المرأة والسرد خصوصية الخطاب واستراتيجة النص السردي النسوي العربي – د. مريم جبر فريحات

المرأة والسرد
خصوصية الخطاب واستراتيجة النص السردي النسوي العربي

د. مريم جبر فريحات
ناقدة وأكاديمية أردنية

مقدمة:
بات الحديث في خصوصية خطاب المرأة، وخصوصية النص الإبداعي لديها، حديثًا له خصوصيته أيضًا، بما يمكن أن يتسرب إليه من غواية الأنثوي وإغراءاته، وما حايثه من تساؤلات حملتها أصوات الحركات النسائية/النسوية الداعية والساعية لتغيير وضع المرأة. ففي ضوء تشكّل مقولات الفكر النسوي وتصوراته، وبعودة الاهتمام بالمؤلّف في حقل الدراسات النقديّة بعد أن أقصته الخطابات النقديّة الآخذة بمقولة الانغلاق والمحايثة البنيويتين، ومع تطور الدراسات النفسيّة والعرفانيّة التي أعادت الاعتبار للإنسان بوصفه كائنًا ذا عمق يتحكّم في كلّ ما يصدر عنه من أقوال وأفعال، ظهر صنف من الإبداع ينسب إلى جنس المبدع، نقصد المرأة المبدعة والكتابات النسويّة ولاسيّما الروائيّة والقصصية منها.
وإذا استعدنا السياق الثقافي لهذا الظهور ألفيناه مرتبطًا بالنزوع إلى التحرّر من كلّ أشكال الإقصاء والغبن المفروضين على المرأة، ويجري في مدار نستجيز وسمه بالمدار الأنثويّ، الذي تغدو فيه مهمة المرأة أكثر تعقيداً في سعيها إلى “تغيير مسار الثقافة الأبوية من خلال إثارة الشك حول قصورها في تمثيل عالم المرأة، والتجرؤ عليها باعتبارها ثقافة إقصائية أبعدت طرفًا رئيسًا من المشاركة في عملية التمثيل الثقافي، ثم ينبغي عليها التوغل في المجاهل التي عجزت الثقافة الأبوية عن دخولها، وهذا يعني تمثيل الخصوصيات الأنثوية”()، عبر خطاب يحمل نزوعًا أنثويًا في الشكل والمضامين، قادرًا على مواجهة ذكورية الخطاب السردي التي طغت على سطح الحركة الأدبية العربية عمومًا، بمباركة اجتماعية رسخت هذا الخطاب، ودعمته بصورة جعلت هذه المواجهة أكثر صعوبةً وتعقيدًا، وبخاصة حين يتعلّق الأمر بالمرأة ذاتها، وبوظائفها التي تواضعت عليها مؤسسات المجتمع المختلفة.
وتسعى هذه الدراسة إلى محاولة تأطير العلاقة بين المرأة والسرد، والبحث في ملامح خطابها فيه، وخصائصه، والاستراتيجيات التي اعتمدتها في تمرير هذا الخطاب، على ما تتسم به هذا الموضوعة من سعة وتشابك طروحاتها مع بقية طروحات المحاور الأخرى في هذا الكتاب. ذلك أن الحديث في خصائص خطاب المرأة واستراتيجية السرد لديها لا يمكنه بحال أن ينفصل عن الحديث في ثيمات السرد وجملة الرؤى التي تشكّلت لدى المرأة حول ذاتها وجسدها وقضايا الواقع المختلفة، من خلال مقاربة تلك الثيمات والرؤى نظرياً وتطبيقاً في حدود ما تفرضه حدود البحث في خصائص واستراتيجيات سردية مستمدة في الأساس من محاولة تفكيك لغة السرد النسوي المتحكّمة في الخطاب المرويّ والخطاب الراوي من خلال مقروئيتي في نماذج من السرد النسوي العربي، وبخاصة الروائية منها، مما تمليه وتستحضره الفكرة المطروحة، على غير تخصيص لكاتبة بعينها، أو بقعة جغرافية بعينها، مشرقاً أو مغرباً، لأن ما يرد من إشارات أو اقتباسات سيكون على سبيل التمثيل لا الحصر، ومدى إسهام ذلك التمثيل في تأسيس وتدعيم الأفكار والاجتهادات التي ترد في متن البحث، مع اقتصار التمثيل في هذه الدراسة على الشكل الروائي بصورة خاصة، لأن تجليات النسوية وخصوصية خطابها يبدو لي أكثر حضوراً ووضوحاً في الرواية أكثر منه في القصة القصيرة، بما تنماز به الأخيرة من شعرية وكثافة في التعبير لا تختلف فيها، في الأغلب الأعم، كتابة المرأة عن كتابة الرجل، باستثناءات جنحت فيها القصة إلى التطويل وإلى الشعرية والبوح والتداعي النفسي، كي تقولَ المرأةَ، وتحتملَ تفصيلات خطابها، بخصوصيته واستراتيجياته السردية التي تبدو أكثر وضوحًا في العمل الروائي عنه في القصة القصيرة، إلى جانب محدودية المساحة المخصصة لهذه الدراسة ضمن أعمال هذا الكتاب.

المرأة والسرد:
ثمة علاقة خاصة تصل المرأة بالحكي، ثم بالكتابة، ما ينعكس على كيفية تلقي القارئ/ الناقد لها، على ما يثيره ذلك من إشكاليات تتعلّق بالموضوعات التي تطرحها، وفي طرائق تقديمها ولغتها، وتنازُعها بين محاولة إثبات خصوصيتها النسوية، ومحاولة إثبات عدم اختلافها عن كتابة الرجل في الوقت ذاته، وهو ما أفضى إلى عدد من الإشكاليات الخاصة بنتاج المرأة الإبداعي، وبخاصة إشكالية تسميته الاصطلاحية، وماهيته، وسماته، وتقنياته واستراتيجياته الخاصة. ذلك أن الحديث عن علاقة المرأة بالسرد واستراتيجياته وخصوصيتها فيه لا بدّ أن يجد تجلياته في رؤاها السردية لذاتها، وللجسد، وللآخر، كما للمكان وللزمان بما يحفلان به من قضايا مختلفة، وبخاصة مما بات يشهده هذا العصر من صراعات وعنف وإرهاب… فلا يمكن، بحال، الحديث عن نتاج خاص بالمرأة بمنأى عن طبيعة وجودها الاجتماعي والتراكم التاريخي الذي أفضى إلى إشكالية خصوصية الكتابة لديها، وإلى توسلها باستراتيجيات خاصة تمكنها من توصيل خطابها. فإذا ما انطلقنا من فرضية أن سرديات المرأة هي ترجمة لوعيها بالعالم، بدءاً من تشكّل كينونتها الخاصة ووجودها في هذا العالم، وانتهاء باستماتتها في سبيل تحقيق هذا الوجود، فلا بدّ والحال هذه أن تتخذ كتاباتها شكل علاقتها بهذا العالم الذي ظلّ إلى أجل قريب يتسم بتمجيد الفعل الذكوري، والتعويل عليه وحده في نهضة المجتمع، مقابل الإقصاء والتهميش لفعالية المرأة ودورها في ذلك، وهي العلاقة التي اتخذت صورة المواجهة بالحكي بعد طول صمت، قبل التحول، ولو متأخرة، إلى الكتابة، التي أعاد بعض الباحثين سبب تأخر المرأة العربية في ميدانها، إلى ارتباط ذلك بالاستعمار، وبوضعية المرأة في تلك المجتمعات، وتفشي الأمية في صفوف النساء، لكنها مع بدء تحسن وضعها اجتماعياً وتعليمياً وثقافياً، استطاعت اقتحام هذا الميدان، شأن كثير من الميادين الأخرى، فزحزحت موقع الرجل على عرش الكتابة()، على الرغم من بعض الآراء التي ترى أن المجتمع خلق منهن “شهرزادات مستلبات”()، ما يعيد إلى الأذهان صورة شهرزاد والجدات الحكّاءات اللاتي أظهرن خارج قدرة الحكي وعياً إنسانياً عالياً، واجتماعياً يفضي إلى الحكمة وتقديم العبرة، وهي الأدوار التي اختص بها الرجل دونها، يستوي في ذلك موروثنا العربي بالموروث العالمي.
بحكاياتها، شكّلت شهرزاد تأسيساً لشكل المرأة ودورها وصور علاقتها بالآخر وبالعالم من حولها، إذ عكست في تلك الحكايات صورة لمجتمع الحكاية، في نظرته للمرأة جسداً، وفي الوقت ذاته رؤية المرأة لذاتها ولمجتمعها، ومحاولة إقامة حالة من التساوق والمواءمة بين رغباته ورغباتها، ممثلة في انتزاع الإعجاب الذي يفضي، في آخر الأمر، إلى انتزاع الحياة من براثن الخوف والموت، بل إلى دفع ذلك الموت بوصفه قدراً لم يكن ممكناً تجاوزه بغير الحكي، أو بغير لغة سحرية الجذب، خالقة للذة مخدّرة، نافية نابذة لرغبة الانتقام وللعنف، مطفئة لشهوة الموت التي تتربص بها وببنات جنسها. ولذا، فقد عملت المرأة على أسطرة الحكي من أجل تأثيث الحياة والذاكرة بالمدهش والمحفز على البناء والتغيير لواقع ارتسم ذكورياً واتهامياً لحقيقة وجودها وسلوكها الاجتماعي الأخلاقي بوصفها مصدر الرجس والنجاسة وأصل الشرور ومنبع المخابث كلها، و”وريثة الحيوانات والشياطين”() بما تستحق معه الإقصاء، أو حتى القتل حقيقةً ومجازًا، الأمر الذي خلق فكرة الفداء، فإما القتل وإما الافتداء بالحكي من أجل بقاء الجنس الأنثوي، فكانت شهرزاد، وكانت الحكاية، وكانت بداية استعادة مركزية وجودها ودورها في تخليق الحياة، منذ وعيها على تطامن جدران كهفها الأول، وحتى متاهات ناطحات السحاب التي صار فيها كلاهما- الرجل والمرأة- ضحية لآلة القتل الكبرى بدعاوى مختلفة، تتذرع بالحقوق والحريات تارة، وبالدين تارات.
ذلك الحكي أحال التربص إلى حالة من الترقب وإعادة ترتيب عناصر الواقع وفق آلية بدت ماكرة في الانتقاء والإزاحة والتعديل، لإنتاج نص قادر على الفعل والتغيير والاستبدال، وليس لمجرد التسلية والإلهاء، نص بدا أشبه بمؤامرة سرية يتواطأ فيها القاتل والقتيل، الموت والحياة، المادة والمعنى، ذلك المعنى الذي ما زال الدارسون والنقاد يتبارون في قراءته على أنحاء متعددة عملت على توثيق علاقة المرأة بالحكي، ولدور الحكي في إقامة عوالم ضد السلب والموت، تغدو المرأة فيها بانية للحياة على نسق يشبهها، جسداً، وعقلاً، وروحاً طامحاً للتحرر من كل قيد ومن تراتبية الحياة وأنساقها ومعاييرها التي غالباً ما تكون خاضعة للمعتاد وللموروث اجتماعياً وثقافياً. وبدأت المرأة، من ثم، تحتمي بالكتابة لتعلن رفضها للمتخيل الديني بكل أشكاله، وتدخل في صراع مع الوعي ببنياته المختلفة، فلم تقف عند حد التعبير عن رفضها وإعلان حريتها، ولعنها للقديم، بل كانت كتابتها تتخذ طابعها الخاص، وتجنح إلى التفرد.()
والسؤال الذي يطرح نفسه، هنا، إذا كانت شهرزاد استطاعت بحكاياتها أن تدحض الموت، وأن تكسر إيقاع الواقع المعتاد، فهل استطاعت المرأة العربية أن تدحض تهميشها؟ وأن تكسر إيقاع واقعها، والخروج على ذهنياته السائدة وموروثاته التي ترى إلى المرأة بوصفها عنصراً هامشياً فيه؟

خصوصية الخطاب السردي النسوي العربي:
خصوصية المضامين:
ما زال مصطلح الأدب النسوي موضع درس تتنازعه الآراء بين رفض واعتراف بخصوصية الأدب الذي تكتبه المرأة واختلافه عما يكتبه نظيرها الرجل، وإذ لا تتوخى هذه الدراسة إعادة الخوض في تلك الطروحات المختلفة، فإنني أنطلق من اعتراف، قد يشي بشيء من التحيز، بخصوصية الأدب النسوي، وتميّزه في خصائص وثيمات واستراتيجيات هي نتاج تعامل المرأة ورؤاها في العالم، بعلاقاته وتشابكاته، في مجالات السياسة، والاجتماع، والثقافة، وغيرها، مما تكشف عنه نصوصها، وترسم من خلاله هويتها ورؤيتها لذاتها وموقعها في التكوين الاجتماعي والثقافي الذي حدد لها وظائفها الجسدية، وربطها بالعالم خارجها. وهو خطاب يصدر عن رؤى استفادت من فرضيات الفكر النسوي وتصوراته، ومقولاته، في سعيها إلى بلورة مفاهيم الأنوثة ونقد النظام الأبوي()، كما اهتمت “بمسائل جوهرية في حياة المرأة، أهمها نقد القهر الاجتماعي الذكوري الموجه للنساء، والحث على التمرد النسوي ضد مجتمع الذكور الذي قد يكون مقهوراً هو الآخر اجتماعياً، لكنه سيبقى قاهراً للمرأة الأضعف، على اعتبار أن سياسة القهر التي تمارس ضد الرجل مرة، قد تمارس ضد المرأة مرتين على الأقل”()، بما يلخص موقفها تجاه مكونات هذا النظام، ويعبّر عن رؤى اختمرت في وعيها على مدى قرون شهدت تنامي هذا الوعي، وتفاقم إحساسها بما يحوطها من أوضاع اجتماعية وثقافية رسمت لها صورة تستمد ملامحها من طبيعة تلك الأوضاع وفروضها التي تحولت في وعيها إلى قيم مقبولة تحت شرط الاعتياد لدى فئات من النساء، ومرفوضة لدى أخريات، وفق موقع الواحدة منهن، ودورها في ترسيخ مداميك ذلك النظام، وإنتاج ثقافة اتسمت بالذكورية والأبوية، بدت مقبولة عند المرأة ذاتها، وبخاصة من موقعها الذي منحها سلطة موازية ومكملة لسلطة الرجل، وهو ما خلق بوناً شاسعاً بين موقف المرأة حال كونها ابنة أو أختًا أو زوجة، وحال كونها أمًا، أو ما شابهها في المكانة أو الخبرة الحياتية كالجدة والعمة والخالة، فالنساء أنفسهن صرن يسهمن في تكريس ما هنّ فيه من حال العبودية، باعتباره “قدراً مقدساً لا واقعاً اجتماعياً بحاجة إلى تبديل.”()
فالمرأة ذاتها تفرض سلطتها على المرأة، فتتواطأ مع ذلك الواقع لتجعل من المرفوض مقبولاً، ومن الاستثناء عادياً، كقول الأم: “ماذا في ذلك؟ الرجال يتزوجون. الرجال يخونون. والرجال ينامون في فرش غير فرش نسائهم.”() فهي تبرر له كل سلوك حتى الخيانة، من أجل الإبقاء على استمرار رضوخ ابنتها لواقع يفرض عليها أن تصمت إزاء كل ما تلقاه من عنت وعنف نفسي وجسدي يمارسه عليها الرجل، مما تقبل به المرأة/ الأم مكتفية بترديد جملة “لا حول ولا قوة إلا بالله”، وهي ذاتها الجملة التي باتت تكتفي بترديدها الابنة استسلاماً وقبولاً لواقعها: “شيء ما في داخلي يمنعني بشدة، ربما هو آثار (لا حول ولا قوة إلا بالله) التي حملتُها إرثاً من أمي.”() غير أن هذا الصمت ما يلبث أن يتحوّل إلى مارد حبيس يخرج ذات لحظة يتحول فيه غضبها، بتأثير مما تلقته من ضرب مبرح، إلى حمم يتفجر منتهياً إلى تعطيل أداة القتل هذه/ الزوج.()
إن الحديث عن خصوصية للكتابة النسوية يضعنا بمواجهة إشكالية ظاهراتية تتعلّق بالنموذج والمحاكى في الإبداع، أو بالمنظور الجمالي بوصفه معياراً للخصوصية، إضافة إلى المنطلقات الفكرية، وبخاصة منطلقات الفكر النسوي، الساعي للبحث عن عوامل التغيير المؤثرة على قضية المرأة اجتماعياً وإبداعياً، الأمر الذي جعل هذه الخصوصية موضع تداول ورفض من بعض المتشبثات بمقولات هذا الفكر كنوال السعداوي وفوزية رشيد.() وأما هذه الدراسة فتنطلق من فرضية وجود خصائص نوعية ثيمية وفنية تميّز خطاب المرأة السردي من غيره مما يكتبه الرجل، وهو منطلق يعيد الاعتبار للأفكار الخاصة بعلاقة الكاتب بنصه، ودور التجربة والمخزون الخبراتي الحياتي، وبخاصة النفسي، في تشكّل المواقف والرؤى الخاصة للكاتب تجاه قضاياه الخاصة، وقضايا مجتمعه، وتمتد لقضايا الإنسانية عامة، وانعكاس ذلك على مضامين نصه وتشكلاته الفنية.

تسريد الذات:
اتخذ الخطاب السردي لدى المرأة العربية، بتمظهراته المختلفة، الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتاريخية، والإيديولوجية، من المواجهة سبيلاٌ لتحقيق مبتغاها في تغيير الأفكار السائدة تجاه ذاتها، والعمل على تغيير المألوف مما أدركته من وضعها في مجالات الحياة المختلفة، عبر مقترحات يمكن تلمسها في ما قدّمته من طروحات تنطوي عليها النصوص السردية، مما يمكن إدراجه في مسارات يحاول البحث تتبعها، ككتابة الذات، ودحض الأنوثة، ومواجهة الحاضر، وإدانة الماضي…
ولعل في الاعتراف باختلاف التكوين الثقافيّ للمرأة في المجتمع العربي عن التكوين الثقافيّ للرجل، ما يبرر النظر في المنجز الإبداعي لهذا التكوين، بحثاً عن السمات والخصائص الخاصة التي تنفرد فيها المرأة، سواء تعلّق ذلك برؤاها الخاصة تجاه الآخر، الرجل أو المجتمع أو التراث، أو تعلّق بالمكوّن السردي الذي حفل بتلك الرؤى، وبخاصة الاستراتيجيات التي عملت من خلالها على إبراز خصوصيتها الإبداعية التي ظلت إلى أمد قريب مثار شك وتداول أفضى إلى إشكالية ما زالت موضع جدل نقديّ في المفهوم والاصطلاح()، كما أفضى إلى جعل هذا الأدب مجالاً رحباً للدرس النقدي، بعيداً عن الأهداف والمسوغات والدوافع التي تكمن خلف كل محاولة للقول في شأن من شؤون هذا الأدب، مما يحمل شيئاً من خصوصية تكوينها النفسي والاجتماعي والثقافي، وهو ما اتخذته هذه الدراسة مرتكزاً لها. فما يهمنا في نهاية المطاف هو طبيعة النتاج السارد لذات المرأة، وما يعكسه من مكوناتها الداخلية الخاصة، التي غالباً ما تبدأ نفسية، وما تلبث أن تنتهي معرفياً وثقافياً وإبداعياً/ معرفية وثقافية وإبداعية. فلا يمكن الحديث عن خصوصية السرد النسوي بمنأى عن خصوصية التكوين البيولوجي والاجتماعي والثقافي للمرأة، ذلك التكوين الذي لا بدّ أن يترك أثره في مادة الكتابة السردية وموضوعاتها المستمدة من تجاربها ذات الخصوصية، كالحمل والإجهاض، والولادة وتربية الأبناء ورعاية البيت، على ما يحمل ذلك كله من ثيمات بنائية وتدميرية تتصل بموروثات رسخت أشكالاً من التبعية والتهميش مقابل العنصر الأقوى في البنية الأسرية، وهو الرجل، مما ينعكس في آخر الأمر على شكل الكتابة لغةً وأساليبَ سردية وتقنيات. فخطاب المرأة المنتج، هو بالأساس لتقديم معرفة مغايرة، وغير مستهلكة أو مألوفة، “يتم بمنظور جديد، ما يمنح لكتاباتها خصوصية نابعة من ظروفها الخاصة التي تنعكس على رؤيتها وتصورها للأشياء”()، ومن استثمارها لأخص أدواتها، كالحناء والمرآة مثلاً، لكشف العالم كما تراه في ذاتها، مما ينعكس على الأشياء من حولها، فتجاوزت عبر السرد المرآوي النقل الفوتوغرافي الميكانيكي للعالم، لتصنع من احتكاكها بهذا العالم جسراً يقودها إلى الانطلاق في تأسيس وعي داخلها بذاتها()، إذ لا انفصال حقيقيًا بين قضايا المرأة وقضايا محيطها، وإن يكن اشتغال المرأة على قضاياها الخاصة يتفاوت من كاتبة إلى أخرى، ويمكن رد ذلك إلى مدى هيمنة التجربة الشخصية للكاتبة، ومساحة الحرية المتاحة لها، ومدى اندغام المرأة في مشكلات محيطها، وراهنية تلك المشكلات، فوجدت نفسها تحمل على عاتقها إرثاً من التقاليد التي قيّدت المرأة ردحاً طويلاً من الزمن وقمعت صوتها، بشكل باتت تعي فيه أن الكتابة وجع ممتد تدرك فيه أنها تضع أصابعها المنذورة للحناء في أسيد حارق.()
يرتبط الخطاب السردي النسوي بظروف الكتابة، مكاناً وزماناً، باعتبار الخطاب المرسَل عبر الفنون السردية المختلفة يتصل بالعالم الثقافي الذي ينتمي إليه مرسِله، بما تتضمنه تلك الفنون من قيم جمالية أو اقتصادية أو دينية أو تراثية…()، ولذلك يبدو من الصعب تحديد خصائص عامة لهذا الخطاب، فلكل كاتبة خصوصيتها التي تتحدد وتتميز عبر تجربتها السردية وثقافتها/وقبل ذلك ثقافتها وبيئتها وانتمائها الفكري والإيديولوجي، تختلف فيها عن نظيرتها باختلاف الزمان والمكان الذي احتضن تجربتها، إنْ في مستوى الحياة أو الإبداع، والمكان هنا يجاوز كونه بقعة جغرافية لها خصائصها الطبوغرافية، وإنما هو يتحدد بمكونه البشري، وبنيته الاجتماعية، تراثاً وعادات وتقاليدَ، الأمر الذي حدا ببعض الباحثين إلى تحديد مسارات الكتابة لديها بثلاثة، خصت بها الرجل أولًا، وسلطة المجتمع ثانيًا، ثم المرأة ذاتها()، باعتبار هذه القضايا ذاتها هي المحور الذي تعالج من خلاله الكاتبات قضايا الحياة المختلفة.
وفي ضوء ذلك يمكننا أن نفهم التباين، كما نفهم الالتقاء في مضامين الخطاب السردي وخصائصه لدى المرأة العربية، وبخاصة في محاولتها لقلب المفاهيم والأدوار السائدة، كأن نجد المرأة عند زينب حفني تنتهك بكارة الرجل/ الشاب()، وهي لعبة تحمل دلالات سعي المرأة إلى إجبار الرجل على تمثل ما يتركه اعتداؤه على المرأة، والإحساس بآثار انتهاك خصوصية جسدها من آلام ومعاناة تظل ترافقها، مثل وشم، طوال عمرها، ويتحوّل من انتهاك فردي لجسد المرأة وقدسية خصوصيته إلى انتهاك عام، يُجمع ذكور العالم عليه.() غير أن تبادل الأدوار هذا قد يتحوّل إلى شكل من اقتحام الدور الذي أنيط بالرجل، من مثل ما نقرؤه في نماذج لأحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق مثلاً، ممن جعلن من الثورات في بلادهن/بلدانهن أرضية ينطلقن منها في إقامة حالات من الاشتباك التاريخي والاجتماعي اشتباكًا يؤطر لصورة امرأة جديدة قادرة على أن تقلب معادلة وجودها في واقع لا تكتفي فيه بتبادل الأدوار مع الرجل، بل تسحب من بين يديه نسيج عباءته التي أضفاها عليه المجتمع، لتشرع في نسج ردائها الخاص، عبر لغة أنثوية تعيد تسريد ذاتها وبنات جنسها وعلاقاتها بمحيطها، فاستعادت الكاتبة الجزائرية سرد ذاتها الأنثوية منذ البدء، منذ العائلة والمدرسة والتقاليد والإرهاب، منذ استقبالها بعبوس لحظة الولادة، والصمت، والشلل، والضرب المبرح، فيما القانون يغمض عينيه عنه، منذ القدم، منذ الجواري والحريم، والحروب التي تقوم من أجل مزيد من الغنائم(). على أن ما شهده المجتمع، بعد ذلك، من أحداث لم تغيّر من أوضاع المرأة، بقدر ما أعادتها إلى ذلك البدء، حيث مهانة المرأة عبر ما كانت تتعرض له من عنف وظلم وإرهاب، كالاغتصاب والإقصاء/كالإقصاء والاغتصاب وحتى القتل، إثر أحداث العشرية السوداء، وهي المواجهة التي عقدتها أيضاً أحلام مستغاني في روايتيها “ذاكرة الجسد” و”عابر سرير”.
غير أن هذه المركزية لحضور المرأة سرعان ما تتراجع في نماذج سردية لنساء عرضن للموضوع ذاته، وأعني/وتحديداً أثر الأحداث التي شهدتها بلادهن/بلدانهن من ثورات، ومن امتداد إرهابي، أسهم في تشكيل خصوصية الخطاب السردي لديهن. ومن ذلك ما نقف عليه في أعمال لروائيات عراقيات طرحن قضايا اجتماعية مشابهة، كتعرض الفتيات الصغيرات للاغتصاب، وموقف المجتمع والقانون في تواطئهما إزاء مقترفي أمثال هذه الجريمة، إلى جانب موقف المرأة، الأم والجدة بخاصة، حيال خيارات الأبناء في الزواج والسفر وغيرها، من مثل ما نجده لدى ميسلون هادي في رواية “جائزة التوأم”، من انتقاد لاغتصاب الفتيات الصغيرات، وإدانة ما يرافق هذه الحادثة من صمت وتواطؤ المؤسسات الاجتماعية المختلفة، وما أُحيط به اختفاؤها من صمت حول مصيرها الذي ظلّ في رواية ميسلون مفتوحاً على التأويل، الذي أغلقته ساردة (تاء الخجل) بإنهاء حياة الفتاة قتلاً على يد والدها محواً لوصمة العار التي طالته، على الرغم من أن الفتاة كانت ضحية ما شهده مجتمعها من متغيرات ليست جريمة الاغتصاب وحدها من ظواهرها، فثمة كثير من أساليب انتهاك جسد المرأة وانتقاص كرامتها وإنسانيتها.
فالحديث/إن الحديث عن خصوصية الخطاب السردي النسوي يستدعي البحث في خصوصية السياقات الاجتماعية والثقافية التي تنتج سياقات نفسية خاصة لأفراد المجتمع، وللمرأة بصورة خاصة، في مجتمع عربي اتسم بإعلاء شأن الرجل مقابل تهميش المرأة، واعتبارها عنصراً ثانوياً مكملاً اجتماعياً ونفسياً وجسدياً لوجود الرجل، ولعل في ذلك ما يشكل دافعاً قوياً للمرأة لإعادة النظر في ذاتها ووظيفتها عبر رؤية تأملية استدعت ما يمكن أن أسميه بالخروج إلى الداخل()، خروجاً عملتْ من خلاله على تعرية البنى الاجتماعية التقليدية، وتفكيكها قصد تكوين بنى جديدة تنهض، إن لم يكن على أنقاض البنى النمطية القديمة القائمة على الهيمنة الذكورية، فعلى فكر جديد موازٍ يستمد مرجعياته من قضايا المرأة ذاتها في تعالقها مع مكونات المجتمع المختلفة، بما يكشف عن موقع المرأة من التشكيل اللغوي والنسيج الإبداعي عموماً، في الوقت الذي يكشف عن إمكاناتها في تحويل براعة الحكي الشهرزادي إلى براعة في كتابةٍ تحمل خصوصية سماتها واستراتيجياتها التي لا يُنتظر أن تفارق خصوصية تكوينها الخاص، مثلما لا يُنتظر نقض هذا التكوين، وقد تشكّل عبر عصور من الإقصاء والتهميش.

مواجهة الواقع كشفًا ونقدًا ونقضًا:
شهدت كتابات المرأة العربية، وبخاصة السردية منها، خلال العقدين الأخيرين، وفي ضوء ما حققته المرأة من مكتسبات اجتماعية وثقافية، تعدداً وتنوعاً وشمولاً في اجتراح قضايا الواقع، تراجع في كثير من نماذجه إلحاح المرأة على طرح قضاياها الخاصة لصالح قضايا مجتمعها، إلى حد يصعب فيه أحياناً تمييز جنس الكاتب أثناء قراءة العمل. غير أن ذلك كله لا ينفي خصوصية إبداع المرأة سردياً، بقدر ما يؤكد هذه الخصوصية، التي تكشف مدى وعي المرأة/وعيها لأبعاد العلاقات الاجتماعية وجذورها، والمغزى البعيد للحدث السياسي ونتائجه الممكنة، وما تسهم به الحساسية النسائية من إغناء للأبعاد الاجتماعية والسياسية والموضوعية للعمل الأدبي، الذي تمنحه صفة النسائي قيمة تستحق الفخر، بما هو عليه من سمات خاصة، لا من خلال ما يتردد من مقولات مستهلكة حوله، حول أدب طال إهماله وتجاهله وتشويه منهجه ومغزاه()، وبقدر ما تكشف نصوص المرأة السردية عن قدرتها على تقديم رؤية فكرية ناضجة تجاه ذاتها، من جهة، وتجاه العالم خارجها من جهة أخرى، مما يتبدى في طرائق هيكلة العمل وبناء الشخصيات، وإعادة صياغة الأحداث فنياً، ما يبرز، ويؤكد الاهتمامات النسوية الخاصة التي كانت تطغى في مراحل سابقة على منجز المرأة الإبداعي، من مثل بروز الذات، واللغة الشعرية، والانتصار للمشاعر الإنسانية الإيجابية، والانتقائية في إقامة العلاقات، والتركيز على تفصيلات تقع في صلب عناية المرأة، إذ تظل مشدودة إلى إبراز صورة المرأة/صورتها ومشكلاتها ووجودها ودورها، وكيفية تّلقّيها وتعاملها مع ما يجري من أحداث تتصل بالواقع ومجرياته. وبات بدهياً الإقرار بخصوصية الكتابة النسوية، والسردية منها بخاصة، واختلافها عما يقابلها من كتابة الرجل، على الرغم من خضوعهما للشرط الثقافي ذاته، ذلك أن الرجل الذي ظل ينظر إلى قضايا المرأة من موقعه المركزي الذي باركه المجتمع وسانده، لن يتمثّل حقيقة ما تراكم في داخلها من آثار القمع والتهميش، حتى وإن حاول أن يرصد بعضاً من تلك المعاناة عبر تلصصه من ثقب باب/ نص ما لبثت تقبع خلفه مثقلة بتبعات إرث اجتماعي وثقافي ممتد وثقيل.
عمدت كثير من الروائيات العربيات إلى أدلجة خطابهن، وتوجيهه ليواكب ما تشهده بلادهن، والوطن العربي عامة، من أحداث، وبخاصة في الأقطار التي شهدت ثورات أو حروباً أعقبها تغيرات في بنية المجتمع وبنية الإنسان فيه، فكرياً وثقافياً واجتماعياً، مما تجلّى في أعمال سردية لكاتبات ينتمين لتلك الأقطار، من تصوير للآثار البشعة التي تركتها الصراعات الدموية والأزمات الاقتصادية في نفوس البشر، وفي بنية المجتمعات وعلاقات الناس ببعضهم بعضاً، وتحولات في طرائق التفكير وسلوكات عملت على زحزحة مكانة العادات والتقاليد وغيرها من الموروثات في نفوس الأفراد، تحت وطء آثار الفقر والفقدان وتغوّل الفكر المتطرف داخل تلك المجتمعات. فقد قدمت سحر خليفة صورة للمجتمع الفلسطيني بخصوصية همومه وقضاياه ومشكلاته، على الرغم من كون تلك القضايا تمثل جزءاً من هموم وقضايا المجتمع العربي عامة، فزاوجت بين الهمّين الفردي الخاص بعلاقة المرأة بالرجل وقضايا الحب والخيانة وغيره، والعام الاجتماعي والسياسي والثقافي، كما عرضت لقضايا مجتمعها الفلسطيني، وما شهده من تحولات منذ نكسة عام 67، وما نتج عنها من مشكلات اقتصادية وهجرات واغتراب وانتفاضات… إلى قضية تهويد القدس، دون أن تهمل واقع المرأة الفلسطينية وما تعرضت له في خضم ذلك كله من تمييز وتعنيف وتسلط أبوي.() غير أن هاجس الهوية والحفاظ عليها في مواجهة محولات طمسها، فرض رغبة واضحة لدى خليفة لترسيخ سمات هذا المجتمع وتحولاته، بما في ذلك ما يتعلّق بالمرأة ووجودها تحت سطوة نظام اجتماعي يتمترس خلف عادات وتقاليد، وإن شهدت بعض التفكك والتغير، إلا أنها ظلت مهيمنة ومتحكمة في مسيرة المرأة عبر حقب زمية خلت، كان فيها الرجل مهيمناً على الأسرة، أباً كان، أم أخاً، أم زوجاً، أم ابناً، وهي الصورة التي برزت بشكل واضح، وأسهمت في كشف الصورة النمطية للرجل، وللمرأة كذلك، بانصياعها لمنظومة اجتماعية جعلت منها تابعاً وهامشاً ومعادلاً للوطن وللأرض ولنموذج الأم، وهي الصورة التي تمردت عليها المرأة سردياً، وصرحت برفضها، وبرغبتها في الالتفات إليها بوصفها (امرأة) مزيج مشاعر.() وهي بذلك تقدم الواقع ونقيضه، كما تشكّل في وعيها الخاص، بمستوييه الاجتماعي والفكري، النابع من إيديولوجيا الكاتبة ذاتها، وهو الخطاب الأكثر خصوصية وحساسية لدى الكاتبة الفلسطينية التي تصور نموذجاً عملياً من ذاتها هي، في ارتقائها إلى تمثل الدور الذي طمحت إليه، عبر زحزحة وتفكيك الصورة النمطية للمرأة ذاتها، وعدم الاقتصار على انتقاد صورة الرجل، ورفض دوره التسلطي المهيمن على تسيير حياة المرأة وحياة المجتمع ذاته. فبدأت بنقد وبنقض كثير مما يشهده الواقع، بما يكشف عن وعي متقدم للمرأة على واقعها.
ومن ذلك ما قدمته ميسلون هادي وبتول الخضيري من تصوير آثار الحرب في بلدهما، سواء الحرب العراقية الإيرانية، وآثار فترة الحصار على العراق 1991-2000 عقب غزو الكويت)(، وما نجم عن ذلك كله من مشكلات وأمراض وموت طال الأطفال منهم والكبار، كما شتت العائلة العراقية)(، ومن توثيق لوجع الإنسان العراقي، وحالات القلق والخوف على مصير جيل عانى وما يزال من ويلات الاحتلال والإرهاب، والإحباط وقسوة واقع اختلطت فيه القيم وتبدّلت المفاهيم، وفقدان الحس الإنساني الذي يربط بين الأهل والإخوة، حتى ولو كانوا توأماً ابني/أبناء لحظة واحدة ورحم واحد. فكتبت ميسلون() جانباً من تاريخ الناس العاديين الذين لا يذكرهم التاريخ الرسمي حين يتحدث عن الحروب وتداعياتها، وأبطالها من السياسيين وقادة الأحزاب، وغيرهم من رموز السلطات المختلفة. ويمكن أيضاً الإشارة هنا إلى رواية “قيد الدرس” للنا عبد الرحمن()، التي عالجت قضية إنسانية تتعلق بأولئك الذين فقدوا هويتهم وما يثبت انتماءهم لمكان إقامتهم، بسبب الحروب والنزاعات والانقسامات الطائفية والدينبة وتغوّل الجماعات الإرهابية من ثمّ، فوجد آلاف من البشر ممن أُطلق عليهم اسم (البدون)، أنفسهم على هامش الحياة والأمكنة، ينهشهم الفقر والجهل واليأس، وأصبحوا هدفاً للطامعين والمستغلين.
لقد قدّمت الكاتبات إدانة للحرب وصانعيها، ولامتهان كرامة النساء، كما كشفن في الوقت ذاته عن طبيعة الوعي الأنثوي السردي الذي يدين الحرب، التي وإن “ألغت وأباحت المحظور وقدمت للجسد الأنثوي ما حرم منه أيام السلم”()، فقد حملت من جهة أخرى “إبادة قصدية تستهدف النساء بوصفهن صانعات الحياة ومصدرها، وبوصف الأنوثة تقابل الذكورة، فلم تكن الحرب التي ولدتها معدات الثورة الصناعية ومخلفات الحرب الباردة إلا تمثيلاً لاستلاب العقل الذكوري للعالم والتحكم بمصائره، وتلك موضوعات اتخذ فيها التمرد الأنثوي صوراً أخرى ارتبطت بعوامل مؤثرة جديدة، أعادت صياغة علاقة المرأة بالرجل، وغيرها من الموضوعات التي وإن ظلّت حاضرة في الرواية، فإنها بدت ثانوية بإزاء انشغالات المرأة والرجل معاً بالتصدي لما يهدد التكوين المجتمعي ككل، ناهيك عن اجتراح أولئك الروائيات لألوان من التقنيات واللغة السردية التي لا تحمل خصوصية تشير لجنس الكاتبة، بقدر ما تؤكد قدرة المرأة على استيعاب فنون السرد وآلياتها وتقنياتها، وتسخيرها في التعبير عن رؤاها ومواقفها تجاه قضايا المجتمع والإنسان في عصر تحكم آلة الحرب وتغوّل المادة والفكر الديني.
ويبدو الأمر أكثر إلحاحاً لدى الكاتبات اللاتي ينتمين إلى مجتمعات ذات خصوصية اجتماعية وتاريخية، من مثل ما نجده لدى زهرة عمر التي صورت معاناة مجتمعها/ المجتمع الشركسي، بخصوصية بنيته ومنظومة قيمه الموروثة، وأدانت ما تعرّض له هذا المجتمع من تهجير وتشتيت عقب حروب روسيا القيصرية، وقد انعكست تلك الأحداث، كما قدمتها الرواية، على المرأة، التي استرجعت وهي على فراش الموت محطات من حياتها وذكرياتها التي هي جزء من ذكريات عائلتها وتاريخ المجتمع الشركسي، وماضيه الأسطوري الحافل بالبطولات. لكنه بالنسبة للمرأة آل إلى مسيرة من التشرد، والضياع، وآلام الفقد والقهر التي ظلت تلازمها منذ مغادرة موطنها وحتى لحظات احتضارها في بلد الاغتراب عمّان.
ولعل تجليات مواكبة المرأة لقضايا مجتمعها الحاضرة ما بتنا نلحظه في خطابها السردي من إدانة للمد الديني التكفيري وللإرهاب وآثاره التي انعكست على شباب الأمة، وعلى بناء الأسرة وما تعرض له من تفكك وانهيار. وسبقت الإشارة إلى رواية ميسلون هادي “جائزة التوأم” التي بلغت تلك الآثار مداها فيها، إذ صوّرت أجساد أفراد الأسرة فيها وقد تطايرت شظايا/شظاياها على يد أحد أفرادها أنفسهم من الذين التحقوا بتلك الجماعات الإرهابية، فيما تبدو آثار الثورة في تونس أشد وقعاً على المرأة، حين تهرب فتيات صغيرات ليلتحقن بكتائب الجهاد الإرهابي في سوريا، مما عرضته نبيهة العيسى في روايتها “مرايا الغياب” التي تناولت فيها بعض القضايا المستجدة على المجتمع العربي والتونسي في مرحلة ما بعد الثورة، من مثل ما يسمى بجهاد النكاح، والفتيات الصغيرات اللاتي غُرّر بهن، وتأثير ذلك في الأسرة والأم خاصة، التي تُفجع باختفاء ابنتها ذات الخمس عشرة سنة، التي تختفي تاركة دراستها وأهلها، وأمّا ملتاعة يتخلّى عنها الجميع فتقرر السفر برفقة أحد الصحفيين للبحث عن ابنتها في مدينة حلب السورية، لكن الابنة تقضي في تفجير قامت به محموعة فتيات تونسيات في حلب، فيما تغيب الأم هناك، ليعود الصحفي يحمل في جعبته مخطوط رواية تحتوي بعض عجائب ما بعد الثورة، مما يكشفه خطاب الكاتبة وموقفها مما يجري قي مجتمعها وتقييمها أدبياً سردياً للثورة في ضوء ما يحدث بعدها.() ففي مثل تلك النماذج تتماهى أحداث الواقع وأحداث التاريخ بخطاب المرأة الكاتبة، تماهياً يتفاوت في حدته وحضوره من كاتبة إلى أخرى، بل من عمل إلى آخر لدى الكاتبة الواحدة، وكذلك يتفاوت من بيئة إلى أخرى، ومن منطقة جغرافية إلى أخرى، كما من طبيعة المجتمع ومدى أثر الأحداث والثورات في خلخلة بناه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وفي المجتمعات التي لم تشهد ثورات سياسية، طرحت الكاتبات، في أعمالهن السردية، قضايا اجتماعية أخرى، فنهض خطاب الكاتبة السعودية على أنساق ثلاثة، أجملها أحد الباحثين() بـ: الكشف والرفض والتمرد، الكشف عن مواقف المجتمع تجاه المرأة، وما شهده هذا المجتمع من تحولات كثّفت من رفض المرأة لذلك الواقع الذي درج على قمع وجودها الإنساتي وإقصائه، سواء كان وجوداً جسدياً أم معنوياً، ليتحول الحال من ثم إلى نسق تمرديّ استفزت فيه المرأة الخطاب السائد كي يصغي إلى خطابها الذي خرجت فيه المرأة سردياً على ارتهانات المجتمع بشتى أشكالها المفروضة قيوداً على جسد المرأة، وعلى اختياراتها، وعلى دورها، في ظل عادات وتقاليد لم تستطع المتغيرات العالمية ولا الانفتاح والتطور التكنولوجي تغييرها، ومن ذلك ما كشفته بعض الروايات الخليجية من قضايا التفرقة بين المذاهب، ما انعكس على بنية المجتمع، وأصبحت واحدة من مشكلات الشباب الذين أسهم التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال في إيجاد صور من التواصل بينهم، رجالاً ونساء، تطور في بعض الحالات إلى رغبة في ارتباط ما يلبث أن يصطدم بجدار من العادات والتقاليد التي يلخصها الشاب بقوله:”بوسعي إقناع أهلي بالزواج من خادمة، لكن شيعية؟ آخر المستحيلات.”() فأظهرت الكاتبة العربية، هنا وهناك، براعة “في كسر الثالوث الضابط: المذهب والسياسة والجنس”()، وبخاصة في تناولها لقضايا تتصل بالإيديولوجيا كالعلاقة بين الأديان، أو الفئات داخل المجتمع نفسه، وقد أبرزت في هذه الرواية وعياً متقدماً للمرأة على المفاهيم الدينية، في الوقت الذي يعمل فيه الرجل على تسخير تلك المفاهيم من أجل تحقيق رغباته الخاصة، كمفاهيم الزواج السني، وزواج المتعة، والمُحلَّل، وغيرها..()

الحرية، منطلق خطاب وتجليات سرد:
استثمرت الروائيات العربيات عناصر بنى الواقع وعلاقاته التراتبية، ومن ذلك موضوعة الحرية بوصفها شكلاً من أشكال التمرد وعدم الإذعان لهذه البنى المجتمعية القامعة والمهمشة، لتثبت أن الحرية الفردية في مجتمع غير متحرر محكوم بتراتبية أخلاقية يعني دماراً ذاتياً لفكرة تموت بموت بطلاتها، إنْ بداعي الشرف أو بداعي الخلاص منها ومن تبعاتها()، ما يعني أن غياب الحرية تحوّل في كتابات المرأة إلى وسائل دفاعية()، وإلى شكل من الحضور الصارخ، الذي هيمن على بعض الأعمال، بصور مختلفة، في الفكر وفي الجسد، بل بدت الحرية لدى بعضهن ثيمة ومنطلقاً مباشراً في اللغة، وردت عبر تساؤلات أشبه بتقديم يؤطر رواية قماشة العليان:
“ماهي الحرية؟”
“أتساءل عن معنى تلك الكلمة الساحرة الرائعة الحارقة.”
“أتساءل وأنا أتأمل الجدران العالية التي تسد أمامي منافذ الحياة.”()
وهو السؤال الذي تمتد إجابته على مدى صفحات الرواية، لتختزله شخصية المرأة في آخر الأمر، حين تتوصل إلى أن الحرية ليست سوى “وهم سكن عقولنا، ولا أساس له في أرض الواقع، فالإنسان مكبل بالأغلال منذ ولادته.. قيود حديدية تشده للأرض ومئات للسماء.. الإنسان هو الذي يصنع الحرية ويجملها ويعيشها، لكنها لا تصنع الإنسان ولا تحميه.”()
فإذا كانت الحرية تشكّل هاجساً لدى المرأة العربية عموماً، فإن مفهوم هذه الحرية وتجلياته وأساليب التعبير عنه تختلف من كاتبة إلى أخرى، بل كثيراً ما تختلف تجليات هذا المفهوم عند الكاتبة نفسها بين عمل وآخر. وقد تجلت مفاهيم الحرية هذه في صور تحمل دلالاتها على فكر المجتمع، وفكر مغاير لدى الكاتبة، وبخاصة في ما نلحظه في خطابها من تجليات تحرر الجسد، وتحرر أساليب التعبير، إذ جعلت من الجسد رمزاً لطموحها في التحرر والانفلات من قيود المجتمع وموروثاته، كما جعلت من الكتابة نفسها فعل تحرر من موروثات حضارية خصت المرأة بفعل الحكي، بينما أولت مهمة التعبير الكتابي للرجل، فأضافت له سلطة أخرى إلى مجمل سلطاته بعد أن كان “الشاهد التاريخي يشير إلى أن الرجل هو سيد الكتابة، ولا يحفظ التاريخ أية أمثلة عن وجود نسوي فاعل مع اللغة المكتوبة.”() وهو ما وعت عليه المرأة، ووضعته ضمن سياقات كفاحها من أجل كسر التعالي الذكوري في مجلاته المختلفة، وهو وعي يختلف في حدّته وفاعليته بين كاتبة وأخرى، وفق ثقافتها والبيئة التي تسهم في تشكيل ذلك الوعي، بظروفها وما تشهده من متغيرات سياسية واجتماعية.

الجسد رمز تحرر:
تستعيد الكتابة مع المرأة وجسدها المنفي بسائر أنواع الإقصاء، سلطة الكلمة للفضح واستعادة المنسيّ جاعلة من الجسد بؤرة رمزيّة تدلف منه إلى عالم المرأة الخاصّ، عبر الجنس الّذي اتّخذ صورة القوة المدمّرة للجسد سواء أكان هذا الجسد جسدا أنثويّا أو ذكوريّا أو جسدا اجتماعيّا، ما جعل المرأة تتخذ من الكتابة وسيلة لحل تناقضاتها مع الرجل أو المجتمع الذكوري بشكل عام، فهي ترمي من الكتابة إلى تفجير شروخ جسدها وتموجاته()، و”تكتب بجسدها ما لا يستطيع النظام الرمزي الذكوري تفكيكه أو فهمه.”()
فخروج المرأة من ضيق المكان إلى رحابة آخر تتمكن فيه من تجاوز القيود المفروضة عليها كان تجلياً من تجليات مفهوم الحرية في خطابها السردي، فبطلة نوال السعداوي، في “الرواية”، تحقق حريتها بالهروب إلى خارج وطنها، حيث هنالك تتمكن من كسر حواجز القيود الشرقية المفروضة على جسدها وفكرها، ويصبح بإمكانها أن تتمدد فوق الرمال على شواطئ برشلونة، وتتنفس هواءها النقي بعد أن تتخلص من كل ما علق بصدرها من هواء بلادها المحمل بالدخان والتراب، لتجد نفسها في مكان كل ما فيه يعج بالكتب والموسيقى والغناء والنظافة()، كما يصبح بإمكانها أن تعبّر عن ذاتها، بعد أن كان ذلك محظوراً عليها، وهي الكاتبة الصحفية التي كانت مضطرة لأن تعبّر عن كل شيء إلا ذاتها وقناعاتها رغم وعيها بذلك.
ومثل ذلك ما كانت قدمته غادة السمان في “بيروت75″()، حين جعلت البطلة تنتقل إلى مدينة بيروت، حيث هنالك أيضاً تتمكن من خرق عادات مجتمعها وتقاليده المفروضة على الجسد قيوداً تعمل على كسرها عبر تعبيرها الصريح عن رغباتها الجسدية، وهو ما لم يألفه المجتمع العربي عامة، بل كانت هذه مهمة الرجل، وحده من بمكنته التعبير عن رغباته الجنسية.
وتتعدد أشكال الهروب نشداناً لحرية الجسد ليصبح التعري شكلاً من تحطيم القيود وإعلاء لقيمة الجسد ورغبة في تخليده، ما يجعل بطلة زينب حفني تقف عارية أمام صديقها النحات كي ينحت لها تمثالاً يخلّد جسداً ظل حتى لحظة خروجها من بيت والدها محاطاً بهالة من المحرمات والممنوعات دينياً واجتماعياً، لينهار ذلك كله، من ثم، بين يدي صانع التمثال العربي المهجّر من وطنه، وبدوره يعمل على تغليف تعلقه بهذا الجسد بمسحة روحية: “روحك تملؤني (…) لنحتفل الليلة بخلود أنوثتك إلى الأبد.”() وهذا في الحقيقة شكل من احتفاء المرأة ذاتها بصياغة شكل آخر، عبر السرد، لعلاقتها بالعالم، شكل فتحت عينيها على نقيضه في مجتمع مغلق محكوم بعادات وتقاليد يعمل بموجبها الرجل على إلغاء أنوثة استطاعت بشراكة رجل من خارج ذلك المجتمع تخليدها، ليصير للاغتراب المكاني والنفسي فعل تغيير، بل نقض للسائد في المجتمعات العربية.
أما سحر خليفة، في رواية “عباد الشمس”، فقد ربطت حرية المرأة بحرية الوطن، ووضعت شخصياتها في مواجهة أشبه باختبار لرفضها واقعاً وجدت نفسها فيه طرفاً سلبياً خاضعاً لألوان من صنوف العنت والقهر التي تُمنى بها، لا لسبب سوى أنها امرأة لم تخضع للشرط التاريخي الاجتماعي فقط، بل فوق ذلك لشرط سياسي جعل منها رديفاً لوطن مستباح على يد غريبة تفرض سلطتها عليه عنوة، ولذلك نجدها تربطت حرية المرأة بحرية وطنها، تجعل من كليهما/ ولذلك نجدها تجعل من كلا حرية المرأة وحرية وطنها قضيتين متداخلتين متكاملتين، “هذه من تلك ولا مجال للفصل، قضية المرأة جزء أساسي من قضية الوطن”()، فهي نتاج تجربتها، بل هي تجربة المرأة العربية عموماً كما عاشتها، وكما روتها، وإن اختلفت التفاصيل، إذ يظل سؤال الحرية قائماً بين الواقع والمأمول، حرية ما قبل الاستقلال وما بعده، ولذا كانت أسئلة خليفة أشبه بأسئلة خوف وحذر من أن يؤول حال المرأة الفلسطينية بعد التحرير كما حال المرأة الجزائرية مثلاً بعد الاستقلال، ولخصته بالعودة إلى قاعدة الحريم وغطاء الرأس، والظلمة، بينما خرج الرجل إلى النور وحده، فكانت الحرية والاستقلال والصلاحيات له، وليس للمرأة في كل حال غير المساندة حتى يتم التحرير()، على الرغم من أن كليهما يرزحان تحت ظروف متشابهة من التهميش والقمع.
بينما ربطت بعض الكاتبات تحرر المرأة بتحرر المجتمع ذاته، من مثل ما جرى على لسان بطلة حنان الشيخ التي لخصت إحساسها بالفارق بين وجودها في بلدها ووجوده في مدينة كالقاهرة، حيث هنالك تكتشف أن الحرية التي كانت تظهر أنها نالتها في الصحراء لا تقارن بحريتها في القاهرة “مجرد سَيْري في الشارع على الأقدام كان حرية، فكيف سيري بلا عباءة.”() وهي حرية مشروطة بتغير الفكر الذكوري ذاته، وحرية اللباس التي عرضت لها رجاء الصانع في “بنات الرياض”() أيضاً، تمارسها المرأة خارج بلدها، وتتم بتواطؤ مع الرجل الذي كان يشاركها هذا النزوع ذاته، لكنه سرعان ما يتخلّى عن ذلك ويطالبها بارتداء الحجاب والزي السائد في مجتمعه حال عودته لبلاده.
وانتقاد ادعاء الرجل للتحرر ودعاوى المساواة لم يقتصر على نتاج المجتمعات المنغلقة، كالذي صورته كاتبات ينتمين لمجتمعات خليجية، بل نجد ذلك في نتاج كاتبات ينتمين لمجتمعات شهدت صوراً من التحرر والانفتاح، ففي “مريم الحكايا” انتقدت علوية صبح ما يدعيه الرجال من تحرر ومساواة، بينما يكمن في داخل كل منهم نقيض ما يظهر، ولذلك يغدو الالتفات إلى أسئلة المرأة ذاتها أكثر جدوى، وبخاصة سؤال مواجهة الذات حول حقيقة دور المرأة في حركة النضال والثورة “هل نحن النساء حقيقيات في أحلامنا، أم كانت لدينا أيضاً انفصامات ومشاكل نحملها في أجسادنا المخبأة بثياب الثورة والنضال ونخبئ فيها روائح الجواري في كل العصور؟”()
وهو ذاته سؤال مواجهة الذات الذي قدمته ليلى العثمان في التقاطها استمراء المرأة ذاتها لحالة العبودية التي تبدأ فرضاً وإجباراً على المرأة، لكنها تصير بغياب فارضها اختياراً، حين تنحاز بإرادتها إلى العبد الذي كان مجبراً أيضاً على اغتصابها لتسهيل مهمة الرجل العجوز بالزواج منها، ليصبح كلاهما، المرأة والعبد، رهن العبودية ذاتها والمعاناة ذاتها، على ما يمثل ذلك من صور مواجهة المرأة لظلم مجتمعها بالانحياز لمن يشاركها همها وحافزها نحو التحرر بوصفه اختياراً يجتمع عليه المقهورون، لا من كلا الجنسين فحسب، ولكن من فئات المجتمع في تصنيف لا إنساني واحد جمع المرأة إلى العبيد()، ولعل في ذلك ما جعل من الكتابة لديها فعلَ تحرّرٍ مضاعف.()

الكتابة فعل تحرر:
للرواية المكتوبة بقلم المرأة منزلة خاصّة، تتّضح ملامحها باستحضار علاقتها بالكتابة من حيث هي فعل تحرّر، وعلى تفاوت مستوى الطرح وعمقه ومساحته في ظل حقيقة أن “إقبال النساء العربيات على الكتابة والفن يتزايد بصورة مطردة، ذلك أنها ساعية إلى تشكيل هويتها وتدوينها”()، فلا تخلو رواية نسوية من طرح قضايا تخص المرأة عبر تاريخها الحافل بالنضال من أجل حقوقها المسلوبة. إذ تعي المرأة أن فعل الكتابة سلاح لها في سبيل حريتها واستقلالها وتحقيقها لذاتها بعيداً عن قوامة الرجل عليها، وهو وعي بدأ يتشكل لدى المرأة مبكراً، ولهذا كانت البطلة في رواية رجاء الصانع، مثلاً، شابة تخترق، في كتاباتها، الممنوع والمحظور مما يندرج في باب التابو، باعتباره بداية تمرّد المرأة على سلطة الرجل وسلطة المجتمع عامة.()
فالكاتبة تعي أهمية الكتابة السردية في صياغة وعيها بذاتها وبالعالم من حولها، ما يبرر ظهور نموذج المرأة الكاتبة في كثير من أعمالهن السردية، فبطلة رواية كليزار أنور “كاتبة وقارئة تمتهن الأدب والنقد وهذا ما حقق تداخل الأنساق السردية والميتاسردية من جهة؛ وأوجد التعددية الصوتية والتعالقات النصية والاجناسية من جهة أخرى”()، بل إن بعضهن جعلن هذا الوعي جزءاً من خطة السرد ذاتها في أعمالهن، فتخيّرن لها شخصيات نسوية تعشق الكتابة وتتسلح بها ضد الصمت، وضد هيمنة الآخر. وبهذا نفهم عشق بطلات فضيلة الفاروق وأحلام مستغانمي للكتابة، مما يكمن خلف ترديد مقولات تبرر هذا العشق، كمقولة غي دي كار “المرأة تعشق السرد لأنها تقاوم به صمت الوحدة.”() فتلك الشخصيات تعي أن الكتابة فعلَ تحررٍ ضد الصمت، وسلاح ضد الموت، وفعل حياة بصخبه تكسر قضبان الداخل، وتجعلها تمشي في مظاهرة ضخمة تنادي بالحياة.()
ولم تعد المرأة لدى أحلام مستغانمي نصاً يمارس عليه الرجل تجربته القرائية، بل صارت هي منتجة النص، ولا أعني هنا الكاتبة نفسها فحسب، بل الشخصية الروائية التي جعلت من الكتابة فعلَ تطهيرٍ “امرأة تكتب هي امرأة فوق الشبهات، إن الكتابة تطهّر ما يعلق بنا منذ لحظة الولادة”()، وهي، إلى ذلك، وسيلة للتعبير عن ذاتها، بشكل يصرف نظر الرجل عن الانشغال بها، إلى الانشغال بالكتابة بوصفها فعلاً به تنتقل فيه دفّة الكتابة وقيادة خطابها إليها، بعد أن كانت منوطة بالرجل، بل فوق ذلك جعلته يلتفت إلى فعل الكتابة على طريقتها هي، فتصير لدى كليهما سلاح مواجهة، لا مجرد أداة تعبير، سلاحاً تجاوز فيه التعبير بالشعر بوصفه وسيلة تعبير عن قضايا ذاتية إلى التعبير بشكل أكثر سعة واحتمالاً لقضاياها الكبرى: “إذا فقدنا حبيباً نكتب شعراً، وإذا فقدنا وطناً نكتب رواية.”()

الخروج إلى الداخل، من التورية إلى الفضح:
ظل السرد النسوي العربي يمضي باتجاه تجلية المسكوت عنه، والحديث عن الذات المنكسرة المتوارية في البعد التراجيدي، في ظل رغبة في الاعتراف والبوح وإقحام الخطاب الإيديولوجي للتعبير عن اختلاف المرأة وخصوصيتها نفسياً وجسدياً وفكرياً وثقافياً()، لكن ذلك غالباً ما كان يتم باستخدام التورية والتعمية أسلوباً تتبعه المرأة في القول الشعري، تمشياً مع مقتضيات مجتمع مارس الأسلوب ذاته معها، وخاصة في المجتمعات التي جعلت من المرأة شيئاً خاصاً يجب توريته وإبعاده عن عيون الآخرين وأيديهم، بدافع من رغبة التملك الخاصة لدى الرجل عموماً، أو بدافع أفكار موروثة دينية أو اجتماعية، زجت المرأة ومتعلقاتها في خانة العيب والحرام، وأطلقت الرجل خارج تلك الخانة بغير عذر سوى أنه الرجل، صاحب السلطة الذي لا يعيبه شيء، ولا يضيره سلوك، ما دام العار يلحق بالمرأة وحدها، حتى وإن كانت مرغمة أو ضحية اعتداء جسدي. فعملت الكاتبات على فضح خفايا المجمتع وتعرية ما يجري فيه في الخفاء من سلوكات لأفراده مرفوضة دينياً واجتماعياً أخلاقياً، لكنها تظل مقبولة مُتواطأ عليها ما دامت تتم سراً، كالذي قدمته حنان الشيخ في “حكاية زهرة”. ومن ذلك ما كشفته غادة السمان، كما في “بيروت 72″، من استهجان الرجل نفسه لسلوك المرأة وجرأتها في التعبير عن نفسها، مما ظهر عبر تداعيات تكشف ارتداده إلى نقطة البدء، حيث تتكثف رؤية المجتمع وموقفه تجاه مبادرة المرأة في التعبير عن رغباتها، كما تكشف في الآن ذاته ما عليه الرجل العربي من تناقض وازدواجية حين يوضع على محك تجربة يختزلها بسوؤال نكوصي نحو الحقيقة المرّة الكامنة في داخل الرجل العربي: “أنا أتزوج امرأة ضاجعتها قبل ليلة العرس؟ أسلمتني نفسها قبل الزواج”()، وقريب من ذلك ما صورته سحر خليفة، في “مذكرات امرأة غير واقعية”، من تناقض حتى عند الرجل السياسي الذي يُفترض أن يكون سلوكه متوافقاً مع أفكاره التحررية، نجده على العكس من ذلك، لا يجد بأساً في الارتباط بعلاقة حب مع فتاه تتوافق معه في الفكر وفي النضال، ولا مانع لديه من استغلالها بشتى الصور، لكنه يفضّل أن تكون له عشيقة، أما حين يريد الزواج فيختار ابنة عمه على الرغم من عدم التوافق بينه وبينها()، بل هو ينقل هذا التناقض ويظل الفكر العربي الذكوري مهيمناً عليه، وهو يعيش في أمريكا، ولم يستطع المجتمع الجديد أن يغيره، فيحاول قتل ابنته بأثر مما ترسب في داخله من مفاهيم العفة والشرف والعار. وهو ذاته الموقف الذي بدا واضحاً في سلوك الرجل الشرقي في رواية كفى الزعبي “ليلى والثلج ولودميلا”، الذي لم يجد بأساً في إقامة علاقات مختلفة مع فتيات روسيات في حين أباح لنفسه أن يعترض على سلوك ابنة بلده، بل يجاوز في اعتراضه حدّ ممارسة الدور الأبوي عليها في بلاد الاغتراب، فيعمد إلى التجسس عليها وملاحقتها، ومن ثم توبيخها وضربها.()
كما تحوّل السرد، إلى ذلك، إلى فعل فضح تعمد فيه المرأة إلى إبراز جهل الرجل بطبيعة المرأة وتكوينها النفسي والجسدي، ومن ذلك ما كشفته ليلى العثمان، في رواية “المرأة والقطة”، من جهل بجسد المرأة وآلية تشكله في علاقته بالرجل، مما يستشف من حالة الشك التي تساور الزوج تجاه حملها، والأسئلة التي تقضّ مضجعه حول كيفية حملها دون افتضاض بكارتها، وهي الأسئلة التي تتكفل والدته بالإجابة عنها، بما يبرّئ الزوجة ويعيد الاعتبار لفحولته المنقوصة، كما طفولته المشروخة بسببٍ من تسلطٍ نساء العائلة الكبار/ العمّة التي بتعنتها تُسبّب في طلاق والدته وحرمانه من حضنها.() ولعل مدار الجسد يمثّل واحداً من مدارات الكشف والفضح، لما يكمن خلف المنطق الثاوي للحبكة السرديّة الروائيّة وسائر أشكال تصريف الخطاب الروائي، مما يبدو في حركة الجسد، مثلاً، فهي من صميم حركة السرد وعمله إذ تحضر الأجساد المقهورة والأجساد القاهرة حضورا لافتا، إذ لم يعد فعل الإقصاء يسلَّط على الجسد الأنثويّ فحسب وإنما يمتدّ أيضا إلى الجسد الذكوريّ فيطاله الخصاء، فينقلب عجزا وجنونا مدمّرا، فامتد فعل الفضح ليطال جسد الرجل. وفعل الفضح ذاك ترافق بفعل السلب الذي مارسته الكاتبة على الرجل، سواء كان ذلك بسلبه فحولته، بتقديم صورة الرجل العاجز جنسياً، في محاولة لدرء الواقع بالكتابة، فتستبدل قوته بضعف يسلبه أداة سيطرته وجبروته التي طالما سلطها على المرأة ظلماً وتنكيلاً بجسدها، من مثل ما فعلت نورة الغامدي، في رواية “وجهة البوصلة()، إذ سلبت بطل روايتها أحد مظاهر القوة التي استبد بها على المرأة، كي تدفعه إلى فعل سلب أقسى وأبشع، متمثلاً بسلبها عذريتها من طرف آخر قبل الزواج منها وإذلالها من ثم. وقد يتخذ سلب تلك القوة صوراً أخرى لمصادر قوته الأخرى، كبتر ذراع الرجل البطل، وفقدانه لذاكرته، واستنزاف طاقاته اللغوية ومخزونه البياني، وتحوله إلى مجرد مسودات كتاب مبعثرة ورؤوس أقلام ورؤوس أحلام، وليصبح رجلاً من ورق، “ويتم للأنثى بذلك تخريب بيت الفحل وتهشيم قلعته واحتلال مملكته الكبرى: اللغة”()، على الرغم من أن “تقويض اللغة الذكورية يبدو مهمة عسيرة لتجذّرها– منذ قرون بعيدة- في أعماق الوعي الإنساني.”()
ومن الطريف أن فعل السلب هذا لم يقتصر على الرجل، بل امتد إلى شخصية المرأة ذاتها في الرواية، ومن ذلك ما قدمته سحر خليفة، في “مذكرات امرأة غير واقعية”، حين سلبت المرأة أهم سماتها الأنثوية، فجعلتها عقيماً، في إشارة إلى رفض امتدادها في بيت تقتصر وظيفتها فيه على تنظيف البيت، والانصياع للرغبات البهيمية والسادية لرجل كريه()، وهي ذاتها المرأة التي كانت خرجت من بيت “يتعطر ببول الذكر”.()

خصوصية الشكل:
يبدو من السائد في موضوعة الشكل السردي محاولة المرأة الحفاظ على قوالب النص الجاهزة والمتبعة سلفاً، دون أن تجنح إلى تحطيم الأشكال والقوالب الجاهزة، ومحاولة تقويض الأسس والأصول الجمالية القديمة، غير أن ذلك لا ينفي وجود أساليب أو طرائق نسوية في الإبداع()، ترتد إلى تكوينها النفسي وطبيعتها الأنثوية التي تنعكس وكيفية بناء اللغة في بناء الشخصيات وتأثيث الأمكنة ومواجهة الأحداث والزمن. وعليه، فإنه وإن التقت الكاتبات جميعاً عند حد رسالة الخطاب الأدبي ووظيفته الإنسانية، فسيفترقن في الخصائص التي تبرز خصوصية الخطاب لدى كل منهن، عبر لغة وتقنيات واستراتيجيات تطمئن الكاتبة إلى قدرتها وإمكاناتها في توصيل خطابها الخاص، الأمر الذي يغدو ممكناً معه تلمس خصائص عامة للخطاب السردي النسوي العربي، كشعرية اللغة، وأساليب التداعي وتيار الوعي والأحلام، والولع بالتفاصيل…
رغم أن هذه الدراسة لا تنطلق من فكرة وجود لغة أنثوية وأخرى ذكورية، فإن الاهتمام باللغة ينطلق من اعتبار علاقة اللغة بمحمولاتها، بما هي عليه من طبيعة وخصائص ترتبط بصاحب الخطاب لغة وأسلوباً، ومن هنا يغدو مبرراً النظر في خصوصية اللغة السردية، بقدر ما هي خصوصية خطاب، ولا نستغرب إذ ذاك أن توصف لغة بعض النساء الكاتبات بالذكورية، بالنظر لما تتسم به نبرتها من سلطوية ذكورية، كالذي نلمسه في لغة سيمون دي بوفوار مثلاً.() كما تتسم لغة أخريات بالشعرية العالية، واللغة لديهن محملة بطاقات إيحائية وكثافة في التعبير عن المشاعر، تتدفق بسلاسة تدعمها سمات تشكيلية أخرى، كالتكرار بوظيفتيه الإيقاعية واستدعاء الدلالات وتوليدها. فاللغة في سرديات كثير من النساء تُظهر ميلاً صارخاً لما يمكن أن أسميه فجوراً لغوياً، تعمد فيه المرأة إلى توظيف اللغة الصارخة بما يضج داخلها من رغبة في تجاوز الصورة النمطية للمرأة وللرجل سواء، ورفض للإبقاء على كل ما يتعلّق بها رهين فلسفة العيب والحرام، ويتم التعامل معه بالإشارة والتلميح، بدءاً من اسمها، الذي كان محرّماً اجتماعياً معرفته على الآخرين، والاكتفاء بالتكنية عنه بصيغ مختلفة، تؤكد تبعيتها لرجل ما، فهي أم فلان، وابنة فلان، وأخت فلان، وزوجة فلان (…) وأقسى من ذلك ما يبدو من دخولها حيّز التداول بالإشارة إليها خلال حديث الرجل بصيغ دالّة عليها حسب ثقافة المجتمع والسائد فيه، من مثل: الزوجة، الحرمة، العائلة، الأهل..، ومن ثم، لتتحول تلك الصيغ جميعها إلى صيغة واحدة تتمثّل باسمها الذي يدلّ عليها، بعيداً عن الارتباط بالآخر. فبدت واضحةً قدرة الكاتبة “على تقديم أعماق المرأة المضطربة عبر لغة شعرية، وتقديم همومها الاجتماعية عبر لغة الواقع التي تمتزج مع الشعر”() لغة لا شك أنها تستمد هويتها من هوية كاتبها. فعلى الرغم من استثناءات قليلة تفرضها طبيعة الخطاب الذي نأت فيه بعض الكاتبات عن التباس لغتهن بهويتهن الأنثوية، فإن كثيراً من الروائيات اتسمت لغتهن بسمات أنثوية صارخة، تتوسل البوح والمناجاة الداخلية التي يرتفع فيها صوت المشاعر، كالذي نلحظه لدى غادة السمان وأحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق بشكل خاص، إلى حد بدت فيه بعض المقاطع السردية أشبه بدفق غنائي وجداني رومانتيكي، يميل إلى حالة من التماهي بين الساردة والكاتبة.() بل إن بعضهن صرّحن بوجود هذه العلاقة الملتسبة، بين الساردة والشخصية القناع، تقول الساردة: “ولكن بطلتي التي ارتديتُ قناعها لم تعد تفكر بالحب، صارت تفكر بالرحيل.”() فالوعي الجمالي أصبح مكوناً رئيساً من مكونات تشكلات السرد النسوي، بسبب من تكوينها البيولوجي، وغلبة تدفق المشاعر، ونزوعها الطبيعي للبوح والاعتماد على الحميمية في الإصغاء للواقع وللنفس، في التقاط التفاصيل الدقيقة، وما تختزنه الذاكرة النسائية من مواقف وعوالم تحركها وتنسجها الذائقة الأنثوية.()
يبدو واضحاً اهتمام الكاتبة العربية باستبطان دواخلها ودواخل الشخصيات التي تقدمها، بتكثيف المونولوج الداخل، وسرد محتوى وعيها عبر الذكريات والأحلام وحديث النفس (المنولوج الداخلي) والمناجاة، وتوظيف سلطة السارد الأنثوي بالضمير الأول، الذي يستلزم تقنيات تتلاءم وطبيعة هذا الضمير، كالمونولوج وأساليب الاعتراف، والاسترجاع وغيرها مما يندرج تحت أسلوب تيار الوعي. فبالاتكاء على تقنية التداعي عبر المونولوج الداخلي مرّرتْ زهرة عمر مجمل ما حمله خطابها الروائي من مضامين إنسانية، وهو خطاب عملت فيه الروح النسوية محركاً لتكثيف الإحساس بقضايا قومها ومآسيها بموازاة حكايتها الخاصة، طفولتها، وصباها، وزواجها، وترحالها. وفي ذلك كله قدمت الكاتبة إدانة لماضٍ بعيد غائر في عمق الزمن وفي أعماقها هي، وهو ما استوجب أن يكون الاسترجاع والهذيان والتداعي الحر التقنيات الأكثر ملاءمة لنبش الماضي، وكشف تقاليده وقوانينه الاجتماعية الصارمة التي حالت دون أن يرتفع صوتها رافضة لما فُرض عليها في المستوى الشخصي الخاص، وفي الوقت ذاته تستعيد في المستوى العام الماضي، بشموخه وغناه واستقراره، مقابل ما آل إليه حال مجتمعها من فقر وتشتت وتشرد وأسى، فكانت المرأة وسرير احتضارها وما يحيط به من أصوات لنساء أخريات مركزاً وبؤرة للحكي، سرداً واعترافات وهذيانات، تكثّف حقبة تاريخية حافلة بآلام الترحال والتحسر على ماض مفقود ومُدان في مستوييه الخاص والعام، وما سببته القوانين الاجتماعية من خنق لصوت المرأة، وما سببته الحروب من ضياع لصوت الإنسان وفقدان لكرامته خارج وطنه، هذا الفقدان الذي عبرت عنه زهرة عمر بارتفاع وتيرة المونولوج إلى حد يصير معه الصمت لغة للتداعي، صمت الصوت وصمت الجسد وتخشبه الذي أعاد للرجل صوابه، أو اضطراره للتراجع عما كان يراوده من أفكار، ومن محاولات تتستر بالعرف لتمرير الخروج عليه. ذلك يعني أن لجوء الرجل إلى الاعتراف عبر التداعي ارتبط بصمت المرأة وتخشب جسدها، إذ نجد مثل ذلك أيضاً لدى حنان الشيخ، التي جعلت الرجل يعترف باقترافه خطيئة التفكير بمراودة ابنة أخته، وتجاوز المحرمات والأعراف التي كان ينبغي أن تحول دون مجرد التفكير في ذلك الأمر/فيه، لكن رفض الفتاة، ومواجهتها محاولاته بجسد خشبي وعيون من بلاستيك()، أعادت للرجل صوابه، وتحوّل إلى مواجهة نفسه عبر تداعيات استعاد من خلالها ذكرياته في وطنه، وليصير تعلقه بتلك الفتاة شكلاً من تعلقه بوطن- لبنان- مزقته الحرب وأدمته الصراعات. ومن الطريف أن يتشابه موقف الرجل في رواية حنان الشيخ وموقف الرجل في رواية كفى الزعبي، الذي يراود المرأة ابنة وطنه، فلمّا يفشل في استمالتها يتحوّل لممارسة دوره الأبوي، فينهال عليها ضرباً وانتقاماً لشرف الرجل الشرقي الذي ضيعته الفتاة مع رجل غريب، مبرراً تودده إليها ومراودتها بأنها أيضاً تمثّل الوطن الذي صار يراه مرتسماً على ملامحها.()
ويُعدّ الاتكاء على المونولوج الداخلي واحداً من خصوصيات الخطاب السردي النسوي، ولعل ذلك يتأتى من طبيعة المواجهة التي تبناها السرد النسوي، التي اتخذت في بدئها شكل مواجهة مع الذات، عبر حوارات داخلية كشفت رؤى المرأة تجاه ذاتها، وتجاه جسدها بشكل خاص، وتجاه العالم المحيط بها، وفي ذلك ما جنّبها تبعات مواجهة واقعية حقيقية مباشرة، ما يجعل السرد ذاته ينتصر للمرأة في احتماله لثقل ما تحمل من تبعات إرث اجتماعي، في حين لم يحتمل ذلك التكوين الاجتماعي صحوتها على إنسانيتها وحريتها المنقوصة أو المستلبة. فالتداعي الحر والمونولوج الداخلي غدا التقنية الأنسب لنقل المشاعر، وترجمة الذات الأنثوية في محايثتها للمحظور ولكل ما يمكنها من خلاله اختراق ما أُحيطت به من أسوار، ظل صوتها مخنوقاً أو غير مسموع حين يحاول مجاوزة ارتفاع تلك الأسوار وصلادتها.

استراتيجيات النص النسوي:
باتت الدراسات الموجهة لنقد الكتابة السردية النسوية تجاوز السؤال عن الخطاب وخصوصيته شكلاً ومضموناً إلى السؤال عن استراتيجيات ذلك الخطاب الذي يكشف عن الرؤية الإبداعية لدى المرأة، فسواء تمركزت سردياتها على قضايا الذات والجسد والهموم اليومية وأوجاع علاقاتها بالعالم خارجها، أم انطلقت خارج ذلك كله لتسهم في تقديم رؤيتها الخاصة في ما يشهده الواقع العربي من تحوّلات، فإن المعنى المضمر الذي ينبغي الالتفات إليه سيظل قابعاً في المنطقة الضبابية التي تتداخل فيها الرؤى الخاصة بالذات ومنطلقاتها، بالرؤى الخاصة بالواقع بعناصره المختلفة، بدءاً من الآخر/ الرجل الذي كان إلى أجل قريب هاجس الحكاية ومصدر تفاصيلها، وليس انتهاء بآثار ما تتركه الحروب والثورات التي خلخلت الفكر الاجتماعي والثقافي السائد. فالنظر في استراتيجيات السرد النسوي لا يمكنه أن يتم بمنأى عن المرجعيات التي تكمن خلف النصوص السردية النسوية وثيماتها، اجتماعية كانت، أم ثقافية، أم سياسية، تلك المرجعيات التي تتصل، وتكشف، رؤى المرأة ومواقفها تجاه قضاياها المختلفة، ذاتية كانت أم عامة. وجدير بالإشارة هنا تركيز معظم الدراسات النقدية، على كثرتها، على المرجعيات الاجتماعية التي شكّلت صورة المرأة وأطّرتها ضمن إطار حادّ من العادات والتقاليد المتوارثة، إلى جانب المرجعيات الثقافية التي عملت على تشكيل حالة من التعارض والتضارب بين المكونات الثقافية الخاصة التي استطاعت المرأة أن تكتسبها عبر مسيرتها، وبين المكونات الثقافية التي نهضت عليها المجتمعات العربية، وتأسست على فكر وقيم أسهم في ترسيخها الرجل والمرأة على السواء، ما استدعى لجوء المرأة إلى التوسل بطرائق واستراتيجيات ترتبط بمرجعيات خطابها، وأهم مكوناته، ومنها الجسد والكتابة، وتبرز براعتها في المراوغة والمداورة التي تجعل من تلك المكوّنات نفسها آليات سرد تتجاوز من خلالها واقعاً مرفوضاً، أو تخلق لها واقعاً مأمولاً، عبر توظيف الجسد والكتابة آليتان للتجاوز، وتسخير الضمائر الساردة، أو تسريد الحلم:

استراتيجية التجاوز:
الجسد آلية تجاوز:
إن نظام الأعمال والعلاقة بين شخصيّات الروايّة، أي نظام الكلام المروي، من شأنه أن يكشف عن حركة الجسد وتحوّله إلى بنية دلائليّة تنتظمها علاقة الذات بالآخر وما يقترن بها من تمثّلات الرغبة والمتعة… ومصداق ذلك مركزيّة الشخصيّة وعلاقة الاسترسال الّتي تعقدها مع سائر عناصر الخطاب الروائيّ، لتصبح الكتابة “تجربة ذاتية معيشة تكتب عن الجسد وبالجسد، بجسد مأزوم ينكتب على جسد الصفحة، يقول كاتبه ومأساته وتجربته مع الآخر.. يفكر كيف يجعل من الكتابة سفينة النجاة، أي تلك الكتابة التي تشتغل على الحداد وتخرج الحيّ من الميت.”() وتلك رؤية ترتد إلى رمزيّة الجسد الأنثويّ الّتي تلقي بظلالها على الفضاء فالمدينة والأفضية المنغلقة الّتي تماثل جسدا يخفي بين طيّاته الأسرار، بقدر ما يظهر الشرّ يبطن الخير وعلى قدر إخفائه المتعة، يبدي الألم، وتسوس حركته الجسد رقابة الرجل والهيمنة الذكوريّة الّتي تتّخذ عدّة بدائل أبرزها سلطة المال والعرف والماضي والقانون…
ولعل في ذلك ما يفسر تحوّل الجسد في كثير من كتابات المرأة إلى موضوع تحتفي به كتابات الرجل وصفاً وفاعلية إغرائية وإغوائية إلى أن يكون جسد الرجل هو موضوع الكتابة لديها، فتشهر عبر الوصف والتصريح ملامحه وتضاريسه، ومن ذلك ما نجده لدى فضيلة الفاروق()، في رواية “اكتشاف الشهوة”، التي تعمل على قلب الأدوار، إذ تمنح الفاعلية للمرأة سواء في المبادرة وابتداء العلاقة أم في إنهائها، بعد أن كان ذلك حكراً على الرجل، فلم تعد طرفاً سلبياً ينتظر مبادرة الرجل، ويلقى رغباته تلميحاً أو تصريحاً، وتعمل على إخضاع تلك العلاقة لإرادتها ومزاجها، وتجعل الفعل الجسدي الأنثوي فعل اختيار وقرار قادر على تحطيم كل قيد وكل عائق يحول دون تحققه، ولو كان ذلك عبر حلم أو توهم يحقق لها ما تريد.
فوظفت بعض الكاتبات الجسد وسيلة للتخطي والتجاوز()، فعمدتْ الواحدة منهن إلى خرق كل التابوهات لتؤسس علاقة جديدة بينها وبين العالم، عن طريق خلق أفق انتظار جديد، توظف فيه الجسد قصد نفيه بطريقتها الخاصة، ليغدو “من خصائص السرد النسوي التعبير بالجسد وإعادة الاعتبار له (…) من أجل تصحيح الصورة السلبية التي ارتبطت بالجسد الأنثوي وتغييرها في الأذهان”()، بما تمتلك من جرأة في مقاربة المسكوت عنه من المحظورات، والممنوعات، والمحرمات، بشكل لا نجد له نظيراً لدى الرجل الكاتب.() فانتقلت الساردات من المستوى الطيني() الذي ينشغل بالجسد، عبر لغة تحيل إلى أجزائه وتضاريسه ورغباته، إلى مستويات تعيد النظر في وظائف هذا الجسد ليصير هو ذاته بالكتابة سلاحاً ضد التسليع، وضد حشره في وظيفة الإغراء والغواية، ليتحول إلى تقنية ترميزية لثيمات كان التعبير عنها من اختصاص الرجل، فأصبح الجسد، مثلاً، صورة رمزية للوطن، واختراقه أو امتهانه اختراق للوطن وامتهان له، بجامع تعبير كل منهما، الجسد والوطن، عن شرف المجتمع وكرامته، وهو المعنى الذي حاولت سحر خليفة نقضه أيضاً، رافضة فكرة الترميز هذه لصالح إنسانية المرأة، بقولها على لسان إحدى شخصياتها، في “باب الساحة”: “أنا لست الأم ولست الأرض ولست الرمز، أنا إنسانة، آكل وأشرب، أحلم وأخطئ، أضيع أموج، وأتعذب وأناجي الريح، أنا لست الرمز، أنا المرأة.”() و”ما عدت الأرض، ما عدت الرمز، ما عدت الشمس بل الإحساس.”()
احتل الجسد مركز الحركة ونقطة البدء والمنتهى في السرد النسوي، غير أنه تجاوز محور الرجل/ الذكورة والمرأة/الأنوثة، فما لبثت أن تحولت بؤرة الحركة تلك إلى أشكال وتجليات تكشف عن حالات من العشق النظير، عشق المكان/ المدينة/ الوطن، فعمدت الكاتبة إلى ترميز الجسد ليدل على الوطن، وانتهاك حرمته تصير انتهاكاً للوطن، على اختلاف درجات هذا الترميز وصوره، فقد جاوز انتهاك جسد الطفلة عند ميسلون هادي “جائزة التوأم” انتهاك البراءة ليشير إلى انتهاك جسد الوطن على يد الجنود الأمريكان بعد الحرب، وهو الترميز الرابط الذي ترفضه سحر خليفة “باب الساحة” لصالح الإعلاء من شأن إنسانية المرأة واستقلال شخصيتها، بينما يتحول جسد المرأة عند مستغانمي في “ذاكرة جسد” إلى جسد أمومي، وجسد مدينة، يجري اختبار تماهي تفاصيله، التعاريج والاستدارة والأنوثة والإغراء، مع ملامح صورة المدينة كما تشكلت في ذهن البطل، بما يعني أن هذا الجسد أصبح هاجساً ومركزاً لتوطيد علاقة البطل بما حوله.

الكتابة فعلُ تجاوزٍ:
لا تكاد دراسة لأدب المرأة تخلو من إشارة تردّ إبداع المرأة إلى محاولتها تجاوز الواقع والإرث التاريخي الذي جعل منها مخلوقاً (درجة ثانية) يستوي في ذلك الجانب المعنوي لديها والماديّ، فبالكتابة، هذا الفعل الذي كان يهيمن الرجل على سيرورته، تتجاوز المرأة الوظيفة التي أُنيطت بها في خدمة البيت وتوفير سبل السعادة للزوج والأطفال، سواء كان ذلك في ما تؤديه من أعمال الطبخ والتنظيف وتنظيم شؤون المنزل، أو إعداد جسدها ليكون مصدر راحة ومتعة لعين الرجل وجسده، الأمر الذي جعل الدارسين يرون في سرد المرأة محاولة لتجاوز ذلك عبر اللغة وعبر تقنيات سردية خاصة.
وفي محاولة لتقديم صياغة أنثوية خاصة لشكل العالم من حولها ودورها فيه، تقوم المرأة بفعل السرد، وتسهم في إدارة أدوار الشخصيات، وبنية الزمان والمكان، بمعنى أن فعل التأثير انتقل من ضمير الأنا الذكوريّ الذي هيمن على الرواية والقصة أمداً طويلاً إلى ضمير الأنا الأنثويّ الذي أتاح للمرأة أن تقول ذاتها، عبر استخدام ضمير المتكلم، بما يتيح للساردة مجالاً أوسع للبوح، كما يعمل فيه على استمالة القارئ وتشويقه()، وفي الوقت ذاته تقول الآخر كما ينبغي لإرادتها التي كانت منقوصة في القول/ الكتابة، كما هي منقوصة في الفعل/ الواقع، فأصبحت المرأة “هي المانح أو الحاجب للأدوار الأخرى التي لا تظهر إلا من أجل استكمال جزء في شخصية المرأة أو انتزاعه.”() وهو ما نجده ممثلاً في شخصية الساردة في رواية نورة الغامدي، فهي شخصية مركزية محور تدور حوله الشخصيات الأخرى، وخطة السرد في الرواية تنهض على شكل علاقتها بالشخصيات الأخرى وبمعرفتها بخبايا كل منها، ولذلك كان مخزون ذاكرتها منبع كثير من الحكايات داخل الرواية، بدءا من حكايتها الخاصة، منذ طفولتها وعلاقتها بوالدها، ثم علاقاتها برجال القرية، بما يكشف عن منظومة من العلاقات المنسوجة بخيوط من الظلم والقهر والاستلاب (…) وقليل من الحب ظل حبيس الأحلام والتداعي النفسي، ولذا فقد رأى بعضهم “أن تحييد الرجل عن مركز النص وسيطرة المرأة على دور البطولة وعلى سلطة السرد في النص السنوي، هي خطوات نتجت عن فعل إيديولوجي تبنتها المرأة في صراعها مع الرجل.”()
وعلى الرغم من تعدد الساردين في روايات أخرى، تمنح الكاتبة لشخصية المرأة قدراً أكبر من حرية الحكي، لتعبر عن ذاتها في علاقتها بالرجل، كما فعلت بطلة ليلى الأطرش في سردها لحكايتها مع الرجل الذي أحبته، وحكايتها مع الآخر الذي تزوجته، في رواية “مرافئ الوهم”، وهما تجربتان كشفتا عن تحوّل إيديولوجي لدى البطلة، عملت من خلاله على تهميش علاقتها بالرجل لصالح علاقتها بذاتها وبالكون حولها، وأصبحت أسئلة وجودها الإنساني هاجسها الرئيس.()
وإلى ذلك، أظهرت المرأة الساردة شكلاً طريفاً من الديمقراطية السردية، أبقت فيه على الدور المركزي للرجل في الرويّ، لكنها في الوقت ذاته اتخذت من صوته قناعاً لصوتها السرديّ الخاص، بشكل جعلته ينطق طواعية بما تريد هي، وتجري على لسانه ما ترمي هي لتحققه على مساحة الرواية وأرض الواقع معاً. وتحضر هنا أحلام مستغانمي في روايتها ذائعة الصيت “ذاكرة الجسد”، ففي هذه الرواية عملت مستغانمي على استنطاق الرجل، واستدراجه للاعتراف بموقفه منها عبر مفاصل مختلفة من علاقته باالمرأة، بدءاً من اعترافه بالاحتياج الشديد لها، وإقراره بالمشترك بينهما في الظمأ والرغبات، كما فيما تشكّل داخلهما من عقد وخجل وموانع خلقتها فروض اجتماعية موروثة واحدة، “دعيني أتزود منك لسنوات الصقيع.. دعيني أسرق العمر الهارب لحظة واحدة…. جائع أنا إليك.. عمر من الظمأ والانتظار.. عمر من العقود والحواجز والتناقضات.. عمر من الرغبة والخجل (…).”()
ففي الوقت الذي تتخلّى فيه الساردة عن دورها، حين تتخيّر سارداً بديلاً، قد يكون ضميراً غائباً، أو مذكراً “يبوح بجزء من المسكوت عنه، يتجاوز حدود التابو ويبوح بما تعجز الساردة الأنثى أن تصرح به أو تعلنه”()، ومن ذلك ما فعلته أحلام مستغانمي في “ذاكرة الجسد” و”فوضى الحواس”. فإن أمام هذا الاعتراف تتهاوى سلطة الرجل، في حين تعلو فيه سلطة المرأة الساردة، ويعلو شأن الكتابة، وهي عملية استبدال تبدو فيه المرأة وقد امتلكت مفاتيح كليهما، الرجل والكتابة على السواء، فهيمن “الحديث عن الكتابة ودورها في حياة المرأة، على السرد النسوي الحديث حتى تغدو الكتابة في نظر الكاتبات بديلا عن واقعهن المعيش، وهي الحياة الحقيقية بنظرهن”()، إذ تجمع الظمأين معاً في لحظة واحدة، لحظة ظمأ الرجل للمرأة ولحظة ظمأ المرأة للكتابة، في مواجهة تعيد صياغة الأدوار، إذ يبدو وجودها في كليهما– الرجل والكتابة- وجوداً إبداعياً تتجاوز فيه فكرة الجسد بوصفه أيقونة للرغبات الآنية، ليغدو لحظة تخلّد الامتلاء الروحي، وتقصي اللحظات/ الأجساد العابرة، وهو ما جعل البطل/ القناع يعترف أن الأسباب الجسدية المحضة التي جعلت النساء يتناوبن على سريره، هي ذاتها الأسباب التي جعلتهن يذهبن محملات به، لكنه يظل فارغاً منهن.()
فالمرأة إذ تتخلى عن هيمنتها على فعل السرد، وتمنحه للرجل طواعية، ذلك في الحقيقة لم يكن/فإن ذلك ليس أكثر من حيلة سردية مراوغة، تمنح فيها الرجل سلطة السرد، لكنها في الوقت نفسه تورطه في سلسلة اعترافات تضعه بمواجهة مع نفسه ومع الخارج، بشكل يكشف للقارئ تدريجياً أن الهيمنة الحقيقية للرويّ إنما هو للمرأة عبر تسخير دور الرجل ذاته.
غير/المهم هنا أن هذه الديمقراطية السردية، التي منحت المرأة بموجبها حرية الحكي لبعض شخوصها، ظلت مشروطة وموجهة باتجاه نسويّ الانتقاء والتوظيف، بحيث يُبرز قضاياها، أو ما يتصل بها من قضايا المجتمع، وبما يعيد الاعتبار لصوتها سردياً، فتجعل السرد بديلاً للواقع لا يكتفي بتسريده بشكل نمطي، بل بقدر ما يجاوز ذلك إلى تسريد ذلك الواقع تسريداً أنثوياً مركزياً قابلاً للتوسع ليعبّر في نهاية الأمر عن واقع بوجهة نظر نسوية طامحة لتغييره بوعي حاد، وإن لم يكن فاعلاً كما ينبغي، ومن ذلك ما عبّرت عنه ناديا سعدون/هناوي بالتجانس السردي، بوصفه “تقانة فنية تحقق المساواة الفنية والتناسق الصوتي بين الشخصيات القصصية بما يمنحها بعدا رؤيويا وجماليا واحدا يمكّنها من مجاراة بعضها بعضا في لعب دورها المركزي حتى لتفهم أنها بمجموعها متوحدة في أنها جزء من اللعبة السردية تمارس دور البطولة متناوبة على تنامي الأحداث الروائية، مستعيدة إنتاج القيم الثابتة، وعاملة على تحريكها وتغييرها.”()

لعبة الإظهار والإضمار في ضمائر السرد:
نهضت استراتيجية السرد النسوي وفق خطة إظهار وإضمار الأنا الساردة، أو التمكين والقمع، عملت بموجبها على منح صوت المرأة حرية السرد، قصد فضح تفاصيل واقع ما زال يمعن في ظلمها، أو قتلها، وفي الوقت ذاته تمارس فعل القمع، سردياً، على صوت الرجل، وعلى صوت المرأة حال كونها شريكاً للرجل في ممارسة الظلم على المرأة، بل هي تبدو، في دورها هذا أشد ظلماً على بنات جنسها. فعبر تقنّع الكاتبة شهلا العجيلي، في روايتها “عين الهر”، بصوت ساردة تستعيد عبره ملامح الحياة الاجتماعية في مدينة حلب السورية، وهموم المرأة ومشكلاتها التي رافقتها منذ طفولتها، وهي ذاتها المشكلات التي تعانيها المرأة في المجتمعات العربية عموماً، كالتمييز بين الذكر والأنثى، واضطهاد المرأة، واعتبارها عنصراً ثانوياً جالباً للعار، بل يمكن تفتح عليهم باب جهنم()، دون أن تهمل العجيلي الدور السلبي للمرأة في ترسيخ تلك النظرة تجاه بنات جنسها بصمتها وتواطؤها مع يجري لابنتها، مثلاً، التي تعرضت للضرب والتعنيف من أجل ارتداء الحجاب.
وإلى ذلك، أولت ليلى العثمان، في روايتها “المرأة والقطة”()، مهمة السرد لصوت المرأة المظلومة اتي ننتهي قتلاً، في حين أقصت الصوت الآخر للمرأة الظالمة القاسية، وحرمته من مهمة السرد، بما يعكس رغبة سرية في إقصاء الصورة التقليدية الواقعية، بإعلاء صوت الهامش المهمَّش سواء أكان لامرأة أم لرجل، مقابل خفوت صوت المركز المسيطر على مجريات الأحداث روائياً وواقعياً على السواء. ويتجلّى ذلك في رواية العثمان من خلال تناوب السرد بين صوتيْ المرأة والرجل، حال كون كليهما ضحية للسلطة القامعة ذاتها، وهي الاستراتيجية التي تنفي أن يكون السرد النسوي مجرد ردّ فعل، أو دفاع عن نفسها ضد ما يوقعه الرجل عليها، بل هو في هذا النموذج تعبير صارخ عن وجودها الأنثوي الموازي والمماثل لوجود الرجل الذي بات يواجه في واقعه مثل الذي تواجهه هي من ظلم وقمع وتهميش. ومثل ذلك فعلت علوية صبح، في رواية، فمنحت صوت الساردة الأنثى حرية الحكي، مقابل تراجع صوت الرجل، كي تروي المرأة حكايتها بنفسها، وتفرض رؤيتها لذاتها ولآخرين من حولها، فاستأثرت مريم بالسرد في جل أقسام الرواية، باستثنناءات محدودة تخلت عنه أيضاً لصالح صوتين نسائين أحدهما لصاحبة القناع السردي (مريم)، وهي الساردة التي تلقّت ما جادت عليها به من حكايا.
ومما لا شك فيه أن هذا التقنّع، الذي توسلت به الكاتبة لتمرير رؤيتها لشكل العلاقة المشتهاة بالرجل، لم يأتِ عبثاً، بل أظنها تدرك تماماً أن تمرير تلك الرؤية سيبدو مقبولاً ومرحباً به، حين يصدر عن الرجل ذاته، في حين سيكون رهين احتمال الرفض والتعالي، فيما لو صدر عن المرأة ذاتها، بصوتها ومنطوقها مباشرة، وفي ذلك ما يشير إلى قدرة الكاتبة على استثمار استيعابها لواقع الحال الذي حدّد موقف المرأة وموقعها في سيرورة العلاقة بالرجل، وموقفها تجاه الصورة النمطية التي لتلك العلاقة. ولعل توسل البطل بالوسيلة ذاتها التي استخدمتها البطلة، يشكّل إضفاءً لانتصار المرأة، ونجاح استراتيجية الكاتبة في اللجوء إلى فعل الكتابة سلاحاً لمواجهة واقعها، بما يجعل من الكتابة، والحال هذه، “فعل عنف، أو فعل انفعال مَن مورس عليه العنف، ويمكن للكتابة وهي تكتب العنف أن تأتي هي نفسها كتابة عنيفة مدمرة انقلابية انتهاكية.”() وهي ذاتها التي استخدمتها الشخصية الروائية النسائية، ومن ثمّ جعل منها الرجل، في آخر الأمر، سلاحاً يقتلها به، قتلاً مجازيا:ً “كان لا بدّ أن أكتب هذا الكتاب لقتلك به أيضاً. دعيني أجرب أسلحتك.. فربما كنت على حق.. ماذا لو كانت الروايات مسدّسات محشوّة بالكلمات القاتلة لا غير؟”()

تسريد الحلم:
الحلم في السرد النسائي العربي ليس مجرد تقنية سردية تخرج النص من تراتبية الحكي، لكنه، إلى ذلك، يشكل استرتيجية تعمد من خلالها إلى تأكيد جدارة المرأة في التنبؤ والهيمنة على مسار الأحداث بعد تقديم استباق إشاري يبرز فاعليتها غير المنظورة في بناء الحدث وتوجيهه الوجهة التي تحقق رغباتها التي غالباً ما تكون عصية على التحقق أو محرّمة في الواقع، فالأحلام بما تحمل من كشف للرغبات المكبوتة، ولما يمور في لاوعي الشخصية، تربط بين زمن حاضر ترتهن الشخصية لمشكلاته، وزمن مأمول يحمل احتمال تجاوز تلك المشكلات أو انتهائها إلى حل إيجابي أو سلبي، غير أن لا وعي الشخصية يحمل حلاً ما، تجري ترجمته إلى واقع جديد عبر الحلم، ومن ذلك ما يقف عليه قارئ رواية نورة الغامدي: “حلمت بك تصعدين وتهبطين من العالم العلوي إلى السفلي في حرية.” ()
فالحرية هنا هي هاجس المرأة التي عايشت موت صديقتها قبل أن تتحقق لها حرية الحركة في الواقع خلال حياتها، نجدها تتحقق في حلم الشخصية الساردة، بل إنها هي أيضاً- الساردة- تسخّر هذا الحلم لنيل شكل آخر من أشكال الحرية، وهي حرية الحكي، حرية السرد ذاته، الكتابة، ففي الوقت الذي يحول فيه ناس الواقع دون ممارسة هذه الحرية، نجد الشخصية، التي تحررت من قيود الواقع بانتقالها للعالم الآخر، عالم ما بعد الموت، تحضر عبر الحلم لتدعو الساردة للتشبث بفعل الكتابة، بوصفه فعل حرية: “كفي عن الهذيان.. تحدثي معي على الورق”
فالورق، والحال هذه، أصبح أرضاً جديدة يمكن تخصيبها لتكون بديلاً عن الهذيان/ الحكي، بوصفه شكلاً من أشكال الحرية المفقودة على أرض الواقع الجدباء، بناسها الذين يقابلون هواجسها وأحلامها بالاستخفاف والسخرية، وذلك ما بدا في موقف الرجل الذي روت له حلمها الذي تتحقق فيه رغبتها بالزواج منه، فيستقبل حديثها بنبرة استخفاف يتنبأ لها فيه بأنها ستكون “نبية الأمة”، على ما تحمل الجملة من تقليل من شأن الشخصية الساردة للحلم، ولوعيها على وظيفته في ترجمة مشاعرها ورغباتها، وعلى ما ألفت عليه الآخر من فهم ناقص لهذا الوعي.
لقد عملت الكاتبات على إقصاء الواقع وتهميشه لصالح إعلاء شأن التجربة الحلمية الداخلية، وصوت المشاعر المحمل بالتمرد والرغبة في التغيير، بعيداً عن المواجهة التي بدت غير محمودة العواقب. فتوسلن بالحلم ليكون بديلاً لواقع تتمرد عليه في وقت لا تستطيع فيه أن تعبر عنه بلغة صريحة، فتجيز لنفسها أن تقول في الحلم ما تعجز عن قوله في الحقيقة، متحررة من سلطة رقيب داخلي يكبّلها، فحين يتآز التهميش الفعلي الذي يمارسه الرجل عليها في الواقع والتهميش السردي الذي يمارسه الراوي عليها من جانب آخر، تلجأ إلى وقف السرد، وتتدخل لتروي لنا حلما، يقوم على ما لا تستطيع البوح به في الصحو.()
فالتدخل الحلمي في النصوص الروائية النسوية، سواء كانت أحلام نوم أو أحلام يقظة، تمثل حالة مرتجاة، ونوعاً من التعبير عن التمرد، والخروج على المألوف، وهروباً من المواجهة، أو جنوحاً نحو دخول تجربة غير مألوفة تتمثل في المحصلة بالرغبة في الخروج عن ترسيمات الفكر الاجتماعي.()

خاتمة:
منذ شهرزاد وحكاياها، كانت المرأة وما زالت تسعى لدرء موتها، حقيقة في الحكايا في ما يكمن خلف فعل الحكي، أو كما تجلّى ويتجلّى في سردياتها من محاولات لدرء موتها مجازياً، مما لقيته في مسيرتها التاريخية، وما واجهته من نظرة دونية، ومواقف عدائية تجاهها، تستوي في ذلك مختلف الحضارات، التي كشفت بعض أساطيرها وأديانها وفلسفاتها عن وضع المرأة والطفل في خانة واحدة، بل “إن الأساطير والحكايات الشعبية هي الألصق من غيرها بالذهنية الذكورية الممتلئة بالقمع والاضطهاد للمرأة، وإنه لا فرق بين الوأد في العصر الجاهلي أو الوأد بغسل العار في العصر الحديث”()، فقد منحت تلك الحضارات السيادة للرجل، على ما يحمل ذلك من تراكم تاريخي حضاري ألقى على المرأة أعباء السعي الدائب لكسر الإطار الذي تأطرت به صورتها، وإزالة التشوهات التي طالت تلك الصورة، عبر أساليب واستراتيجيات سردية يكشف عنها الإنصات لنصوصها السردية، وهو ما حاولت هذه الدراسة أن تقاربه، وما كشف عنه لجوء الكاتبات الساردات إلى تشكيل خصوصية في السرد، تنبع من قضاياهن الخاصة وعلاقاتهن بالمحيط، وتفاعلهن مع مجريات الواقع ورؤاهن فيه، كاشفة وناقدة للمحظور وللمسكوت عنه من رؤى المجتمع في ما تعارف عليه من تابوهات، وبخاصة ما يتعلّق منها بالجنس والدين، ومفاهيم الجسد والحرية، وتوسل الكاتبات، من ثمّ، بلغة واستراتيجيات سردية خاصة كشفت عن وعيها لذاتها وللحكي/ السرد ودوره غي إعادة الاعتبار لوجودها الإنساني، ومواقفها، ودورها، وموقعها في البنية الكلية، لا للمجتمع فحسب، بل للحياة برمّتها.


ثبت المصادر والمراجع:
الروايات:
أحلام مستغانمي: ذاكرة الجسد، ط12، دار الآداب، 1998
بتول الخضيري، غايب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004
بتول الخضيري، كم بدت السماء قريبة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999
حنان الشيخ، حكاية زهرة، دار الآداب، بيروت، 1998
حنان الشيخ، مسك الغزال، دالا الآداب، 1988
رجاء الصانع، بنات الرياض، ط7، دار الساقي، بيروت، 2007
زينب حفني، سيقان ملتوية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2008
سحر خليفة، باب الساحة، دار الآداب، 1990
سحر خليفة، عباد الشمس، دار الآداب، بيروت، ط3، 1987
سحر خليفة، لم نعد جواري لكم، دار المعارف، القاهرة، 1974
سحر خليفة، مذكرات امرأة غير واقعية، ط2، دار الآداب، 1992
شهلا العجيلي، عين الهر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007
صبا الحرز، الآخرون، دار الساقي، بيروت، 2016، 31
عفاف بطاينة، خارج الجسد، ط2، دار الساقي، بيروت، 2007
علوية صبح، مريم الحكايا، ط3، دار الآداب، بيروت، 2007
غادة السمان، بيروت 75، منشورات غادة السمان، بيروت، 1975
فضيلة الفاروق، اكتشاف الشهوة، دار رياض الريس، المكان، 2006
فضيلة الفاروق، تاء الخجل، دار رياض الريس، بيروت، 2003
قماشة العليان، أنثى العنكبوت، دار الكفاح، الدمام، 2003
كفى الزعبي، ليلى والثلج ولودميلا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007
لنا عبد الرحمن، قيد الدرس، دار الآداب، بيروت، 2015
ليلى الأطرش، مرافئ الوهم، دار الآداب، بيروت، 2005
ليلى العثمان، المرأة والقطة، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010
ليلى العثمان، صمت الفراشات، دار الآداب، بيروت، 2007
ميسلون هادي، جائزة التوأم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2016
نبيهة العيسى، مرايا الغياب، دار زينب للنشر، تونس، 2016
نوال السعداوي، الرواية، دار الهلال، 2004
نورة الغامدي، وجهة البوصلة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2000
المراجع:
إبراهيم صحراوي: تحليل الخطاب الأدبي، دار الآفاق، الجزائر، 1999
أحمد المسعودي، أنساق التحول الثقافي في الرواية النسائية، الرواية النسائية السعودية نموذجاً، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2014
أحمد عبد المعطي حجازي، مجلة (إبداع)، البنات يكتبن أجسادهن، ع7، يوليو 1996
آمال منصور، الخطاب الأدبي النسوي بين سلطة المتخيل وسؤال الهوية، ربيعة الجلطي وأحلام مستغانمي نموذجاً، مجلة (المخبر أبحاث في اللغة والأدب الجزائري)، ع3، 2006
بثينة شعبان، الرواية النسائية العربية، مجلة مواقف ع70-71 شتاء/ ربيع 1993
بثينة شعبان، بين الأدب النسائي العربي والأدب النسائي الإنجليزي، غادة السمان وفرجينيا وولف، الموقف الأدبي، ع186، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1986
حاتم الصكر، حاتم الصكر،السيرة الذاتية النسوية (البوح و الترميز القهري)، فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ع15، 2003
حسن المودن، الرواية والتحليل النصي، قراءات من منظور التحليل النفسي، منشورات الاختلاف، الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر وبيروت، 2009
حسن المودن، الكتابة والتحول في السرد العربي الجديد، اتحاد كتاب المغرب، 2001
حسين مناصرة، النسوية في الثقافة والإبداع، عالم الكتاب الحديث، إربد، الأردن، 2008
حمدة خميس، لماذا تكتب النساء؟، تأملات في إشكالية إبداع المرأة، نزوى، ع14، إبريل، 1998
رفقة دودين، خطاب الرواية النسوية العربية المعاصرة، منشورات أمانة عمّان الكبرى، 2007
رياض بن يوسف، قراءة سيميائية لعلامات وصيغ النسوية عند فضيلة الفاروق، الملتقى الدولي الرابع عشر للرواية، برج بوعريرج، الجزائر، إبريل 2012، 4
زهور كرام، السرد النسائي العربي، المقارنة في المفهوم والخطاب، منشورات مدارس، الدار البيضاء، 2004
سامح الرواشدة، الرقيب وآليات التجاوز في السرد النسوي، مجلة أفكار، ع235، وزارة الثقافة، عمان، 2008
سعاد الناصر، السرد النسائي العربي بين قلق السؤال وغواية الحكي، مكتبة سلمى، تطوان، 2014
عبد الله إبراهيم، سرد النساء وسرد الرجال، مجلة علامات، ع34، 2010
عبد الله إبراهيم، السرد النسوي، الثقافة الأبوية، الهوية الأنثوية، والجسد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2011
عبد الله إبراهيم، المرأة واللغة، المركز الثقافي العربي، ط2، 1997
عبد الله إبراهيم، موسوعة السرد العربي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ودار الفارس للنشر والتوزيع، عمان. 2008
عبد الله الغذامي، المرأة واللغة، ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1997
عبد الغفار العطيوي، ثقافة الجسد، قراءة في السرد النسوي العربي، مؤسسة السياب، لندن، 2013
عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية، بحث في تقنيات السرد، مطابع الرسالة، عالم المعرفة، الكويت، 1998
عفيف فراج، صورة البطلة في أدب المرأة، جدلية الجسد والعقل الاجتماعي، الفكر العربي المعاصر، ع3، 1985
عيسى برهومة، اللغة والجنس، حفريات لغوية في الذكورة والأنوثة، دار الشروق، 2002
فاطمة كدو، الخطاب النسائي في الأدب والنقد،
فضيلة الفاروق، التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر، مجلة نزوى، ع36، يوليو، 2009
الكبير الداديسي، في الرواية الجزائرية النسائية، موقع الرواية، 17/ إبريل/ 2016، alriwaya.net
ماجدة حمود، “الخطاب القصصي النسوي: نماذج من سورية” دار الفكر دمشق، ط1، 2002
محمد قاسم صفوري، شعرية السرد النسوي الحديث 1980-2007، أطروحة دكتوراه، جامعة حيفا، 2008
محمد معتصم، المرأة والسرد، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2004
محمد نور الدين أفاية، الهوية والاختلاف، في المرأة والكتابة والهامش، إفريقيا الشرق، الدار البياء، 1988
مريم فريحات، مدارات المعنى والتشكيل، وزارة الثقافة الأردنية، 2008
نادية هناوي سعدون، تجانس السرد النسائي هوية ونسقا في رواية “الصندوق الأسود”، 12/5/2017
ناي بنسارون، حقوق المرأة منذ البداية حتى أيامنا، ترجمة وجيه البعيني، عويدات للنشر والطباعة، 2001
نبيل حداد، كاميليا الرواية الأردنية، عالم الكتب الحديث، إربد- الأردن، 2010
نجم عبد الله كاظم، النسوي والنسائي والأنثوي محاولة لفكّ الاشتباك، موقع الناقد العراقي،
وجيه يعقوب السيد، خصوصية السرد النسوي، مجلة العربي، ع703، يونيو 2017

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *