الشخص الثالث – نادية هناوي

تواتر الزمن وثبوت المكان

07/06/2011 د.نادية هناوي سعدون
قصة (البيت) واحدة من مجموعة (الشخص الثالث) القصيرة لميسلون هادي وهي مجموعتها القصصية الاولى والصادرة عن منشورات مكتبة الدار القومية ، بغداد 1985.
وتحتفي القصة بالمكان (البيت) ومتعلقاته الشيئية الكرسي والمدفأة وتفتتح كالآتي: كانت الكراسي المتحلقة حول المدفأة النفطية تشكل دائرة منتظمة توحي بانها مكان لواحدة من تلك الجلسات العائلية التي لاتخلو منها ليالي الشتاء الجميلة..ص 25
وللشخصيات علاقة حميمية بالمكان فسرمد الشخصية المحورية لا نراها الا وهي تحت وطأة تأثير البيت واثاثه، ويتضح ذلك التأثير في المونولوجات الداخلية التي ينقلها لنا السارد، فكر سرمد مع نفسه: لابد ان هذين الكرسين المتلاصقين اكثر من غيرهما مقعدان لمها وسناء فهما صديقتان  حميمتان جدا ولهما دائما احاديث لاتنتهي يتبادلانها بصوت خفيض لايسري الى ابعد من مسمعيهما (من يدري لعله تركهن ومضى راكضا مع اول دقة رن بها جرس الهاتف بل لابد ان هذا ماحدث فعلا ولان كرسيه قد انقلب هو الآخر على الارض وهو ينسحب منه مسرعا لماذا التفت اليه هكذا).
ولأحمد كشخصية ثانوية علاقة نفسية بالكراسي (هو ذا احمد منطلق كالسهم لايلوي على شيء ولايلوي عناده شيء)… ومن سواه لايحسن اعادة الاشياء الى ترتيبها الاول بعد استعمالها هذا العابث الكبير كيف ضمته مع البنات جلسة واحدة وهو الذي لايطيق الجلوس في مكان واحد اكثر من دقائق معدودة ..ص25
ويغلب السرد الموضوعي بضمير الغائب(ابتسم سرمد لهذه الفكرة التي سرعان ما جسدتها الرغبة في خياله صورة حية لاخيه الصغير وهو يعقد اكمام كنزته الصوفية دون ان يلبسها حول عنقه ممسكا بها بيديه او تاركا اياها تتدلى باهمال على صدره كما يفعل مراهق مشاكس) ص 25
كما يعمل الوصف على تجسيد تلاقي الكرسي والمرآة المعلقة على الجدار ليشكلا المركز في السرد (اقترب منها اكثر وهو يحدق في ملامحه عبر مسافة قصيرة جدا انه يتردد ان يفعل ذلك الان مع مرآته خشية ان يكتشف غضونا جديدة على الجبين او خطا صغيرا تحت العين) ص 26.ويأخذ السارد في وصف ملامح وجه سرمد عبر مونولوج داخلي (وسامتي ام براعة المصور اما سرى فيقول عنها سرمد سرى قالها مع نفسه وهو يجد فوقه مخلفات مبراة الاقلام رقائق خشبية ملتفة وبرادة رصاص ناعم) ص 26 مع توظيف الوصف (الغرفة التي كان دفئها يتسلل برفق الى داخله وضوؤها المائل الى الشحوب يضفي عليها سحر الليالي الجميلة التي لم تزل عالقة في ذهنه ص)25.
وهنا تحصل مفارقة زمنية فبدلا من ان يستمر الراوي في سرده بالضمير الغائب بزمن استرجاعي خارجي نراه يقفز الى زمن ابعد من ذلك مرحلة سابقة لهذا الزمن المسترجع زمن متواتر بحسب جينيت .. وهذه المفارقة قطعت خط القراءة لدى القارئ (عندما وصل سرمد الى المنزل ادهشه حالما وقعت عيناه على باب البيت ان يراه مقفلا وهو الذي لم يعد نفسه ولهفته بمنظر كهذا ولكنه حدس ان المنزل خال من الضوء المشتعل في سقف المرأب) ص 27.
ويبدو ان القاصة ارادت من اعتماد تواتر لحظات الزمن (وبعد ثانية) او (اقل) (بسرعة البرق) الا يكون له حدود في منظور الشخصيات وهذا ما حقق تفاعلية مع المكان/ العنوان (البيت)

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *