هوامش ( بخط اليد ) في نبوءة فرعون الكاتب: عبير أحمد وحشة 03 / 10 / 08 مجلة النوارس الأدبية الألكترونية خمس حبيبات من الهيل ، نكهة الشاي العراقي المخدّر في الاستكان المتروس بالتعب و الألم تقدمه ( ميسلون هادي ) في ( نبوءة فرعون ) مع بعض حلم وسكر .. و رغم المرارة التي سترتشفك حتماً مهما دارت ملعقتك تذيب السكر ، سيبقى الطعم شهياً حدّ انفلات اللألأة المعلـّـقة في عينكَ دمعة ، فدمعة . ( نبوءة فرعون ) في قربها الملتصق بالمحنة العراقية ، حصدت جائزة باشراحيل للإبداع الثقافي 2008 عن أفضل رواية عربية .. الأفضل ، ولها ذلك.. فالرواية ليست ضرباً تنجيمياً لنبوءة صدقت مذ أنجبت يوكابد موسى عليه السلام ، بل استقراء – كأنه الياسمين في تعربشه فوق الأسلاك الشائكة – لما سَيـــــصــــــدُق .. لكن .. مَن يُــــــصــــــدّق ؟ لعلّ الإيمان بهذا كيقين أجدر بأن يثبت في الروح العراقية ، التي تجليها صورة (ميسلون هادي ) العصيّــة على التأطير، هي التي ما تزال توقظها – رغم لهيب الانفجارات والحرائق – شعشعة شمس بغداد الدافئة ، فتوقظ بقلمها أغاني المقام ، و نذورزكريا ، و أعواد الحياكة ، و دروس المطالعة والعلوم ، و حكايا الطفولة المدهوشة .. و أكثر من ذلك .. توقظ الحقيقة في مرآة الجدار.. يا مرآة الجدار .. يا مرآة الجدار من أقوى الرجال في هذي الديار؟ صمتت المرآة ، ولم تجب ……. ثم عاد و التفت الى المرآة …….. وكان يحيا ينظر إليه .1 أفـلَـكَ بعد ذاك أن تــنــام و تــكــفــر ؟ *** في خمسة فصول تتراوح بين العام الذي جاء به ( أصحاب الفيل ) إلى الديار 1991 إلى العام الذي احتفلت به ( أوبرا ) بعيد ميلادها الخمسين 2004 تظهر شخصيات الرواية بديناميكية منحازة للعيش و الحياة في واحدة من أصعب المراحل في التاريخ العراقي. يولد ( يحيا ) كما ( شاكرين ) لذات الأب ، في ذات العام ، بذات اليُـــتم المتواطئ مع الحرب .. مع فارق في الطفولة ، لا في قسوتها الآتية من ضور زمن الحصار ، وإنما في القدرات النورانـيـة ليحيا ( طفل اللالة ) في الحلم و الحفظ و المعرفة و الخيال و الصمت الذي ينطق – وإن بعد حين- بالتحدي .. مقارنة مع القدرات الذابلة لدى ( شاكرين ) النصف منغولية ، بابتسامتها الدائمة ! وتُـبـرر الكاتبة للأسماء (هي التي تنتقيها بأبعاد ثلاثية ) في قول (عبد الملك ) الجار الفنان في الرواية قائلة : إن الأسماء كالعتبات و الجبهات ، نحسٌ و سعدٌ على أصحابها و على الآخرين . 2 و في قول ( مستشار السعادة القومية ) : سمّه إذن ( أجل ) إنه يعني عندهم الموت ، و يعني عندهم نعم .3 و كأنها تنتقل بين التورية و التجلي دون أن تخبرنا تماماً أن الأسماء على أصحابها تقع ، أو أن لكلٍ من اسمه انعتاق ! فتسمي ( بلقيس ) ابنها الذي نذرته في يوم زكريا : ( يحيى ) ، و لسان حالها يقول : وسميته يحيى ليحيا .. هو الذي بدا باتقاده ( كأنه ابن آخرة ) ، كما تصفه زوجة أبيه (ختام) . و تطلق الكاتبة الألف المقصورة في الاسم : ( يحيى ) و تصرعلى مدّها ألفاً كما في الفعل : ( يحيا ) ، فهو صاحب الأحــلام القــادم بالأفعــال . و ياتي اسم ( شاكرين ) – ابنة ( هنيّة ) و توأم ( صابرين ) الميتة – تهكّماً و سخرية ب ( شُكر ) البلاد التي أرسلت الطائرات و القاذفات و دبابات التشالنجر و القنابل الذكية و العنقودية……. و الصواريخ العابرة للقارات .. والتي تسببت في موت الصغار و خراب الديار . وحده ( ليل القصف ) لا تجد الكاتبة له اسماً ! هو فقط الخوف و التلذذ في الترقـّـب الذي يشظـّـي النفس دون أن يعرف كنهه أحد .. و حتى من عاش النسخة المطابقة يكتفي بالاستدلال عليه دون أن يقبض معرفته إليه ! *** و إذ يغيّب الرجال ( إما بالموت أو بالهجرة إلى الخارج ) ترعى ( هنيّة ) بحنان فطري أخّاذ – لا يضيره الروماتيزم – همومَ الحياة اليومية لعائلتها 🙁 ابنها توفيق ، وضرتها بلقيس ، و يحيا ، وشاكرين ) فها هي توفي نذراً أمام التنور ، و تزرع حديقة الورد بالفلفل و الطماطم ، و تنام فوق السطوح ( مجاورَةً لطمأنينة الله ) 4 و تبيع باب غرفتها في زمنٍ !! يا لضيمه !! ( لا شيء في مكتبتي .. لا لوحة فوق الجدار .. حتى هدايا العرس بعناها ، وألعاب الصغار ) 5 و تراها تعلـّـم ( شاكرين ) الحياكة بلون الانسان ، و تلهج بالسخرية و الدعاء لتخفيف الحسرة .. فتستحيل التفاصيل النمنم للحياة الاجتماعية العراقية ( التي تجسدها هنيّة ) طقوساً تحتفي بها روحكَ برهافة . أمــّـا ( بلقيس ) .. الأرملة الشابـّــة فتعاود العمل في ( بدّالة الشعب ) لترى العالم من زاوية رؤية أخرى تختلف عن تلك التي تأتيها من مذياعها الصغير .. فهناك ، حيث ( الشعب ) ترى بعين رافضة التغيّر الجذري لمحدثي النعمة في سنوات الحصار العجاف .. فلا يكون منها إلا أن تنكمش في تعبير رفض بليغ ، وحتى أمام ( الحب ) ترتضي الخواء عوض الفرح في لحظة تحوّل للحب إلى المحدث و المريب .. لكنّها ، أيضاً .. لا تكف عن الحلم .. كما ( الشعب ) بحلم يمشي على الأرض ، رغم ما في فكرة التبخـّـر التي اقترحها ( عبد الملك ) أمامها من رائحة محبـّـبـة !! يا ليتنا نتبخـّـر ! ألا تجدين فكرة التبخر جميلة إذن ؟ لولا أنها تحتاج أن نكون أخف مما نحن عليه ككائنات. 6 هي الأمنية في ألا يعبث بهم الدود ، وألا يدبّ بهم الفساد ! إن لم يكن في الحياة ، فعلى الأقل في الممات !! هي أن تتحرر من ارتباطكَ بأي شيء حتى من جاذبية الأرض .. حتى من كسركَ قيد الحياة لتبقى على قيد الحياة .. ( بلقيس ) التي تنأخذ – كأي امرأة – بإناء كرستالي مذهّب ، و بأغنيةٍ عاطفية كَ : مشغول و حياتك مشغول ، تأخذها الحرب التي ظنـّـت في ذلك اليوم الجميل أنها من المستحيل أن تقع 7 إلى اليوم الأكثر إيلاماً لتنشغل به لآخر ( العمر). *** قال الابن لمستشاره للسعادة القومية : •- ماذا تظن سيسموننا بعد عشرين عاماً ؟ •- المحاربون القدماء قال الابن : •- لا أحب هذا الاسم قال المستشار : •- لا أحد يحبه سيدي . 8 ( الغطاريس ) هكذا تسميهم الكاتبة ، اسماً يليق بالغطرسة التي آن لها أن تنكسر.. الأب ، و الابن و حاشيتهما : ( الغطاريس ) ، وطـُـبـِع الاسم ( علامة مسجلة ) في الفصل الأخير من نبوءة فرعون ، فصل ( الغطاريس ) الأخير ليس هروباً من جلد الذات ، أنتَ الذي تؤمن بِ ( أن كل انسان جريء و شريف يبحث في كل شيء عن قسطه من المسؤولية. 9 ) و إنما حرجاً من أن تثبت وجودكَ هنا ، أنتَ الذي ما بحثتَ يوماً عن حجة غياب .. ستتمنّى أن تُـعتـَق أنتَ ، وذاكرتكَ من ( العصور الوسطى ) .. خلافاً للضحكة التي سطّرت بدايات الرواية : قال ( مشمش ) لوالدته : •- كنت أتمنى أن أعيش في العصور الوسطى •- حقــّــاً ؟! و لماذا ؟! •- لتكون دروس التاريخ التي يجب أن أستذكرها أقل !! 10 فدروس الألم التي ستـُـحفـَظـُ فيكَ غـيـبـاً لها وقع البساطيل في ( بغداد ) 2003 !! وانفتح قميص بغداد ، ورضع الجميع لبناً مراً 11 يصبح الفقد عنوان كل شيء .. ما حرص المرء أن يحتفظ به ، وما هدره و يصبح الموت ليس أسوأ ما يصيب الانسان في هذه الظروف ، إنما هي المظالم التي بلغت حداً كابوسياً 12 فمن تراه سيجد الحياة في بحثه قفزاً عن الجثث المنتفخة ؟ و الفرق بين ميت و حي حبة أسبرين ؟ 13 فيما الأمريكي يبتسم بود ، و يلاعب طفلة كانت تجلس في حضن أمها في الحافلة .. قال : هلو فقالت له أمها : هلو ثم قال بعربية ركيكة : •- اضحكي ، لماذا لا تضحكين ؟ و لكن الطفلة لم تضحك ، وضحكت أمها ببلاهة بدلاً منها !! 14 ألـكَ دمعة لا تطفر لهذه الجملة الباكية ؟ لعلّ ما يتبقــّى لِ ( بلقيس ) قصص على شاطئ دجلة ، و عين تمتلأ بأكمام فارغة .. ويتبقى لك في صفحتين فرصةً للتفاؤل علها تشغل بالك العاطل عن الأمل .. ففي الاكواريوم الزجاجي .. هناك من يلبس الدرع كاملة. *** اقرأ الرواية هنا : www.alnakhlahwaaljeeran.com/maysaloon%20hadi-naboaat%20firuoon.htm *** 1 نبوءة فرعون/ميسلون هادي ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، الطبعة الثانية2007 ، ص : 184 2 المصدر السابق ، ص : 27 3 المصدر السابق ، ص : 183 4 قصائد في الحب و الموت/عبد الرزاق عبد الواحد 5 قصائد من زمن الحصار/جليل خزعل 6 نبوءة فرعون ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، الطبعة الثانية2007 ، ص : 34 7 المصدر السابق ، ص : 120 8 المصدر السابق ، ص : 123 9 لينين ، في مسرحية ميخائيل شاتروف : قـُدماً .. قـُدماً .. قـُدماً 10 نبوءة فرعون ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، الطبعة الثانية2007 ، ص : 11 11 المصدر السابق ، ص : 137 12 المصدر السابق ، ص : 152 13 المصدر السابق ، ص : 126 14 المصدر السابق ، ص : 154 |
شاهد أيضاً
ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.
ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …