وثيقة شعرية ضد الحرب
اندلسيات لجروح العراق
Contemporary Poetry from Iraq by Bushra Al-Bustani: A Face-page Translation by Wafaa Abdullatif Abdulaali and Sanna Dhahir
(New York: Edwin Mellen Press, 2008).
ميسلون هادي
ترجمة أعمال أدبية عراقية الى الانكليزية, أصبحت مؤخرا من الكتابات التي تهتم بها بعض دور النشر الاجنبية التي تعنى بالبحوث والدراسات وترحب بطباعتها, ولعل ذلك يعود الى ما يشعر به القارئ الاجنبي بشكل عام ,والامريكي بشكل خاص , من فضول حول العراق هذا البلد الذي تصدر اسمه الاخبار لسنوات بل عقود طويلة خلت, ولكنه لايعرف عن ثقافته وحياته الشئ الكثير, لذلك فأن جهود المترجمين التي تصب في هذا الاتجاه, تتزايد بشكل ملحوظ وتجد طريقها الى الطبع من قبل الناشرين في الغرب واخر ما بين ايدينا في هذا الاتجاه, كتاب ( الشعر العراقي المعاصر في العراق –بشرى البستاني) قامت بترجمته الباحثتان الاكاديميتان العراقيتان الدكتورة وفاء عبداللطيف عبدالعالي زين العابدين والدكتورة سناء ظاهر .
الكتاب يقع في 109 صفحة من القطع المتوسط , وصدر عن دار ميلن للنشر في الولايات المتحدة الامريكية. وقد قدمت للكتاب الشاعرة والصحفية الامريكية من أصل فلسطيني ديمة الشهابي ومما جاء في هذه المقدمة:
“ان عنوان القصيدة (أندلسيات لجروح العراق )الكولايدسكوبي(نسبة الى الكولايدسكوب وهي الة المشكال التي تظهر فيها الالوان بشكل متداخل وجميل), هو عنوان يختزن التراث ويتبنى بنية الموشحات والتي تصفها المترجمتان على انها نوع من الشعر المقطعيStrophic الذي ازدهر في الاندلس مملكة العرب الاسلامية التي دامت قرابة 800 عام في اوربا.ان قصيدة بشرى البستاني مكتوبة من 30 مقطع رثائي وتتشابه في بنيتها الظاهرية مع شكل الموشحات الاصلية ولكنها تخالفها تماما في الموضوع فالاولى قوامها البهجة والسعادة والمديح والثانية ,اي قصائد البستاني, موضوعها الحزن والفواجع المزمنة والمتعددة الوجوه للحرب”.
تلك المقاطع الثلاثون تنطلق من لازمة واحدة تستهل به الشاعرة كل مقطع من مقاطع القصيدة مع اختلافات طفيفة وهي(دبابات الحرب تدور) وهو نفسه الذي تفتتح الشاعرة قصيدتها الطويلة به لتؤسس عليه هذه الاسئلة:
“دبابات الغزو تدور
تسائلني الاسلحة العزلاء عن السر
وأسألها عن نبض الفجر
وأجثو عند خزائن بغداد وأشور
أمسك قلبي من وجع التفاح
عناقيد النخل على الاعواد
الكابوس يعاودني
أشهق في قاع الجب
وأبحث عن سيارة أهلي
أسأل غصنين ينامان على صدري
عن سر الجبل الصامت في قلب الصحراء
الشاعرة تؤرخ قصيدتها الطويلة ب30-4-2003 أي في تلك الايام التي كانت فيها الدبابات تدور في الشوارع والحملة الهمجية للحرب تدشن دخوها الى بغداد والموصل وباقي مدن العراق باحراق المكتبات وتدمير المتاحف العراقية ودك ابواب البنوك وفتحها للصوص لكي يعيثوا بها ويحولوها الى خراب :
“دبابات القتل تدور
بغداد
سمرقند
غرناطة تنهد
ثانية يوغل هولاكو في قمصان المدن التعبى
ثانية يقطع هولاكو
شريان الحبر الاسود”
بعد تلك الايام العصيبة التي استيقظ فيها الناس على بلد بلا ساعات ولاأيام ولا قوانين أصبحت التواريخ تجاور بعضها بعضا في تناقض صارخ وفريد من نوعه في التاريخ:
“دبابات الحقد تدور
غرناطة تعدو في قمصان الليل,
يلاحقها الذئب التتري
تصل البصرة
يوقفها الامريكي على السلك الشائك
تزحف غلى ذي قار
بين جذور النخل الممتد من أوتار الحزن بسومر ,حتى قلب النار.”
ولكن الكلمات والاسئلة قد تبقى خرساء أمام العاصفة الهوجاء التي انطلقت من صندوق الدنيا لتنشر الموت فهل من مكان للحلم الجميل وسط الخراب:
“تداهمني عيناك
بريق أخضر يغزوني في عز الليل
أفتح بابي
يدخل عطرك
يكبر
ينشر أجنحة التفاح
تهوي الالواح على مائدة ظمأى
يشتعل الورد برمل الحزن
وأردان النخل
ويغادرني المحتل.”
وتتواصل القصيدة في ترديد لازمة دبابات الحرب تدور ومع كل مقطع من مقاطع القصيدة تتساقط شظايا الحرب وتتحول الصدمة الى صدمات وتتجول الشاعرة بين مفردات العواصف والدم والدموع والصهوات والخيول الميتة ثم تعرج على اسلافها الشعراء كالمتنبي والمعري والسياب وتقول:
“أبو تمام ينشر بائيته فوق ضفاف الكرخ,
الدبابات صدقت في كتب العرافات
انكسرت مقل العذراوات,
الخلجان”
أما السياب الخالد بأغنية المطر فهو يتأمل أحذية الجند الامريكية وكيف يصير “عراق الابنوس” خرائط في كف تطويه وتنشره فيغادر تمثاله شط العرب:
“دبابات الغزو تدور
السياب يشكل رأسا ينزف منه الحلم
ويخطط حوريات تعدو بين النخل
وتشتعل في اذيال النهر النار
تسعى في شط العرب الافعى
في فمها تحمل مفتاحا
تحمل ابليس الى ادم”…
“البصرة تجرح معصمها
كي لاتغفو في زاوية الخندق
والسياب
يرفع فوق شناشيل الحزن
جراح وفيقة
تتبعه الاشجار”
ان الشاعرة وهي تكتب قصيدتها الطويلة(أندلسيات لجروح العراق) غفلت عن قصد أو دون قصد عن فتح كوة للأمل في مكان تدمى فيه القلوب وتبكي بصمت وتنزف بصمت ولعل ذلك عائد الى تاريخ كتابة القصيدة بعد الحرب مباشرة اذ :
“دبابات الحرب تدور
الليلة أكتب حزني
فوق جذوع الجوز
وأبصر صخر القدس
يتدحرج فوق ماّذن بغداد
أخبئ جرحي في قلب ضمير الخيمة
دمع التفاح دم يتخثر في كأس عطشى
نهران يدوران على جيد البستان
يصلان بغداد بعكا
مرهقة بغداد ومجروح معصمها
سر الرمان على وجنتها يذبل في الاصفاد”
ومما يؤخذ على الكتاب باعتباره أول كتاب مترجم يصدر عن الشاعرة , هو تناوله لقصيدة واحدة طويلة بثيمة واحدة هي الحرب, وكان يمكن لهذه الفرصة النادرة تقديم مختارت لمجمل أعمال الكاتبة وأهم النصوص في تجربتها الشعرية المديدة والمتنوعة وقد حاولت المترجمتان ووفاء زين العابدين سناء ظاهر تعديل هذا الميل في المقدمة الوافيةالتي كتبتاها للكتاب والتي تقدم بجهد
بيوغرافي طيب نبذة وافية عن مسيرة الشاعرة وأهم محطاتها الادبية فهي بالاضافة الى كونها شاعرة كتبت الشعر الحر والعمودي ,ناثرة وناقدة واستاذة جامعية وقاصة أحيانا(لديها مجموعة عنوانها هواتف الليل)ومهتمة بأغاني الطفل ولديها عدة قصائد للاطفال معدة للنشر تحت عنوان (النخلة العراقية).وعن أسباب أختيار تلك القصيدة الطويلة لكتاب مترجم بالذات نقرأ ماجاء في المقدمة بقلم المترجمتين:
“لقد شعرنا بقوة بأن قصيدة بهذا المستوى تعاملت مع موضوع مباشر هو الحرب التي شنتها أمريكا على العراق,ستنقل رسالة الى العالم الغربي حيث الحاجة ماسة والرغبة كذلك, لمعرفة الحرب بقلم عراقية مطلعة عاشت الحرب من داخل العراق , ودفعتها تلك المعايشة لتقول كلمتها بصوت شعري”