ايمان عبد الحسين – ماماتور باباتور

مفتتح للقاصة ميسلون هادي

غرائبية الوصف في كوبي بيست

ايمان عبد الحسين

جريدة الزمان

 8-2-2017

ما لاشك فيه حين تضع القاصة ميسلون هادي بالمفتتح الاستهلالي لقصة كوبي بيست او من اجل المجموعة القصصية الصادرة عن دار الشؤون الثقافية بعنوان ماماتور باباتور، قارئها في المناخ الفنتازي ،من خلال الوصف الموغل بغرائبيته لشخصية فنتازية متجسدة على هيئة كانت هوائي في  بعده المادي،  هدفها التواصل مع القراء والتأثير فيهم وإثارة انتباههم واعدادهم لتقبل ما سيجري من أحداث مفاجئة، اي ان ماتتسم به الشخصية بهذا القدر الكبير من الغرائبية باعتبارها وسيلة تمهد لاختراق اجواء غرائبية ستاتي لاحقا، وهو ما جعل القصة تبقى مفتوحة ومشرعة على احتمالات واحداث واجواء غير محدودة ، بعبارة اخرى ان الاستهلال يمثل هنا المحرك في توجيه القـراءة في إطار ماتريد القاصة التاكيد عليه (تكاثر ساكنو الهواء الذين اضمحلت اطرافهم السفلية الى النصف واصبحت تكفي جورابات الاقدام الطويلة لتغطية جلودتلك الاطراف بالكامل اما رؤوسهم المنحوتة على شكل انابيق تغلي فيها الافكار وتفقفق تصل من جهة اليمين بقرص جلدي اسوداللون يلتصق على الاذن اليمنى ومن جهة الشمال بقرص جلدي اخر يلتصق على الاذن اليسرى تتكامل فيه الاصوات القادمة من بعيد) .

وما يلاحظ بوضوح ان وصف الشخصية الهوائية وأبعادها تاتي هنا متناقضة ما بين فعل الاختزال وضالة الجسد من جهة، وما بين الرؤوس المنحوتة على شكل انابيق تغلي فيها الافكارمما تجعلها تنماز بفاعليتها من جهة ثانية، من هنا يضحى وصف الجسد خالقاً للمعنى ومرسخا للدلالة المركزية للقصة و ما يجعل اي دوال تحمل مؤشراتها الدلالية، وربما ان الحالة الغرائبية التي وضعت فيها الكاتبة الكائنات الهوائية تأتي كنوع من التمرد على نمطية الكائن الارضي ، اضافة الى انه ربما تجيء كرد فعل ضد الكائن الارضي الانسان الذي تحاول القاصة ادانة ضعفه على مدار المجموعة القصصية فانه هنا على رغم كل ما لديه من الحشد في التفاصيل والزوائد الا انه عبارة عن كائن ضعيف ينطوي على حالة من الوهن تجعله مخترقا من قبل قوى اخرى تراقبه في غفلة عنه، وان القاصة ميسلون قد تفنّنت في لعبة الاختفاء والتاكيد على وجود الشخص الثالث في اكثر من قصة ، (يوجد كاتب وكاتبة يسكنان الهواء يراقبان الانسان الحزين ويسجلان حركاته وهيمناته ثم يكتبان في لوح الحروف ما يفعله هذا الانسان لحظة بلحظة) (كوة الكاميرا المخفية موضوعة امام الانسان الحزين تراقبه وتنظر اليه عبر كرة سوداء جاحضة تشبع عيون الحرباء خلف تلك العين الجاحظة).

تبعا لما سبق فان الواقع الذي تطرحه القصة هو واقع يحمل في هيئته الخارجية ماساته ، شخصيات ذات أدوار سلبية لا دور لها سوى أن تأكل وتشرب مع ان واقعة تحت السيطرة والقمع والمراقبة (ما يفعله هذا الانسان لحظة بلحظة الان نهض الان  اكل الان تكلم الان سكت الان ذهب الى دورة المياه يرقبانه كلما سمح الوقت بذلك وهو لا يدري ان هناك من يكتب بالنيابة عنه قصة حياته  كان يومه يتكرر بشكل ممل يمكن تسريعه للقفز على بعض التفاصيل المتشابه).

تصورات خاطئة

و تبرز خطورة ما تتعرض له الشخصيات من تشظ ما يجعلها تحمل بذور فنائها في داخلها ، بما تحمله من قيم وتصورات خاطئة نتيجة لاهتمامها بما هو ضد خيرها والسعي بدورها الى فنائه بالحروب والقتل وهذا ما رأيناه في الاقتتال وإنتاج الحروب  (الناس على مسرح الرعب يتراكضون في كل اتجاه وكانهم هاربون من بين نمل صببت عليه للتو دلوا من الماء يرى ذلك كله ويتشمم رائحة الحرائق متعلقة بذرات الهواء ولا يتخيل قط ان ما يراه له وجود حقيقية على الارض او ان شظاياه يمكن ان تصيب منه مقتلا وبهذا الوهم على الاكثر يمكث الناس  في بيوتهم ولا يغادورونها طويلا اثناء الحرب).

 وبهذا نرى ان القاصة التي تسعى في اكثر من قصة التاكيد ان الشيء لا يظهر إلاّ بضدّه، أوجدت له نقيضا هنا هو الكائن الهوائي واوجدت فضاءين في القصة فضاء الهواء وفضاء الارض،  وبهذا تصبح القصة منفتحة على أزمنة متعددة الحاضر والمستقبل وعلى جغرافيا واماكن مختلفة،على اماكن حاضرة مثخنة بالجراح والألم والمعاناة ( نقلوه الى معتقل اخر وقد كانت زوجته تزوره باستمرار الى ان حدثت اضطرابات داخل السجن فرموه في المستشفى وهو بين الحياة والموت).

وبما ان كل قصة من قصص المجموعة تصب في الدعوة الى ترتيب العالم على الخير والحق والجمال و تنبهنا على اشكاليات مثيرة للقلق، اقتصادية ، اجتماعية،  ثقافية ، سياسية يقع فيها العالم المعاصر، فان هذه القصة تنبهنا هذه المرة إلى خطر آخر من الأخطار المحدقة بعالمنا، ألا وهو الخطر المتمثل بالاشكال الفضائية الغريبة، بحكم هيمنتها على الانسان ، وان هذا يحيل حتما الى ما يتعرض له الانسان المعاصرمن الضغوطات والقمع والاستبداد فيتحول كل ما حـــــوله الى حصار يخنق حريــــــــته و يدفعه الى حالة من الاستكانة والخضوع.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

نبوءة فرعون – وسن مرشد

وسن مرشد   توظيف التراث الشعبي وأهميته، قراءة في رواية “نبوءة فرعون”لـ (ميسلون هادي) يعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *