ماماتور باباتور – نجاح كبة

التكنيك الإسلوبي في قصص ماما تور …. بابا تور

تجاوز السرد التقليدي

نجاح هادي كبة

جريدة الزمان

9-5-2017

في مجموعتها القصصية ( ماما تور… بابا تور) البالغة ثلاث عشرة قصة قصيرة الصادرة عن دار الشؤون بغداد . تتوغل ميسلون هادي في تأطير قصصها بصياغة أسلوبية تقتحم بها عالم الحداثة وما بعد الحداثة ، فهي تجرب أكثر من أسلوب حداثي في مدونتها القصصية            

–  الأنفة الذكر –  لأنها تطوع الفانتازيا واللامعقول كالخيال العلمي وأسلوب الأسطورة في البناء السردي لتفاجئ القارئ بلا معقولية حياة الانسان المعاصر واغترابه –  او هكذا هي ترى –  بأسلوب ساخر وما تنحدر إلية البشرية نحو إفرازات عالمنا المعاصر موظفة عنوانات تحدث الانقسام العقلي لدى القارئ مثل : بابا تور –  ماما تور / كوبي بيست او “اجل ” الاكواريوم فوتوكوبي وعنوانات  أخرى كلاسية او متناصة  مع مأثور التراث مثل “الهدايا العشر ” في ضوء الوصايا المقدسة اليهودية –  المسيحية ” الوصايا العشر” او مع تراث العصر الجاهلي مثل قصة حقيقية … صيحة الهامة ومثل : ألم تنس شيئا قبل ان تخرج / الخطأ القاتل / لتتضافر العنوانات  المتضادة مع المضمون ألغرائبي واللامعقول لانتاج القص . ان استناد القاصة لكل ماهو غرائبي أو لامعقول  في المضمون جعل القارئ لا يعير اهتماما كبيرا للصياغة البلاغية –  الشاعرية للمبنى السردي بل يتوجه القارئ بكل مشاعره وأفكاره ليعجب بالمتن السردي ليكتشف الحبكة الدرامية والحصول على أهداف القص التي تاتي انسيابية ومتسقة مع المضمون ، جاءت القصة الأولى من مجموعتها بعنوان” الهدايا العشر ” مبئرة القص على شكل دايلوج بعشر وصايا- ان صح التعبير –  ولذلك كان العنوان مفتاح النص –  كما يؤكد جنيت –  وبأسلوب المناقشة الحرة بين اثنين بمضمون سادي لكل بهرج متكلف من بهارج الحضارة المعاصرة مع توظيف الراوي كلي العلم (البيت الذي دخل اليه الرجلان المبعوثان من المحكمة لم يختاراه بشكل مقصود ….. ذلك البيت الذي قررا الدخول اليه وعدم البحث عن مكان اخر ،كان حسب ظنهما سيكفي لتقديم الأدلة المطلوبة على جريمة الانسان المدلل … رفع المبعوث الأول أثرا محددا من اثار الانسان المدلل وهو مجلة أسبوعية اسمها ” الجمال والرفاهية ” تحتوي على عدد هائل من الأوراق السميكة وتتصدرها صورة لماعة لامرأة لطخت وجهها بألوان ، سأل الثاني  – كل هذه الأوراق المصنوعة من سليلوز الأشجار لكي يصبغون ( كذا ) النساء ثم ينشرون (كذا) صورهن ؟ ومن هذه المرأة ؟ هل ضربها احد؟ ضحك المبعوث الثاني لا سيدي هذا هو مايسمى بالمكياج في زمن الجد والجدة ) ص:6 فالقاصة في هذه القصة تقلب احداث الزمن الحاضر الى المستقبل على لسان شهود يحكمون عليه هم أحفادنا وليروا ماحل بنا من تطرف حضاري –  ان صح التعبير- اذن تحاول القاصة من هذا التبئير السردي كشف أخطاء الجيل المعاصر للأجيال القابلة . في قصة عطر الوردة تنتقد القاصة المبالغة في استعمال العطور وبأسلوب الدايلوج تصور القاصة انتشار العطور في البيت وكأنه لص يحاول الآخرون الانقضاض عليه كما انها لا تألو جهدا من توظيف الراوي كلي العلم ليكون شاهدا على ضياع شهر الربيع وتفتح القداح والأزهار وهو علامة سيمائية على الترف الحضاري الذي يخرج عن المعقول للإنسان المعاصر . في قصة كوبي بيست يتضح المبنى الميتا – سردي للقاصة فهي تصور عالما وهميا من البشر تراقبه عين الكاميرا  ( خلف تلك العين الجاحظة يوجد كاتب وكاتبة … ثم يكتبان في لوح الحروف مايفعله هذا الانسان لحظة بلحظة .. كان يومه يتكرر بشكل ممل …) ص :19 ثم تعرج القاصة على المحنة العراقية كسجن بوكا والتهجير والموت المجاني ( غريب ان ينجو احد من الموت بشهادة مزورة ) ص:20 وهكذا تصف القاصة محنة الانسان والعراقي بخاصة لتختم القصة     

بكلمة ( اجل ) بدلا من (لا) للدلالة على تدهور الواقع من سيء الى أسوا . في قصة الاكواريوم تكشف القاصة عن قدرتها على الوصف وصف حوض الأسماك الجميل وما فيه من شائق وممتع (وحتى من كان خجولا بين الأسماك ،كتلك السمكة الوردية الفاتحة اللون التي تتقي الشر بالانطواء . فان الخجل لا يمنعها من ان تهبط الان الى قاع الحوض لقضم حفنة هنية من التراب الأبيض المفروش …) ص 23 .

انسان مغترب

وتعقد القاصة مقارنة بين حال الانسان المعاصر المغترب وجمال السمك بألوانه الجميلة وهو في حوض الأسماك الشائق وكأن القاصة تريد ان تنتشل الانسان من وهدته بعد ان اشبعته انتقادا اما في قصة ” انا الدليل … انا أضيع “فيبدو أسلوب مبنى الميتا –  سردي مدهشا فهي تصور –  عالما اخر غير عالمنا ( لديهم في أجسادهم مرشات ضوئية تغطي مسافات بعيدة من الأميال –  ولديهم هذه الشبكات السمية أيضا … انها تصنع الموت للكائن البشري فقط وتؤدي الى سريان دمه في اكثر من اتجاه … ثم يموت … فلا تدعني أموت …. ولاتدعني أنام ) ص:28 ثم بأسلوب ماكر تحاول القاصة ان تخدع القارئ ليشعر بالمتعة ثم اللذة – بحسب رولان بارت –  تقول : ارجو ان تصدقوا هذه الحكاية الغريبة قبل ان انتهي منها … لقد حدثت فعلا قبل ملايين السنين )ص:30 اما سبب الحكاية ( وعند ما فاض الكيل بنا أفرجنا عن فكرة ” النهاية ” التي تضع حدا لكل مشكلة تعترضنا بدون الحاجة للاستعانة بالصواريخ التي تطلق عن بعد …) ص :31 وفي قصة لغة الزمان تبئر القصة بأسلوب الراوي كلي العلم والقارئ الضمني .  ولحل اشكالية الحياة المعاصرة تحاول القاصة في هذه القصة ان تحل الإشارات والرموز بدلا من الكلام بعد ان أصبح كلام الانسان المعاصر فضفضة زائدة نتيجة الكلام المترهل والثرثرة الفارغة والكلمات غير الضرورية وان يرجع الانسان الى فطرته الطبيعية الاولى في التحدث بالإشارات كما كان أسلافنا القدماء وكأنها دعوة تشبه دعوة جان جاك روسو بالعودة الى الطبيعة في التربية مع المفارقة ( ضحكت من نفسي وانا اؤشر الرقم “5” بأصابعي للعجوز صاحب المخبز وبدا هو عصبيا متعكر المزاج وغير راض عن الذي يحدث إطلاقا .. وانا أحاول ان أفهمه بإشارة بليدة بان هذا الصمت أرحم الية من الضجيج الملعون ) ص:40 وترجع القاصة كرة ثانية لتصف كيف اتسق أسلافنا بفطرتهم مع فطرة الطبيعة وابتعدوا عن كل ما هو زائف من بهارج الحياة المتكلفة ؟ وتوظف القاصة عنصرا سرديا هو الحكاية الشعبية وكيف قضى الانسان المحارب على الفنان لتصل الى الضربة المفاجئة بأسلوب ساخر بان هذه الحكاية تتكرر بشكل أجرائي مثير في عالمنا المعاصر ثم تستمر القاصة بعرض شريط الموت لان حقيقة الحياة وراءها الموت وهي تعيد الى أذهاننا ماجرى لكلكامش . في قصة ( الم تنس شيئا قبل ان تخرج ؟ ) عبرت القصة عن جمود عاطفة الانسان المعاصر وسيطرة العلم والتكنولوجيا عليه وقد صاغتها القاصة بأسلوب المبنى الميتا –  سردي ( قالت :-الم تنس شيئا قبل ان تخرج ؟ التفت اليها ونظر الى وجهها وقال : كنت أود ذلك ، ولكن تركت “طوق العاطفة ” في معمل الصيانة وظلت هي واقفة في مكانها كما تنظر اليه وهو يتركها يمضي ) ص :54 لتعيد الى الأذهان من ان لا جدوى من الوجود كما يوكد ذلك الوجوديون ،وقد وظفت القاصة أسلوب الروبورتاج الصحفي في البناء السردي .

اسلوب واقعي

اما اخر قصة في المجموعة فهي قصة “الخطأ القاتل ” اذ وظفت القاصة فيها الأسلوب الواقعي ألانتقادي وهي أطول قصص المجموعة تحكي الظلم الذكوري للمرأة ممثلا بزوجها الإعلامي وكادر العمل في الصحراء ، المرأة  تعاني من مرض نفسي تتناول المهدئات للشفاء منه اثر استرجاعها الماضي وهو وفاة والدها في حادث انقلاب سيارة هذا الحادث يتراءى لها على الدوام اما زوجها فبعيد عنها لأنه منهمك في عمله ، لكن الملاحظ ان هذه القصة مطت  طولا واصبح التبئير فيها ضعيفا كما انها تبدو ناشزة عن أسلوب قصص المجموعة لواقعيتها الا في عنصر واحد من عناصر السرد هو عثور المرأة على نقود يرجع تاريخها الى سنة 2020م ما جعلها هنا تتناص مع قصة اهل الكهف في القرآن الكريم في أحدى جوانبها

لابد من الإشارة الى ان ميسلون هادي في مجموعتها القصصية ” ماما تور … باباتور ” استطاعت ان تتجاوز السرد التقليدي الذي دأب عليه أكثر كتاب القصة واستطاعت أيضا ان تفيد من رؤى وأفكار كالحكاية الشعبية وأسلوب الأسطورة والخيال العلمي بأسلوب المبنى الميتا –  سردي عموما وقصص مجموعتها –  الانفة الذكر –  تتراوح بين المنولوجية  (أي ذات صوت واحد ) او بولوفونية ( أي متعددة الاصوات ) .                                                                        

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *