أنا الدليل.. أنا اضيع .. السعي إلى عالم أكثر أمناً
ايمان عبد الحسين
– May 30, 2016
جريدة الزمان
انطلاقا من رؤية تنبثق من واقع قائم على هاجس الخوف ، واقع حياة تتلاشى فيها الرحمة والرافة والذي جبل علي تدمير اصغر المخلوقات حينما يكون التدمير والقتل يصب في غائياته النفعية ، وليس ثمة من شك في ان هذه الاشكالات كلها لا يمكن ان تنتهي الا بالحب(قلبان اذا اتحدا سينجوان من كل شر) تلك ،هذه الافكار التي يلخّصها موضوع القصة التي نحاول قراءتها هنا والمعنونة(انا الدليل انا اضيع) والذي سعت القاصة ميسلون هادي ان تستعرضه في حيزها المحدود على مدى تسع صفحات لا غير تمتد من الصفحة27 وحتى الصفحة35 ، من المجموعة المعنونة بابا تور ماما تور الصادرة بالقطع المتوسط عن (دار الشؤون الثقافية العامة ) ،واننا اذا ما اذا ما حاولنا تتبع دلالاتها، وفك شفراتها الرامزة، منذ العتبة الأولى المتجسدة في العنوان نستشعر فيها ان القاصة تحاول قيادة توجيه الانتباه إلى المكان الذي تتمركز فيه دلائلية القصة والذي نجد انه لا يحتاج الى كبير عناء من القارىء ليدرك أن الخطاب الذي يتمظهر فيه هو حتما خطاب يوجهه ويضعه امام اشكالية المفارقة الذي تنبنى على التضاد الذي يكمن في الربط ما بين كلمة الدليل والضياع الذي وجودها نفي للاتجاه الصح ما تدخله هذه المفردة في علاقة تضاد مع المفردة الأولى، الذي تحيل فيه الى اعطاء صورة الارشاد والتوجه المطلوب في حين تحيل المفردة الثانية الى حالة التيهان الذي تحاول القاصة تسليط الضوء عليه والذي تتضمّن صورا دلالية دالّة ومتمحورة حول المسألة القيمية في فكر القاصة وفلسفتها ،وان العنوان مثله مثل المتن والإخراج الطباعي والإشارات جميعها تمثل رموزا وادوات لفك شفرات القصة واستنطاق النص القصصي، وهذا ما يجعل الدراسات النقدية الحديثة تعده جميعا مفتاحًا مهمًا في دارسة النصوص المغلقة وما تجعل المؤلفين يحرصون أشد الحرص على العناية باختيار تشكيلاتهم الطباعية، والذي نجد ان القاصة هنا في تجسيدها الاسطر المكررة من النقاط في نهاية القصة يعد جزءا لا تتجزأ من خطاب القصة،والذي القاصة تحاول التاكيد فيه من ان على الرغم على كل ما قيل في القصة فان هناك اشياء ما تزال غير مذكورة ، وهي نهاية تماثل ما يصطلح عليه علم الأسلوب بِـ “المفاجأة الأسلوبية” ، فالقاصة ميسلون على مدارهذه القصة وعلى مدار قصص المجموعة جميعها وهي تحاول أن تشتق من مسارات تختلف فيها الموضوعات بصرف النظر عن التقائها في مغزى واحد من خلال ثنائيّة تسعى فيها إلى تبيان الاختلاف ما بين الشخصيات في الواقع وفي الخيال ،الذي الحديث عنه يتضمن سلفا الوصف الغرائبي البعيد عن المالوف الذي يختزن الكثير من احتمالية الإدهاش والذي اولته القاصة اهمية لانه يسمح بتفصح دقيق للصورة التي تريد نقلها والتي في اعتقادي انها تعرف حق المعرفة، الجهة التي تريد التوجه اليها وتعي كل حركة من الحركات التي تريد طرحها ، اضافة الى قدرتها على رسم الصورة والدخول في منحنيات لكلا الجانبين على السواء ، اذ انها تحاول في كلاهما إيصال الشحنة الانفعالية الآنية بالحدث، من ذات القاصة إلى القارئ، ولإدراك القاصة مدى اهمية الوصف في نقل الصورة تحاول في هذه القصة التاكيد عليه باعتباره يمثل حركة توجهنا نحو معرفة الآخر، ويقربنا من واقعه ، ثم لمعرفة البنيات العميقة المتخفية وراء البنيات المتمظهرة فورمونولوجيا، عبر وصف الملامح الخارجية للشخصية وما تشير هذه الاوصاف من معان ضمنية، والذي لا تتوقف القاصة عند الإحالات إلى الوصف فقط ، بل تفتح الوصف على سيل من المقارنات المختلفة الذي تكشف فيه هذه المقارنات عن الجوانب السلبية والايجابية لكلا الجانبين كي تطرح الصور المتنوعة بين الفضاءات المتباعدة والكيانات المنفصلة، وان على الرغم من اختلافهما في المعنى الا انهما في العمق يمثلان جزءا لا ينفصل عن المغزى النص القصصي، وان الاختلاف الذي هو رهين اختلاف الواقع والخيال يكون الخيال فيه هو الاداة التي تحاول القاصة من خلاله فضح الحاضر، متخذه منه وسيلة لتوضيح الواقع الذي يكون في اغلب القصص إضاءة تضيء جوانب معتمة من الواقع المعاصر ، (هذا الانسان لو تعلمون اكثر الكائنات اجراما على كوكب الارض يدوس على النملة بدم بارد ولا يدري انها اكثر نزاهة منه واكثر استحقاقا منه للحياة لانها تعيش بتناغم مع هارموني الطبيعة)،(تخليص الكون من هذا الكائنات التي تاكل كثيرا وتثرثر كثيرا وتضجك كثيرا وتطلق الكثير من الغازات السامة على طبقة الاوزون)، (ذلك الانسان لكي يعيش ليقضي على كل جذوع الاشجار ولحوم الحيوان المسكينة التي يربيها ثم ياكلها ويلبس جلودها انه ملا الارض بالفضلات والتهم كل ما عليها من زرع وحيوان فهل عرفتم سلالات حقيرة مثل هذه؟)، ما نرى من المقاطع السابقة ان القاصة تحاول رصد شكل الحياة في ظلّ واقع مبني على الخوف، الخوف الذي ما دأبت عليه في اغلب قصص المجموعة من طرح فكرته عبر اشخاص مجهولين غير مرئين والذي تحاول من خلاله المراجعة النقدية و طرح الاشكاليات التي تواجه الانسانية والذي يبدو ان هؤلاء الاشخاص فيه منشغلون بتجميع الاخبار عن الاخر البعيد عنهم (ان معاطفهم ثلاثية الابعادقادرة على جعل مرتديها غير مرئي للناظرين وكلهم يرتدون هذه المعاطف المصنوعة من النانوانها تعكس الضوء وتجعل اجسامهم غير مرئيةوبمساعدة تلك المعاطف يستطيعون التاثير في انتشار الموجات الضوئية وتحويلها الى مسارات جديدة ولديهم هذه الشبكات السمية ايضاانها تصنع الموت ايضا للكائن البشري) . تاسيسا لما سبق ان اول الرهنات لوجود هذه المخلوقات ومدى فاعليتها وقدرتها على الاشتغال مرتبطة في اغلب القصص في اعتقادي في بعدها القيمي الاخلاقي وانها تحضر في اغلب القصص من كونها ادوات للتحليل و أدوات للمساءلة والمراجعة، تحقق في حضورها تفسيرا للواقع من مبدإ الخيال بما يجري عليه من صور إلى مبدإ الواقع بما تفرضه عليه القاصة من صور وكلا منهما تحاول القاصة صوغ جانبه في ألفاظ مختلفة (اعطينا اكثر من فرصة لانسان الارضي هذا الكائن المزعج لكي يكف عن ضوضائه وضجيج مكائنه وكهربائياته والياته الماشية تحت طبقات الهواء النقي فعلنا ذلك من خلال ارسال الفكرة تلو الفكرة قلنا له من خلالها ان العدل موجود عندنا وننتظر ان يكون موجود عندكم قلا تلوثوا الهواء النقي بااوساخكم)،فلا شيء يحفّز على التفكير والاندهاش قدر الاوصاف التي تضعها القاصة هنا في سبيل لفت انتباه قارئها، والتي تدخل كلها في إطار الانزياح عن المألوف ، كما اكدنا عليه في اكثر من موقع من انه لم يكن حكرًا على هذه القصة فقط بل نجد صداه في قصص أخرى تطمح من خلاله القاصة إلى تفسير الواقع من حولنا؛ ذلك من اجل المساهمة في تقديم رؤية جديدة أو اجتراح مساحة كانت مستبعدة ولا سيما في الادب العراقي في الوقت الحالي وهي الامتاح من الخيال العلمي عبر صور وصفية غرائيبة، بما فيها من عنصر المفاجأة يلتقطها خيال القاصة ببراعة محاولة عقد أواصر ما بين الانسان الارضي والانسان الاخر صور، تجمع بين المعنى الحسي، والمعنى الذهني ، فتشتمل على العمق والسطح معا بما تحويه من اختلافات بين مسالك الخيال وأدواته ومسالك العقل وأدواته في فهم هذا الواقع،بعبارة اخرى ان القاصة في محاولتها توظيف احكامها النقدية في الاستعارة من واقع اخر مختلف تماما يتراوحان فيها كل وجه يقوم و يتأسس على جملة من الاوصاف التي تُعدّ مفاتيح لرؤية هذا الجانب الذي ينتج كل منه رؤية معارضة للجانب الاخر ،وان هذه المواجهة بين الجانبان والحدود القائمة بينهما هي التي تشكل للقاصة فلسفتها ورؤيتها للواقع والحياة ،وفي اعتقادي ان القاصة في النقل من جانب الى جانب اخر مناقض يمنحها صلاحية اكبر لقول ما تريد قوله ولكي لا تكون حبيسة ببعد واحد فقط وان هذا التنوع قد منح القاصة حرية اكبر في الوصف تتعلق بكيفية الاستعارة والتوظيف؛ وأعطائها توظيفات جديدة في حقول معرفية مختلفة مستثمرة الاوصاف الغريبة والمثيرة لكي تطعم قصتها بالتنوع وان لا تجعل القارئ يشعر بالنمطية والملل وان هذا الاتجاه الى طرح التناقضات اضحى هاجسا في اغلب القصص وفي هذه القصة ايضا.
- القصة من مجموعة ماماتور باباتور وهي قصص من الخيال العلمي