صبري حافظ – العالم ناقصاً واحد

19/11/2002 05:44:54
الألم العراقى فى رواية “العالم ناقصا واحد”
بقلم: د. صبرى حافظ
  جاءتنى رواية الكاتبة العراقية ميسلون هادى “العالم ناقصا واحد” من قلب العراق الأبيّ المحاصر والمستهدف، وكأنها صرخة أدبية راقية تطلب من المثقف العربى أن ينتبه لما يدور فى داخل هذه الرقعة العزيزة والمستهدفة من وطننا العربي. وألا يشارك ــ بوعى أو بغير وعى ــ فى عملية الحصار الظالمة المفروضة عليه بعسف الهيمنة الأمريكية التى تريد الاستيلاء على خيرات الوطن العربي، ونفطه والتحكم فى ساسته وسياساته. ويزعجها، بل يقض حلمها الغاشم فى السيطرة على مقدرات العالم، أن يبقى صوت عربى واحد يرفض الانصياع لمخططاتها المشبوهة. جاءتنى هذه الرواية بمبادرة كريمة من القاصة ثبات نايف فشكرا لها على هذه المبادرة التى تساهم فى كسر أطواق ذلك الحصار الجائر على العراق. وهو حصار عملت منذ أمد غير قصير على ضرورة ألا يمتد إلى الثقافة، وألا ينال من قدرتها على الرفض والمقاومة وخلق جسور التواصل بين العرب. لأنه إن كان باستطاعة الغطرسة الأمريكية أن تفرض هيمنتها على الأنظمة العربية الخانعة والمأجورة، وأن تحكم بها طوق الحصار الظالم على العراق، فلا بد للثقافة العربية أن تؤكد حريتها واستقلالها وتمردها على مخطط الحصار الأمريكي. وأن ترفض خنوع الأنظمة العربية وضلوع بعضها فى إحكام قبضة الاستعمار الأمريكى على الواقع العربي، وتعزيز احتلاله العسكرى للجزيرة والخليج. ولا بد للمثقف العربى الحر وللثقافة العربية القومية أن تقاوم هذا الخنوع والهوان، وأن تفك الحصار المفروض على العراق وأدبه، والذى تفرضه هيمنة النفيطيات العربية القميئة على الإعلام والثقافة.

كتابة مشهدية
لذلك عكفت على قراءة رواية مسيون هادى الجميلة فور وصولها، وأدركت عقب فراغى من قراءتها مدى ما تنطوى عليه من نضج سردي، وتجربة إنسانية حية تسجل لنا فداحة الوجع العراقى وجراحه الغائرة، وصلابة الإنسان العراقى ونبله الطبيعى فى مواجهة هذا القدر الغاشم الذى فرضته عليه الغطرسة الأمريكية والخنوع العربى معا. فهى أول رواية عراقية فيما قرأت تسجل لنا تجربة معاناة الإنسان العراقى إبان حرب “عاصفة العار” فى الصحراء العربية، حرب “تحرير الكويت” أو بالأحرى استعمارها أمريكيا، وترسيخ الوجود العسكرى الأمريكى فى الجزيرة والخليج. وتتكون الرواية من خمسة عشر فصلا قصيرا تنحو فى بنيتها السردية إلى ما سبق أن دعوته بالكتابة المشهدية التى تركز على المشهد الحى وتحاول التقاط أدق التفاصيل التى تجسده حيا نابضا بالحركة أمام القارئ أو فى وعيه. وبناء النص الروائى من خلال علاقات التراكم والتجاور بين هذه المشاهد وجدلياتها. ويبدأ الفصل الأول أو بالأحرى المشهد الأول قرب الفجر، حوالى الرابعة صباحا، وهو توقيت له دلالاته الحرجة، بالأب الساهر القلق الذى لم يغمض له جفن، وكأنه يحدس اقتراب مصيبة، وبطرقات على الباب فى هذا الوقت غير المتوفع فيه الطرق. وتجسد الكاتبة لنا منذ الصفحة الأولى مفارقة هذه البداية التى يتجمد الأب بسببها فى فراشه، وكأنه قد فقد قدرته على الحراك (ص5) أو كأنه يحدس ما سيحدث ولا يريد أن يستقدمه، أو كأن هذا الشلل المؤقت هو مقاومته الوحيدة الممكنة إزاء هذا الواقع الشائه الغريب. بينما تهرع الأم وهى مدفوعة برعب لا يقاوم إلى الباب وقد نسيت لأول مرة فى حياتها أن تضع طاقم الأسنان فى فمها قبل أن تفتح الباب لشخص غريب (ص5). بهذه الضربات الحادة السريعة كضربات فرشاة الرسام الماهر ترسم لنا الكاتبة المشهد وتقدم لنا الشخصيتين الأساسيتين: الأب الذى جمدته المفاجأة، والأم التى سقطت أسنانها، والليل البهيم المترع بالمفاجآت.

حادث أليم
وما أن يفتح الباب حتى نجد قرويا غريبا يتلعثم فى اعتذاره عن المجيء فى هذا الوقت الغريب، وهو يطمئن الأسرة بألا تقلق، معلنا أنه جاء من “كلر” وهى قرية فى السليمانية تقع عند الحدود الإيرانية، وأن الأب مطلوب للوحدة العسكرية التى يعمل فيها ابنه. وهو زعم نعرف أنه اخترعه حتى ينفرد بالأب وحده ليتمكن من إبلاغه بالحقيقة. والحقيقة مرّة لأنها تنطوى على استشهاد الإبن “علي” الذى كان طيارا وسقطت طائرته السمتية، وأنه حينما أراد رفع رأسه بعد سقوط الطائرة ضربته مروحتها فى رأسه فمات بينما كان الطيار الآخر جريحا فأخذ أسيرا. ودفن رجال لا يعرفهم الجثة، ووجدت زوجة الرجل الذى يقع بيته قرب مكان سقوط الطائرة سترة “علي” فوق مكان الدفن، وبها أوراقه فاحتفظت بها خوفا من أن يسرقها أحد، وطلبت من زوجها توصيلها لأهله وإعلامهم بما حدث وكان عليه الانتظار ثلاثة أسابيع حتى أعلنت أمريكا وقف إطلاق النار، فجاء إليهم يسلمهم السترة ويخبرهم بما شاهدته زوجته. وصحبه القروى الكردى إلى مكان الحادث، ولما نبش حفار القبور الجثة بعد مرور ثلاثة أسابيع على دفنها لأول مرة. وجد الأب نفسه أمام وجه غامق مدمر وممحو، وملابس عسكرية بقعها التراب والرطوبة. كان الوجه قد أصبح مزيجا من التراب والدم، وكانت نظرة واحدة طويلة أطول بكثير مما يتحمله الأب …غاص قلب الأب فى كهف مظلم وعميق، ثم تصاعد دخان كثيف جعله يشعر بدوار خفيف. حاول أن يسترجع نفسه لوهلة قصيرة كى يعيد النظر إلى الجثة التى أمامه ويتأملها جيدا مهما سبب ذلك له من ألم، ولكن حفار القبور أدرك محنة الأب وعذابه (ص16) فوضع الجثة فى التابوت دون أن يتأكد الأب كلية، وإن لم تكن حال الجثة تسمح له بالتأكد.

عذاب العزاء
ويعود الأب بالجثة، ويدفنها فى مقابر العائلة، وتقيم الأسرة مأتم العزاء، وتتابع مشاهد الحزن وطقوس تأبين الموتى و صرخات كل النسوة اللاطمات بأسماء أولادهن، وكل الأولاد شهداء (ص18) ودوى الصراخ باسم الشهيد علاوى … علاوى … علاوى (ص21) وأخذ الموت يكرس وجوده كحقيقة مرّة من خلال طقوس العزاء، وأسئلة الصبى البريئة، فينهار الأب فى بكاء مرير، ويتبعه نشيج الرجال. الذين أخذوا يبكون لوعة الأب ووجعه أكثر مما يبكون الإبن الذى مات. وتكرس الرواية بقية فصولها لتجسيد مشاهد متتابعة من معايشة الإنسان العراقى للموت، وكيف تمضى به الحياة اليومية فى حضور الموت الرازح، أو بالأحرى كيف تسعى الحياة اليومية لاستنقاذ حياة … أى حياة … من براثن هذا الموت العبثى الذى يأخذ “علاوي” وهو فى شرخ الشباب. فنتعرف على مشهد الأم وهى تعاقر أوجاع الفقد، وتتحمل وفود الزوار الذين يمدون سياط الكمات فى جراحها الطرية المدماة (ص23)، ولكنها لا تستطيع تحمل انقطاعهم بعد انقضاء اليوم السابع الذى انتهى بعده العزاء وحان وقت معايشة الفقد والرحيل على حدة، هى والأب وحدهما. فحتى أهازيج التعديد التى تتحدث عن الشهيد الذى أحضروه ملفوفا بالعلم لم تعد تسمع فى الدار، لأن جثة الأبن لم تجئ ملفوفة بعلم، ولم تحظ بالاعتراف الرسمى بتضحيتها. وإنما بقى الأمر كله فى دائرة الشك والالتباس. لا تنفع معه كلمات الطيار الذى جاء للعزاء وهو يواسى الأم ويهون عليها مصيبتها بأنه القدر والمكتوب قسمته يا أمي. إننا فى الجبهة نقول إن القذيفة تنطلق وهى تحمل معها أسماء الذين سيقتلون بها. ألم يجئه الموت من مروحة طائرته نفسها بعد أن أخطأته قذيفة العدو… قسمته يا أمي، قسمته (29)
شراء المقبرة
كل هذه المواساة لا تنفع بشيء فقد نزلت سحابة الموت السوداء على جدار بيتهم مثل بساط مشؤوم طالما كانت تراه على بيوت الآخرين، وتعتقد أنه سيتسلق كل الجدران إلا جدران بيتها (ص29) وبرغم هذا الرفض للموت الذى يعزز إرادة الحياة، فقد هبط الموت وأصبح على الأبوين الحياة معه شبحه الكئيب، مع أن كل شيء فى البيت يشى بآثار على لا بآثار موته (ص32) ويبدأ الموت فى فرض نفسه على الواقع اليومي. ويكشف الفصل السابع/ المشهد السابع فى مقبرة الكرخ واستعادة الأب لتاريخ شرائه للمقبرة، كيف كانت هذه المقبرة غير مأهولة قبل عشر سنوات، كان ذلك فى العام الأول لبدء الحرب مع إيران، وكان على فى الرابعة عشرة من عمره، ولم يكن ليخطر على بال أحد أن هذا الطفل سيدرك حربا أخرى ويستشهد فيها ليكون أول من يدشن مقبرة العائلة هذه. إلا أن الأب عندما عاد إليها لدفن ابنه بعد عشر سنوات هاله أن يراها مدكوكة بالقبور التى تعلن شواهدها عن أعمال الذين أهلوها، وكلهم بمثل عمر على أو قريبا منه (ص42) فى نوع من تجسيد تاريخ هذه السنوات العشر المريرة والمترعة بالشهداء. فالمشهد العراقى الأليم مشهد موت ودمار، تتنامى فيه القبور، ويتناقص فيه سكان البيوت باستمرار. وهو موت بشع لا يوفر حتى الأجنة فى الأرحام ثم قالت لنا قبل أن يسقط رأسها على كتفها وتنام إن قريبتها قد جاءها المخاض قبل أوانها فرزقت بطفل ميت (ص51) وهو موت رازح يذكرنا النص ببعض تواريخه الفاجعة، وهو يرهف ذاكرته الداخلية. تقول جارتنا إن قريبتها وأبناءها الثلاثة احترقوا داخل ملجأ العامرية (ص46). الذى قصفته الطائرات الأمريكية بأحدث القنابل القادرة على اختراق سقوف الملاجيء الخرسانية السميكة وحرق كل من فيها أحياء.

المطر الأسود
فالنص مشغول بإرهاف ذاكرته التاريخية، وبوضع هذا الموت الرازح فى سياقه الدامي. يذكرنا بما حدث عندما جاءت الطائرات الأمريكية لتقصفنا فى برد الشتاء، هجعنا داخل البيوت لحين أن ينتهى الضجيج ويسفر كابوسه المجنون عن صباح (ص52) وكيف أنه عندما انتهت أيام القصف الثلاثة والأربعون أمطرت السماء مطرا أسود، لا تزال آثاره ناصلة سوداء وموجودة بوضوح فوق أسيجة المنازل والسطوح (ص59) ولكنه مشغول أيضا بتسجيل وقع هذا الموت الفادح على هذه الأسرة العراقية البسيطة التى فقدت وحيدها فى حرب عاصفة العار العربي، المسماة بعاصفة الصحراء. وكيف بدأ التباس الموقف يقود الأب إلى رفض موت ابنه، ويستند فى هذا الرفض إلى التباس الملابسات، إلى تذكره أن الجثة كانت ترتدى سروالا طويلا من السراويل التحتية التى تلبس للوقاية من البرد فى الشتاء، مع أن “عليا” لم يكن لديه أى من هذه السراويل. وتؤكد الأم ــ وهى تريد أن تتشبث بأمل واه فى أن ابنها لا يزال على قيد الحياة، وأن الجثة كانت للطيار الآخر ــ أنه لم يعتد ارتداء مثل هذه السراويل. ولا نعرف حقيقة إذا ما كان أمر هذا السروال دليلا يثير الشك فى أن الجثة لعلي. لأن الأب ليس متأكدا تماما، ومن يمكنه التأكد من شيء فى هذا السياق الدامى المرير. ربما لم يكن السروال الداخلى الأزرق موجودا أصلا، وربما تخيلته، وربما كان موجودا فعلا لأن عليا اشتراه تحت وطأة البرد الشديد فى الجبال. وربما أعاره إياه زميله ذلك الطيار الآخر بسبب البرد، وربما … (ص65)

توحد مصير الإبنين
ويظل هذا الشك يساور الأبوين، حتى يستسلم الأب لإلحاح الأم بزيارة أسرة الطيار الآخر، ويذهب بالفعل لزيارتها، ولا تستطيع الزيارة أن تحسم الشك باليقين، وإنما تزيد من مصداقية الشك ولا توهن احتمالاته. وتكشف عن وحده المصير ومأساويته معا بالنسبة لكل من الأسرتين. ولا يجد الأب أى فائدة فى أن يقطع شكه باليقين لأن هذا اليقين لن يتحقق إلا على حساب تدمير أمل أسرة الطيار الآخر فى أن ابنها ما زال أسيرا فى مكان مجهول. فيكشف بذلك عن جلد ورجولة ونبل عراقى أصيل. ماذا يعنى من منهما الذى فى القبر الآن ومن منهما الذى فى الأسر؟ لم يعد يعنى له تبادل مصائر الإثنين شيئا ذا أهمية لأن الآخر أيضا مجهول المكان، وقد اخترع له أهله مصيرا وهميا وتعلقوا به، كما يتعلق بالغيب كل الفقراء والضعفاء والمظلومين. اخترعوا له أسرا وعرا مثل كل أمكنه الأسر الوعرة لافكاك منها ولا طريق إليها إلا عبر الأدعية والأمنيات (ص76) وتؤكد الرواية توحد مصير الطيارين ومصير الأسرتين حينما يطلب الأب فى نهايته رؤية صورة للطيار الآخر فيتخيل أنها صورة ابنه علي، وأنه ولد فى نفس عام ميلاد على عام 1965. وتترك الرواية هذا الالتباس فى نهايتها باعتباره الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذه الحالة ليس ثمة ما يؤكد أن الجثة التى دفنت هى لعلي، فربما تكون للطيار الآخر، لأن ما يعود لعلى هو السترة التى جاء بها الكردي، وربما تكون هذه السترة للطيار الذى أسر؟ هكذا انبثق الخاطر فى رأس الأب من جديد، وهكذا زلزلت هذه الفكرة كيانه مرة أخرى لتطبع لها موطئ قدم للأمل الحى الممكن. هكذا انفتح القبر من جديد، وسيظل هكذا فاغرا فمه فى رأس الأب للأبد (ص90)

التعلق بين الموت والأمل
بهذا التأكيد للأمل والشك والالتباس تنتهى الرواية تاركة للقارئ أن يتأمل جدل مشاهدها الواقعية المتتابعة والمتحاورة، وأن يقرأ فى هذا الجدل تفاصيل الحالة العراقية الملتبسة المعلقة بين الموت والأمل على الدوام. فتحت قشرة هذا المستوى الواقعى للأحداث والذى برعت الكاتبة فى نقش تفاصيلة فى أديم النسيج الروائى ببراعة تكشف لنا أن لكل تجربة موت فرادتها وثقلها المبهظ، تنسج ميسلون هادى مستويات متعددة للدلالات والرموز التى تجعل هذه الحالة البالغة الواقعية والمتعينة استعارة روائية للحالة العراقية الأعم. فالطيار الذى دفنت جثته قد سقط صريع مروحة طائرته السمتية قبل ثلاثة أسابيع من إعلان أمريكا وقف إطلاق النار، أى فى وسط أيام القصف الثلاثة والأربعين بالضبط، ليكون رمزا لكل ضحايا هذا العدوان الأمريكي/الثلاثينى الغاشم. فهاجس الرواية الأساسى هو أن تمنح الوجع العراقى وجها إنسانيا، وأن تكسب الذين احترقوا فى ملجأ العامرية وجها إنسانيا ووجعا عراقيا مضنيا. وهى لذلك مثقلة بالرموز الكثيرة التى تنسج خيوط الأمل فى طوايا النسجية العراقية القاتمة التى يجللها الموت والمطر الأمريكى الأسود بالدمار، فقد عادت ياسمينة على الذى زرعها فى قلب الباحة إلى الحياة، بعد أن ضربها الصقيع، وتوهمت الأسرة موتها، عادت للحياة بعد موته لتبعث فى الأسرة أملا مهما كان واهنا أو ضعيفا. والرواية فى مستوى من مستويات المعنى المتعددة فيها هى رواية عن معنى الموت، وعن قدرة الحياة على اجتيازه واستقطار الأمل من حلكته الدامسة.

بنية شعرية
وقد استطاعت الرواية تحقيق ذلك لأنها استخدمت بنية شعرية فى حقيقة الأمر تطوعها الكاتبة لمقتضيات السرد، بحيث يمكن دعوتها ببنية الترجيعات السردية المرهفة. لأنها بنية تجمع بين الترجيعات الشعرية الشفيفة التى نعرفها فى القصيدة الغنائية، والرجعات السردية إلى نفس اللحظة المأساوية التى ترهف الذاكرة وتراوغ العقل على رفض استيعاب ما جرى من ناحية أخري. وهى لهذا كله رواية جديرة بالقراءة والتأمل والدرس.
ويلاحظ المتابع للمشهد الروائى العربى المعاصر، أنها تؤسس ببينيتها المشهدية لوجود أواصر متينة بين هذه الكتابة العراقية والسرد الروائى التسعينى فى مصر خاصة، سرد الولع بالكتابة المشهدية والتقاط التفاصيل الصغيرة. وهذه الصلة بين بنية هذه الرواية وبنية روايات التسعينات العربية الأخرى تؤكد متانة الأواصر التى تربط كل أجزاء الكتابة العربية فى مختلف الأقطار بعضها بالبعض، وتزكى وحدتها البنيوية العميقة. لأن ما أثلج صدري، برغم قتامة العالم الذى تقدمه هذه الرواية وامتلائه بالأوجاع، هو أن هذه الرواية التى تخرج من قلب بغداد المحاصرة، شديدة الصلة بكل ما يدور فى واقع الكتابة الروائية الجديدة العربية من حيث المبنى والمعنى والحساسية الأدبية والرؤية معا. فهى رواية تثبت لنا فشل الحصار فى منع العراق عن أن يكون رافدا حيا للثقافة العربية، وفعالية مشاركته فى صياغة ملامحها، لأن الرواية تثبت لنا بما لا مجال للشك فيه أن العراق لم يكسر طوق العزلة والحصار المفروض عليه فحسب، بل يشارك فى رفد أحدث تيارات الكتابة السردية العربية بزاد وفير، يحاور كشوفها ويعزز إنجازاتها.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *