على تخطي الحدود القطرية، واحتلال مكانة بين الروائيين العرب المتميزين. أما المبرر الثاني فهو، وتعلقاً بما سبق، أن تجربته الفنية، وخاصة في الميدان الروائي، قد استحقت من زمن ليس بالطويل أن تدخل مختبرات النقاد، وذلك بما اشتملت عليه من تدرج فني متصاعد بثبات، وبما عكسته من عمل دؤوب ومثابر للكاتب لاغنائها دائماً بنتائج بحثه المطرد عما هو أكمل وأنسب فنياً لعوالمه وقضاياه وأفكاره، وتجنيبها كل ما يقتنع هو أيضاً بأنه سلبي في منجزه الفني.
تعلقاً بآخر عبارة من المقدمة، يجد دارس الركابي أن الكاتب بالحقيقة مسكون بالهم الفني الذي يصل به غالباً إلى ما هو أفضل، وهو المهم الذي يذكرنا بكتّاب آخرين هم أيضاً، مثل فؤاد التكرلي، وغسان كنفاني، ويوسف إدريس، وإبراهيم نصر الله.. وغيرهم، ممن لمن يكونوا يسلمون بالمتحقق بسهولة. أما المبرر الثالث فهو قناعتنا الخاصة بالمقدرة المتنامية التي يمتلكها الكاتب للخلق والإبداع، والتي نرى أنها لما تزل، بالرغم من كل ما قدمه صاحبها، قادرة على أن تعطي المزيد مما قد تسهم الدراسات في تأشير الطريق إليه. بقي أخيراً المبرر المباشر الذي حمل فلمنا على الكتابة الفعلية عن الركابي والجوانب الأخرى التي تُعنى بها دراستنا، وهو ما أثارته أعمال الكاتب، وخاصة رواياته خلال العقدين الأخيرين، من آراء وطروحات وجدل حول التقائها بأعمال الكاتب الكولمبي غابرييل ماركيز. وكما هو واضح من عنوان دراستنا، فإن تناول هذا الجانب أو القضية تحديداً، هو الغاية الرئيسة لنا، مع التنويه بأنه سيكون في نهاية الدراسة، وبعد ووقفة عند هذا الطروحات والجدل، وقفة مقارنة عند العلاقة بين الركابي وماركيز، هي ممهدة لدراسات تطبيقية مقارنة محتملة أكثر منها دراسة مقارنة كاشفة تفصيلاً عن حقائق التأثير والتأثر، لكننا وجدنا المرور بالركابي نفسه وبتجربته التقنية بشكل عام ضرورياً،خاصة أن هذا الكاتب وتجربته لما يزالا غير معروفين بشكل كاف على مستوى الساحة الأدبية العربية.
**
التجربة الفنية:
في المراحل الأولى من مسيرته الأدبية، في النصف الثاني من الستينيات وبداية السبعينيات، والتي كان من الطبيعي أن تترك تأثيراتها في هذه المسيرة، بشكل أو بآخر، نظم عبد الخالق الركابي الشعر، وكتب القصة القصيرة، ليتجه بعد ذلك إلى العالم الذي سرعان ما وجده عالمه، نعني عالم الرواية الساحرة. فهو إذ كاد يهجر الشعر ولم ينظم بعد ذلك إلا لماماً بينما بقي يكتب القصة القصيرة بشكل متواضع، حجماً لا فنّاً بالطبع، قد أخذه حب الرواية بكل جوارحه، وبجل مداد قلمه ليبشر بمؤشرات روائي قادم، حين نشر تجربته الروائية الأولى “نافذة بسعة الحلم” في سعة 1977. ولكن من المفيد أن نشير هنا إلى أنه توقف، بعد نشر هذه الرواية توقفاً إنْ لم يكن غريباً، فإنه لم يكن بالتأكيد طبيعياً أو عادياً تماماً، ولربما كان ذلك للمراجعة ولتقويم المغامرة ونتائجها ذاتياً، خصوصاً أنها التجربة أو المغامرة التي تشكل حلم الكثير من الأدباء، مهما كانت مشاربهم وفي أي ميادين كانت عطاءاتهم. لكننا يجب أن لا ننسى ظرفه الصحي القاسي، حيث شُلّت جل مقدراته الجسدية بمرض مفاجئ خطفه منا وقتاً ليس بالقصير، قبل أن يعيده عشقه للكتابة وللفن الروائي بشكل خاص بما يشبه المعجزة، فنشر إنجازه الروائي الثاني، رواية “مكابدات عبدالله العاشق” القصيرة في سنة 1962، ليتبعه بالإنجاز الثالث، رواية “من يفتح باب الطلسم؟” الضخمة في سنة 1983. ويبدو أن ضخامة هذه الرواية الأخيرة، بما اشتملت عليه من إطالة وربما من بعض الترهل، وقصر السابقة لها، بما اشتملت علهي من تكثيف شديد وربما من التقصير في إشباع ما كان يجب أن يُشبَع من أحداث، وشخصيات، وسرد ووصف..، كان لهما فائدة ما تُكسِبه التجربة والتجريب وما يتبعها من مراجعة وسماع نقد وما إلى ذلك لتكون ثمار ذلك في الآتي من الكتابات الروائية، التي استفاد فيها الكاتب من تجاربه السابقة، ومنها استمراره في كتابة القصة القصيرة التي قدم فيها مجموعة قصصية متميزة هي “حائط البنادق” في سنة 1983. أما ثمار التجربة والتجريب، والمراجعة والتأمل الفني، فتمثّلت في سلسلة من الروايات امتلكت كل منها استقلاليتها من جهة، وارتبطت كلها، من جهة ثانية، في كونها تقدم أجيالاً متتالية من الشخصيات، لتنتمي بذلك إلى ما تسمى برواية النهر، وهي تؤرخ هنا فنياً لريف العراق عبر عقود من الزمن بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر. هذه الروايات هي: “الراووق”- 1986- و”قبل أن يحلق العاشق”- 1990- و”وسابع أيام الخلق”- 1994.
وكل هذه الروايات حظيت باهتمام نقدي متميز، لم ينفع كاتبها، مع هذا في للخروج إلا بشكل محدود من حدود الساحة الأدبية القطرية إلى فضاءات الساحة العربية. وهذا أمر يجب أن لا يقلل من قيمة هذا الكاتب أو أدبه ومكانته، خصوصاً إذا ما عرفنا أو اقتنعنا بأن الانتشار عربياً في ما يتعلق بالأدب العراقي غير الشعري أمر مرهون بحالة قد تكون غريبة، تعلل عدم اهتمام العرب نقاداً وناشرين وقرّاءً بكتاب عراقيين كبار، الاهتمام الذي يستحقونه فعلاً، حتى وإن عرفوهم، كما هو شأن فؤاد التكرلي، وغائب طعمة فرمان، وبرهان الخطيب، وعبد الرزاق المطلبي، وعبد الرحمن الربيعي، وفاضل العزاوي، وهشام الركابي، وعلي خيون، ومحيي الدين زنكنه، ولطفية الدليمي، ومهدي عيسى الصقر، ومحمد خضير، وميسلون هادي، وعبد الستار ناصر… وغيرهم. وإذا لم نكن هنا بصدد مناقشة هذه القضية ومحاولة تعليلها بما يخرج عن حدود النقد بعض الشيء، فمن المفيد الإشارة إلى أن عبد الخالق الركابي كان يعي هذه الظاهرة ويحاول استيعابها، إذ يقول:
“لست وحدي الذي لمن ينتشر عربياً بنحو جيد، فالأمر يكاد ينطبق على معظم الأدباء العراقيين، وسبب ذلك يعود لسوء توزيع الكتاب العراقي، فما من نقد يوجد بغياب النص. وتلك هي مشكلة الروائيين العراقيين جميعاً. فعلى النقيض من الشاعر وكاتب القصة القصيرة اللذين يستطيعان الانتشار عربياً بيسر بوساطة نشر نتاجاتهما في المجلات العربية، لا مفر للروائي من نشر روايته خارج العراق، وهذا أمر ليست لي قدرة على تحقيقه بسبب انعدام علاقاتي بالناشرين العرب، فضلاً عن إيماني الشخصي بأن النتاج الجيد سينتشر في النهاية وإنْ تأخر بعض الوقت”([1]).
وإذا كان لمثل هذه الدراسة أ، تسهم في الخروج بالكاتب مما أميناها قطرية الانتشار، فإنا يجب أن نكرر ما يشير إليه عنوانها، وما أشّرتْه ضمناً وصراحةً مقدمتها، نعني بشكل أساس عنايتنا بذلك اللقاء الفني والموضوعي بين الركابي وماركيز وما أثاره من نقاشات وجدل. وإذ تطرح روايتان من روايات الركابي بشكل خاص مثل هذا اللقاء، وهما “من يفتح باب الطلسم؟”، و”الراووق”، فإن الأخيرة تحديداً هي التي كانت مبعث الجدل والنقاش وربما العراك فيما بين بعض النقاد، وبينهم وبين الكاتب. ومن هنا يكون التوقف عند هذه الرواية مهماً وضرورياً قبل تناول ذلك الجدل والنقاش، وتشذيبه أكاديمياً للخروج في النهاية بالموقف الذي نراه نقدياً وأكاديمياً موضوعياً.
**
رواية “الراووق”:
تبدو “الراووق” من النظرة الخارجية أو العامة الأولى، وكأنها قد جاءت وسطاً بين التركيز الشديد الذي كُتبت به الرواية القصيرة “مكابدات عبدالله العاشق”- 115 صفحة- والتفصيل المفرط، غير الفني أحياناً، في الرواية الضخمة “من يفتح باب الطلسم؟”- 355 صفحة. ونحن حين نسجل هذه الإشارة التي تبدو شكلية أكثر منها فنية وعضوية، فلأن هذا الجانب، التركيز والتفصيل قد كان له تأثيره الفني، وعلى أية حال إن “الراووق” إذ كانت لها في هذا السياق خصوصيتها، فإن الكثير من الخصوصية يتعزز في موضوعها وفنها والذي ينكشف من الأسطر والأولى:
“نفض (ذاكر القيّم) عن مخطوطة (الراووق) الغبار وفتحها على بابها الأول، فطالعه البيتان:
حين انتهت صفوة الأيام بالكدر وكشّر الشر لي عن ناجذ أشر
لاح النذير لنا نجمـاً لـه ذنب تاريخه (كلم في صفحة القدر)
“فتذكر يوم تسلّمه سدانة المزار عقب موت القيّم السابق: حينها أصبح في استطاعته تصفّح هذه المخطوطة بعد سنوات طوال كان يحظر عليه سلفه خلالها مسّها، ففتحها لأول مرة على هذين البيتين اللذين أرّخ بهما (السيد نور) تاريخ ظهور النجم المذنب، مبتدئاً بذلك كتابة هذه الصفحات”([2]).
وهكذا تبتدئ الرواية مسيرتها، وقد اتخذ كاتبها من (المخطوطة) مفتاحاً أو وسيلة لتحقيق هدف ما.. ما هو؟ هذا ما لا ينكشف بسرعة، بل ربما هو يحمل أكثر من هدف، كما سيتضح ذلك أو بعضه في ما سيأتي من وقفتنا القصيرة عندها. وبغض النظر عن الهوية الدقيقة لهذه (المخطوطة)، فإنها قد صارت في الرواية، سواء أراد الكاتب ذلك أم لم يرد، وسيلة شكلية- فنية ومضمونية. وإذا ما فهمنا النص، أي نص فني، على أنه كلٌ متكامل، وليس للفصل ما بين شكله ومضمونه، أو لتجزيئه إلى عناصره التي تكوّنه إلا غاية تعليمية أو تفسيرية أو ما إلى ذلك، فإن صيرورة هذه (المخطوطة) وسيلة شكلية أو مضمونية أو غير ذلك، لا تشكل أهمية إلا بحدود تناولها نقدياً ضمن مسار العمل الذي ترد فيه. بعبارة أخرى نستطيع القول إن هذا العنصر أو هذه الوسيلة التي افتُتحت وسيلة فنية بما تعنيه (فنية) من معان ومدلولات. فهي أولاً تُفتح الرواية أو عالمها بكل مكوناته ومفرداته بعداً تاريخياً، يقترب من التاريخ الواقعي، أو على الأقل ينبني عليه، خصوصاً حين اختار الروائي،كما يتضح من مجرى الرواية، لإحداثها فعلاً إطاراً تاريخياً حقيقياً، وهو السنوات الإحدى عشرة أو الاثنتا عشرة الأولى من القرن العشرين. ولما كانت لأية مرحلة تاريخية أن ترتبط بما يسبقها وما يتلوها، فقد كان لا بد للكاتب أن يختار ما يمثل العمق أو الجذر لها فكانت (المخطوطة)، بينما سعى إلى تكييف الأحداث بدلالاتها والشخصيات وحواراتها، لتقدم استشرافاً حقيقياً لمستقبل هو بالطبع لم يعد مستقبلاً فعلاً، كونه صار، وقد وقعت أحداثه وانتهت وقائعه، ماضياً. ومع أن القطع في هذا الأمر، أعني عد (الخطوطة) وسيلة لمنح الرواية بعدها التاريخي، ليس ممكناً، كما أنه ليس من هم النقد تماماً، فإننا نقرأ في بعض المواضع ما قد يسند مثل هذا الرأي:
“وعلى وهج القنديل المنداح فوق الموقد استغرق في قراءة الباب الأول الذي كتبه (نور) بخط الرقعة، سارداً بأسلوب منمق حافل بالمحسنات البديعية من جناس وسجع، أسطورة العشيرة القديمة”([3]).
لكن هل (المخطوطة)، بحدود دلالتها العامة ودلالتها في الرواية، تُعنى فعلاً بتاريخ البواشق كعشيرة، كما يبدو الأمر ظاهرياً؟ بدلالتها العامة نقول: نعم، على الأقل في إشاراتها المبارشرة. أما في دلالتها الخاصة- في الرواية- فبظننا أنها لا تعنى بهذا التاريخ المحدود فقط. فالركابي شأنه في رواياته السابقة قد أراد أن يصور جانباً من تاريخ العراق. ولأنه – وهذه نقطة مهمة جداً، ونحن نتحدث في الفن لا في التاريخ- استمر هذا التاريخ فنياً، فإنه قد حقق معادلة كثيراً ما يصعب على الفنان تحقيقها حين يتعامل من خلال فنه، الذي يمارسه أو ينتجه مع التاريخ أو المجتمع أو الواقعة الاجتماعية أو السياسية أو التاريخية. ولعله تمكن من ذلك حين عُنيَ بوعي تام بالجانب أو الجوانب الاجتماعية والسياسية وإطارها التاريخي، أو لنقل بحكة المجتمع خلف التاريخ، بكل ما يدل عليه ضمن مرحلة تمر بها، وممثلاً- في هذه الرواية- بالريف، وانطلاقاً من تجارب الكاتب ومعايشاته، ومن تعامله الحقيقي مع عوالم هذا الريف، التي يعرفها الركابي جيداً، وكل ذلك من دون الاستسلام لحرفية ذلك كله. وهذا الإرث المعرفي الضخم من التاريخ والمجتمع كان إرهاصات فنيه أكثر منه تراكمات معرفية.
وهكذا كان هذا التراكم المعرفي هو نفسه الإرث الضخم الذي تشتمل عليه (المخطوطة)، فيؤرق في الرواية شخصيةً وذاكرةً وضميراً (ذاكر القيّم)- كلما رآها، أو تلمسها، أو راح يقرأ فيها، أو تذكّر وصية (السيد نور) حولها:
“وانتابت (ذاكر القيم) قشعريرة مفاجئة ذكرته بذلك الفجر المعطر الذي أمره فيه (السيد نور) بالكتابة في المخطوطة. وشعر بخطورة هذه المهمة, التي أصبحت إرثاً يتناقله أحفاد (غياث) جيلاً بعد آخر, إنها أشبه بسلسلة طويلة تتشابك حلقاتها منذ اليوم الذي سرقت فيه المخطوطة لتنتهي بهذه اللحظة الحاضرة, وقد تستمر إلى الأبد مبرهنةً لكل من يقرا الكلمات معاناة مجموعة من البشر وسمَتْ التعاسة والآلام تاريخهم الحافل بالفواجع “([4]).
وهذه المجموعة من البشر يمثلها في الرواية (البواشق):
“فرغم تعدد الأحداث والأخبار والأسماء والهموم, لكنها تصب مجتمعة في تاريخ (البواشق) باعتبارها نموذجا لعشائر أخرى ذاقت الفضائح على أيدي الولاة المتعاقبين طوال عشرات السنين”([5]).
وهكذا فـ(البواشق)، كما تتجسد في الرواية، ليست بالعشيرة العادية أو المجردة، هي العشائر كلها، بل العراق ممثَّلاً، كما قلنا، بأبناء الريف بالتحديد، وعليه فإن معاناتهم هي معاناة الإنسان العراقي، وحياتهم هي حياته، وتاريخهم هو تاريخه، وتراثهم تراثه. هذه هي برأينا فكرة الرواية المركزية التي أراد الكاتب أن يجسدها من خلال 358 صفحة، وهي غاية عرفنا من قبل كتاباً قد سعوا إلى تحقيقها في ما يخص شعوبهم أو مدنهم أو مجتمعاتهم، كلٌّ بطريقته وأسلوبه، مثل دينكز وماركيز ومحفوظ.. وغيرهم. والواقع أن الركابي لم بكتف بتجسيد جانب من تاريخ العراق من خلال البواشق، بل هو قد استعان، كما أشرنا ضمناً، بالتاريخ الحقيقي لدعم ذلك. فهو، دراية وحرفية ودقة اطلاع ووعي، اعتمد أسلوب المسايرة بين الأحداث الروائي المتخيّلة والأحداث والوقائع التاريخية الحقيقية، لكنه لم يسمح للواقعة التاريخية- كما أشرنا أيضاً- باحتلال مكانة هي للمتخيل ولحبكة الرواية، حتى في دخوله الشكلي الكامل والصريح أحياناً، الأمر الذي أخرج الرواية من خانة الرواية التاريخية “التي عُرفت ببساطة بأنها الرواية التي التي تُنتزع فيها الشخصيات والبيئة- مكان وزمان الأحداث- والأحداث من الماضي”([6])، لكن أي ماضٍ هذا؟ هو الماضي الحقيقي، وعليه تكون أصول هذه الشخصيات والبيئة والأحداث حقيقية. وهذا التعامل للركابي مع التاريخ، وبما يخرج روايته من خانة الرواية التاريخية، قد فعله من قبل في روايته السابقة “من يفتح باب الطلسم؟”، بخلاف ما اعتقده البعض، خطأً باعتقادنا، حين وضعها في هذه الخانة. بدلاً من ذلك يكتسب الحدث التاريخي في حضوره تلقائية وانسجاماً مع تطور الأحداث وأجوائها ودلالاتها دون التأثير فيها جوهرياً، كما يمكن أن نلحظ ذلك في المثال الآتي:
“ولكنه مات [يقصد (نافع) الذي هرب من الجندية وراح يمارس اللصوصية ضد الأغنياء.. مات وذهب دمه هدراً ولن يعيده إلى الحياة هذا (الباشا) الذي قدم الديرة منذ أيام، والذي اشتهر أمره في البلدة، و(طارش) يقول عنه إنه طاف على رأس مجموعة من الأفندية- وبأمر من السلطان- أنحاء العراق للتفتيش والتحري بعد ما تفشت المظالم، بهدف الاقتصاص من بعض كبار المتنفذين”([7]).
لقد استطاع عبد الخالق الركابي بذلك أن يمسك بخيط الموازنة بين هذين الجانبين المهمين في مثل هذا النوع من الروايات، مع المحافظة الذكية والمتقنة على الصدق الفني والأمانة التاريخية في الوقت نفسه، حتى من دون منح الحدث التاريخي مكاناُ فعلياً ضمن الخط الروائي، مع أنه قد منح هذا الخط الخلفية التاريخية التي أرادها دمن أن يؤثر ذلك درامياً فيه، ناجحاً بذلك في تجنب الإقحام أو التكلف أولاً، وفي بقائه حر التصرف روائياً ثانياً، غذ لم يحد من حريته الضرورية هذه الحدث التاريخي الحقيقي، كما يحدث في الرواية التاريخية. وبرأينا كان لا بد للركابي، إذ اختار لروايته وأحداثها وعالمها مرحلة تاريخية معنية، مع رغبته في التعبير عن رؤيته الفكرية لتلك المرحلة وأحداثها ووقائعها بشكل خاص وعن رؤيته للعالم من حوله بشكل عام، أن يفعل ذلك. بمعنى أن تناول المرحلة التاريخية قد حتم عليه اللجوء إلى الواقعة التاريخية، بينما كان لا بد، لتضمين روايته رؤيته الفكرية، من تجنب الوقوع في أسر هذه الواقعة التاريخية، والإبقاء على الخط الدرامي لعمله مستقلاً إلى حد كبير عنها، وهو نهج بدأ الركابي يتلمسه في “مكابدات عبدالله العاشق”، ويتبعه في “من يفتح باب الطلسم؟” ليعززه في “الراووق”.
**
الركابي وماركيز وآخرون:
إذا كان للنقد أن يحجج العمل الذي يتناوله، ضمن وسائله المناسبة، ويمنحه هويته ويقوّمه، بمقابلته ومقارنته أو موازنته بأعمال أخرى، فإن من السهولة في تناولنا لتجربة عبد الخالق الركابي عموماً، ولروايته “الراووق” خصوصاً، القول إنه يمتلك فنياً كل ما يميزه عن غالبية الروائيين العراقيين، وربما العرب عموماً، وإن هذه الرواية تحديداً تمتلك هي الأخرى الكثير مما يميزها عن الكثير من الروايات العراقية، ويضعها إلى جانب الروايات العربية الجيدة. ولتطبيق هذا المنهج أو المقاربة النقدية رجوعاً إلى الرواية العالمية، فإننا بحاجة إلى تأنٍّ واستحضار للأعمال الأجنبية التي قد تثير رواية الركابي التفكير بها وبعلاقتها بتجربة كاتبها بشكل عام. من المفيد هنا القول إن الركابي قد أخذ يتبلور منذ بداية الثمانينيات مشروعاً فنياً أو روائياً ضخماً “نتيجة قراءات أكثر تنوعا ًوغنى وحداثة، ومنها بوجه خاص رواية “الصخب والعنف” لفوكنر، ورواية “مئة عام من العزلة” لماركيز، وكتابات عدد من الروائيين العرب الذين تنبهوا إلى أهمية استلهام التراث وتوظيفه في كتابة رواية تمتلك خصوصيتها العربية، وتميُّز كاتبها بأساليب شخصية دالة عليه، وهي أساليب شخصية كان الروائي حريصاً على أن يوفرها لأعماله الروائية، لأسباب يعود بعضها إلى هذا (الوعي الفني) الذي لمسناه لديه منذ وقت مبكر، ويعود البعض الآخر إلى إحساسه العميق بالموت والفناء الملازم له منذ طفولته، الذي فاقمه لديه في هذه الفترة مرضه.. “وهكذا أخذ يتبلور لديه هذا المشروع الروائي الآخر، بفعل ما ذكرنا من مؤثرات، فكان أن كتب روايته الرابعة “الراووق” المنشورة في العام 1986 التي تتفتح فيها ملامح هذا المشروع الروائي الجديد… انتبه وهو يعيد قراءة “الصخب والعنف”، و”مئة عام من العزلة” لماركيز إلى إمكان أن يستثمر عالم مدينته (بدرة) الذي خبره جيداً واختزنت ذاكرته دقائقه، بكل ما يحيطه من أجواء، وعادات، وتقاليد، ومهاد تاريخي موغل في أعماق تاريخ العراق، ليخلق له عالمه الخاص، ومدينته الخاصة، وناسه الخاصين، وبهذا الشكل الذي يمكن فيه أن يتابع مشروعه التاريخي الأول، ولكن على نحو جديد يبرز فيه أسلوبه الشخصي والدال عليه. وهكذا نشأت لديه فكرة خلق “ديرة الهشيمة”، البلدة التي ستنمو مع تطور العراق، لتكون “مدينة الأسلاف”، والتي تسكنها عشيرة “البواشق” التي ترجع إلى جدها الأكبر “مطلق” الذي راح ضحية الصراع مع العثمانيين في أواخر القرن السابع عشر، مما جعل سيرته مداراً لفخر العشيرة، التي بدأ بتدوينها (السيد نور) وحرص على الحفاظ عليها والإضافة إليها القيّمون على قراره بعد وفاته، مما كوّن مع مرور الأيام ما عُرف بمخطوطة “الراووق” التي حرصت العشيرة والقيمون على قرار (السيد نور) عليها، لأنها تجسد تاريخهم”([8]).
إن نظرة موضوعية إلى هذه الرواية، واستقراء لهذا الذي يقوله أستاذنا الدكتور عبد الإله أحمد في الاقتباس السابق ، تقنعنا بوجود العلاقة الموضوعية والفنية بين تجربة الركابي عموماً، وروايته “الراووق” خصوصاً من جهة، وبعض التجارب الروائية العالمية، ولكن دون إلغاء الحقيقة الفنية التي بالأحرى تتأكد لنا من خلال هذه النظرة، المتمثلة في أن رواية الكاتب العراقي عمل أصيل وقوي بذاته، مهما قيل عن هذه العلاقة وعن أوجه التلاقي ووجود المؤثرات، وهي لا يمكن، والحالة هذه، أن تكون تقليداً كما ادّعى البعض، إذ لا يمكن للمقتبس اقتباساً جامداً أو المقلد أن يمنح عملاً فنياً مثل هذا التكامل والأصالة، بل المحلية التي لا يمكن لناقد منصف وموضوعي أن ينكره. أما الحديث عن علاقة الركابي وروايته برواية “مئة عام من العزلة” بالتحديد، فهو حديث ذو شجون، كما يقولون، إذ يذكرنا بما أثاره هذا العمل من نقاشات ومماحكات تضمنتها موضوعات نقدية وصحفية، كثيراً ما خرجت عن أصول النقد وموضوعيته ومبادئه، وهو موضوع يستحق، في كل الأحوال، التوقف عنده، متجاوزين في ذلك الكثير من الكتابات التي خرج بعضها في سطحيته، والبعض الآخر في عاطفيته وانفعاليته، والبعض الثالث في انطلاقه من مواقف مسبقة، عن الموضوعية والعلمية اللتين يستحق بهما أي موقف أو رأي أو نقد أو مقال الالتفات والعناية.. ونحن حين نقول مثل هذا عن هكذا كتابات، لا نعفي بعض ردود المبدع الركابي نفسه على بعض تلك الكتابات من ذلك ليفتقد بدوره أحياناً الموضوعية([9]).
**
الركابي وماركيز:
إن قراءة متأنية لأعمال الروائي العراقي عبد الخالق الركابي، وخاصة “الراووق”، و”من يفتح باب الطلسم؟”، وأعمال الكاتب الكولومبي غابرييل ماركيز، خاصة “مئة عام من العزلة”، تكشف بوضوح عن علاقة بين الكاتبين وبين هذه الأعمال، وهي العلاقة التي تبدو لنا أقوى من أن تكون تشابهات ثانوية أو سطحية أو عارضة- بمعنى أنها قائمة على الصدفة- ولكن القول، في المقابل، بتبعية الركابي لماركيز تقليداً أو اقتباساً لهو أمر يحمل من التعسف واللاعلمية ما يربأ عنه النقد، وعليه فهو لا يستحق الاهتمام والمناقشة. بعبارة أخرى إن التعمق في قراءة الكاتبين ودراستهما، خاصة والأعمال المعنية نصب أعيننا، مع تجاوز الرؤى السطحية والأحكام المسبقة، وحساسية تلقي القول بالتأثير والتأثر التي قد تصدر عن المبدع الذي هو هنا عبد الخالق الركابي بالطبع، تكشف لنا عن تأثّر واضح لكاتبنا بالكاتب الكولومبي، دون أن يشكل ذلك عيباً، كما لا يمكن له أن يمس فنية العمل المتأثر، كما نوهنا سابقاً. وقبل التعرض لأمثلة محددة لهذا التأثير والتأثر قد تكون أحياناً مفاتيح أو مداخل لمشاريع دراسات مستقبلية، من المفيد أن نشير إلى أن تأثر الركابي هذا قد انطلق من إعجاب وحب يبدو أنه يكنهما لماركيز وفنه وعوالمه، لينعكس ذلك في أعماله، كما يبدو لنا واضحاً في واقعيته التي تحمل بعض ملامح واقعية ماركيز السحرية، التي تختلط فيها الأسطورة بالواقع وبتداخل شديد مع تراكمات التراث الشعبي، وفي توظيف هذا الموروث الشعبي والأسطوري، وفي طبيعة العوالم التي يتعامل معها، خاصة في تعاطيها التأثير والتأثر مع البيئة والطبيعة ومفرداتها، ولنكن أكثر تحديداً وتخصيصاً فنقول إن عبد الخالق الركابي قد عكس تأثراً واضحاً بالفصول الأولى من رواية “مئة عام من العزلة” بشكل خاص. فإذا ما تجاوزنا الالتفات الشكلي والجزئي بين مخطوطة (الراووق) في رواية الركابي، ومخطوطة (ملكيادس) في رواية ماركيز المختلفتين اختلافاً كبيراً يمنعان من الربط بينهما، وبجعل من الادعاء بذلك تحميلاً وتكلفاً، فإننا نجد ما هو أدعى إلى الالتفات، إذ تذكرنا مخطوطة الركابي بـ(آلة الذاكرة) التي تمنّى جوزيه أركاديوبوينديا أن يبنيها. “إن الأساس في هذه الآلة يقوم على مراجعة كل المعملومات التي يكتسبها الإنسان عبر حياته كل صباح. ولقد تخيلها نوعاً من القاموس ذي حركة دائرية يستطيع أن يحركها الإنسان القائم على محورها بواسطة مقبض فتمر أمام عينيه ساعات المبادئ الضرورية في الوجود”([10]). وكلا هاتين الأداتين أو الشيئين، نعني (المخطوطة) في “الراووق” و(آلة الذاكرة) في “مئة عام من العزلة”، تردان في خضم سعي أبطال كل من الروايتين لجمع كم من التراكم المعلوماتي الذي يفيدهم في حاضرهم ومستقبلهم، وهم في سبيلهم لتكوين أوطان لهم، وربما جاز لنا القول خلق أوطان لهم متمثلة في روايات الركابي، وليس في “الراووق” فقط،بمدن وبلدات مختلفة وخاصة (الديرة) وفي رواية ماركيز بـ(ماكوندو).
ويمتد الالتقاء بين روايات الركابي ورواية ماركيز ليمتد إلى ذلك السعي لربط الوطن بالعالم وبسبل الحضارة، وإلى السعي الدائم والمؤرق للخروج به من العزلة، مما يعكس تطلعا ًإنسانياً نحو الانتماء إلى الآخرين، وهو ما لا يكون مباشراً تماما ًلدى الكاتبين وذلك عبر الاتصال بهؤلاء الآخرين للالتقاء بهم مع عدم التضحية بالخصوصية المتمثلة بشكل خاص بالوطن، وما يخلقه العيش فيه والعلاقة اليومية مع مفرداته من علائق وتقاليد وأساليب عيش خاصة. وهذا هو ما قاد جوزيه أركاديو يوبنديا، في خطوة تبدو مجنونة، وتبعه الناس فيها لمحاولة “شق درب يصل ماكوندو بالاختراعات العظيمة”([11])، فقام برحلته نحو (المجهول) بإصرار مبرَّر أحياناً وغير مفهوم أحياناً أخرى، خصوصاً حين لا يحقق المسير شيئاً ملموساً، بل يمتلئ بدلاً من ذلك بكل ما يرهق الجسد المتعب والروح القلقة، إذ تطول الرحلة بشكل لا يحتمل، ويوغل المرتحلون في أعماق الغابات والطرق المجهولة، وقد يمموا شطر الشمال، وغايتهم:
“في الأيام الأولى لم تصادفهم أية عقبة كبيرة.. بعد ذلك لم يروا الشمس عشرة أيام… نصبت لهم النباتات فخاخها، وبعدت الشقة بينهم وبين أصوات الطيور وضجة السعادين، وأصبح العالم حزيناً وثقلت على أعضاء الحملة ذكرياتهم فتبدت له وكأنهم أقدم من هذه الجنة الرطبة الصامتة السابقة على الخطيئة الأدبية، تغوص جزمهم في مستنقعاتها الزيتية… وتقدموا كمنوّمين طيلة أسبوع من دون أن يتبادلوا كلمة بين بعضهم بعضاً تقريباً في عالم فقر لا ضوء فيه إلا شعاعات حشرات فوسفورية خفيفة ورئاتهم تضيق برائحة دم خانقة…”([12]).
وإذا كانت “الراووق” تتعامل مع هذه الموضوعة وهذه العوالم تقريباً، فإن شيئاً من ذلك يظهر لدى الركابي قبل هذه الرواية، وبالتحديد في “من يفتح باب الطلسم؟” التي تبدأ برحلة الخوف التي تقوم بها البقية الباقية من عشائر (عفك) بعد إبادة العثمانيين للآخرين منهم، وهربها من ذيول هذه الإبادة لتقضي ثلاث عشرة سنة بين الهرب عن (وطن) تستقر فيه دون خوف:
“كانت رحلة عجيبة، استمرت ثلاث عشرة سنة، قادهم فيها رجلٌ أعمى ودليل أخرس. ومع كل خطوة قربتهم من الشرق البعيد… بدأت الرحلة في فجر يوم خريفي مكفهر. ووسط سحب الضباب المتصاعد من الأهوار، وخفق أجنحة آلاف الطيور البيض الزاعقة بوحشية… في المقدمة سار (رسن) وقد غطى وجهه بلثام لم يترك غير شق ضيق تتخاطف من خلاله عينان نفاذتان تدركان أسرار الطرق الخفيفة المتشابكة في شتى الاتجاهات والتي تؤدي في النهاية نحو الشرق (غايتهم) مثل مؤشر بوصلة ينجذب أبداً لاتجاه واحد. سار بخطى خفيفة راسماً على الأرض الموحلة آثار قدميه المفلطحتين، خائضاً في المياه العامرة بالأعشاب، موجهاً بإيماءات يديه الحشد وهم يعبرون المخاضات العميقة”([13]).
والواقع أن الالتقاء يتعدى حدود الرحلة بمبرراتها وطبيعتها العامة إلى جزئيات ما تشهده أحياناً، ولكن مع بقاء تطورها إلى ما يتلوها مختلفاً لدى كل من الكاتبين، انطلاقاً من مغزى كل من عمليهما، وهو الأمر الذي كّرس خصوصية الركابي لا تبعيته.
وإذا ما كان ضمن أوضح ما تشترك فيه روايات الركابي بشكل عام مع “مئة عام من العزلة” تحديداً تعاملها مع البيئة والطبيعة، كما قلنا، فإن للمطر على وجه الخصوص دلالة خاصة هنا. فهو وإن لم يقتصر في توظيفه فنياً وموضوعياً على ماركيز، بل تعداه إلى كتاب آخرين، مثل إرنست همنغوي في “وداعا ًللسلاح”، ونذكر من كتّابنا غائب طعمة فرمان في “النخلة والجيران”، فإنه طبيةً وغايةً واستخداماً في روايات الركابي كان أقرب إليه في رواية ماركيز منه في روايات أخرى، خاصة في شدّته واستمراريته غير الواقعية، وفي تساوقه مع تطور الأحداث درامياً، وفي دلالته المترتبة على ذلك. وفوق هذا كله يبدو المطر وكأنه فعل سحري في “فئة عام ممن العزلة”:
“استمر هطول المطر أربع سنوات وأحد عشر شهراً ويومين وتخللت هذه فترات كان ينزل فيها المطر رذاذاً خفيفاً تفاءل له الناس، وهمّوا وكأنهم ناقهون من مرض بالاحتمال بانقشاع الغيث. لكنهم تعودوا بعد ذلك أن تلك الوقفات لم تكن دليل نكسة. كانت السماء تلقي ما فيها في جلجلة هدامة وزوابع لا تبقي ولا تذر، والشمال يرسل عواصفه فيحطم السطوح ويخرب الجدران ويقتلع الأشجار من أعمق جذورها”([14]).
ويعكس هذا المنظور إلى حد كبير، ولا يفترق عنه، مطر الركابي حين يبدو في مناسبات عدة، وكأنه غضب إلهي يستوجب رفع الأيدي إلى الله بادعاء لإيقافه، في وقت معروف فيه لدينا رفع الأيدي عادة للدعوة إلى إنزال المطر واستمراره:
“يا ستار!.. لا شك أنه (ذاكر القيم) يدعو بأذانه البواشق للتجمع في المزار لأداء صلاة الخوف، فمنذ ستة أيام والمطر لا يكف عن الانهمار، حتى إذا ما حلت هذه الليلة بدا من الواضح أن الديرة مهددة بواحد من الفيضانات الخارقة التي ستروي أخيارها عشرات السنين”([15]).
**
نتيجة:
باختصار أن اللقاء بين أعمال عبد الخالق الركابي، وخاصة روايتي “الراووق” وإلى حد ما “من يفتح باب الطلسم؟”، وأعمال ماركيز، وربما تحديداً رواية “مئة عام من العزلة”، متحقق. لكن الافتراق، ضمن ذلك، متحقق أيضاً ليعزز خصوصية الركابي بشكل واضح، حتى في تأثره، وهو التأثير الذي غذ يأتي من موقع وعي ونضج لا يمكن لكاتب تجاوزه، إن لم نقل إلا ويسعى إليه.
المصادر والمراجع:
عبد الإله أحمد: الوعي الفني في الرواية العراقية المعاصرة والمرجعية التراثية في رواية “سابع أيام الخلق” لعبد الخالق الركابي، مجلة (فصول)، م16، ع4، ربيع 1998.
جهاد مجيد: الراووق أم رقاق ملكيادس، جريدة (الثورة)، 17/12/1987.
عباس ثابت حمود: “الراووق”.. محاولة في دراسة ا لشخصيات والبناء، جريدة (القادسية)، 6/2/1988.
عبد الخالق الركابي:
(1) الراووق، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986.
(2) “الراووق”.. المصادر والأصول، جريدة (الجمهورية)، 24/1/1988.
(3) “سابع أيام الخلق” أقرب الروايات إلى نفسي، حوار أجرته زهراء حسن هاشم، مجلة (ألف باء)، 2/4/1997.
(4) من يفتح باب الطلسم؟، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1982.
ماركيز، عابرييل: مئة عام من العزلة، ترجمة الدكتور سامي الجندي وأنعام الجندي، دار الكلمة، 1979.
ياسين النصير: نحو فهم أدق للاقتباس في الأدب، جريدة (الثورة)، 10/1/1988.
Shiply, Joseph T: Dictionary of World Literary Terms, George Allen & UNWIN, USA, 1979.
[1] ) الروائي عبد الخالق الركابي: سابع أيام الخلق أقرب الروايات إلى نفسي، حوار أجرته معه زهراء حسن هاشم، مجلة ألف باء، 2/4/1997، ص35.
[2] ) عبد الخالق الركابي: الراووق، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986، ص 7.
[3] ) الرواية، ص 9.
[4] ) الرواية، ص 356.
[5] ) الرواية، ص 358.
[6] (Joseph T. Shiply: Dictionary of World Literary Terms, George Allen & UNWIN, USA, p218. .
[7] ) الراووق، ص 277، وانظر أيضاً ص 291.
[8] ) د. عبد الإله أحمد: الوعي الفني في الرواية العراقية المعاصرة والمرجعية التراثية في رواية “سابع أيام الخلق”، مجلة فصول، م 16، ع 4، ربيع 1998، ص 117.
[9] ) من أكثر المفالات التي تهيأ لنا الاطلاع عليها ووجدناها تتسم بهذا ما يأتي:
- جهاد مجيد: الراووق أم رقاق ملكيادس، جريدة (الثورة)، 17/12/1987.
- عباس ثابت حمود: “الراووق”.. محاولة في دراسة ا لشخصيات والبناء، جريدة (القادسية)، 6/2/1988.
- “الراووق”.. المصادر والأصول، جريدة (الجمهورية)، 24/1/1988.
وعلى عكس هذه المقالات التي افتقدت الموضوعية، كانت هناك أخرى تحرت الدقة والموضوعية، منها على سبيل المثال: - ياسين النصير: نحو فهم أدق للاقتباس في الأدب، جريدة (الثورة)، 10/1/1988.
[10] ) غابرييل غارسيا ماركيز: مئة عام من العزلة، ترجمة الدكتور سامي الجندي وأنعام الجندي، دار الكلمة، 1979، ص 50.
[11] ) الرواية، ص 20.
[12] ) الرواية، ص 21.
[13] ) عبد الخالق الركابي: من يفتح باب الطلسم؟، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1982، ص 15- 16.
[14] ) مئة عام من العزلة، ص 265.
[15] ) الراووق، ص 47.