محمود أحمد السيد، في سبيل الزواج

محمود أحمد السيد: في سبيل الزواج
نص دراستي للرواية في كتاب “التجربة الروائية في العراق في نصف قرن”
ملخص “في سبيل الزواج” أن لأحد أثرياء الهند بنتاً جميلة اسمها (كستور) كانت ترتبط بعلاقة حب مع أحد الشبان الأثرياء هو (جينارام)، وقد اتفقا سراً على الزواج، ولذا فقد كانت الفتاة ترفض كل من يتقدم للزواج منها من الأثرياء والوجهاء الآخرين. وعندما يتقدم الحبيب طالباً الزواج منها يفاجأ هو وهي برفض أبيها الطلب، لتكتشف أن سر هذا الرفض أن (بطل الجبل)- وهو لص مشهور يخافه الجميع- كان يريدها له وأنه قد هدد أباها بعدم تزويجها لغيره. ويحدث أن يقتل هذا اللص أخا (جينارام) فيسير هذا الأخير بأربعين من الرجال وينجح في إلقاء القبض على اللص، ولكن سوء الحظ يلازم الحبيبين، إذ تموت (كستور) همّاً قبل أن تسمع بخبر نجاح حبيبها في القبض على المجرم، ثم تأتي المفاجأة الأخرى حين يكتشف (جينارام) أن أبا حبيبته كان على علاقة ما بـ(بطل الجبل)، فيندبها قائلاً:
“- كم تحت سماء الشرق من بنت مظلومة مثلك يا كستور، وكم من عذراء بكر مثلك ماتت حتف أنفها وذهبت ضحية أغراض وليّها؟
“وأنت يا أباها، كم مثلك من الجناة أعداء الإنسانية وهم وراء أستار هذه الحياة محجوبون؟
“فمتى يفيق الشرقيون من رقدتهم فيعرفون قدر المرأة ويعطوها حريتها وحقها الذي اغتصبوه منها، ويقتصون من الذين هم لها معادون، وعليها جانون، ولروحها قاتلون؟”([1]).
وإذا كان هذا النص المقتبس قصيراً، فإن الرواية عموماً لا تتعدى في خصائص أسلوبها ما يعبر عنه. بعبارة أخرى هو يعكس تماماً طبيعة “في سبيل الزواج” التي يمكن للقارئ العادي أن يتبين من قراءة سريعة لها افتقادها للمقومات الأساسية لما يمكن أن نسميه الاكتمال الفني للعمل الروائي أو القصصي بشكل عام. لكن هذا العمل ينطوي، مع هذا، عدد أو كم من العناصر والخصائص الفنية القصصية والروائية ما يعكس فهماً مبكراً غير هيّن من السيد للفن القصصي بشكل عام. فالقاص قد استخدم العناصر الأساسية كالشخصية والحدث القصصي والحبكة البسيطة والمكان والزمان. لكن هذه العناصر افتقدت الإتقان والوعي التام بها وبماهياتها الأمر الذي أدى إلى القصور في استثمارها في كتابة عمل فني ناضج، وتوظيف الكاتب لعمله. وزاد من تأثير هذا العيب وعمّقه توظيف الكاتب لعمل لإيصال رسالته، الأمر الذي صبغ عمله بتعليمية تذكرنا، إلى حد ما، بتعليمية “الرواية الإيقاظية”، وذلك كله قد حال دون خروج العمل من خانة المحاولات. ومن هنا نفهم قول الدكتور علي جواد الطاهر عنه: “هذه القصة أقرب- في هيكلها- إلى الحكايات القديمة”([2]).
**
والسيد لا يحقق أي تقدم يُذكر في محاولته الثانية، “مصير الضعفاء”- 1922. والواقع أننا لم يكن لنا أن نتوقع مثل هذا التقدم والكاتب قد كتب عمله الثاني هذا، كما هو واضح، في وقت كتابة عمله الأول نفسه فأصدره في السنة الثانية. وإذ ما اتفقنا مع الدكتور عمر الطالب حول بعض ما رآه تحقق في هذا العمل إيجابياً، فإن “مصير الضعفاء” لا تكاد تستدعي شيئاً غير ما قلناه عن “في سبيل الزواج”. ويبدو لنا أخيراً أنه إذا كان (الرومانس) عبارة عن سرد المآثر البطولية الخارقة، والأحداث النابضة غير الاعتيادية، وقصص الحب الشريف، فإن عملي السيد هما أقرب إلى هذا النوع من القصص منهما إلى الرواية الفنية، مع الاختلافات الجزئية التي فرضتها خصوصية الثقافة المحلية والبيئة. ولعل هذا يعود إلى أن السيد قد كتب القصتين الطويلتين في مرحلة الشباب الأولى حين يكون المرء ميالاً إلى قصص المغامرات والأحداث غير الاعتيادية والمفاجآت المثيرة وقصص الحب والغرام الملتهب من جهة، ومن جهة أخرى تأثره بالأعمال الأجنبية المترجمة إلى العربية وإلى التركية ملخصةً وغير ملخصة، والمؤلفة التي كانت تقع بين يديه وهي في معظمها كان ضمن هذا النوع، مثل “آلام فيرتر” لغوته، و”غادة الكاميليا” لإسكندر دوماس الابن، وأعمال المنفلوطي وجبران، وغيرها.


[1] ) محمود أحمد السيد: في سبيل الزواج، في: المجموعة الكاملة لقصص محمود أحمد السيد، إعداد وتقديم: د. علي جواد الطاهر ود. عبد الإله أحمد، بغداد، منشورات وزارة الثقافة والفنون، 1978، ص76.
[2] ) د. علي جواد الطاهر: محمود أحمد السيد رائد القصة العراقية الحديثة في العراق، بيروت، منشورات دار الآداب، 1969،ص39.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

دراسة عن دروب وحشية

تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *