سعيدة هانم – نادية هناوي (جريدة الصباح)

الشخصيَّة الروائيَّة بين التوحُّد والتشظِّي

جريدة الصباح


18/8/2016

 د. نادية هناوي سعدون
تحتفي ميسلون هادي في روايتها (سعيدة هانم ويوم غد من السنة الماضية) والصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 2015 بالمكان جاعلة منه محورا تدور حوله الشخصيات.. وما مشكلة المكان سوى أنه يحفل بالمتضادات والمتناقضات الأمر الذي يشعر الشخصية الرئيسة سعيدة هانم بالامتعاض والضجر فيتشتت وعيها أزاءه وتتبرم من سوداويته وفوضويته.

  المكين والمكان

وهذا ما يولد تضادا نفسيا يجعلها ترى نفسها متشظية بين التماهي في المكان أو التضاد معه أو بكليهما معا والبغية هي البقاء على قيد الحياة، ولما كان المكين تابعا للمكان فإن من الحتمي والطبيعي ان يتشكل المتمكن فيه بحسب ذلك، لذا تحاول ألا تتشابه معه» وهذا هو بالضبط ما تفعله بعض السحالي الصغيرة عندما تتشابه مع بيئتها للدفاع عن نفسها»
ص20.
وتغدو الثلاثية التعادلية ( التماهي× التشابه × التلون) بمثابة البؤرة  الثيماتية للتشظي بهدف صنع عالم خاص لعله ينقذ الشخصية من اليأس، ويحول بينها وبين الضجر والتشتت وكل ذلك جرى على وفق خط كتابي ذي منزع واقعي غرائبي جسدته الرواية احداثا
وشخصيات..

  إنتماء إيجابي

وعلى الرغم من أن المكان بمرارته وفوضويته قد سبب لسعيدة هانم انشطار وعيها إلا أنها آثرت الالتصاق بالبيت/ المكان لتكون هي المتمكن فيه المنتمي بإيجابية بعكس أخيها سليمان بيك الذي ظل عاجزا وسلبيا غير منتمٍ للبيت متنكرا له ولذكرياته مهاجرا إلى كندا بلمح البصر «ضاق باشتعال الأخضر واليابس في الحرب التي بدأت ولم تنته.. وصار البيت يداهمه الحرس في الليل والنهار» ص21 .
ولقد أفلح استعمال أسلوبية رسم اللوحات، التي كانت مليكة جان تنتقي موادها الاولية من النفايات والمهملات التي يعجبها المكان/البيت لتحول البشع إلى جميل في تدعيم السرد بتقانة الوصف لتنعكس عبرهما حساسية الواقع
المعيش..

 إنكسار داخلي

وتكون الرحلات السياحية الوهمية إلى أمكنة مثل الشمال ومصر والشام بصحبة العمة حورية تعبيرا عن انكسار الشخصية الداخلي أيضا وولعها بالهروب من بشاعة واقعها لعلها تنجو منه.. ولكونها تظل تكابد روتين الواقع المضجر والفراغ واللامعنى الفضفاض والسرمدي، فإنها تقع فريسة لهواجس الوحدة والانعزال فتكون ضحية الجنون بسبب الاعتياد
والرتابة.
ولذلك تتخيل لها قرينا يرافقها شبيها بها مؤنثا تظنه أختها وتعطيه اسم مليكة جان وتجعله يشاركها البيت والعمل «معها حق مليكة جان ان تبحث في علاقة الجوهر بالمظهر بين المكان والمتمكن فيه، معها حق في ان تخاف على نفسها بالأخير من ان تتحول هي الأخرى إلى قمامة إذا ما مكثت طويلا في هذا المكان»
ص134.

  إزدواج الذات

ولما كانت مليكة هي ذاتها سعيدة لذلك فإننا سنجد تفسيرا لكل حركة أو تصرف أو سلوك يصدر عن كل واحدة منهما «في المساء متكورة على نفسها مثل قطعة مخربطة من غطاء الفراش جلوسها ذلك يعبر بشكل مضحك عما كانت عليه فعلا فهي مشوشة على الدوام لأنها تريد ان تجمع بين ما تفكر به وبين ما يجب ان
تفعله فتجده متناقضا إلى حد كبير» ص51. ولأن الواقع يشعرها بالتقزز والقرف والتشوه لذلك تظل البشاعة تلاحقها في خيالها لتبدو غريبة الأطوار وهي تحاول الكشف والمعرفة وامتلاك الإرادة وما هذا الشعور إلا بسبب التضاد النفسي أزاء ما تفكر فيه مليكة جان التي ملكت على سعيدة دواخلها فصارت مثل ظلها «فعلا كنت أشعر بأني لست أنا ووجدت
 نفسي..لا أعرف أين أدير وجهي من نظرات مليكة جان» ص42 وتمتعض من نفسها أيضا «وظلت تبصق على نفسها فترة طويلة أمام المرآة.. مليكة جان لا زالت تبصق على نفسها» ولكون سعيدة تسمع همس مليكة وصراخها الداخلي وأسئلتها وأجوبتها لذلك تندفع عفويا متمردة على السكوت ومحتجة على الصمت بأزاء ما يجري في الواقع.. « كنت أحاول أن أعثر لها على تفسير لهذه الظاهرة ولكن لا تفسير محدد سوى أنها تريد التغلب على الزمن وتبحث عن حياة جديدة لكل شيء يختفي من حياتها» ص31 .
وهكذا تظل الشخصية الرئيسة متشظية إلى ما لانهاية ما دام القرين (مليكة جان) يطبع المكان أشياء وموجودات بطابع خيالي فيفقد الزمن وظيفته ويتساوى الغد مع الأمس ويكون الماضي هو المستقبل.. وما التشظي هنا إلا ترميز على ازدواج الذات في ظل واقع معيش غمرته المآسي
والمنغصات..

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

نبوءة فرعون – وسن مرشد

وسن مرشد   توظيف التراث الشعبي وأهميته، قراءة في رواية “نبوءة فرعون”لـ (ميسلون هادي) يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *