كانت السماء زرقاء جوهرة التاج الإبداعي – إسماعيل فهد إسماعيل

افتتاحية شفهية:
يجب أن أعترف ابتداءً بأن كلامي عن الراحل إسماعيل فهد إسماعيل هنا احتفاءٌ وبالضرورة لا يبتعد عن العاطفية، ولكنه ليس احتفاءً خالصاً بل هو وجهة نظر نقدية موضوعية أيضاً، وأنا في هذا لا أتكلم عن الروائي بوصفه أبا الرواية الكويتية، وهو كذلك فعلاً، ولا بوصفه صاحب إنتاج روائي كبير، وهو كذلك فعلاً، بل بوصفه صاحب عمل تأسيسي ورائد في مسيرة الرواية العربية لا أظن أحداً أعاره، أعني هذا العمل، أهمية بوصفه كذلك. هذا العمل هو رباعيته، ولاسيما روايتها الأولى “كانت السماء زرقاء” الصادرة عام 1970.

“كانت السماء زرقاء”
جوهرة التاج الإبداعي لإسماعيل فهد إسماعيل

إذا ما شكلت روايات الكاتب الكبير الراحل إسماعيل فهد إسماعيل تاجاً إبداعياً له، فإن رباعيته، ولاسيما في جزئها الأول، رواية "كانت السماء زرقاء"، هي برأينا جوهرة هذا التاج. بعبارة أخرى، مهما قدم الروائي من إبداعات وهي كثيرة وغالبيتها متميزة، فإن "كانت السمء زرقاء"- 1970- ستبقى دوماً إحدى الأعمال الروائية العربية المتميزة، خصوصاً في اشتراكها، مع "أنت منذ اليوم"- 1968- للأردني تيسير سبول، و"الوشم"- 1971- للعراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي، في ريادة فنية في مسيرة الرواية العربية، متمثلة في قيامها كاملةً على تيار الوعي حتى مع معرفة العرب لتقنياته خلال ما يقارب العشرين سنة السابقة على تلك الروايات التي تشترك أيضاً في أنها تقوم ثيمةً على البطل المأزوم تأزماً مزدوجاً، .سياسياً وانتمائياً، وذاتياً وسايكولوجياً. وفي هذا يكون طبيعياً أن تبقى هذه الرواية الأكثر إبهاراً بين روايات إسماعيل
بطل (كانت السماء زرقاء) عراقي ينضم إلى مجموعة هاربة باتجاه الحدود، لسبب غير صريح تماماً وإنْ جاء انضمامه أو هربه بعد انقلاب عسكري. المهم أنه يجد نفسه، بعد ذلك، مختبئاً مع ضابط جريح من الهاربين في أعقاب مهاجمة الشرطة لهم. وينطلق الكاتب من هذا الحيز المكاني والزماني المحدود ومن هاتين الشخصيتين، وعن طريق تقنيات تيار الوعي، والطريقة السردية أحياناً، نحو الفضاء الزماني والمكاني الأوسع، متنقلاً بين الماضي والحاضر، باستخدام (الفلاش باك)، وكل ذلك عبر دواخل الشخصية الرئيسة بشكل أساس، ليكشف عنها، فنعرف أنه غير منتم، ومع هذا فإن ما يجري في واقع السياسة في البلد لا يؤثر في السياسيين حسب، بل بغيرهم، وهنا يتداخل السبب السياسي، حتى وهو غير منتمٍ، والسبب النفسي الذاتي للفرد لينتج البطل المأزوم. فهو يجيب رفيقه الضابط حين يسأله: 

“- هل أطاحت بك الثورة أيضاً؟!”
“- لستُ سياسياً.. أنا هارب فقط.
“- ممن؟!
“- من كل شيء.”
ولهذا الـ(كل شيء) دلالته هنا.
بقي أن نقول إن إسماعيل فهد إسماعيل يحقق، في روايته، مدخلاً ينطوي على الكثير من الجدة في الكتابة القصصية والروائية العربية، التي تتحقق من جانبين: الأول الموضوع، ونعني به معالجة قضية الإحباط، السياسي بشكل خاص، الذي أنه أصبح سمة لواقع الوطن العربي في الستينيات، والمفارقة، مرة أخرى، أن هذا الواقع يطيح ببطل الرواية وهو ليس بسياسي. أما الجانب الثاني فيتمثل بالتقنية التي تركزت، كما قلنا، في استخدام تيار الوعي، الواضح التأثر بجيمس جويس، وربما بشكل أوضح بوليم فوكنر، في أسلوبه وحرفياته التي جاءت عليهما روايته الشهيرة “الصخب والعنف” التي كان جبرا قد ترجمها ونشرها سنة 1961. وفي النتيجة سُجل هذا لإسماعيل فهد إسماعيل إسهاماً في ريادة فنية في مسيرة الرواية العربية.
د. نجم عبدالله كاظم
العراق

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

دراسة عن دروب وحشية

تشكلات البناء السردي في رواية دروب وحشية للناقد نجم عبد الله كاظم أنفال_كاظم جريدة اوروك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *