وداعاً بائع الكتب سعد محمد رحيم

وداعاً بائع الكتب
د. نجم عبدالله كاظم

حين أخبرتْني ميسلون هادي، وكنت حينها خارج العراق، بأن سعد محمد رحيم في المستشفى وبأن حالته ليست جيدة، لم أتوقع ابداً أن يكون يومه ذاك هو الأخير، فلم أكن، في أواخر المرات التي رأيته فيها، لأتصور أن يغادرنا، فما رأيت مناسباً لهكذا إنسان المغادرة المبكرة، ولكنها مشيئة الله. فبعد انتكاسته الصحية رأيت آثارها عليه حين حضر معنا في الدوحة -تشرين الأول/ 2016- “ظلال جسد ضفاف الرغبة” بجائزة كتارا للرواية، إذ لم يكن يقوى على حمل درع الجائزة، وأتذكر أن الدكتور حسن سرحان الذي كان حينها أحد محكّمي الجائزة كان يساعده في حملها، ثم رأيته في السنة التالية، وتحديداً في تشرين الأول الماضي وقد حضر في كتارا، لتوقيع روايته “ظلال جسد ضفاف الرغبة”، ثم في معرض الشارقة للكتاب في تشرين الثاني الماضي حين كنّا أنا وهو والروائي علي غدير مشاركين في فعالياته، وكان في المناسبتين، وقد استعاد بتصوري كامل عافيته، فرحاً بطفولة حلوة ومزهواً بتفاؤل تقرأه عليه بسهولة، وهو الفرح والزهو والتفاؤل التي تعززت فيما بعد بوصول روايته “مقتل بائع الكتب” للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية. خلال تلكما المناسبتين وبعدهما كانت العافية، بتصوري، بادية عليه، مقرونةً بطفولة جميلة جعلت منه خفيف ظلٍ وحلو معشر في الحديث والمناقشة، حينها لم أجده كما عرفته من خلال ثلاث روايات قرأتها له متميزاً فحسب، بل وجدته أيضاً إنساناً بسيطاً ولكن وراء بساطته كان الامتلاء واضحاً، وإنساناً دمثاً ورقيقاً، ولكن يمكنك أن تلحظ وراء دماثته ورقته جبروت المبدع الذي سرعان ما يستحوذ على انتباهك وإعجابك، وإنساناً تلقائياً، ولكن وراء تلقائيته هناك دقة ووضوح لما يريد في كل ما يتكلم به ويناقشه. كان واضحاً عليه الفرح بالمرحلة الجديدة من حياته، وقد بدأ يرى ثمار ما يزرع إبداعياً، وقد تمثلت في فوزه بجائزة كتارا، وحضوره فعاليات استلامها، وتوقيعها في السنة التالية، ووصول روايته “مقتل بائع الكتب” للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وإصداره في السنة الأخيرة ثلاثة كتب أخرى، رواية ومجموعة قصصية وكتاب نقدي، وتكريم جهات مختلفة له.

في وقفة قصيرة أخيرة عند الكاتب الراحل من خلال روايته الفائزة بجائزة كتارا، وهي بعض من ملاحظاتي المسجّله عنها مخطوطةً، أقول من خلال قراءاتي الكثيرة للرواية عموماً والرواية العربية خصوصاً والرواية العراقية بشكل أخص، أرصد ظاهرتين مع عدم ادّعائي بأنهم عامّتان أو مهيمنتان على الكتابة الروائية، فإنهما يحضران في عدد ليس بالقليل من الروايات، وهما أن بعض الروائيين حين يكتبون يعرفون ما يريدون لكنهما لا يعرفون كيف يصلون إلى ما ريديون، وبعضهم الآخر يكتب وهو لا يعرف، أو كأنه لا يعرف ماذا يريد أو إلى أين يريد أن يصل. في رواية “ظلال جسد ضفاف الرغبة” وجدت الكاتب الراحل سعد محمد رحيم، وكما هو حاله في روايتيه الأخرتين اللتين قرأتهما له، يعرف ما يريد ويعرف كيف يصل إلى ما يريد، وهكذا إزاء ما كان يمكن لغيره أن يقع فيه من تيه وسط الكثير من المسارب والموضوعات والثيمان والثيمات الفرعية التي احتوت عليها روايته، استطاع محمد حسن رحيم أن يقنعنا في كل ما اقتحمته روايته، من الخط الرومانسي، والبوليسية الصعبة، والغموض الجميل، والبعد السياسي وربما البعد الوجودي والكافكوي على محدوديتهما، وغير ذلك، ليثبت، لي على الأقل وأنا أقرأ روايته قارئاً وناقداً، أنه كان يمتلك ما هو أهم ما يفتقده الكثير من الكتّاب، أعني الحِرفيه في كتابة الرواية، حتى وهو يخوض كل ذلك التشابك الذي احتوته الرواية والذي يبرره أن أن وقائعها تقع في زمن غير عادي يجعل من كل شيء من حول البطل، على الأقل من زاوية معنة غير عادي. رحم الله سعد محمد رحيم وخلد أبداعه.

عن fatimahassann23

شاهد أيضاً

محي الدين زنكنة دراسات تطبيقية مقارنة

الكافكاويةفي روايات محي الدين زنكنه أ د. نجم عبدالله كاظمأستاذ النقد والأدب المقارن والحديثكلية الآداب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *