تأثير كافكـا في الروايـة العراقية
د. نجم عبد الله كاظم
كلية الآداب – جامعة بغداد
“لو عاملك الناس ككلب، فإنك سوف تبدأ تظن أنك كلب بالفعل”
كافكا
مقدمـة:
في دراسة سابقة لنا عن بعض التأثيرات الأجنبية في الرواية العربية([1]) خرجنا ببعض ما وجدناها حقائق أولية تتعلق بالكتّاب العالميين الأكثر انتشارا في الوطن العربي والأكثر تأثيرا منهم في هذه الرواية. فمراجعة عامة لمن تمت الترجمة لهم إلى العربية، تُبيَّنُ أن أكثر هؤلاء انتشاراً في الوطن العربي في القرن العشرين، وبين المثقفين والأدباء بشكل خاص، هم: تشيخوف وديستويفسكي وفوكنر وهمنغوي وسارتر وكامو وجويس وولف وكافكا، وإلى حّد ما تولستوي وديكنز وكازنتزاكي وبورخس ولورنس وماركيز. ورجوعاً إلى بعض أهم الأعمال الروائية العربية، خاصة في العراق، وإلى آراء كُتّابها أنفسهم وتصريحاتهم ومكتباتهم القصصية والروائية تَبيَّن لنا أن ثلاثة أو أربعة من هؤلاء يتقدمون بقية الكتاب في ممارسة التأثير في هذه الأعمال، وكان فرانز كافكا واحداً منهم. من هنا تأتي دراستنا لنتناول تأثير هذا الكاتب في الرواية العربية في العراق. وفي تتبع دقيق وتفحص تفصيلي لعوالم الكاتب وتغريباته ولا معقولية عوالمه وما يصاحبها من أحاسيس بالاغتراب والاستلاب التي ندرسها، اكتشفنا أن فيها مجموعة يمكن حصرها وتوصيفها في محاور تظهر تأثيراتها في روايات عربية، وضمنها عراقية، عديدة. هذه الأفكار والموضوعات، أو المحاور هي: العوالم الغريب واللامعقولة؛ والسلطة والبطل المطارد، والاغتراب والإحساس بعدم الأمان. ومن الطبيعي أن تتصل بهذه المحاور أو العناوين أفكار وعناوين أخرى قد تتفرع منها أو تصب فيها. وإزاء سعتها ولحاجتها إلى ما هو أكثر من هذه الصفحات القليلة، فقد عمدنا في هذه الورقة إلى التركيز على محور (السلطة البطل المطارد)، ولكن عبر المرور العام بالمحاور كلها. ومن المفيد أن نلقي، قبل تناول التأثر والتأثير وإجراء المقارنات، نظرة على كافكا وفنه متبوعة بتناول موضوعات أو محاور أعماله وعوالمه.
**
فرانز كافكا- وفكرة السلطة والبطل المطارد:
ربما من اليسير القول إن أعمال كافكا ذوات المواصفات الخاصة هي نتاج شخصيته ذات الطبيعة والسمات الخاصة أيضاً. والواقع أن هذه الخصوصية لم تأتِ صدفة أو اعتباطا، بل كانت وليدة مؤثرات عامة وخاصة عديدة في حياة الكاتب وفي عصره وفي ما حوله. فكافكا قد تأثر أولاً بطبيعة المرحلة التاريخية التي شاءت الأقدار أن تكون حياته (1883- 1924) ضمنها، فهي مرحلة شهدت هيمنة الروح المادية وما أدت إليه من صراعات بشرية مختلفة ومن مسخ لإنسان العصر الذي كاد يتحول إلى أداةٍ وعبدٍ للمادة والآلة التي اقتحمت حياته اقتحاماً لتنزوي أمام ذلك إنسانيته والجانب الروحي فيه إلى أقصى درجات الانزواء. كان لا بد لمثل هذا كله أن يترك تأثيراته على أناس العصر عامة، وعلى أولئك المهيئين شخصياً ونفسياً خصوصاً، ومنهم كاتبنا الذي سنعرف عن شخصيته فيما بعد الحسّ المرهف، خصوصاً أن عوامل أخرى قد كانت أيضاً فاعله في تكوينه من جهة، ومعمِّقة لتأثير المرحلة بتداخلاتها الكثيرة من جهة ثانية. من ذلك مثلاً انتماؤه اليهودي الذي ما عُرف عن كافكا إيمانه به وارتياحه له؛ وتشتته العنصري والقومي، إذ أن “وضعه كيهودي يتكلم الألمانية، ويعيش في بلد تشيكي تحت سيطرة الإمبراطورية النمساوية المجرية كان قد فجّر في نفسه الإحساس بالوحدة، وبأن جذوره مقتلعة من تربتها… وكانت الأقلية اليهودية تسمى “الجنس الأجرب” كما جاء في خطاباته إلى ميلينا. كانت لُغته الألمانية تفصله عن أهالي البلاد من التشيك، ومع هذا فهو يعتبر نفسه ضيفاً على اللغة الألمانية، وكان يشعر أنه أجنبي في براغ، مسقط رأسه. كان معزولا عن الأهالي المتكلمين باللغة الألمانية لكونه يهودياً، كما كان منفصلاً عن الشعب بوصفه إبناً لأحد كبار التجار… كان كافكا يحس أنه خارج عن جماعة تاريخية بسبب عدم اندماجه اجتماعياً وبسبب انعزاله المعنوي”([2]). وإذا ما عرفنا طبيعة شخصية والده المهيمنة إلى حد التسلط شبه المطلق في تعامله مع أولاده وما أدت إليه هذه المعاملة من قيادة الابن فرانز في طريق لم يرده هو([3])، استطعنا أن نفهم لِمَ أصبح الابنُ المرهفُ والحساسُ، الأديبَ الذي نعرفه بخصوصيته وتفرّده موضوعاتٍ وعوالمَ وأسلوباً. لقد “اضطرمت نفس فرانز كافكا من وقت مبكر بنار الثورة على أبيه، واتجه بينه وبين نفسه إلى الهرب من البيئة القاسية إلى الأحلام وأحلام اليقظة، وإلى الخيال الإبداعي بعد ذلك. وربما تحملت شخصية فرانز كافكا بشيء من العصبية التي كان بعض أفراد أسرة أبيه وأسرة أمه يعانون منها”([4]). وقد زادت من اتجاهه نحو الغربة والانطواء والعزلة وعمّقت إحساسه بالاضطهاد عواملُ أخرى، كالعمل في مكتب للتأمين ضد الحوادث الذي هيأ له الإطلاع على ما فيها من جور ومعاناة، والسلوك البيروقراطي الذي مثل له السلطة الثانية- بعد سلطة أبيه- ومارست بحقه (الاضطهاد). و”من الواضح أن كافكا استقى قدراً عظيماً من معرفته بالعالم والحياة، وكذلك تشاؤمه المتشكك من خبراته في المكتب، ومن الاحتكاك بالعمال الذين كانوا يعانون من الجور؛ وكذلك من الاضطرار إلى التعامل مع أعمال مكتبيه تستنفد أوقاتاً طويلة؛ ومن حياة الأضابير التي تستتبع الركود”([5]). إن هذا كله قد اشترك بشكل مؤثر وفاعل في بناء شخصية كافكا، وزرع فيها جملة مما يشبه العقد النفسية، كالشعور بالنقص والملل والضجر، والإحساس بالاضطهاد والخوف والعزلة والاستلاب، لينعكس على سلوكه وممارساته الحياتية وتفكيره، وأخيراً وفيما بعد على أعماله.
إذا كانت أعمال كافكا تحمل من الأوجه ما يصعب معها القول إنها تعني هذا الشيء أو ذاك تحديداً، فإن ذلك لهو، في الواقع، أمر طبيعي في الأعمال المتميزة، وخاصة الرمزية أو التي تشتمل على رموز كأعمال كافكا، وبما يعني “أن هذا لا يدفع إلى تأشير خطأ أو عيب في كتابات كافكا، فالكثير من التأويلات يمكن أن نجدها مثلاً لـ “هاملت” و”فاوست”، أو لأي عمل يمتلك مقداراً من الرمزية”([6]). هل يعني هذا أن أعمال كافكا متعددة الرؤى والمضامين والمعاني والإيحاءات؟ إلى حدّ ما نعم، هي كذلك، ولكن يبقى ممكنا، في التعامل مع أدبه، أن نجد فيه موضوعات تشكل محوراً أو محاور رئيسة هي، بشكل أو بآخر، انعكاسات لشخصية صاحبها ورؤاه ونفسيته بكل تداخلاتها، الأمر الذي يؤكد أهمية وفائدة تعرّف دارسه، بل ربما قارئه العادي، على شخصيته. فتأمُّل أعمال الكاتب الرئيسة، “القضية” و”القصر” و”أمريكا” و”المسخ”، وبعض قصصه القصيرة، يكشف لنا عن هذه المحاور أو الموضوعات التي تشكل في الوقت نفسه أجزاء عالم أسطوري ورمزي، لا يتخلى عن الواقع.. يقول غارودي: “تتمثل عظمة كافكا في نجاحه في خلق عالم أسطوري لا ينفصل عن عالمنا… لقد خلق كافكا عالماً خيالياً بمواد عالمنا هذا، مع إعادة ترتيبها وفقاً لقوانين أخرى، تماماً كما فعل المصورون التكعيبيون في الفترة نفسها”([7])، بما يعني أنه من الواقع وعن الواقع منظوراً إليه من زاوية خاصة.. “إنه العالم منظوراً إليه بشكل منحرف قليلاً، كإنما ينظر إليه المرء من بين ساقيه، أو وهو يقف على رأسه، أو ينظر إليه في مرآة مشوهة”([8]).. والواقع أن هذه الزاوية بالتحديد لتبدو لنا وكأنها من صنع خيال كافكا نفسه، والنظر الخاص من هذه الزاوية هو الذي مكنه من صنع عوالمه الغريبة والمعروفة وأسكنها شخصياته غير الاعتيادية وأوقع فيها الأحداث غير المعقولة، لتشترك كل هذه المفردات في نسج أعماله ذوات المواصفات الخاصة.
إن الضغوط والمؤثرات المختلفة التي تحيط ببطل كافكا تجعل منه الفرد الخائف والمغترب المستلب الذي ينتابه دوماً “الشعور بالعيش في عالم معادٍ بشكل كاسر”([9])، وهو ذو طبع خاص وإحساس خاص في فعله- إيجابيته- وفي لا فعله– سلبيته- وكثيراً ما تتأزم أحاسيسه تلك الى حد أن يجد نفسه مضطهَداً، وربما مطارداً من قوى نراها ونلقاها وتخطر أمامنا كل يوم، ولكننا لا نرى أفعالها كما هي في أعمال الكاتب مجسِّدةً سلطةً مجهولة الهوية، مع أنها تتكرر في كل هذه الأعمال تقريباً ، وهي تمارس ضغوطها واضطهادها وجورها تجاه البطل المركزي لكل عمل، حين تطارده وتلقي القبض عليه وتحاكمه وتدينه، وربما تنفذ فيه حكمها. وهنا يتشكل محور رئيس من محاور أعمال كافكا ويكتسب أهمية بين المحاور، وفي دراستنا بشكل خاص كونه يرسم صورة من صور التأثير الكافكوي في الرواية العربية، كما سنرى فيما بعد. ولذا يكون مهماً جداً التعرض لهذا المحور- محور السلطة والمطاردة والبطل المطارد- بشيء من التفصيل.
أولى سمات (السلطة) التي يمكن رصدها في أعمال كافكا- وكما انتهينا إلى ذلك سابقاً- هي أنها مجهولة عادةً أو مفتقدة للهويّة، وحتى إذا ما عُرف ظاهرياً بعض رموزها أو ممثّليها، فإنها تكون أو تبدو غريبة وغير مفهومه غالباً. فحين بادر (ك) في “القضية” مثلاً إلى تقديم الأوراق التي تثبت شخصيته إلى الحارسين اللذين جاءا لاعتقاله ذات صباح، “صاح الحارس الطويل: وما شأننا بها… نحن موظفان صغيران لا علم لنا بأوراق الشخصية، ولا نعرف عن قضيتك إلاّ أن علينا أن نحرسك… ولكننا مع ذلك نستطيع أن نفهم أن السلطات العليا التي نعمل في خدمتها تحيط علماً بأسباب الاعتقال وبشخصية المعتقل وتدقق في ذلك قبل أن تصدر أمر اعتقال من هذا النوع، وهي في ذلك لا تخطئ…”([10]). ولكن إذا كنا مع روايات كافكا نتحسس السلطة ورموزها وأدواتها ومؤسساتها دون أن نعرف عنها شيئاً، فإن نماذج سلطوية أخرى أصغر تكتسب وضوحاً تختلف فيه عن السلطة العليا أو الأعلى، متجسدة في دوائر ومكاتب غريبة ولا نستطيع أن نتعرف على ملامح لها. ربما هي، كما يميل إلى ذلك معظم النقاد، صورة للمؤسسات والدوائر في مدينة العصر الصناعي الحديث التي عاش كافكا المراحل الأولى لبروزها وسلطتها، وبدايات تأثيراتها في حياة المجتمع والأفراد، دون أن يستطيع أي منهم تجاهلها أو تفاديها؛ وما تبع ذلك من مسالك بيروقراطية أخذ الفرد يتيه في متاهاتها اللانهائية، كما صورها كافكا على الأقل، ولا نظن أن عملاً واحداً من أعماله الرئيسة يخلو منه”([11]). ففي “المسخ”، التي هي أبعد أعماله عن تناول هذه القيمة- ظاهرياً على الأقل، إذ تقع أحداثها تقريبا في بيت بطلها (غريغور سامسا) وفي الغالب في غرفته- يتسلل المكتب أو المؤسسة إلى البيت من خلال تناهي صوت كبير الموظفين إلى سمع البطل (غريغور سامسا) وهو يسأل عنه. وما يلفت النظر هنا أن انقلاب البطل إلى خنفسة لا يثير في نفسه الرعب والخوف بقدر ما يثيره ما يمكن أن يؤدي إليه هذا الانقلاب من إرباك واضطراب في علاقته بالآخرين، ووجوب أن يلبي حاجة المكتب أو المؤسسة له: “واحتاج غريغور إلى مجرد سماع أولى رغبات الزائر الصاخبة لكي يدرك في الحال من كان ذلك الزائر- كبير الموظفين نفسه. ويا له من مصير [وهو لا يعني هنا انقلابَه إلى حشرة !] أن يُحكم عليك بالعمل في خدمة مؤسسة يؤدي أصغر ضروب الإهمال فيها إلى إثارة أخطـر الريب في الحال!.. أكان من الضروري أن يجيء كبير الموظفين بنفسه، مظهراً بذلك للأسرة البريئة أن هذه الحادثة المريبة لم يكن من الممكن أن يحقق فيها أحد أقل منه خبرة في أعمال الشركة؟ وبسبب الاضطراب الذي أحدثته هذه التأملات أكثر منه بسبب عمل من أعمال الإدارة، تمكن غريغور من أن يؤرجح نفسه بكامل قوته إلى خارج السرير”([12]).
وتتجسد البيروقراطية وغرابة الإجراءات، في رواية “القضية”، في مكاتب المحكمة وطبيعة مسار المعاملة التي يشرحها محامي “ك”- بطل الرواية- له بالقول: “… فالإجراءات القضائية لا تُكتم على الجمهور فحسب، بل على المتهم كذلك… المحكمة لا تسمح للمتهم بالاطلاع على أوراق القضية، ومن الصعب جداً أن يستنتج الإنسان من الاستجوابات ما هي الأوراق التي أعتمد عليها. والمتهم خاصة لا يستطيع هذا، لأنه كان مرتبكا محملاً بألوان من القلق تجعله شارد الذهن([13]).
ومع ما يبدو للموظفين من سلطة قد تصل أحياناً حد أن يكونوا مصدر خوف وإقلاق للآخرين، وهو ما يبدو عادة بشكل صورة كوميدية سوداوية، فإنهم يبدون أحيانا، ومن جانب آخر أو في بعض مراحل سير العمل، أقرب إلى الضحايا منهم إلى الجائرين، كبطل “المسخ”؛ أو قد يبدون كمن لا حول لهم ولا قوة بالرغم ما يقدمونه لمؤسساتهم، وفي النهاية هم يكونون عاجزين عن تقديم أي عون للفرد لمعرفة ما يريد معرفته عن قضيته أو معاملته، “فالموظفون أنفسهم لا يعرفون شيئاً. لقد وصلت القضية إلى مرحلة لا يكون فيها لأحد ان يقدم عوناً، حيث تعالجها محاكم لا يصل إليها أحد ولا يكون في استطاعة المحامي الوصول إلى المتهم. ويعود الواحد منا في يوم من الأيام إلى البيت فيجد على المنضدة كل المذكرات التي ألفها بجد ونشاط، والتي وضع فيها أجمل الآمال، أُعيدت إليه لأنها لا يصح أن تُرفع إلى المرحلة الجديدة التي وصلت إليها القضية، أُعيدت إليه لأنها أصبحت مجموعة من الأوراق التافهة”([14]).
واضح جداً ما يعكسه ذلك كله من رؤية السلطة للفرد وحرية الفرد وحقوقه، وهي رؤية بالنتيجة تسلطية وفوقيه ولا تنظر إلى الفرد إلاّ بوصفه جزءاً من آلة كبرى، ويكتسب قيمته من دوره في هذه الآلة، كما ليس له من الحقوق إلا ما تتفضل به عليه هذه السلطة، أو المؤسسة والمكتب اللذان يمثلانها، وهي بالنتيجة حقوق تستطيع أن تسلبها منه متى شاءت، من خلال الأوامر وملاحقة تنفيذ الأشخاص لها، كما في “المسخ” و”القضية”، دون أن يكون لهؤلاء الأشخاص أن يتجاوزوها إلاّ بحدود ما تسمح به هذه السلطة.
ولا يخلّص شخصيات أعمال كافكا من ذلك احتجاج أو تمرد، بالرغم من إحساسها بظلم القوى الغاشمة وبلا شرعية ولا منطقية أو غرابة ما يقع عليها من جور. فبدلاً من أن تكون السلطة أو الشرطة هي ملجأ المرء، فإنها غالباً- إن لم نقل دائماً- ما تكون هي نفسها مصدر الجور والظلم والمعاملة السيئة التي تتوَّج بالاعتقالات، المفاجئة عادة. ففي “القضية” يُفاجَأ (ك) بأمر لم يكن ليتوقعه، “لأنه اعتُقل ذات صباح دون أن يكون قد اقترف ذنباً. لم تأت طباخة السيدة جروباخ التي يستأجر حجرة لديها هذه المرة، وكانت تأتيه كل يوم في نحو الساعة الثامنة بطعام الإفطار. ذلك شيء لم يحدث من قبل قط… وسرعان ما دق أحدهم الباب، ودخل عليه رجل لم يكن قد رآه في المسكن قط من قبل”([15])، ليعرف (ك) بعد ذلك أنه معتقل لسبب غير معروف، أو لغير ما سبب، وبأمر جهة غير معروفة. وحتى عندما يقول أحد الحارسين: “نستطيع أن نفهم أن السلطات العليا، التي نعمل في خدمتها، تحيط علماً بأسباب الاعتقال وبشخصية المعتقل، وتدقق في ذلك قبل أن تصدر أمر اعتقال من هذا النوع، وهي في ذلك لا تخطيء”([16])، فإن أي شيء عن جهة الاعتقال هذه لا تتضح، كما أن أسباب الاعتقال هذه التي يشير إليها الحارس تبقى غير معروفة.
وكان من نتيجة السعي وراء البطل أو مطاردته في روايات كافكا، سواء أكان من سلطة مجهولة كما في “القضية”، أم من سلطة معروفة، كالشرطة في “أمريكا”، أنْ تصدر ردود فعل من البطل المقصود تتراوح ما بين السعي حثيثاً وبالوسائل التي يراها ممكنة أو مشروعة للخلاص، كما في الرواية الأولى، أو الهرب كما في الثانية.
مما يثير انتباه القارئ والناقد هنا أن بطل كافكا كثيراً ما يسعى بنفسة إلى رموز السلطة وممثليها ورجالاتها لهذا السبب أو ذاك، كما يفعل (ك) في “القضية” حين يفعل ذلك سعياً وراء المواجهة ورفع الملابسات أملاً في (خلاص) لا يبدو آتياً فعلاً؛ وفي سعي (كارول روسمان) في “أمريكا” لتحديد موطئ قدميه في عالم لا يعرف عنه إلا القليل، وعلية لا يكون أمامه إلا أن يقوم بهذا المسعى أملاً في حل ما يواجهه، في العمل والمجتمع، من ألغاز وصولاً للخلاص من المأزق الذي يجد نفسه فيه. وفي كل الأحوال كثيراً ما يجد أبطال الكاتب في مساعيهم هذه أنفسهم وقد تشرنقت حولهم حلقات لا تنتهي من المعاملات وإجراءات الاستجواب والتعليمات الغامضة التي لا تخرجهم من غموض حلقة إلا لتدخلهم في غموض أخرى. وفي هذا يتجسد إلى حد كبير ما ذهب إليه العديد من النقاد من أن كافكا إنما ينتقد في هذا البيروقراطية والسلوك البيروقراطي كنموذج من نماذج السلطة العصرية وممثليها. ولعل أوضح ما تبدو عليه هذه الحلقات مع بطل “القضية “، وهو يتابع قضيته بين المحامي ومكاتب المحكمة؛ ومع محاولة اتصال (ك) بالقصر في رواية “القصر”، حين لا يؤدي إرشاد السكرتيرين له إلاّ إلى إغراق أكثر في متاهة المعلومات وحلقات عمل الديوان والموظفين. وفي كل الأحوال يكون هناك دوماً الجور والظلم والتعامل اللاإنساني، وفي مقابله يكون عدم قناعة البطل الفرد- العاجز عن الفعل غالباً- بالسلطة وبقراراتها وبمن يمثلها.
ويبدو لنا من متابعة أبطال الكاتب أن هناك عادة ما يشبه الأزمة بين الواحد منهم، الذي هو إلى حد كبير كافكا نفسه أو الفئة الاجتماعية أو الإنسانية التي يمثلها من جهة، والعالم والآخرين من حوله من جهة ثانية، كما أن هناك تأرجحاً بين انقياد البطل- الإنسان الفرد ضمن ظروف خاصة- للآخرين والاستسلام لهم والانصهار فيهم، وبين التمرد عليهم ومقاومة محاولات السيطرة عليه وتدجينه واستلابه. وبين هذا الظرف وذاك قد تكون هناك محاولات- برغبة منه أو بدونها – للتأقلم مع الآخرين، وهي محاولات، على أية حال، تنتهي غالباً بالفشل، وقد لا تنتهي إلى شيء فشلاً كان أو نجاحاً. أما أن تنتهي بعض النجاح في شيء، فهذا لا يتحقق بشكل صريح ولو مرة واحدة لأي من أبطال كافكا. ونقول بشكل صريح فرزا لما قد يراه ناقد أو قارئ من مؤشرات غير صريحة لشيء من ذلك. فإذْ يعجز (غريغور سامسا)، في “المسخ” مثلاً عن التمرد على الآخرين الذين هم الأهل- الأب منهم بشكل خاص- والمكتب أو المؤسسة التي يعمل فيها، فإنه في الوقت نفسه لا ينقاد إليهم. إنه يفعل ذلك عبر وسيلة تراجيدية، إذ يموت وهو “يفكر في أسرته بحنان وحب. وكانت الفكرة القائلة بأن عليه أن يتوارى فكرة تعلّق بها أكثر من تعلق أخته نفسها… ثم غاص رأسه طوعاً إلى أرض الغرفة، وانطلقت من منخريه زفرة من أنفاسه الواهنة”([17]). وتنتهي مساعي (ك) للانتماء إلى عالم “القصر” بالإخفاق، فينتهي أمله حين تقول له صاحبه الحان: “أما أنت فمجنون أو طفل أو إنسان شرير خطير جداً. اذهب! اذهب”([18]). أما في “القضية” فقد أطبقت على رقبة “ك” يد أحد الرجلين؛ بينما دس الآخر السكين في قلبه عميقاً، ولفها فيه مرتين. رأى “ك” بعينين منهارتين كيف استند أحدهما إلى الآخر، وجنةً إلى وجنة، وراحا يراقبان النصل. وقال ( ك): كالكلب! وكأنما أراد أن يعيش الخجل بعد مماته”([19]). ومع أن ( كارل روسمان) ينجح في الانضمام أو “الانتماء” إلى(مسرح أوكلاهوما)، فإن مصيره ضمن فرقة هذا المسرح لا يتضح بسفر الفرقة في “نهاية” الرواية غير المنتهية([20]). وهكذا جلسا [كارل وزميله جياكومو] ملتصقين ببعضهما البعض متهللين في أعماق قلبيهما للرحلة، تلك الرحلة المجهولة إلى أمريكا التي لا يعرفان عنها شيئاً على الإطلاق”([21]).
وهكذا ينتهي كل الأبطال إلى استسلام أو خضوع، ظاهري على الأقل، للسلطات المختلفة حاكماً أو حكومةً، وأهلاً أو أباً، ومؤسسةً أو مكتباً، وإذا ما كان هناك من تمرد فليس هو بالصريح، بل أحياناً عبر شكل آخر من الاستسلام كالموت.
**
كافكا والأديب العربي:
كانت من أهم نتائج الاتصال العربي بالغرب، على المستوى الثقافي والأدبي، أنْ غُنيت المكتبة العربية بثمار الترجمة التي نمت في ظل ذلك الاتصال بسرعة غير عادية نسبياً، حتى مع حقيقة غلبة الاختيارات العشوائية في البداية. ولذا كان من الطبيعي أن يخضع الأدب العربي، بدرجات متفاوتة وباختلاف المرحلة والقطر العربي، للتأثيرات الغربية التي حملتها إليه النتاجات الأدبية المترجمة. ولكن كان لا بد للظروف المرحلية القومية والقطرية، إضافة إلى الظروف الدولية التي ظهرت في ظل الحرب العالمية الثانية وبعدها بشكل خاص، أنْ تلعب دوراً في إشاعة أنواع واتجاهات ومذاهب معينة من الكتابات، يقول محمد مندور: “إن الحرب العالمية الثانية قد أدت إلى طغيان موجات أعظم اتساعاً وأشد عمقاً من الفرويدية والسيريالية [التي كانت قد سادت في أعقاب الحرب العالمية الأولى]… والواقع أن الحرب العالمية قد أحدثت في الضمير الإنساني أزمة بالغة العمق. فأخذ الناس، إزاء ما صاحبها من غدر وعنف واستخفاف بالمثل والقيم، يتشككون في حقيقة تراث الإنسانية الروحي كله… وجمعوا كل هذه الآراء وبلوروها في بوتقة واحدة خرج منها ما يُعرف الآن بالوجودية كمذهب فلسفي، لم يقف انتشاره عند مستوى الفلسفة بل امتد إلى الأدب والفن”([22]). إن هذه الفلسفة، وبما تطور منها، قد قامت على مبدأ أو فكرة الإنكار والهدم، أي إنكار كل المثل والقيم وكل شيء، وعدم التسليم إلا بالوجود مع حصره بالإنسان نفسه، وهدم كل ما سبق للأجيال والتاريخ والإنسانية أن بنته ليصبح مسلمات. ولكنها لم تنكر وتهدم لمجرد الإنكار والهدم لذاتهما، “فالواقع أن عملية الهدم الواسعة التي تقوم بها الوجودية… إنما ترمي إلى تحرير الإنسان وجعله سيداً لنفسه ومحققا لوجوده، فهي تقصر حقيقته على وجوده الفعلي وعلى مجموع ما يأتيه من أفعال وما يصدره من أحكام بحرفيته المطلقة التي لا يتحكم فيه إله ولا مُثُل ولا قيم متوارثة ولا عادات ولا تقاليد، وإنما يتصرف الإنسان بحريته المطلقة متخلصاً من كل المبادئ والأحكام السابقة”([23])، وما وراءها من مصادر إنسانية أو دينية أو وضعيه سلطوية. وربما من هنا كان الاحتكاك والصدام بين الفرد والجماعة أو المجتمع أو القانون أو السلطة. فأنْ تمتلك نفسك ووجودك وحريتك في الاختيار والفعل قد يعني الخروج على المألوف والمتعارف عليه والمُسَنّ والمشرَّع، أي الخروج على إرادات أخرى غير إرادتك ممثلةً بالسلطات الدينية أو الاجتماعية أو السياسية، خصوصا أن الوجودي يؤمن بما سماه هيدغر بالارتماء، “فالإنسان مرميٌّ أو ملقىً به في الوجود، وكل فرد قد رُمي أو أُلقي به في موقف وجودي معين خاص به، وهذا الموقف يشبه، من وجهة نظر بشرية، رميَ زهر النرد… وليس هناك سبب معروف يحتم أن تكون الرمية على هذا النحو أو ذا…”([24]). ولذا فإن من الطبيعي أن تحدث صدامات بين الفرد مرمياً به في الوجود، والعُرف أو القانون أو النظام الذي يُفترض أنه يمثل إرادة مجموع أو جهة تكتسب حق السلطة، ومن ثم خروج الفرد وتمرده على إرادات تلك السلطة ليستتبع ذلك أن يطلبه ممثلوها ويطاردوه ويسائلوه، ثم متى ما يتمكنون منه فإنهم يدينونه ويحكمون عليه وينفّذون به حكمهم أو حكم السلطات التي يمثلونها.. وهذا بعض ما تَمثَّله الكتاب الذين صُنّفوا على أنهم وجوديون…”([25]). وربما “كان فرانز كافكا (1883- 1924) أعظم الكتاب الوجوديين جميعاً”، على رأي جون ماكوري الذي يضيف: “فأين يمكن، مثلاً أن نجد عرضاً لفكرة “الارتماء “أشد حيوية مما نجده في قصة (المحاكمة)، حيث يجد الإنسان نفسه، فجأة، ماثلاً أمام المحكمة، ولا يستطيع حتى أن يكتشف طبيعة التهمة الموجهة إليه! وأين يمكن أن نجد عرضاً للإحساس الحديث بالضياع والحرية الانطولوجيين، أفضل مما نجده في قصة (القلعة)”([26]).
ولم يقف الأمر عند حدود “الارتماء”، بل إن الوجودية، ومن خلال مبدأ الإنكار والاعتراف فقط بالوجود المتعلق بالإنسان نفسه، ارتكزت على ثلاثة مرتكزات أساسية هي: الحرية، والمسؤولية، والالتزام، “كان من الطبيعي أن ينتج عنها عدة نتائج أو مشاعر خطيرة يحسها الفرد في سلوكه عبر الحياة هي: القلق والهجران واليأس”([27]). هذه الأحاسيس استحوذت على الأدباء الوجوديين، وتبعاً لذلك على أبطالهم، لكن هذا لا يعني أنْ نجدها متجسدة بتفصيلية دقيقة في شخصيات كل هؤلاء الأبطال، بل ربما نلحظ غلبة هذا المرتكز الوجودي أو ذاك الإحساس وخفوت آخر، كما هو الحال في أبطال كافكا الذين خرجوا في كثير من الأحيان عن بعض مواصفات البطل الوجودي، كما أن عوالمه كثيراً ما خرجت أيضاً عن عوالم الكتّاب الوجوديين، ولحساب اكتساب خصوصيات كانت في النتيجة فاعلة في منح أدب كافكا بشكل عام هوية وتفرداً واسماً عُرف به، نعني أدب اللاّمعقول، وهو الأدب الذي ألقى، إلى جانب الأدب الوجودي عموماً، ظلالاً على القصة والرواية العالميتين، لتنتقل تلك الظلال في أزمان معينة إلى القصة والرواية العربيتين، قد تكون واضحة أحياناً، وقد لا يمكن وضع اليد عليها دون التأمل والتحليل الدقيقين.
لقد شهدت السنين التي تلت الحرب العالمية الثانية في الوطن العربي، بسبب ما تركته من آثار وما سببته من ردود أفعال إنسانية مختلفة في العالم وما أدت إليه من انفتاح الوطن العربي بشكل أكثر اتساعاً على العالم، غزوَ اتجاهات ومذاهب وأنواع من الكتابة لم يكن العربي قد عهدها لتتنامى انتشاراً وتأثيراً بشكل سريع بعد ذلك. وكان ذلك بالطبع بعد ما حققته في الغرب من انتشار ورسوخ وتأثير في جيل كامل، كما هو حال الاتجاه الوجودي وأدب اللامعقول وكل ما يتلاءم مع حالات القمع والإحباط التي كانت الظروف السياسية والاجتماعية للوطن العربي قد ساعدت على انتشارها وقراءتها. فأصبح مألوفاً جداً، على المستوى الثقافي، أن تملأ رفوفَ مكتبات شباب المثقفين كتبُ سارتر ودي بوفار وكولن ولسون وبيكيت وكامو. وإلى جانبهم كان لكافكا شأن غير عادي، فقد باتت أيادي هؤلاء المثقفين تتلقف أعماله التي ترجم الكثير منها خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، مثل روايات “القضية” و”القصر” و”أمريكا” والقصة الطويلة “المسخ”، إضافة إلى بعض قصصه القصيرة. والواقع أن المثقفين العرب قد احتضنوا هذه الكتابات، استجابة لظروف المنطقة التي أشرنا إليها اولاً، ولكون هذه الاتجاهات والكتابات هي من إفرازات المرحلة، التي كان الغرب قد مر بها ثانياً، إضافة إلى أنها في الكثير من الأحوال جاءت ثمرة لجهود فردية تمثلت في جهود أشخاص معينين مثل منير بعلبكي وسهيل إدريس ونهاد التكرلي، وفي نشاطات مجلات ودور نشر، مثل مجلة (الآداب) البيروتية، ودار الآداب، ودار العلم للملايين، والهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، وغيرها.
لقد كان من الطبيعي أن يمارس الكثير من الأعمال التي ترجمت وطبعت وانتشرت ضمن هذه الاتجاهات، تأثيرات بدرجات مختلفة في القصة والرواية العربيتين، خاصة في الستينيات. “… فهناك دوما ظلال مباشرة أو غير مباشرة لكتّاب مثل فرانز كافكا و ت. س إليوت ود.هـ لورنس وألبير كامو وجان بول سارتر وساموئيل بيكيت وكثيرين غيرهم”([28])، نجدها في أعمال الروائيين العرب، ومنهم من العراقيين: فاضل الربيعي، وجبرا إبراهيم جبرا وياسين حسين ويوسف الصائغ ومحيي الدين زنكنه وغيرهم. لقد كانت كتابات كافكا، وخاصه رواياته “القضية” و”القصر” و”أمريكا”، وقصته الطويلة “المسخ” بين الكتابات الوجودية وأدب اللاّمعقول الأكثر تأثيراً، ومن خلال ثيمات وجوانب موضوعية معينة بشكل خاص، ومنها (السلطة والمطاردة والبطل المطارد) التي برزت في روايات عديدة سنتعرض لبعضها بعد التعرف على ملامحها لدى كافكا نفسه.
**
بين كافكا وبعض الروائيين العراقيين:
تنفتح أعمال كافكا على عوالم تبدو ظاهرياً، ولأول وهلة على الأقل، طبيعية وعادية، وربما مألوفة إلى حد كبير، بمعنى أنها مما يمكن أن نراها كل يوم في حياتنا: البيت أو الفندق؛ والدائرة أو المؤسسة؛ والمدينة أو البلدة؛ والناس أو الأشخاص. ولكن سرعان ما نبدأ نلحظ ونتلمس ونلاقي كل ما هو عكس ذلك، فالبيوت والفنادق تُرسم بناياتُها بشكل صروح ذوات مداخل غريبة، وغرفها بدون شبابيك، وأبوابها تؤدي إلى ما لا يخطر في البال؛ والدوائر والمؤسسات تمارس هيمنة تتخطى حدود المتطلبات البيروقراطية الاعتيادية؛ والمدن والبلدات بطرقات لا تؤدي إلاّ إلى ما يريد الآخرون لك أن تصل إليه، مما لا يخطر غالباً في البال؛ والناس والأشخاص يتوزعون بين من يمارس الضغط أو الاضطهاد أو السلطة الفوقية، ومن يبدو صديقاً أو محباً أو مسانداً ولكنه في النتيجة لا يقدم للبطل المأزوم إلا ما هو عقيم من كلام أو حلول مفترضة أو اقتراحات أو نصائح. ووسط كل ذلك تتوالى أحداث بطيئة مَرَّةً وسريعة متتالية مرة أخرى، ولكنها في أغلب الأحيان لا تكون متوقعة في قسوتها وعنفها. أما حين يكون القليل منها متوقعاً، فإن التوقع فيها يكون أصلاً توقعاً للسيّئ، والقاسي، والمؤلم. كل هذه المفردات تشترك في رسم عوالم كافكا التي قلنا إنها تبدو ظاهرياً طبيعية وعادية في البداية، ليتضح بعد ذلك أن اللاّمعقول هو التوصيف الدقيق لها بديلاً عن الطبيعية والعادية.
في مثل هكذا عوالم نجد السلطة وهي تمارس، كما يقدمها كافكا، فعلها وجورها ورفضها ومطارداتها بحق البطل الكافكوي، ليكون بالنتيجة معبّأَ بالخوف من الآخرين وعدم الأمان منهم ومما حوله إلى حدّ الإحساس بالاغتراب. ويندفع البطل عادة من أجل لتشبث بكل الوسائل للخروج من مأزقه المتمثل برفض (الآخرين)- ممثلي السلطة عادة- أو مطاردتهم له، سواء كان ذلك عبر إقناعهم ببراءته من التهمة أو الذنب اللذين لا يعرفهما لأنهما قد لا يكونان موجودين أصلاً، أو قد يكونان مفترضي الوجود؛ أو عبر التخلص من مطاردتهم وسعيهم إليه؛ أو عبر تحقيق قبولهم له. لكنه لا يحقق أياً من ذلك، لأنه محكوم مقدماً، ولأنه في عالم، كما يقول عنه كامو، “يظل فيه الإنسان يصيد سمكاً في حمام، وهو يعلم أنه لن يصيد شيئاً”([29]). وذلك إنما هو من كابوسيّة أحلام وعوالم الكثير من الأبطال الوجوديين، مجسدين أزمة الإنسان وقلقه ومعظلة الوجود. يقول جون لويس لونغلي: “في الدراما الكابوسية للوجود الإنساني نجد، في أعمال كافكا على سبيل المثال، أن المحصلة النهائية التي لا مفر منها هي أن القلق هو الحالة المهيمنة على الحياة الإنسانية”([30]). ومن هنا فإن السلطة حين تتجسد في أعمال كافكا- وهي لا تتجسد عادة إلاّّ في ممثلين لها غير واضحي الهوية- فإنها قد لا تعني سلطة حقيقية، سياسية أو إدارية أو قضائية، لأن أعمال كافكا- وبغضّ النظر عما يريده كافكا نفسه- لا تريد ذلك فحسب، بل ما هو أبعد منه أيضاً: الإنسان، الحياة، الوجود، الله… الخ. وذلك كله يتوقف برأينا على ثنائية الفلسفة التي يمكن أن نتلمسها خلف العمل وسلطتها على كينونة هذا العمل أولاً، وعلى تعددية القراءة ثانياً. ووفق ذلك كله يتحقق فهم القارئ وتأثره، حين يكون هو نفسه كاتباً، بهذا الذي يفهمه، لينعكس أخيراً في ما يكتبه، وهو مما يسعى استقراؤنا لبعض الروايات العراقية إلى كشف تجسيدها له. ومن هنا تجيء دراستنا التطبيقية المقارنة بشكل خاص لتجارب ثلاثة من الروائيين نجد أنهم قد جسدوا بعضاً من انبهار الكاتب العربي بعوالم كافكا وثيمات أعماله، وخاصة في ما يسميه غولدمان “برؤية العالم” وعبر بُعدين يراهما في أي عمل فني:” بُعد اجتماعي منطلق من الواقع المعاش، وبعد فردي منطلق من خيال الفنان”([31]). هؤلاء الروائيون هم: فاضل العزاوي، وجبرا إبراهيم جبرا، ومحيي الدين زنكنه، متجاوزين كتاباً آخرين وجدنا تأثراتهم بوجودية وعوالم وأفكار سارتر وكامو وفوكنز وسيمون دي بوفار أكثر منها بكافكا، أو أنها كانت في قصصهم القصيرة أكثر منها في رواياتهم، أو أن تأثرهم بكافكا نفسه وقع عبر الثيمات الأخرى أكثر منه عبر ثيمة (السلطة).
**
كما أن (جوزيف ك)، في “القضية”، ” قد اعتُقل ذات صباح دون أن يكون قد اقترف ذنباً”([32])، فإن (عزيز محمود سعيد)، في “القلعة الخامسة” لفاضل العزاوي، يقول: “اعتُقلت خطأً، ولا بد أن يُطلق سراحي بعد أيام”([33]). وبداية يجب تثبيت أن العزاوي يتخطى في هذه الرواية وبشكل واضح المفردات الرئيسة المكوِّنة لعوالم كافكا التي كانت قد انعكست من قبل في روايته الأولى التجريبية “مخلوقات فاضل الغزاوي الجميلة”، خاصة في لا معقوليتها وأفكارها. ولكن مع هذا التحول المثير في مسيرة الكاتب من عوالم التجريد والتجريب والرمز والرمزية، والعبث اللاّمعقول إلى العوالم الواقعية والأسلوب الواقعي، فإن شيئاً من أنفاس كافكا بقيت تتردد مسموعةً في أعماله اللاحقة. وضمن هذه الأعمال التي اشتملت على مثل هذا روايته الثانية “القلعة الخامسة”، خاصةً في انطلاقها من ذلك الإحساس بالاضطهاد وبجور السلطة أو الآخرين، وهو الإحساس الذي انطلق منه كافكا فعلاً، سواء منه ما كان مصدره ذاتياً وعائلياً، أم اجتماعياً وبيئياً. ولكن منطلق هذا الإحساس لدى العزاوي، وكما يبدو واضحاً في موضوع روايته ومسار أحداثها، كان منطلقاً سياسياً يعكس، كما يبدو لنا، أجواء الستينيات في الوطن العربي بشكل عام، والعراق بشكل خاص، حيث سادت الصراعات بين الأحزاب والفئات السياسية المختلفة والانقسام الاجتماعي الناتج عن ذلك، وعمليات القمع والاضطهاد والتصفية التي كان الفرد العربي، وربما لا يزال، يتعرض لها، والجور واللاعدالة المتجسدة في سلوكيات السلطة- أية سلطة- وفي تعاملها مع هذا الفرد، الأمر الذي كان يولّد ، كما تولد قبل ذلك عند كافكا وعند أبطاله، الإحساس بالقهر والاضطهاد وشعور هذا الفرد بأنه مطارد أو غير مرغوب فيه. لقد كانت النتيجة في تعامل العزاوي مع هذا كله، وبتأثير تجربة كافكا كما نرى، تشابهات بين “القلعة الخامسة” وبعض أعمال كافكا، وخاصة “القضية”، بدءاً بحادثة الاعتقال، كما رأينا، ومروراً ببعض إجراءات القضية، ووصولاً إلى ما ولّده هذا الاعتقال وهذه الإجراءات من أحاسيس لدى بطلي العملين. ولذا صح القول إن “العزاوي يطرح مشكلة كافكوية أكثر منها مشكلة وضع النضال”([34]). فإذ يجهل بطل كافكا التهمة التي تكون وراء اعتقاله، بل حتى الجهة التي توجّه التهمة له وتأمر باعتقاله، فإنه يسعى عبثاً للخلاص من الورطة التي يجد نفسه مرمياً فيها دون أن يكون له يد أو ذنب ولو صغير يستحق عليه ذلك. وحين يكشف مسار الرواية أن ذلك إنما هو بسبب الحلقات العقيمة وغير المنتهية لإجراءات (السلطة) والإدارة ودواوين المحكمة التي يحاول كل موظفيها شرح مبرراتها دون أن يفلحوا، يتجسد لنا أن “الشيء الجوهري الذي يجب أن يُلاحَظ هو أن البطل في (القضية) يُضطهد على يد سلطة غير مرئية وغامضة، ويُستدعى للمثول أمامها لمحاكمته”([35]).
في “القلعة الخامسة” يبدأ بطل العزاوي رحلته المتعبة بالاعتقال خطأً ليدخل في حلقات، يظن بدايةً أنها ستكون سهلة وقصيرة، من المحاولات العبثية وغير المجدية التي يسعى بها (عزيز محمود) إلى شرح ملابسات اعتقاله وتحقيق خلاصه. فهو لا يجد عملياً من يستمع له من رجال السلطة ورموزها. وهكذا، وبعد الجهود المضنية، يصل إلى قناعة من نوع خاص: “لقد احتجت إلى شهور طويلة حتى أدرك أنني معتقل. فقد انتهت أحلامي فجأة واستيقظت… لأكتشف بكل قسوة ومرارة أدن العدالة قد لا تكون دائماً إلى جانب البراءة، بل إنها تتعمد أحياناً أن تكون في الجانب الآخر حيث يكثر الضحايا والشهداء”([36]).
هنا بالتحديد يكمن جوهر الافتراق الذي يحققه العزاوي عن سلبية كافكا، أو لنقل سلبية العالم كما أراد كافكا أن يجسّده، وسلبية بطله كما يمكن أن نراه من زاوية ما، حين ينتهي مسلِّماً بالحكم والإدانة وبتنفيذ حكم الموت به خاصة حين يأتيه هذا الحكم بشكل إرادة أو رغبة أو أمر من جهة يحس أنة يخضع لها أو يرتبط بها ارتباطاً يدفعه، مجبراً أو مختاراً، إلى إطاعتها أو إرضائها. فإذ ينتظر (سامسا)، في “المسخ”، مثلاً معجزةَ الخلاص تأتيه ضربةٌ تطيح بكل آماله، رغبةُ الأخت بأنه “يجب أن يذهب [أي أن يموت]. هذا هو الحل الوحيد يا أبي”([37]). أما (ك) في (القصر) فلا يكون أمامه إلا أن يستسلم لإرادة القلعة، عبر صاحبة الحان حين تقول له: “أما أنت فمجنون أو طفل أو إنسان شرير جداً خطير جداً. اذهب! اذهب”([38]). لكن تجب الإشارة هنا إلى أن هناك من يرى في تسليم هذا البطل موقفاً رافضاً يوصله إلى الخلاص عن طريق الموت؛ وبظننا أن في هذا تحميلاً يتعدى حدود شفرات النص وإيماءاته. وعلى أية حال إذا كانت نهاية بطل كافكا مأساوية- سلبية ، فإنها لتبدو لنا وقد انطلقت من رؤية كافكا إلى العالم في عصر لم يكن يبدو له فيه، في ظل سوداوية هذا العالم وظروف كافكا نفسه، أية بارقة أمل مشجعة على غير ذلك، بينما تنطلق مسيرة بطل “القلعة الخامسة” ونهايته- التي هي في الواقع بداية جديدة له- من رؤية فاضل العزاوي المتفائلة تفاؤل الانتماء والإيمان، خصوصاً أنه قد كتب روايته، التي تستحضر وتتمثّل مرحلة الصراع والقمع والإحباط، في فترة كانت تحمل تباشير انفراج وتقدم وأمل في واقع عربي جديد.
