ألم تنس شيئاً قبل أن تخرج؟ إضمحلال المشاعر الإنسانية
– August 30, 2016
جريدة الزمان
ألم تنس شيئاً قبل أن تخرج؟ إضمحلال المشاعر الإنسانية
ايمان عبد الحسين
عديدة هي القصص التي عالجت الجانب الاخلاقي والقيمي للحياة المعاصرة والمستقبيلية في المجموعة القصصية (ماماتور باباتور) ، للقاصة العراقية ميسلون هادي الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة، والتي جاءت في 111 صفحة، من القطع المتوسط، وكثرة هي القضايا التي تناولتها والتي اهتمت بانعكاسات الحياة المعاصرة على مسار حياة الشخصيات،وان الاهتمام في هذه الجوانب على مدار القصص ليس من اجل التكرار بل من اجل التاكيد الذي يجعل القارىء يتعلم ويتاثر، ورغم ان القاصة في كل قصة من قصص المجموعة تحاول التنوع في الشكل والمضمون، وتحاول ابتداع وسائل وطرائق وتقنيات متعددة ،تسعى فيها الابتعاد عن النوع التقليديّ الذي تقدم من خلاله قصصا نمطية محددة، الا ان على مدار المجموعة تبقى هناك وحدة في الرؤية تسهم فيها القاصة على بلورة موقفها من العلم، وفقا لرؤية يشوبها الحذرمنه والتشكيك في كيفية انعكاساته على دواخل البشر اجتماعياً وسياسياً ونفسياً ومحاولة التعبير عن هذه الانعاكاسات تعبيراً فنيّاً.
ففي اطار اهمية العلم من جهة وما يسببه من الاشكالات من جهة اخرى، لا تكاد تخلو قصة من هذه الرؤية التصنيفية الضمنية التي يستشفها القارئ من متابعته للقراءة او واضحة تسعى القاصة اعلانها بصورة مباشرة ، وان وما اردته القاصة في قصة (الم تنس شيئا قبل ان تخرج ؟) التي نحاول قراءتها هنا معالجة فكرة محددة فحواها الحياة المعاصرة وتاثيرها الذي ينحصر في علاقة المراة بالرجل ، ومحاولة فضح وتعرية حقيقية الفجوة القائمة بينهما، والتي نلتمسها في سياق عرضها الاسباب التي تتشظى فيها هذه العلاقة، فالقاصة تحاول على مدار القصة امداد القارىء بتصورات تساعده على تشخيص وكشف وطرح اشكالية زمن يبدو فيه السيادة للجفاء وتناقص القيم الانسانية، نتيجة المنعطف الذي تشهده منظومة المتغيرات الأخلاقية، التي برزت بعد التقدم العلمي ، الزمن الذي بدا فيه الإحسـاس بالغربة عن الذات يتفاقم ما يضحى الشـعور بالمرارة، وانكسار الروح موجود باستمرار ، فأصبحت العلاقات الانسانية تضمحل وتتقلص والمشاعر تهتز فتجد المراة نفسها أمام كم من التصورات تجهد نفسها لفهمها وتبقى تراوح ما بين الشك واليقين ازاءها ، وان وهذه السلسلة من المعضلات كما قلنا سابقا ، لا تنفرد في قصة واحدة في مجموعة القاصة ميسلون (هادي ما ما تور بابا تور) انما نجدها مبثوثة في ثنايا القصص جميعا .
نقل افكار
ونلاحظ ان القاصة ميسلون هادي تحاول في هذه القصة الاحتكام إلى المشاعر والأحاسيس النفسية ونقل الأفكار التي تكمن في جوانيتها، وتعبرعن كينونتها الإنسانية حتى نشعر بصلة قربةٍ ضمنيةٍ بين اراء القاصة الرافضة لهذا الجانب السلبي والذي تبدو اولى الإشارات الدالة يحددها العنوان الذي يعد مؤشرا اولىا لمراحل القراءة يمهد لما سياتي لاحقا في المتن، فهو حسب الناقد، جميل حمداوي المولد الفعلي لتشابكات النص وأبعاده الفكرية ، وان القاصة ميسلون جعلت من عنوان القصة هنا نافذة يطل بها قارئها على قصدية ما تريد قوله، من خلال صيغة التساؤل التي تطرحه على لسان بطلتها و الذي تثير فيه فضول القارىء وتكشف فيه عن مرارة نسق اخلاقي وانساني لزمن أدركت القاصة اخطائه، التساؤل الذي تطرح في بعده قضايا مستقبلية في غاية الاهمية لديها ،اهمها القضايا التي تتعلق بصور الحياة المستقبلية القادمة التي يشوبها في نظر القاصة الفراغ الروحي ، القاصة الرافضة هذا العصر تحاول على امتداد القصة الانزياح عن ميكانيزمات الحياة القادمة وتوجهاتها، عن طريق رصد نمط السلوك والاستعارات التي تزيف مكانة العلاقات الانسانية والأحاسيس والمشاعر فيها ، من خلال تمثيل الوضع الذي يعيشه زوجان في بيت يفتقر الى المشاعر الحميمة، وضع تبدو فيه الزوجة تعاني الاغتراب في ثنائيات ما بين المحبة والجفاء حينما يندر الحوار مع الزوج وينعدم، ما يعني سيطرة الصمت، اي اشبه من وجود قطيعة بينهما والتي نرى اي عبارة وتفاصيل صغيرة داخل القصة هي ادوات في أساسها تنير عالم القصة, و ترسم حدود الشخصية الرئيسة في إطار علاقاتها مع ما يحيط بها من مكونات، وان التفاصيل الصغيرة تعد احد الادوات المهمة التي تعكس الصورة التي تريد طرحها، وهذا ما نلحظه في هذه القصة من العلامات الدالة التي تحاول القاصة رسم معاناة شخصيتها ووحدتها من خلالها فنتوقف في هذه القصة عند ثلاثة من المفردات الشكلانية التي تمثل رموز اساسية تستخدمها القاصة كمعادلا موضوعيا لحالة صراع بطلتها فتعطي من خلالها صورة واقعها وتنير جانبا من صراعها النفسي الذي تعيشه في اطار تجربتها الحياتية اليومية ، وان هذا الاسلوب في الطرح يمثل خاصية تميز القاصة وتنبيء بتواجدها في كتابتها عامة ، الذي تحاول جعل كل قصة مكتظة بالرموز التي تعيد بناء الواقع من خلالها على نحو فني، وهذا يكون ضمن السياق الذي يوضع فيه، فالتفاصيل التي في هذه القصة لا تكف عن ان تكون مجرد خلفية انما توظف توضيفا متصلا بحياة الشخصية ، اذ ان القاصة في استدعاها هذه الرموز الثلاث من اجل استخلاص ما تريد طرحه من خلالها فثمة رمز يتجلى واضحا وتستحضره القاصة لتصوغ فيه حالة الصمت ما بين الرجل وزوجته عبر التحدث من خلال جهاز الاتصال الداخلي (فضلت ان توفر على نفسها عناء الصياح وان تحادثه من خلال جهاز الاتصال الداخلي ضغطت على زر الجهاز المثبت على لوح الشاشة المرئية فظرت صورته على الشاشة وهو في غرفته يخلع بدلته الهوائية)، كما يبرز بوضوح من خلال استخدام الكود المغتاطيسي ايضا(لا ينفتح بذلك الشكل الالي الا لقلة من الناس مكونة من الرجل وزوجته وبعض اقاربهما ممن يخصهما الزوجان بكود مغناطيسي خاص يشبه في وظيفته كلمة السرالتي كان الناس يستخدمونها اثناء الحروب والاجتماعات السرية) ،اضافة ايضا ان الامر لم يقتصر على هذين الرمزين فحسب انما رمز الفرن كان له دورا مهما في طرح نوعية العلاقة من خلاله اذ نلاحظ ان القاصة عندما اردات التكلم عن اتساع الهوة بين الرجل والمراة اتخذت من برودة الفرن وسيلة استعارية تحاكي العلاقة فيها (اغلقت الزوجة مفتاح الاتصال ثم ضغطت على زر صغير في الجدار لتوقف من خلاله فرن الماكرويف فانطغا الضوء الاحمر المتوهج وسرعان ما برد الفرن وانكمشت في داخله الاطعمة واطباخ الحساء وتبدد اخر ما تبقى من الحرارة )، ومن اللافت للقارىء موقف الرجل الذي يبدو هو صاحب القول والفعل، والمراة تلعب دورا يضعها في دائرة ضيقة مغلقة تنظرالى الرجل باعتباره الاساس الذي بدون متطلباته ليس لها عمل اخر فالزوجة تبني حياتها وتحدد مصيرها وواقعها وفقا لحياة زوجها فهي ليست الشخصية المحورية في حالة الفعل، بل عنصراً منفعلاً يتلقى نتائج ما يجترحه الاخر الزوج من أفعال (تمنت لو انه يكون لها في حياتها ما يشغلها سواه هواية اخرى تهتم بها غير الاعتناء بمزاجه والنظر في طلباته وانتظار الساعة التي يشتاق فيها اليها وفكرت لو كان في حياته امراة اخرىلكان الامر اهون بكثير من هذا الهاجس المتسلط الذي ياخذه منها ) ، ذلك الزوج الذي يرجئ ادق المشاعر الانسانية من اجل اموره الخاصة بعد حصوله على جائزة القرن للابداع هنا ، فينسى تقبيل زوجته مما تعاتبه في دخيلتها وهذا يتوافق مع ذهنية العالم الذي يعمل حسب متطلبات المصلحة بعيداً عن الاحساس بمشاعر الاخر ما يضحى مناخ البيت لا فيه ألفة، ولا محبة، (فكرت مع نفسها انه لم يقبلها عند عودته من العمل وها هو يخرج الان دون ان يقبلها كذلك). تاسيسا لما سبق ان ابرز ما راهنت عليه القاصة والروائية ميسلون هادي في هذه القصة وفي غيرها من القصص هو ما شهدته الحياة من التغيرات والقفزات في توجهاتها ومفاهيمها وأدواتها ومحاولة استثمارها للخيال العلمي عبر اقامة وجهة نظر نقدية تنحاز فيها اولا واخيرا للحياة الطبيعة العادية التي تنمحي فيها القطيعة الاجتماعية في المشاعر الانسانية.
- القصة من مجموعة ماماتور باباتور وهي قصص من الخيال العلمي.