تداع حر للمخيلة وسرد لواقع متكرر
16/11/2014 صباحا جريدة الصباح «أجمل حكاية في العالم»..جديد ميسلون هادي بغداد – امجد ياسين بمبضع خبير، وعبر استعارات شعبية غائرة في الحياة اليومية، مست رواية ” أجمل حكاية في العالم ” للكاتبة ميسلون هادي المنشورة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في لبنان 2014 الوجع العراقي، مستثمرة ارتباط الذاكرة بالواقع، في إشارة إلى غنى منابع الروح العراقية الأصيلة. ومستثمرة الحكمة والسخرية أسلوبيا، لتكون روايتها عراقية بامتياز، فمن خلال ( فلاش باك) تنقلت بين انواع سردية معاصرة، تجلت فيها روح السخرية، وعبر استحضار الشخصيات المختلفة التوجهات من خنادق الحروب، أوسعت ثوب الرواية، وعمقت صلتها بالواقع. فكانت شخصيات الباحث، الشاعر، “القجقجي”، المطرب، الى جوار الفيلسوف البيتوتي الذي يميل الى البلادة. كما أغنت أسلوبها بالنكته والكوميديا، مقلدة وشاح الماضي لأسماء عدد من شخصيات الرواية مثل: طاووس وغزالة وأصايل وطه وفيصل، دلالة على زمن ومزاج مختلف حضرت فيه المفردات البغدادية الشعبية كـ” تنبل، انلاصت، سركي، شقندحي، طرطور..” والمفردات المهملة الطافية على السطح مثل: الأغاني الهابطة والغجر والراقصات والملحنين الفاشلين … البناء الدرامي أنتجت الرواية شبكة من العلاقات بين الداخل والخارج، تمثل: الداخل بحركة منفتحة على الأحداث، كأجواء الباص والحضور الملفت للشخصيتين”حسن” و”دافع فكري” أما الخارج، فتمثل باستحضار حياتهم الماضية، ليشكل هذا التضاد الداخل/ الخارج، بذرة حياة رفاق حسن الخمسة المتخيلة، راسمة،أي الكاتبة، حيوات متنوعة تحيطها اسر واصدقاء ويوميات.. كان للانتقالات السردية، عبر التداعي الحر في بناء حواضر الشخصيات، أثر في إغناء بنية السرد، مشكلا تيــارا فنتازيا ســـاخرا. وكون اختلافا في بنية الفصول. فالفصل الأول والرابع ظهرا في سياق غير سياق الفصلين الخامس والسادس، بينما امتاز الفصلان الثاني والثالث باستثمار مكثف للمفردة الشعبية. أما الفصل السابع الذي رسم صورة حسن الباحث الاجتماعي “المؤدب ” فقد كان متأرجح البناء ومتأخرا.. اختارت الكاتبة في الفصل الثالث الذي حمل عنوان “مأمون الشاعر”، أسلوبا معاصراً، وهو المزج بين التناص والسخرية، إذ افتتح الفصل باستذكار مطول لقصة خال” دافع فكري” التي شكلت منطلقاً لرسم شخصية مأمون الشاعر، وعبر تناص ومشتركات، قدمت شخصيات مهزومة، مترددة، تجيد المحاورة، وشكل الصمت بينها علاقة وثيقة، بينما عجزت الشخصيات عن محاورة الحياة. كما بنت الكاتبة من هذه الخلطة الأسلوبية، شخصية مأمون الشاعر. فكان الفصل الخاص به سردا عراقيا بامتياز. رصدت فيه جوانب من الحياة الاجتماعية والسياسية العراقية وطبيعة المثقف العراقي في فترة الحرب. فضلا عن توظيفها للمفردة البغدادية القديمة( اويلاخ، مخابيل، سركي) المشبعة بالسخرية. استحضار الماضي مرت الرواية بمواقف كثيرة عشناها، فكم من طفل حاول رفع غطاء” صوبة علاء الدين” لتحترق يداه، ومن منا لا يتذكر كارتون “ساندي بيل” أو “شخصية حسنية خاتون”، أو المقدمة أمل المدرس أو خيرية حبيب أو مسلسل “تحت موس الحـــلاق”، والذئب وعيــون المدينـــة. وكم من مهاجر عراقي سيؤيد مشهد “هلس” بطة أو دهسها أو اصطيادها. وظفت الكاتبة كل هذه المعلنات ضمن سياق السرد كصور سريعة وخاطفة حيث تداخلت فيها معالم التغيير الذي حصل في العراق لتشكل منها شخصية ياسين “القجقجي” اللاجئ في أميركا، التي شوهت جسديا نتيجة احتراق السيارة التي تقله وعائلته بعد تعرضها لإطلاق نار من مفرزة أميركية على الحدود، وبطريقة دراماتيكية بين حاضرها وماضيها، أطلقت الكاتبة تساؤلات عدة ما زلنا نسمع صداها، دالة على اشكالية الصراع بين الداخل “العراق” و الخارج “أميركا”، بين الإنسان في وطنه والمهاجر. سرد تفاعلي تنحو الرواية في العالم الحديث إلى البحث عن توظيف حقيقي للمكان، سواء كانت أحداثها حقيقية أو متخيلة، حيث بنت الكاتبة روايتها على الافتراض والتخيل، إلا ما خلا من أسماء المدن والأماكن. لتؤثثها لاحقا بقصص أبطالها الخمسة وحيواتهم التي أفاضت في بعضها، بينما اكتفت بسرد مبسط لفصلي “ناصر” المغني و”فرديريك” المسيحي. كما اعتمدت الرواية في كثير من الأحيان سردا تفاعليا للحدث بتقطع نمطية السرد الخارجي لتعود إلى أعماق الأنا عن “دافع فكري” المؤلف الذي يهوى القفز على الكلمات والجمل ليعيد صياغة معناها إلى آخر(التحشيش). منح هذا الوضع الرواية حرية كسر السرد التقليدي بانفتاحها على تفاصيل حياتية أغنتها بصور جميلة وذهبت بها إلى فرعيات نسجت خيوط الحكاية بسلاسة ملفتة، نقتبس من فصل فيصل الفيلسوف” الأضوية الحمراء في البيت متوهجة أكثر مما ينبغي في العديد من أجهزة الموبايل والتلفزيون والكمبيوتر… انها تخدش حياء البيت” الذي انتهى بمقتله على يد الضابط نعمان صديق ناصر المغني. لم تستقدم الكاتبة إشكاليات فنية كبيرة لتحوك من خلالها أحداثها، إنما اكتفت بإشارات مقتضبة ذكية، أشرت فيها عناصر الخلل في المجتمع العراقي، وكأننا نعيش في الدوامة ذاتها من دون تغيير، وهذا ما حدا بالكاتبة إلى ربط نهاية الرواية ببدايتها وانتهت حيث كان أصدقاء حسن الخمسة ابان حرب العام 1991 ، حائرين، يتلمسون طريق الرجوع بعد وصولهم الحدود التركية إلى بغداد، بينما اختارت الكاتبة لـ”دافع فكري ” أن يركب سفينة النجاة، بدلا عن الخــــوض في التجـــربة ذاتهـــــا. لنتساءل: ترى هل كانت الرواية ستختلف اذا ما بدأت ميسلون بكتابة فصل حسن قبل فصول أصحابه المتخيلة؟ أي بناء شخصية الحاضر والملمـــوس من الغــــائب والمتخيـــل. ان ميسلون انتصرت للحاضر بأن جعلته ختام روياتها ممهدة له بفصل” إضافة لابد منها قبل قراءة فصل حسن المؤدب” حين ربطت بين حكاية حسن ورفاقة بالمؤلف. وهو فصل قالت فيه ميلسون رؤيتها للوضع الحالي أو ما ستؤول له الأمور لنهاية الحكاية . |