عبد الرحمن مجيد الربيعي، الوكر

عبد الرحمن مجيد الربيعي: الوكر
نص دراستي للرواية في كتاب “الرواية في العراق وتأثير الرواية الأمريكية فيها
ليس ببعيد عن الصواب القول إن رواية عبد الرحمن مجيد الربيعي الأخيرة هي أقل أعماله حاجة إلى الحديث والتحليل في دراستنا، بسبب ما نراه من انفصام شبه كامل، من ناحية تلبية ما يبحث عنه القارئ والباحث على حد سواء فنياً، عن مسيرة الكاتب عموماً. إن “الوكر”– 1980– التي تأتي ثالث أعمال الكاتب الروائية ضمن سلسلة الأعمال القومية تشكل، برأيي، الإشارة التي تلمّح إلى ما يشبه النهاية لهذه المسيرة الفنية، على الأقل في جانبها الروائي، الذي بدا وكأن الكاتب قد بدأ طريقه إليها في رواية (الأنهار). وإذا كانت “الوكر” قد اختارت، أو اختار لها الكاتب النكوص الذي سجل هذا التلميح إلى النهاية، فإن تجنب هذا النكوص، إن لم نقل الإخفاق، كان ممكناً جداً فيما لو عمل الكاتب مبكراً على تجاوز مسبباته التي تتلخص، كما قلنا سابقاً، في السرعة الواضحة التي أخذ ينجز بها أعماله، واستسهال عملية الكتابة الروائية، وإهمال الصنعة الفنية وتجاوز العمق المضموني والانجرار وراء إغراء التجديد والاكتفاء بجعله هدفاً لذاته وإطلاق العنان للحماسة غير الموضوعية وغير المتوازنة له. وتعلقاً بالنقطة الأخيرة يقول الربيعي نفسه: “(الوكر) تختلف تقنية عن رواياتي السابقة، وهذه المسألة تهمني جداً. إنني أتعامل مع كل عمل جديد لي بروحية جديدة وبتناول جديد، ولا أريد أن أكرر تجربة سابقة نجحتْ وأرتُكن إليها. كان البعض يتوقع أن أقع في مطب تقنية “الوشم” بعد نجاحها– أربع طبعات حتى الآن– وأنْ أكررها. لكني كتبت “الأنهار” بشكل مختلف… أما “القمر والأسوار” فمن الممكن القول إنها رواية اعتمدت التقنية الكلاسيكية، أردت من خلالها أن أثبت أن التجارب الجديدة لا تعني جهلاً وعدم قدرة على كتابة الرواية وفق القواعد المتعارف عليها”(). فإذا كان الكاتب محقّاً في ما يخص قضية تكرار التجربة، فإنه ينسى أن ما هو أهم من البحث عن تجربة كتابية جديدة إنما هو تطوير تجربة سابقة أو حالية له أو لكاتب آخر، بدلاً من الببحث عن الجديد حين لا يكون هناك تبرير موضوعيي وفني للتجديد. ولا نعني بذلك أن يكرر التجربة، بالشكل الذي فعله إسماعيل فهد إسماعيل مثلاً حين وقع أسير تجربة جديدة أبدع فيها روايته الأولى فظل يكررها في أعماله التالية فانتهى فنياً بعد البدء بقليل. فمع صحة القول إن كل عمل يجب أن يضيف شيئاً للتجربة الفنية بشكل عام، صحيح أيضاً القول بأنْ ليس هناك دائماً مبرر لتقديم تجربة فنية جديدة كلياً لم تتوفر بعد مبرراتها ولا عوامل نجاحها.
موضوعة “الوكر” هي النضال السياسي ممثلاً بأربعة أصدقاء يعملون، ضمن حركة سياسية أو حزب سياسي ينتمون إليه، على إسقاط النظام القائم. والربيعي ينجح بجعل القارئ يحسّ أن نضال هذه الشخصيات– الأصدقاء– الرئيسة ليس نضالهم فحسب، ولا أحلامهم أحلاماً ذاتية مجرّدة أو خالية مما يوصلها إلى خارج ذواتها، بل أن النضال هو نضال الشعب كلّه، والأحلام هي أحلام عموم الناس. إذن، فإن هذه الشخصيات الأربع ممثلة لحالات عامة أكثر منها لحالات منفردة.
باستثناء هذه السمة وسمات ثانوية أخرى تسجل لـ”الوكر”، لا نكاد نجد في الرواية رواية. لقد قسم العمل إلى ستة أقسام، كل واحد منها قُسّم بدوره إلى فصول صغيرة، ويتوزع كل فصل منها أيضاً على وحدات فرعية أو فقرات أصغر. ولم تتم هذه التقسيمات وفق مبررات أو أسباب فنية يمكن وضع اليد عليها، أو حاجة الرواية لها بل كانت في معضمها مصطنعة، وفي كل الأحوال غير مقنعة. إضافة إلى ذلك فإن الكاتب قد منع روايته، بهذه التقسيمات، من الانسياب والترابط الدرامي. والواقع أن الفعل الدرامي والتطور الحدثي– وضمن ذلك عملية الصراع الدرامي– كانت ضعيفة بما يعني أن حبكة الرواية نفسها قد جاءت باهتة وغير متماسكة، بل حتى اللغة والحوار اللذان عرفناهما ميداناً رئيساً للكاتب في معظم أعماله السابقة جاءا على غير ما عرفناهما للكاتب من خصوصية وجمالية وإقناع. وهنا يجب أن نشير إلى نقطة مهمة، تقف في الجانب الآخر من هذه التشخيصات وربما تلفت انتباه القارئ، تلك هي أن القسم الأخير من الرواية يكاد ينتمي إلى كل هذا الذي عرفناه عند الكاتب في أعمال عديدة سابقة، وافتقدناه هنا، فهو يتميز بشكل واضح بجمال لغته، وبالطريقة المقنعة والمتقنة التي استخدمها الكاتب، كما هو الحال حين يترك شخصياته تتحدث عن نفسها ومصائرها مستخدما صيغة ضمير المتكلم دون بقية أقسام الرواية التي استخدم فيها ضمير الغائب.
إن هذه النقطة تؤشّر مرة أخرى، أن عبد الرحمن مجيد الربيعي، إذن، لمّا يزل المعطاء القادر على الرفد ومنحنا المزيد من الكتابات الحية، ولكن إن هو أراد وعمل على ذلك، وهو ما لم ينعكس في عمله الأخير.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

دراسة عن دروب وحشية

تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *