نزار سليم: اللحن الأخير
نص دراستي للقصة في كتاب “التجربة الروائية في العراق في نصف قرن”
وإذا كانت هذه القصة تقدَّ ضمن ما أسميناه الأسلوب الواقعي الوصفي التقليدي، فإن نزار سليم يقدم قصته الطويلة “اللحن الأخير”، المنشورة ضمن مجموعته الثانية “فيض”- 1952، بأسلوب شعري، ولكن دون تعارض مع واقعية خصباك. ونزار سليم نفسه يشير إلى أن قصته تعتمد على كونشرتو لشوبان شكلاً وبناءً، فبناها في ثلاثة فصول سمّى كلاًّ منها (موفمنت)- أي حركة- على طريقة الكونشرتو والسيمفونية، وكأن هذا يتلاءم مع موضوع القصة وأحداثها غير العادية. ملخص القصة أن جندياً بولندياً اسمه (مسيو فندل)، وهو من الجنود الذين قدموا بغداد خلال الحرب العالمية الثانية، يتفق مع أخي البطل (طارق) على تعليم الأخير الموسيقى. وأثناء ذلك يعبّر له عن رغبة لسماع كونشرتو شوبان للبيانو قبل موته، فيُبدي له (طارق) وبشكل غريب، عن اعتقاده بأن ذلك سيتحقق له. وبعد أن نرى (طارق)، في القسم الأول، يحصل على غرامفون صديق ليسمع الكونشرتو وهو يتذكر (المسيو فندل)، نرجع، في القسم الثاني، إلى ما قبل سنتين من ذلك لنتعرف على حكاية (طارق) والجندي البولندي وأمنيته الغريبة، لنعود، في القسم الثالث، لاستكمال خط الحدث الحاضر، فنجد البطل وهو يعيد الغرامفون لصديقه الذي يخبره بغزو بالحلفاء لإيطاليا الذي يكون قد حدث في وقت استماع (طارق) للكونشرتو. وتأتي ضربة النهاية حين يخبره أخوه، بعد ذلك بأسبوع، بمقتل (المسيو فندل) أثناء غزو الحلفاء لإيطاليا.
ينجح نزار سليم في تقديم القصة بشكل مقنع، لا يضعفه غرابة موضوعها وحدثها المركزي، مثيراً فينا مشاعر التعاطف التلقائي مع شخصياتها، وخصوصاً الغائب الحاضر (المسيو فندل). ولعل مما زاد من ذلك، إلى جانب مهارة القاص في تناول الموضوع، لغته الشفافة التي أطرت القصة برومانسيتها المؤثرة، بما في ذلك حوارها، بما قاد إلى أبراز التناقض الحاد بين شاعرية الجندي البولندي وعشقه للموسيقى، والحرب ببشاعتها التي تنال من هذا الجندي المرهف الحس في النهاية قاتلةً إنسانيته ورهافة حسّه وعشقه للموسيقى. ويبدو لنا أن القصة، في هذه النقطة بالتحديد، تعكس فلسفة الكاتب ورؤيته للحياة والإنسان والفن والحرب.
ما يمكن الخروج به من قراءة القصة أنها واحدة من أجمل ما كُتب من قصص ومحاولات روائية في العراق خلال أكثر من ثلاثة عقود من عمرها. ومرة أخرى إذ تخرج قصة “اللحن الأخير”، في بعض المفردات الفنية، عن حدود القصة القصيرة، فإنها لا تدخل ضم الفن الروائي، ولكنها تسجل محاولة، ربما غير مقصودة أو غير واعية، لدخول مضمار هذا الفن، أو على الأقل للإطلال عليه.