**
يقول الدكتور مصطفى ماهر في تقديمه للترجمة العربية لرواية “القضية”: “الرواية في تصور كافكا تدور في مجموعها وسط إطار من الحلم أو الخيال أو اللاواقع وتقوم في عناصرها ووحداتها على الواقع. إنها قالب من اللاواقع مضمونُه الواقع”([39])، وهذا ما نكاد نجده في بعض تجارب بعض الروائيين العرب ومنهم جبرا إبراهيم جبرا. ففي تغريبات روايته القصيرة “الغرف الأخرى” ولا معقولية بعض مفردات عالمها وأحداثها وحركة بطلها، وإلى حد ما عموم شخصياتها، يبدو جبرا لنا كأنه يفعل ذلك إلى حد كبير. ومع أنه في روايته هذه كان متأخراً في تأثره بكافكا مقارنة بمسيرته الفنية الطويلة، التي قدم خلالها قــبل “الغرف الأخرى”، ضمن ما قدّمه، خمس روايات ومجموعة قصصية، فإن روايته “السفينة”-1970– تبدو وكأنها تمهد مبكراً لتمثُّل الكاتب لتجربة كافكا الفنية مستقبلاً. يقول (الدكتور فالح عبد الواحد حسيب)- إحدى شخصيات “السفينة” الرئيسة: “من عادة كافكا في مذكراته أن يصف تجربة ما، ثم يعود فيها فيصفها على نحو آخر، ثم يكرر الوصف على نحو ثالث، ويستمر في ذلك أحياناً لأربع أو خمس مرات، لعله يحاول كل مرة أن يوجد لتجربته الوصف الأفضل”([40]).
تعتقد أن “الغرف الأخرى” تعكس، ومن خلال عوالمها وموضوعاتها ومنها معالجة موضوعة (السلطة والبطل المطارَد) وما تستتبعه من وقوع الفرد ضحية الجور والظلم والقمع، تأثر جبرا بكافكا، علماً بأن غالبية تلك المفردات تأتي ضمن أجواء كابوسيه فصلت الرواية عن كل روايات جبرا السابقة. فبطلها- بتعدد أسمائه الذي يعني ضمناً أنه ليس شخصاً عادياً بقدر ما هو فرد يتجاوز، في دلالته، فرديته- ملاحقٌ من قبل (عليوي) الذي لا يمنحه اسمه الصريح الشعبي ما يميزه عن (الآخرين) الذين يظهرون في بعض الأعمال المتأثرة بكافكا، بل هو لا يعني شيئاً، كما أن أسماء (الآخرين) في أعمال كافكا نفسه لا تعني غالباً شيئاً. بعبارة أخرى لا يُكسِب الاسمُ حاملَهُ سمة أو هوية واضحة، مع ما قد يُظن لأول وهلة. فمن هو (عليوي) هذا الذي يطلب البطل؟ ومن أو ماذا يمثّل؟ ولماذا يلاحق البطل؟ لا يجيبنا جبرا كما لا يجيبنا بطله على هذه الأسئلة، بما قد يعني ضمناً أن لا يكون إنساناً له وجود حقيقي، ولا تكون مطاردته حقيقية. وهذا يقودنا إلى أن نرى ذلك على أنه في الحقيقة أزمةَ البطل التي لا يمكن أن تكون أزمة عادية، مما قد تعرِض لأيٍّ منا في حياته اليومية، بل هي أزمة مركبة من حالة الاغتراب الداخلي الذي يعيشه البطل وحالة الاضطهاد والملاحقة التي يجد نفسه فيها أو يحسها مجسِّدةً، من ناحية أخرى وكما نرى حين نتجاوز فكرة تغييب المؤلف ونستحضر جبرا في قراءتنا، حالة الإنسان الفلسطيني الذي سعى الكاتب، في أعماله دائماً، إلى تمثُّل جوهره وطبيعته، وضمن ظروف أو مراحل بالتحديد من حياته وصراعه. وهذه تكاد تكون، في جوهرها، هي أزمة بطل كافكا، مع فرق مسبباته التي تكلمنا عنها في مكان آخر من هذه الدراسة. ولأن بطل جبرا في ذلك يعكس، كما هو شأن بطل كافكا، ظاهرة اجتماعية ينطلق منها”… ويعبر عنها الكاتب لا لكونه فرداً وإنما لكونه ينطق باسم الجماعة”([41])، فإننا نجد منطبقاً على هذا البطل ما يراه إدوين موير في حديثة عن كافكا وروايتيه “القضية” و”القصر”، إذ يقول: إن “البطل في الروايتين هو أيما شخص، وقصته هي قصة أي شخص”([42]).
وإذا ما بدا بطل جبرا ظاهرياً مختلفاً أحياناً، في أزمته وحيرته، عن أبطال كافكا ، فإنه في حقيقته وفي تأمل بعض الملامح التي لا يبخل جبرا في إضفائها على مشهده، سرعان ما تؤكد هذا اللقاء، فحتى حين يُدعى خطيباً في حفل، يفاجئه رئيس الحفل بالقول: “يبدو يا دكتور أن الأمر اختلط عليك. فأنت أتيت هنا خطيباً- وهذا أمر لا نقاش فيه- ولكنك ترفض الاعتراف بأنك هنا أيضاً للمحاكمة”([43])، وبما يعني أنه بشكل أو بآخر معتقل، وأن اعتقاله من ذلك الذي يتعرض له بطل كافكا في “القضية” حين يواجهه المفتش بالقول: “أنت معتقل ، هذا شيء ما فيه شك، ولكن لا ينبغي أن يعوقك هذا عن القيام بوظيفتك. كذلك لا ينبغي أن يعوق ذلك مجرى حياتك العادية”([44]). وكما يدخل بطل كافكا في متاهة الحلقات الإدارية والبيروقراطية، غير الواقعية، التي لا يخرج من إحداها إلا ليدخل في أخرى ولا تحقق له غير الإغراق أكثر وأكثر في المتاهة، فإن بطل جبرا يُقاد بدوره في متاهات من أروقة الأبنية والقاعات وتتالي الموظفين، ويغرق بين الأوراق والملفات.. ليقول له (عليوي): “أترى كيف نحفظ أوراقنا؟ ملايين الأوراق! ألف سنة لن تنال من ورقة حفظناها هنا! عندنا موظفون عديدون، لكنني قليلاً ما أحتاجهم”([45]). أما محامي (ك) في (القضية) فيقول عن قضية موكلة حين تصل إلى مرحلة ما: “وهناك لا تفيد أحسن الصلات بالموظفين أدنى فائدة. فالموظفون أنفسهم لا يعرفون شيئاً. لقد وصلت القضية إلى مرحلة لا يكون فيها لأحد أن يقدم عوناً، حيث لا يصل إليها أحد ولا يكون في استطاعة المحامي الوصول إلى المتهم. ويعود الواحد منا في يوم من الأيام إلى البيت فيجد على المنضدة المذكرات التي ألفها بجد ونشاط، والتي وضع فيها أجمل الآمال، أعيدت إليه لأنها لا يصح أن ترفع إلى المرحلة الجديدة التي وصلت إليها القضية، أُعيدت إليه لأنها أصبحت مجموعة من الأوراق التافهة”([46]). ولكن يبدو كأن جبرا لم يرد لبطله تلك النهاية التي انتهى إليها (ك) في القضية، فإذ انتهى هذا بالموت، لم يقدم جبرا بديلاً حاسماً عن ذلك، فينقاد بطله لإرادة الآخرين، ظاهرياً على الأقل، ولكن ضمن مسار مفتوح على ما يصعب التكهن بنهايته. بقي هنا اتفاق ومفارقة في الوقت نفسه بين تجربتي الكاتبين تتمثل في أن الكاتبين قد تركا لنا فهم دلالة نهاية كل من بطليهما؛ فإذ يرى البعض كما أشرنا سابقاً، في موت بطل كافكا نوعاً من الرفض، قد يكون في صرخة بطل جبرا صرخة بوجه هذه الاستسلامية لإرادة (الآخرين) الجائرة.
**
حين نبحث تأثير كافكا في الرواية العربية نجد الكلام عن الكاتب العراقي محيي الدين زنكنه يحتل دوماً مساحة أوسع من الروائيين الآخرين الذين نجد أعمالهم قد تأثرت بالكاتب التشيكي. ولكن لأنّ دراستنا، كما هو واضح، تتمحور حول موضوعة (السلطة والبطل المطارد)، فإننا نتحدد فيما نكتبه عنه هنا بمساحة محدودة. فالواقع أن الكاتب في بعض أعماله يكاد يتبنى كل مفردات عوالم كافكا وأفكاره، التي يبدو أنها قد تلبّسته، بدءاً بعوالم اللاّمعقول، ومروراً بموضوعة السلطة، ووصولا إلى حالات الاغتراب والاستلاب التي نجد أبطاله يعيشونها ويعيشون تأثيراتها ونتائجها، من خوف وقلق وإحساس بالضياع والعجز والشك وعدم الثقة بالنفس وبالآخرين. وكل ذلك يأتي وسط تشوش وحيرة ذهنيتين تخيّمان على أبطاله، وتحديداً في روايتيه “ويبقى الحب علامة”- 1974- و”بحثا عن مدينة أخرى”- 1979. والواقع أن الخوف بالتحديد هو أكثر المشاعر والأحاسيس التي تملأ دوماً ًروح بطل زنكنه وتصل إلى مستوى الحالة المرضية، وبأعراض تأزّم من عدم القدرة على الاختلاء بنفسه، وعدم القدرة على النوم والتفكير، وفي النتيجة عدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح بشأن الكثير من شؤونه:
“الخوف! شعور غريب لم يسبق لي أن واجهته بهذا الإلحاح، خائف.. خائف من موت سخيف ينهي كل وجودي الممتلئ بالمشاعر والأحاسيس.. و.. وخائف من (هم) هؤلاء الذين يصنعون هذا الموت..”([47]).
ولكن من (هم) هؤلاء الذين يخافهم البطل؟ لا نعرف نحن، بل هو نفسه لا يعرف. ربما ليس تحديد هويتهم هنا مهماً، إذ في كل الأحوال، يقول البطل: “وما العمل؟ كررت السؤال على نفسي. ماذا بوسعي أن أفعل؟”([48])، ثم ما هذا الذي وضعه في دوّامة الحيرة ودوّامة أن يجد نفسه- حقيقة أم إحساساً- ملاحقاً بإلحاح شديد من مجهولين؟ وأياً كانت هـوية (الآخرين) يبقى السؤال الأهم: لماذا يطاردونه؟ وإذا كانوا تجسيدا لأزمة يعيشها البطل وليسوا بحقيقيين، ما كنه هذه الأزمة؟ هل هي أزمة (ميرسو) كامو؟ أم أزمة الإنسان العربي في عصر المطاردة والقمع والاضطهاد؟ أم هي الأزمة التي رأيناها، من قبل، تُلفت نظر (جروباخ) التي تقول لـ( ك) في “القضية”: “يلوح لي كشيء من أشياء العلماء”([49]). فهذا التلميح الأخير هو إلى حد كبير ما يراه الضابط الذي يلجأ إليه( يوسف) في رواية زنكنه، حين يجد أولئك المجهولين يلاحقونه ويبرزون له في كل وقت وفي كل مكان، إذ يقول له هذا الضابط:
“- أخي.. أنت مصاب بمرض خاص.. لا يصيب عادة إلا فئة خاصة قليلة جداً في المجتمع.. وهذه الفئة هي التي تقول أكثر مما تعمل.. تتخيل أكثر مما ترى.. تحلم أكثر مما تنام.. ثم إن المدرسة فساد للأخلاق، إقلاق لراحة الإنسان”([50]).
فلا تنفع الفردَ الثقافةُ، ولا الخيالُ والأخلاقُ بقدر ما ينفعه كل ما يخدمه ويأخذ بيده من وسائل في عالم المادة والصراع والكسب والهيمنة. وفي مكان آخر يكون الضابط- الذي هو بالطبع رمز السلطة- أكثر صراحة وتحديداً لما يراه داءً حين يخاطب (يوسف) بحكمة:
“كف عن القراءة تستقم أمورك”([51]). ومع اضمحلال التفاصيل المتشابهة في ذلك بين رواية زنكنه وأعمال كافكا، وخاصة “القضية”، فإن النتيجة تسجل التقاءً بينهما يتمثل في تلك الفجوة التي يجسّدها الكاتبان بين الفرد والآخرين، وما ينتج عنها من أزمات تتلبس الفرد.
في العودة إلى افتتاحية الرواية نجدها تواجهنا بدايةٌ كتلك التي نجدها في جل روايات كافكا: “حين استيقظتُ صباح اليوم من النوم مبكراً بعض الشيء على غير عادتي، أحسست بهواء غرفتي ثقيلاً لم أعهده يجثم على صدري كابوساً خانقاً.. اسطوانة الغاز تتنفس، يا لي من رجل دائم النسيان والغفلة!.. سداد القنينة منزوع تماماً.. من الذي انتزع السداد منها؟ وكيف؟ أية قوة شيطانية تلك التي استطاعت أن تُقدِم على هذا العمل؟ (هم)، وارتج كياني”([52]). وبعد تفكير وتأمل يقول لنفسه: “لا بد أنّ أحد (هم) قد كاد بي”([53]). فهذه البداية/ الحيرة هي إلى حد كبير حيرة بداية “القضية”، إذْ”لا بد أن أحداً كاد (لجوزف ك)، لأنه اعتقل ذات صباح دون أن يكون قد اقترف ذنباً”([54])، من آخرين لا يَعرف عنهم وعمن أرسلهم شيئاً؛ وبدايةَ “القصر” حين يجد (ك) نفسه إزاء ملامح مضيّة للقصر والقرية لتؤشر له المجهول الذي سيواجهه؛ وبدايةَ “المسخ” حين يجد (غريغور سامسا) نفسه “وقد تحول في فراشه إلى حشرة ضخمة”([55]).
في كل هذه الروايات، وبضمنها رواية زنكنه، تنشأ الأزمة، لا مما يواجه البطل مادياً أو إحساساً كما قد نراه في البداية، بل من علاقة البطل في كل منها بالآخرين الذين هم في الغالب وراء هذا الذي يواجهه. والآخرون، أيا كانت حقيقة هويتهم، يمتلكون نوعاً غربياً من السلطة التي يمارسون ، بمشروعية ظاهرية، أو بدونها، هيمنتهم على البطل، سواء في الملاحقة أم في إلقاء القبض عليه، أم في استخدام العنف معه. وأيا كانت الوسائل التي يستخدمها كلًّ من بطلي “ويبقى الحب علامة” و”القضية” للتخلص من عبر الخلاص من ملاحقة (الآخرين) بالنسبة لبطل زنكنه، وإثبات البراءة من التهم غير المعروفة أصلاً بالنسبة لبطل كافكا، فإن النهايتين تلتقيان في سلبيتهما، الظاهرية على الأقل. فيرفض بطل زنكنه محتجاً التوقيع على ورقة بيضاء- كما يطالبه أحد (الآخرين):
“- إنها.. إنها بيضاء. فعلى أي شيء أوقع؟
” قال بقسوة: وقّعْ ثم أُريك الكتابة.
“- … لا يمكن يا سيد، لا يمكن أن أوقع على ورقة بيضاء”([56]).
لان ذلك يعني بالطبع التسليم بكل ما يريده (الآخرون)، وربما تحمّل كل ما يمكن أن يسجلوه ضده، كما أنه يعني، وربما هذا هو الأهم والأبعد دلالةً، التخلي عن الذات والخصوصية والحرية والإيمان.. وما إلى ذلك من قيم وحقوق فردية. ولذا فهو يرتضي بما يفعلونه به ولا ينفذ ما يريدونه منه، لينتهي بذلك النهاية السلبية ظاهرياً ولكن المجسِّدة حقيقةً للموقف الرافض، إذ يوضع في صندوق يقفل عليه ويُرمى في اليم ليقول بقناعة:
“وأغمضت عيني، ماذا يجديني الفجر والنور؟… تذكرت- دون أن أدري لماذا- ما قاله المسيح ذات مرة، (ماذا ينفع الإنسان لو ربِح العالم كله وخسر نفسه) فوجدت فيه عزاء عميقاً، فرحتُ أردد والصندوق ما زال يتمايل بي: حسبي أني لم أخسر نفسي.. لم أخسر نفسي، وأحسست بحب جارف إلى الحياة يحتويني، والتيار يدفع بي بعيداً.. بعيداً”([57]).
وقد ذكرنا في مكان آخر كيف يرى البعض في نهاية بطل “القضية” السلبية في ظاهرها، موقفاً إيجابيا، وربما رافضاً.
ومع التقاء رواية زنكنه الثانية “بحثا عن مدينة أخرى”، في أجوائها، مع روايته الأولـى،
والتقائها في النتيجة معها في تأثرها بكافكا، إلا أنها أقل تعاملاً مع موضوعة (السلطة)، منها مع أجواء اللامعقول والاغتراب والاستلاب. ولكن أزمة البطل تتجسد بدورها في علاقته بالآخرين، فهو يجد نفسه منقطع التواصل حتى عن أقربهم إليه، “منذ سنوات عديدة، فقدت بشكل من الأشكال القدرة على التواصل مع الآخرين… وعبر جسور الكلمات… التي أحسست بها رخوة… هشة تحت قدمي… لا تقوى على نقلي إلى الجانب الآخر بالشكل الذي أريده”([58])، الأمر الذي يقوده إلى الإحساس بعدم انتمائه إليهم وإلى المكان الذي هو و(هم) فيه، فينطلق بحثاً عن مكان آخر وأناس آخرين دون جدوى. ولأن (السلطة) لا تكاد تتمثل هنا إلا بما يمتلكه الآخرون من تأثير في البطل، ومن قدرة على دفعة إلى هذا البحث، فإننا نكتفي بهذا الذي قلناه عن هذه الرواية في بحث موضوعة( السلطة).
**
خاتمـة:
والآن ما هي أهم جوانب الالتقاء بين الروايات العراقية، التي تمثلت (السلطة والبطل المطارد)، وأعمال كافكا، وهو الالتقاء الذي نرجح أن يكون أكثره تأثّراً بالكاتب التشيكي؟ هي، أولاً، في ذهن البطل وتفكيره، وربما في حياته، هناك دوماً (آخرون) يمثلون أحياناً العالم الذي يريد البطل الانتساب إليه، وأحياناً الذي يريد أن يهرب منه، وأحياناً ثالثة قد يمثلون السلطة أو رجالاتها الذين يقومون بملاحقة البطل. وثانياً، إن حقيقة الملاحقة وإلقاء القبض إنْ هي إلا تجسيد لأزمة أو أزمتين للبطل، إحداهما داخلية- نفسيه فردية- والثانية خارجية- اجتماعية أو سياسية- تنشأ عن عدم ارتباطه بالآخرين أو برفض الآخرين له أو بعدم الانسجام بينهما. ولذا تتأرجح الملاحقة وإلقاء القبض بين أن تكون حقيقية يتعرض لها البطل وأن تكون غير حقيقية، أي نفسية يحسها هو دون أن يكون لها أساس مادي أو حقيقي. وثالثاً، عوالم الروايات وأبطالها عوالم غير اعتيادية وربما غير معقولة. ورابعاً، لا تكون للسلطة عادة هوية واضحة، إذ لا يتم غالباً التصريح بذلك، كما لا يُصرَّح بمطالبها وبغاياتها إلا نادراً، وبشكل مغلف بالغموض. وخامساً، تنتهي غالبية الملاحقات ومجريات الاعتقال والتحقيق والمحاكمة التي يتعرض لها الأبطال، بالإدانة وربما بالموت لأبطالها.
**
المصادر والمراجع:
(أ) الروايات:
جبرا، جبرا إبراهيم:
(1) السفينة، بيروت، دار الآداب (ط2)، 1979.
(2) الغرف الأخرى، بيروت، مكتبة الشرق الأوسط، (ط 2) ،1987.
زنكنه، محيي الدين:
(1) بحثاً عن مدينة أخرى، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1980.
(2) ويبقى الحب علامة ، دمشق ، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1975.
سالم، جورج: في المنفى، لبنان، منشورات عويدات، 1962.
العزاوي، فاضل: القلعة الخامسة، دمشق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1972.
كافكا، فرانز:
(1) أمريكا، ترجمة الدسوقي فهمي، (د.ت).
(2) القصر، ترجمة الدكتور مصطفى ماهر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971.
(3) القضية، ترجمة وتقديم د. مصطفى ماهر، القاهرة، الكتاب العربي (د. ت).
(4) المسخ، ترجمة منير بعلبكي، بغداد، مكتبة النهضة، 1983.
(ب) المراجع العربية:
أمين، بديعة: هل ينبغي إحراق كافكا؟، عمّان، المؤسسة العربية للنشر، دار المهد، 1983.
حمودي، باسم عبد الحميد:
(1) رحلة في القصة العراقية، بغداد، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، 1980.
(2) الوجه الثالث في المرآة، الديوانية- العراق، مطبعة الديوانية الحديثة، 1973.
الخطيب، د. حسام: المؤثرات الأجنبية وأشكالها في القصة السورية، دمشق، 1974.
شحيذ، د. جمال: في البنيوية التركيبية.. دراسة في منهج لوسيان غولدمان، بيروت، دار ابن رشد للطباعة والنشر، 1982.
غارودي، روجيه: واقعية بلا ضفاف، ترجمة حليم طوسون، القاهرة، دار الكاتب العربي للطباعـة والنشر، 1968.
كاظم ، د. نجم عبدالله:
(1) الرواية في العراق 1965- 1980 وتأثير الرواية الأمريكية فيها، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1987.
(2) “مقدمة لدراسة الرواية العراقية دراسة مقارنة”، الأقلام، بغداد، ع11- 12، 1987، ص 159-173.
ماكوري، جون: الوجودية، ترجمة الدكتور إمام عبد الفتاح إمام، الكويت، عالم المعرفة، المجلـس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1982.
مندور، محمد: الأدب ومذاهبه، القاهرة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، (د. ت).
موير، إدوين: “فرانز كافكا”، ترجمة عدنان الربيعي، الأقلام، ع2 ، 1971، ص62.
الورقي، سعيد: اتجاهات الرواية العربية، مصر، (د. ت).
(ج) المراجع الأجنبية:
Gray, Ronald (ed.): Kafka, U.S.A, Prentice-Hall, Inc., 1965.
Kafka, Franz: The Trial, Translated from the German by Willa and Edwin Muir, London, 1963.
Longley, John Lewis (JR): The Tragic Mask- A Study of Faulkner’s Heroes, U.S. A., Chapel Hill, The University of North Carolina Press, 1963.
McElroy, Bernard: “The Art of Projective Thinking- Franz Kafka and Paranoid Vision”, Modern Fiction Studies, Indiana, Vol.31, 1985, p 217.
[1] ) ينظر كتابنا: الرواية في العراق 1965- 1980 وتأثير الرواية الأمريكية فيها، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1987؛ وبحثنا: “مقدمة لدراسة الرواية العراقية دراسة مقارنة”، الأقلام، بغداد، ع11/12، 1987، ص159- 173.
[2] ) روجيه غارودي: واقعية بلا ضفاف، ترجمة حليم طوسون، القاهرة، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1968، ص147- 148.
[3] ) درس كافكا القانون، وبعد حصوله على الدكتوراه عمل في مكاتب التأمين ومؤسساته، وبضمنها التأمين ضد الحوادث التي أتاحت له أن يرى ويطلع على ما كان له بعض التأثير في شخصيته وأفق تفكيره وكتابته.
[4] ) د. مصطفى ماهر: من مقدمة ” القصر” لكافكا، القاهرة، الهيئة العام للتأليف والنشر، 1971، ص1.
[5] ) ماكس برود: سيرة كافكا؛ عن بديعة أمين: هل ينبغي إحراق كافكا؟ عمان، المؤسسة العربية للنشر، دار المهد، 1983، ص 66.
[6]( Ronald Gray (ed.): Kafka, U.S.A, Prentic- Hall, Inc., 1965, p93. [7] ) غارودي: مصدر سابق، ص 224.
[8] ) Bernard McElroy: “The Art of Projective Thinking”, Modern Fiction Studies, Indiana, Vol.31, 1985, p217.
[9] ( Ibid. [10] ) فرانز كافكا: القضية، ترجمة وتقديم الدكتور مصطفى ماهر، القاهرة، دار الكاتب العربي، (د. ت)، ص20-21.
[11] ) يرى لوسيان غولدمان أن روايات كافكا قد تَمَثّل “مرحلة الرأسمالية الاحتكارية التي نشطت في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي ذاب فيها الفرد وقدرته على القيام بمبادرات”. د. جمال شحيد: في البنيوية التركيبية.. دراسة في منهج لوسيان غولدمان، بيروت، دار ابن رشد للطباعة والنشر، 1982، ص57. [12] ) فرانز كافكا: المسخ، نقله إلى العربية منير بعلبكي، بغداد، مكتبة النهضة،1983، ص117.
[13] ) القضية، ص 160.
[14] ) الرواية، ص 166.
[15] ) الرواية، ص 14.
[16] ) الرواية، ص 27. [17] ) المسخ، ص 98-99. [18] ) (19) فرانز كافكا: القصر، ترجمة الدكتور مصطفى ماهر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971، ص 356.
[19] ) القضية، 96.
[20] ) المعروف أن كافكا لم يضع لمساته الأخيرة على الرواية ليُنهيها، كما أنه لم يضع لها عنواناً. ينظر فرانز كافكا: أمريكا، ترجمة الدسوقي فهمي، ص 269-270.
[21] ) أمريكا، ص 268.
[22] ) د. محمد مندور: الأدب ومذاهبه، القاهرة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، ص151.
[23] ) المصدر السابق، ص 156-157.
[24] ) جون ماكوري: الوجودية ، ترجمة الدكتور إمام عبد الفتاح إمام، الكويت، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1982، ص 277.
[25] ) المصدر السابق، ص 380.
[26] ) المصدر السابق.
[27] ) د. محمد مندور: مصدر سابق، ص 160. [28] ) د. حسام الخطيب: المؤثرات الأجنبية وأشكالها في القصة السورية، دمشق، 1974، ص 111-113. وانظر باسم عبد الحميد حمودي: الوجه الثالث للمرآة، الديوانية- العراق، مطبعة الديوانية الحديثة، 1973، ص 61. [29]) ألبير كامو: سيسيف، بترجمة عبد المنعم الحفني ؛ عن السعيد الورقي : اتجاهات الرواية العربية ، مصر، ص 183. [30]( John Lewis Longley (JR): The Tragic Mask, U.S.A, Chapel Hill, The University of North Carolina Press, 1963, p129. [31] ) د.جمال شحيد: مصدر سابق، ص 38.
[32] ) القضية، ص 14.
[33] ) فاضل العزاوي: القلعة الخامسة، دمشق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1972، ص8. [34] ) باسم عبد الحميد حمودي: رحلة في القصة العراقية، بغداد ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، 1980، ص 62.
[35] ( Franz Kafka: The Trial, Translated from the German by Willa and Edwin Muir, London, 1963, p313. [36] ) القلعة الخامسة، ص 31. [37] ) المسخ، ص 95.
[38] ) القصر، ص 356.
[39] ) مقدمة “القضية”، ص 7.
[40] ) جبرا ابراهيم جبرا: السفينة، بيروت، دار الآداب، (ط2) ، 1979، ص 214. [41]) د. جمال شحيذ: مصدر سابق، ص 45.
[42] ) ادوين موير: فرانز كافكا، ترجمة عدنان الربيعي، الأقلام، ع 4، 1971، ص 62.
[43] ) جبرا إبراهيم جبرا: الغرف الأخرى، بيروت، مكتبة الشرق الأوسط، (ط2)، 1987، ص 34.
[44] ) القضية، ص 31.
[45] ) الغرف الأخرى، ص 87.
[46] ) القضية، ص 166. [47] ) محيي الدين زنكنه: ويبقى الحب علامة، دمشق، منشورات اتحاد الأدباء والكتاب العرب، 1975، ص 151.
[48] ) ويبقى الحب علامة، ص 183.
[49] ) القضية، ص 136.
[50] ) ويبقى الحب علامة، ص 199- 200.
[51] ) الرواية، ص 205.
[52] ) الرواية، ص 209.
[53] ) الرواية، ص 66.
[54] ) القضية، ص 14.
[55] ) المسخ، ص 5. [56] ) ويبقى الحب علامة، ص 76.
[57] ) محيي الدين زنكنه: بحثاً عن مدينة أخرى، دمشق، اتحاد الأدباء والكتاب العرب، 1980، ص 16- 17.
[58] ) ويبقى الحب علامة، ص 252- 253.