أقصى الحديقة – صفاء ذياب



القاصة والروائية ميسلون هادي فـي (أقصى الحديقة)
بغداد ـ صفاء ذياب جريدة الصباح 1-10-2013
في الصباح المتأخر..وقت الضحى.. ينفض التجاعيد عن ملابسه ويتمطى كما تفعل القطط بعد الاستيقاظ من النوم، ثم يرتديها على عجل ويخرج إلى الشوارع هائماً على وجهه.. عاطلاً عن الكلام ومطلاً من نافذة السيارة على العالم مثل طير يرى العالم بلا أسماء ولا صفات.. يرى الشوارع الطويلة مليئة بالبط.. والصغيرة منها شاغرة من البط.. والمياه الآسنة بحيرات، والواجهات بيوت نمل.. والدخان هواءً.. والغيوم وسائد وسخة”.تدوّن القاصة والروائية ميسلون هادي حياة أشخاص في قصصها الجديدة كنماذج لناس ومدن غيّرتها الحروب، وأكلتها شائعات الموت الكاذبة والحقيقية. ففي هذا المقطع من قصتها التي تحمل عنوان المجموعة (أقصى الحديقة) نلمس ذلك بوضوح، بعد أن اشتغلت على استعارات شعرية مكثفة ومباشرة في الوقت ذاته، إذ تتشمم من لغة هذه المجموعة روائح ما يحدث في شوارعنا وبيوتنا الآيلة للهرب.
25 قصة قصيرة ضمتها هذه المجموعة بعد أن قدمت ميسلون هادي خلال السنوات الماضية عدداً مهماً من الروايات، منها “حفيد البي بي سي”، “شاي العروس”، “حلم وردي فاتح اللون”، وغيرها من الروايات. هادي التي بدأت كقاصة، ومن ثم كتبت الرواية، والآن تقدم الاثنين معاً بلغة متقنة وبفنية عالية.
تتحدث هادي، في حديث لها مع “الصباح”، عن تقنية السرد في هذه المجموعة واختلافها عن المجموعات والروايات السابقة، قائلة: “كانت أعمالي القصصية السابقة تستعمل تقنية الإيهام، للتخفيف من عبء فقدانات الواقع وفتح نافذة على حديقة الحلم، ولكني في هذه المجموعة حفرت في حديقة الواقع نفسها، ورسمت الدوائر على التربة بعود يابس، للبحث عن الذبذبات التي تنطلق من المجال المغناطيسي لكائنات لا تريد تسلق العود أو الوصول إلى نهايته فتتظاهر بالسكون للهرب من الخطر، مثلاً هناك الطفل الذي أضاع ممحاته ولم يستطع أن يصحح الكلمات التي أخطأ بكتابتها في درس الإملاء، هناك الكومبارس التي لا معلومات لديها عن دور الملكة الذي ستقوم به. هناك رجل في مشرحة لا يتحرك طبعاً. والكل يتساءل هل هو حيدر أم خطاب؟ هناك عجوز تجلس في الصف الأخير وتخرج قبل النهاية، الكرسي المحدد هو مكانها الذي لا تفارقه، يتذكر الجميع اسمها ولا تتذكر هي اسم أحد.. تغلط كثيراً بالأسماء، ولكنها لا تدري أنها تغلط بالأسماء، هناك انتصار التي هاجرت من جنات جرمانة الى جنات البط، ووصلت إلى كندا بجواز سفر مزور، ثم بعد سنوات أصابها العمى والزهايمر وهشاشة العظام، فحدث لها ماحدث في بيتها المطل على متنزه مقبرة الكلاب، هناك جميلة التي استطاعت أن تقطع آلاف الكيلومترات خلال عشرين ساعة بين بغداد وعمان ثم تعود لتقطعها مرة أخرى في اليوم التالي بين عمان وبغداد، وهناك هانئة الوحيدة التي كانت بين إخوتها بأنف كبير، وكانت تبدو لمن يراها من بعيد أكبر من سنها بكثير، فراحت تراجع مع نفسها علاقة المظهر بالجوهر وتناور بينهما، وهناك عبود الذي يتكرر في صورة الضابط والحارس وصاحب البيت، وأيضاً توتة اللعينة التي لا يفهمها أحد إطلاقاً، أما حديقة الزهور فلن يراها سوى إسماعيل ياسين”.
وعن انشغالها بالواقع العراقي وتدوينه سردياً، تشير هادي إلى أنها أحياناً تتحمس للواقع كثيراً وتشعر بأنها معنية بل مهمومة به، وبتقديمه بالصورة التي يجب أن يكون عليها. وأحياناً تستخف به وتحلق فوقه قليلاً، فتكتب في الفنطازيا أو الخيال الجامح أو الغرائبي. في الحالين هناك قاسم مشترك لا تستطيع التخلي عنه، وهو التشبث الخفي ببساطة الحياة، ونبذ المبالغات التي أصبحنا نعيش فيها سواء في العقيدة أو الاستهلاك أو التكنولوجيا.
وتضيف: “المجموعة الجديدة فيها خليط لعدة شخصيات، هي وإن كانت تبدو واقعية، ولكنها تهكمية، وفيها تلوينات على قماشة بدائية تتبنى خللاً ما في شخصيات القصة تجعلها تتعامل مع العالم على طريقتها الخاصة أو (الغشيمة) حيث لا تستطيع الجزم بمن تكون، ولا تعرف كيف تدرك ما تريد، وإن أدركته سيبدو أضعف وأقل مما ينبغي أن يكون عليه بملايين المرات، ولكنه بالنسبة لهذه الشخصيات مكتمل داخلياً، لأنه بعيد عن الانطباع الذي يكَونه الآخرون”. وتبيّن هادي أنه في الأغلب تحاول في تلك القصص، التقاط ذبذبات تحيط بها فقط والاستقلال قليلاً أو كثيراً عن وظيفة الكاتبة الموجودة في مكان ليس لها.
المجموعة صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، بـ 208 صفحات من القطع المتوسط.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداء.

ميسلون هادئ……غزارة الإنتاج وبراعة الأداءمن الأحداث الفارقة والمائزة في حياتي،هو اللقاء بالروائية المبدعة ميسلون هادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *